أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-10-2015
3401
التاريخ: 19-3-2016
4191
التاريخ: 3-04-2015
3663
التاريخ: 7-5-2019
2634
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام يبيّن أنّ زيارة الأربعين إحدى شعائر الشيعة
إنّ إحدى الشعائر المختصّة بالتشيّع، و التي لا يمكن العثور على مثيل أو شبيه لها في سائر الأمم و المذاهب، ظاهرة أربعين الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام؛ فهي من مختصّات التراث الشيعيّ، و زيارته عليه السلام يوم الأربعين من الشعائر الخاصّة بالشيعة، و لم يثبت ذلك لأيّ إمام آخر من المعصومين عليهم السلام، حتّى الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم، فزيارة حضرة سيّد الشهداء عليه السلام في يوم الأربعين، و إقامة مجلس العزاء لأجله مختصّة به فقط دون غيره!
ففي كتاب الإقبال للسيّد ابن طاوس، يروي بإسناده عن أبي جعفر الطوسيّ، و هو بإسناده عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أنّه قال:
علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى و خمسين (و هي مجموع الصلوات الواجبة و المستحبة طوال اليوم و الليلة)، و زيارة الأربعين (أي أربعين حضرة سيد الشهداء عليه السلام)، و التختّم باليمين، و تعفير الجبين (بالتراب)، و الجهر (في الصلاة) ببسم الله الرحمن الرحيم[1].
فزيارة حضرة سيّد الشهداء في يوم الأربعين من مختصّات الشيعة، و قد طرحها الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام بعنوان أنّها شعار و علامة للإنسان الشيعيّ، تماما كما أنّ تعفير الجبين بالتراب هو من علامات الشيعيّ، و كذلك الجهر بالبسملة، و القيام بالنوافل طبقا لتعاليم الأئمّة المعصومين عليهم السلام.
مع كامل الأسف، في هذه الأيّام خرجت مسألة الأربعين عن كونها شعارا للتشيّع و أحد مميّزاته، فانحدرت و سرت إلى سائر الأفراد، من جميع الطبقات
و المستويات، حتّى بدت هذه العادة المتخلّفة و المرفوضة و كأنها سنّة مفروضة في الأوساط الشيعيّة، و بدت شيئا غريبا حتّى بالنسبة لسائر المذاهب الإسلاميّة، و بالطّبع، فقد زالت العلاقة بينها و بين سيّد الشهداء عليه السلام و لم تعد منتسبة إليه، و هذا المشهد الذي آلت إليه مخالف قطعا لمباني مدرسة التشيّع و أصولها الاعتقاديّة، و بعيد عن رضى أهل البيت عليهم السلام.
تتجلى ميزة التشيع في تبعيّة الإمام المعصوم و طاعته و الانقياد له دون بحث و كلام؛ فهم ليسوا كسائر الفرق الإسلاميّة، الذين تخلّوا عن أحد ركنيّ الثقلين الأساسيّ، و ابتعدوا عن عترة رسول اللّه، و تبعوا أشخاصا و أفرادا آخرين، و من الطبيعيّ أنّهم حرفوا أنفسهم عن الطريق الرحب للسعادة و الفلاح، و قبعوا في وادي الضلال و الغواية و المهالك الموبقة، و شيّدوا دينهم على أساس التوهّمات و التخيّلات و الخرافات و بنوا حياتهم عليها بشكل تامّ، و ذلك بواسطة تدخّل القياسات و الاستحسانات و السلائق الشخصيّة، و أوكلوا زمام أمور دينهم و دنياهم بيد الجهّال و المعاندين أمثال أبي حنيفة و غيره، فاختاروا خسران الدنيا و الآخرة.
لأجل ذلك، فإنّ رمز فلاح الشيعيّ و نجاحه، تبعيته لسنن الأئمّة و أوامرهم، فقط لا غير! و ليس له حقّ التدخّل و التصرّف في الأوامر الملقاة من الزعماء المعصومين عليهم السلام مطلقا، و ليس من حقّه أن يخطو خطوة واحدة، أو يتعدّى الحدود المرسومة له في سائر القضايا و الموضوعات، سواء العباديّة منها أم الاجتماعيّة؛ و إن يمض و يتخطّ فسوف يبتلى بذاك الخسران، و يتورّط بتلك المهلكة التي سقط فيها الآخرون.
ينبغي على الشيعيّ أن لا يعمل من تلقاء نفسه، و لا يشرّع أحكاما من عنده و لا يزيد و لا ينقص، بل لا بدّ و أن يحوّل توجّهه و عيناه و أذناه و حواسّه نحو ممشى الأئمّة و مبانيهم، دون أن يعير أيّ سمع لتلقينات العوامّ و إيحاءاتهم، و لا أن يرفع يده عن أصوله و يتنازل عن أسسه، استجلابا للعوامّ و استرضاء لهم، بل يرجّح رضا الله و إمام الزمان أرواحنا فداه، و يقدّمهما على المصالح الدنيويّة و الأوهام و الشائعات و إرضاء بعض الجهلة الذين لا علم لهم بمباني التشيّع.
لم تعد ذكرى الأربعين في هذه الأيّام شعارا خاصّا بالتشيّع
في هذا الزمان، لم تعد قضيّة أربعين سيّد الشهداء عليه السلام ذات اهتمام و امتياز خاصّ، فقد خسرت حيثيّة كونها شعارا و علامة مائزة، و صارت في أوساط العوامّ و كأنّها أحد الشئون العاديّة مثل سائر الأربعينيّات التي تقام على الأموات، و لم تعد محلّا لتوجّه المذاهب الأخرى و لفت نظرهم.
أقام أهل البيت العزاء على سيّد الشهداء في المدينة ثلاثة أيّام فقط
و الملفت هو أنّه بناء على بعض الروايات المأثورة، فإنّ أهل بيت رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم، بعد دخولهم المدينة، لم يقيموا العزاء على سيّد الشهداء أكثر من ثلاثة أيام، مكتفين بذلك على العمل بسنّة رسول اللّه المتداولة في ذلك الزمان. و هذا المطلب موجود في كتاب أخبار الزينبيّات ليحيى عبيدلي، المتوفّى سنة 277 هجري. و الجدير بالذكر أنّ مؤلّف هذا الكتاب من السادات الحسينيّين، و يصل نسبه إلى الإمام السجّاد بفاصلة أربع وسائط، و العلماء أمثال العلّامة الحاجّ الشيخ آغابزرگ الطهراني يمتدحونه و يجلّون منزلته بسبب كتابه النفيس.
حيث يذكر في كتابه أنّه بعد وصول أهل البيت إلى المدينة، قد أقاموا العزاء ثلاثة أيّام و ثلاث ليال، و شارك في ذلك نساء بني هاشم و سائر أصناف الناس[2].
نرى أنّه من المناسب أن نذكر هنا كلام المرحوم المغفور له، آية الله الشهيد الحاجّ السيّد محمّد علي القاضي الطباطبائيّ التبريزيّ، حيث ينقل في كتابه القيّم الأربعين فيما يتعلّق بهذا المطلب:
... يجب أن نشير هناك إلى هذه النكتة، من أنّ أهل بيت الرسالة بعد دخولهم المدينة، لم يتخطّوا آداب الشريعة في إقامتهم العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام و لم يعقدوا المجالس لأكثر من ثلاثة أيّام، و الحال أنّ تعزية سيّد الشهداء عليه السلام متحقّقة على الدوام و دون أيّ تراجع أو قلّة، بل هي سنة بعد سنة. و أمّا بالنسبة لسائر الأشخاص، فقد ذكر الشيخ الطوسيّ (ر ه) في المبسوط: و يكره الجلوس للتعزية يومين و ثلاثة أيّام إجماعا[3]. و من المحتّم أنّ العمل بالمشهور -أي الثلاثة أيّام- غير مكروه، و الإجماع المنقول عن الشيخ (ر ه) ليس بحجّة، كما قد حقّق ذلك في أصول الفقه بشكل تامّ، و لا شكّ أنّه في زماننا هذا، أصبحت الناس في تعزيتها و إقامة مجالس الترحّم على أمواتهم -و خصوصا طبقة العلماء و الفقهاء- تتخطى حدود الشرع و آدابه، و أصبحوا يوما بعد يوم، يهيلون التشريفات التي لا طائل منها، إرهاقا لأنفسهم و تضييعا للأوقات[4].
انتهى.
يقول كاتب هذه السطور: حتّى مع توجّه الإشكال على إجماع المرحوم الشيخ فيما ذكره من كراهة العزاء إلى ثلاثة أيّام، و ذلك كما ذكره المرحوم المغفور له صاحب كتاب «الأربعين»، و لكن نفس ادّعاء الشيخ لهذا المطلب يثبت و يؤيّد أنّ السنّة الجارية في زمانه، أو السابقة على زمانه -على الأقل- قائمة على ما دون الثلاثة أيّام لا أكثر.
فمن الممكن أن يقال: إنّ انعقاد مجالس الأربعين للأموات بغية طلب المغفرة و الرحمة لهم، هو في حدّ نفسه سنّة حسنة و مرضيّة، و أنّه لا يراد منها -لا قدّر الله- مواجهة أربعين سيّد الشهداء عليه السلام أو مقابلته؛ و عليه فما هو الإشكال في أن يقدم أولياء الميّت و يبادروا إلى إقامة هكذا مجلس، يتوخّى منه المغفرة و يهدى ثوابه إلى روح المتوفّى؟!
عدم المنع لا يدلّ على الحلّية و الجواز
و حيث أنّه لم يردنا المنع عن هكذا مجالس من طرف الشرع المقدّس، فسوف تكون النتيجة هي أنّ الحكم الأوّليّ قائم على الجواز و عدم الممنوعيّة، تماما كما في سائر الموارد التي لم يرد فيها منع أو ردع بعينه من ناحية الشرع، و ذلك في ما لا يتنافى مع الأصول الكلّية و القواعد العامّة للمذهب، و مقتضى القاعدة حينئذ هو عدم الحذر و الإباحة الظاهريّة.
و لكن جواب هذه الشبهة هو أن يقال: إنّ مقتضى الاحتياط في خصوص هذه المسألة و ما يشابهها من الموارد و المسائل، هو عكس الحكم بالإباحة و عدم الجواز، و هذه المسألة تختلف مع ما بيّن في تقرير الشبهة.
و توضيح المطلب في ما يلي:
قد دوّنت الأحكام الشرعيّة على أساس المصالح و المفاسد -النفس الأمريّة و الواقعيّة- و ارتكزت على أساس التربية، و إبراز فعليّة الاستعدادات البشريّة، فالملاك الذي يراعيه الشارع المقدّس في تشريعه للقوانين، هو توافق التكاليف الشرعيّة و انطباقها على الجهات التكوينيّة و الفطريّة للإنسان، و حتّى مع كون فعل الحقّ تعالى خارجا عن دائرة الموازنة و المقايسة مع المصالح و المفاسد -كما هو حاصل في أفعالنا و سلوكنا- إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ مشيئته و إرادته يمكن أن تتعلّق بأمر لغوي و عبثي، لأنّ حكمته البالغة تقتضي أن يكون فعل الله تعالى عين الصلاح، و يكون الصلاح عين فعله، و ذلك في مرتبة متأخّرة عن إرادته و مشيئته، لا في رتبة متقدّمة بعنوانها علّة غائيّة.
و على ذلك، و حسب مفاد الآية الشريفة: ﴿قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾[5] فحيث أنّ خلقة الإنسان ناشئة عن الحكمة الإلهيّة البالغة، فلا بدّ و أن تكون الهداية و التربية أيضا مرتكزة على نفس ذاك الأساس، بوزان واحد و معيار و نسق واحد، كي لا يقع أيّ تضادّ أثناء الوصول إلى النتيجة و حصول الغاية المرجوّة.
و حيث أنّ خلقة الإنسان متنزّلة من أعلى رتبة من مراتب عالم الخلق و أحسنها و أسماها، كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾[6]، لأجل ذلك، ينبغي أن تكون أحكامه و تكاليفه الشرعيّة مبنيّة على أرقى ما يتصوّر من درجات التكليف و أحسنها، غاية الأمر أنّه هناك فارق بين الأمرين؛ فأصل تكوّنه و نشأته في أحسن تقويم يمكن تصوره، إنّما كان بدون إرادة الإنسان و دون اختياره، و أمّا الأحكام و القوانين المنزلة من عند الله، فإنّها مجعولة لتكون موضع اختيار البشر و إرادتهم، و لتنسج في عملهم، و لتكون سببا في تحقّق تكاملهم و إخراجهم من مرحلة الاستعداد إلى رتبة التحقّق بالفعليّة التامّة. و لهذا، سوف لا يكون هناك فرق
بين هذين الجانبين و هاتين الحيثيّتين بشكل مطلق، إلّا من نفس حيثيّة التكوين و حيثيّة التشريع؛ بحيث لو جوّز الشارع المقدّس أن يختار البشر العمل المرجوح و المفضول و لو بمقدار ذرّة واحدة، فسوف تكون هذه الرخصة منافية لحكمة الخلقة و التكوين و متعارضة معها!
و على هذا الأساس، سوف يكون الحكم الممضى من ناحية الشرع و المرضيّ له، هو خصوص الحكم المنسجم مع إرادة الشارع و مشيئته مائة بالمائة، دون أدنى اختلاف و دون إدخال المصالح الدنيويّة و الأذواق الشخصيّة و الأهواء النفسانيّة. و من هناك و حيث أنّ مشيئة الشارع هي تلك الملاكات و المصالح و المفاسد النفس الأمريّة، فإنّ تكليف الإنسان ينحصر في أن يطبّق أعماله و سلوكه بشكل تامّ على تلك الملاكات الكلّية، المبيّنة من ناحية الشارع و الموضّحة من قبله. و من الطبيعيّ أن يكون للفعل الواحد -من جهة أبعاده المختلفة- أغراض و حيثيّات متفاوتة، و يمكن إدراجه تحت ملاكات و قواعد مختلفة، لذلك ففي مقام الترجيح و تطبيق الملاكات الكلّية على ذاك العمل الخارجيّ، لا بدّ و أن تلاحظ الوجوه المرجّحة، و لا بدّ و أن تراعى قوّتها و ضعفها بشكل دقيق، إذ من الممكن أن يكون أحد الأفعال مستحسنا ضمن ظروف و شرائط خاصّة، و يكون بعينه قبيحا ضمن ظروف مغايرة و شرائط أخرى.
مع التوجّه إلى المطالب السابقة، يجب أن نلاحظ رأي الإسلام بالنسبة لمسألة «الأربعين» و نعرف أيّة سنّة طرحها الشارع المقدّس لإقامة مجالس العزاء و الترحّم، و بالخصوص رأيه و نظره بالنسبة إلى الأربعين؟
لا يجوز ترك التزيّن للنساء في العزاء على الميّت لأكثر من ثلاثة أيّام
يروي المرحوم الشهيد رواية في كتاب اللمعة في بحث الحداد (ترك الزينة للنساء)، عن رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّه قال:
لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال إلّا على الزوج أربعة أشهر و عشرا[7].
أي: إنّه لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله و تعتقد به و بالآخرة أن تترك التزيّن حدادا على ميّت أكثر من ثلاث ليال، إلّا على زوجها، فيجب أن تستمرّ في حدادها عليه أربعة أشهر و عشرة أيّام.
ثمّ يتابع الشهيد فيقول:
و لا حداد على غير الزوج مطلقا، و في الحديث دلالة عليه، بل مقتضاه أنّه محرّم، و الأولى حمله على المبالغة في النفي و الكراهة[8].
أي: ترك الزينة حدادا على غير الزوج لا وجود له في دائرة التشريع مطلقا، و قد ورد في الحديث ما يشير إلى ذلك، بل إنّ مقتضى الحديث حرمة الحداد، و لكن الأولى أنّه ليس المراد منه الحرمة و إنّما الكراهة الشديدة فقط.
في هذه الرواية كما هو واضح، قد جعل رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم العزاء على الميّت ثلاثة أيّام، و بعد الثلاثة ليس هناك عزاء.
و نظير هذه الرواية أيضا، ما ورد في المدوّنة الكبرى
المجلّد 2 صفحة 432 عن عائشة زوجة رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّه قال:
لا يحلّ لمؤمنة تحدّ على ميّت فوق ثلاثة أيّام[9].
و كذلك وردت هذه الرواية في كتاب المبسوط للشيخ الطوسيّ[10].
و يروي المرحوم الصدوق أيضا عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال:
يصنع للميّت مأتم ثلاثة أيّام من يوم مات[11].
يستحبّ جلب الطعام إلى منزل صاحب المصيبة لمدّة ثلاثة أيّام
كذلك ورد عن الإمام الصّادق عليه السلام، أنّ النبيّ الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم، حينما استشهد جعفر بن أبي طالب، أمر ابنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها أن تذهب إلى منزل بنت عميس و جميع نساءها و أقاربها، و تصنع لهم الطعام مدّة ثلاثة أيّام؛ و من ذلك اليوم انعقدت سنّة العزاء بين المسلمين على ثلاثة أيّام[12].
و قال الإمام الصّادق عليه السلام:
ليس لأحد أن يحدّ أكثر من ثلاثة أيّام إلّا المرأة على زوجها حتّى تنقضي عدّتها[13].
و قد أورد العلّامة المجلسيّ رحمة الله عليه في البحار:
و أمّا استحباب بعث الطعام ثلاثة أيّام إلى صاحب المصيبة فلا خلاف بين الأصحاب في ذلك، و فيه إيماء إلى استحباب اتّخاذ المأتم ثلاثة، بل على استحباب تعاهدهم و تعزيتهم ثلاثة أيضا، فإنّ الإطعام عنه يدلّ على اجتماع الناس للمصيبة[14].
ثمّ نقل بعد ذلك كلام الشهيد الأوّل عن الذكرى، و كذلك رواية الرسول الأكرم و الإمام الصّادق عليهما السلام حيث ورد فيهما أنّ العزاء على المتوفّى ثلاثة أيّام فقط.
و كذلك الشيخ أبو الصلاح الحلبيّ يقول حين تعرّضه لهذه المسألة:
من السنّة تعزية أهله ثلاثة أيّام و حمل الطعام إليهم[15].
روايات أهل السنّة تدلّ على أنّ أمد مجلس الترحّم ثلاثة أيّام
و كذلك أيضا ما في كتب أهل السنّة، ففي كتاب إرشاد الساري لشرح صحيح البخاريّ:
باب حدّ المرأة على غير زوجها:
قال: حدّثنا مسدد، حدّثنا بشر بن المفضل، حدّثنا سلمة بن علقمة عن محمّد بن سيرين قال: توفّي ابن لأمّ عطيّة رضي الله عنها، فما كان اليوم الثالث دعت بصفرة (نوع من الأدوية التي تتزيّن بها النساء و تدهن بها يديها) فتمسّحت به و قالت: نهينا (من قبل رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم) أن نحدّ أكثر من ثلاث إلّا بزوج (أي إلّا لأجل الزوج)[16].
و كذلك ينقل عن زينب بنت أبي سلمة أنّها قالت:
لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أمّ حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث، فمسحت عارضيها و ذراعيها و قالت إني كنت عن هذا لغنيّة لو لا أنّي سمعت
النبيّ صلّى الله عليه [و آله] و سلم يقول: لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث إلا على زوج فإنّها تحدّ عليه أربعة أشهر و عشرا[17].
و كذلك تقول زينب بنت أبي سلمة التي روت الحديث السابق:
دخلت على زينب بنت جحش حين توفّي أخوها فدعت بطيب، فمسّت، ثمّ قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أنّي سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه [و آله] و سلّم يقول على المنبر: لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر و عشرا[18].
يستفاد من مجموع هذه الروايات، و كذلك السيرة المستمرّة من زمن رسول اللّه إلى ما بعده و المعمول عليها بين المسلمين، أنّه من المسلّم به دون ريب هو أنّ سنّة نبيّ الإسلام و الشرع المقدّس في موضوع التعزية و إقامة مجالس الترحّم على الميّت ثلاثة أيّام فقط لا أزيد! و قد هدّد رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم المرأة التي تقيم العزاء على ميّت لأكثر من ثلاثة أيّام. و هذه السنّة شائعة و رائجة، و لم يطرأ عليها شيء من التغيير و التحوّل في زمان الأئمّة عليهم السلام.
الإيراد على كلام المرحوم النراقيّ من عدم انحصار العزاء في ثلاثة ايام
يقول المرحوم النراقيّ في كتابه الشريف مستند الشيعة، في بحث التعزية ما يلي:
... و عن الكافي و الحلبي و الشهيد و أكثر المتأخّرين التحديد بثلاثة أيّام، لما من أنّ المأتم أو الحداد أو صنع الطعام لأهل الميّت ثلاثة أيّام، و لا دلالة فيها، و إن كان المأتم بمعنى الاجتماع في الموت؛ نعم يدلّ على جواز الاجتماع و الجلوس لهم في الثلاثة[19].
و من خلال التأمّل في المطالب السابقة، نجد أنّ هناك إشكال في كلام المرحوم النراقيّ، لأنّه:
أولا: إنّ حمل الطعام لأصحاب العزاء، و ترك التزيّن، و إقامة مجلس الفاتحة و الترحّم لمدّة ثلاثة أيّام -كما قد أشار إلى ذلك- لهو أفضل دليل و أوضح برهان على أنّ مراد الشارع المقدّس و نظره متعلّقان بخصوص الثلاثة أيّام دون زيادة، و إلّا لكان بإمكانه أن يقول: ما دامت مجالس العزاء منعقدة يستحبّ إحضار الطعام لصاحب العزاء، أو يستحبّ ترك الزينة. بل من الواضح أنّ صاحب العزاء -أثناء انعقاد مجلس الفاتحة على الميّت و إبرازه الحزن على المصيبة- لا يتزيّن، و سوف لا يبرز نفسه بما يخالف وضع المصيبة و حالة العزاء، إلّا أن يتعدّى عن عرف المجتمع و عاداته المتداولة، و حينئذ ليس أمامه إلّا أن يلتزم بممشى العقلاء و سيرتهم في ذلك. و عليه، فحينما يقول الشارع: لا يجوز للمرأة أن تترك الزينة أكثر من ثلاثة أيّام، سوف يكون المراد من كلامه -حسب دلالته الالتزاميّة العرفيّة- تحديد مدّة العزاء و تعيين وقت الحداد على المصيبة؛ و العجيب أنّه مع وضوح المطلب و جلائه إلى هذا الحدّ كيف خفي عليه!
ثانيا: إنّ مناسبات الحكم و الموضوع تقتضي أنّ يكون مجلس العزاء حين انعقاده مكتسيا و متلبّسا بحالة التعزية و الحزن و الألم، و لا يكون مدعاة للسرور و الابتهاج و المرح و الانشراح! و مقتضى الحزن و الألم و المصيبة هو عدم التزيّن و التزيين أو استعمال العطور و الرياحين. و عليه، فسواء قيل أنّه ليس من الجائز إقامة العزاء على المتوفّى لأكثر من ثلاثة أيّام، أم قيل أنه: لا يجوز ترك الزينة و التعطّر لما يزيد على الثلاثة أيّام، فإنّ مؤدّاهما واحد دون أيّ تفاوت؛ لأنّ مجلس العزاء يختلف اختلافا ماهويّا عن حفلة العرس أو العيد و السرور؛ تماما كما لو أراد أحد أن يرتدي لباس الحداد في حفلة العرس، دون مراعاة لعادات العرف و كيفيّة التزيّن، فكم هو قبيح ذلك!
ثالثا: إنّ ما ذكره من أنّه يستفاد من الرواية جواز الاجتماع و المشاركة في العزاء طوال مدّة الأيّام الثلاثة هو محلّ تأمّل و إشكال أيضا، لأنّ جواز الاجتماع و المشاركة في المجلس للتعزية و طلب المغفرة، و تسلية أهل الفقيد، في حدّ نفسه أمر ممدوح و مستحسن، و لا يحتاج جوازه إلى دليل شرعيّ خاصّ؛ بداهة أنّ ذلك ثابت بحكم العقل و عموم النقل المستفاد من قوله تعالى ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ﴾[20]، و كذلك ما تقتضيه نفس التعزية و تسلية المصاب و مواساته، و عموم زيارة الإخوان و التحبّب إليهم، فمع كلّ ذلك لا يبقى مجال للشكّ في جواز انعقاد
مجالس كهذه، و سوف يكون حكم الشرع بالجواز لغو و عبث.
حصر الحداد في الثلاثة أيّام يدلّ على المنع من الزائد
و على ذلك، فإنّ إخراج كلام الشارع و حكمه عن دائرة اللغويّة و العبثيّة يقتضي أن نقول: إنّ مراد الشارع من تلك الروايات هو تحديد مدّة العزاء و تعيين وقت الحداد، و لو كان مراد الشارع ما هو أكثر من هذه المدّة فسوف يكون هذا التحديد لغوا و خاليا عن أيّ معنى، و كأنّه يقول: كلّ من يريد إقامة هذه المجالس فليقمها إلى ما يشاء، و ليمدّدها ما دام ذلك ممكنا و ميسورا له، و كلّما زاد فهو أفضل؛ و في هذه الصورة تكون يد الناس مبسوطة في إقامة هذه المجالس، و سوف يكون حظّ المتوفّى أكثر وفرة من ناحية الثواب.
لأجل ذلك، إنّ تعيين الشارع و تحديده لمثل هكذا مورد، بحيث أنّه فضلا عن أنّ إقامة هذه المجالس غير منهيّ عنها شرعا أو عقلا أو عرفا، فإنّها مطلوبة و مستحسنة، ففي هذه الحالة سوف يكون تحديد الشارع و تعيينه دالّا على عدم رضاه، و مفهما مبغوضيّته تشكيل هذه المجالس و انعقادها لأكثر من ثلاثة أيّام، و يجب أن لا يتخطّى سنّة الشارع و دستوره، و العمل على ما أمر به دون نقيصة و لا زيادة.
مع الأسف مراسم العزاء في مجتمعاتنا لا توجب العبرة و الاتّعاظ
من المؤسف أنّه في هذا الزمان، و في كثير من المسائل و التي من جملتها أحكام الموت، و ما يترتّب عليه من الأحكام العرفيّة، لا نراعي أحكام الشرع التي ينبغي أن نلتزم بها، بل نمشي بشكل معوّج و منحرف، فندمج مقتضيات عالم الآخرة مع اعتباريّات عالم الهوى و النفس الأمّارة، و ننزّلهما نفس المنزلة، و نضع الحقائق مع الأوهام في كفّة واحدة.
فيجب أن يكون التشييع و الدفن عبرة للإنسان، ليدفعه إلى تذكّر الموت و الحساب و الكتاب و سائر العقبات التي يواجهها بعد الموت، فيجب أن يكون توجّه المشيّعين أثناء تشييعهم إلى مسألة الموت. و كلّ ما يوجب انصراف المشيّعين إلى الأمور الجانبيّة الاعتباريّة، كتهيئة إكليل من الورد أو استعراض الفرقة الموسيقيّة الناعية و الطبل و العلم، و قراءة الأشعار و المدح و الثناء على المتوفّى و أمثال ذلك، جميع ذلك يقع في الطرف المقابل من رغبة الشارع و نظره.
و لذا ورد عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال:
إذا أنت حملت جنازة فكن كأنّك أنت المحمول، و كأنّك سألت ربّك الرجوع إلى الدنيا ففعل، فانظر ما ذا تستأنف[21]!
و في أمالي الشيخ الصدوق يروي عن حضرة الإمام الصّادق عليه السلام عن رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّه قال:
أكيس الناس من كان أشدّ ذكرا للموت[22].
فتشييع الجنازة يجب أن يولّد للإنسان التفكير بالموت و التفكّر بالآخرة، و ينبغي أن يخرجه من دائرة الاعتباريّات و يقطعه عن سائر الارتباطات، و يحيي في نفس الإنسان الشعور بأنّ حقيقة الدنيا ممرّ و معبر، و أنّ العالم الأبديّ هو الآخرة. يجب أن يلهج أثناء التشييع بـ لا إله إلّا الله و يترك الأناشيد و إطلاق الشعارات و التعابير المبعّدة عن الغاية و الهدف من مسير الإنسان و حركته. و لكن حيث أنّنا غارقون في عالم الوجاهة و الاعتبارات، إلى الحدّ الذي امتلأ فكرنا و قلبنا و حواسّنا من هذه الأوهام و الخيالات بشكل تامّ، فلم يعد هناك منفذ و لا مجال للورود في عالم الأبديّة و عالم الحقائق، لذلك نتصوّر أنّنا بعد الموت، سوف يستمرّ معنا ذاك الذهب و تلك الحليّ، و نبقى نتمتّع بذاك الوميض البرّاق و تلك التجهيزات و الغرور و الكبرياء، الذي كنّا عليه حينما مضينا من الدنيا و تركناها، و لم نلتفت إلى أنّنا قد هجرنا عالم الاعتبارات من حين لحظة الموت، و أنّ المسافة التي تفصلنا عن هذه الوجاهات و الاعتبارات ما بين الأرض و السماء.
بعض الانحرافات الواضحة فيما يتعلّق بدفن الميّت
و للمرحوم الوالد العلّامة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله عليه، كلام يرتبط بهذا الموضوع، قد ذكره في المجلّد الأوّل من كتابه النفيس معرفة المعاد حيث يقول:
لقد خيّل لكم في الدنيا أنّ الآخرة تقتفي أثر الدنيا و تتمحور على شأن من شئونها، فأوصيتم أن:
ليقم الشخص الفلانيّ بتزيين مقبرتي بالمرايا، و ببناء قبري بالرخام، و بإعداد أثاث المقبرة و فراشها بشكل لائق، و بأن يضع على الدوام مزهريتي ورد على القبر، و ينضد حوله الأرائك الفخمة، و لينثر على قبري كلّ ليلة جمعة باقة من الورود اليانعة.
إنّ هذه أمور لا تنفع و لا تجدي شيئا، هذه زينة عالم الغرور لا عالم الملكوت، الميّت يذهب إلى الملكوت، و ينبغي أن يهدى له شيء ينفعه و يجديه.
إنّ ما سينفع الميّت آنذاك الأولاد الصالحون، و الصدقة الجارية، و العلم الذي خلّفه للناس لينتفعوا به، و الإنفاق على الفقراء و الضعفاء، و مساعدة البؤساء، و تربية الأيتام و تفقّد أحوالهم، و نشر العلم و التقوى في المجتمع، و إقامة الصلاة و تلاوة القرآن و التدبّر فيه، كما سينفعه طلب المغفرة له.
أمّا هذه الزينات التي سبق ذكرها، فعلاوة على أنّها لن تجديه نفعا فهي ضارّة له، لأنّ أخذ باقات الورد إلى الميّت و إهداءها إلى قبره بدعة و حرام، كما أنّ تزيين القبور بهذه الأشكال المذكورة حرام أو مكروه كراهة شديدة على أقلّ تقدير و هي أمور تؤذي الميّت. كما أنّ تجميل المقابر بمثل هذه الكيفيّة مخالف لتعاليم الإسلام.
إنّنا نتخيّل -و نحن نعيش في هذه الدنيا- أنّ شئون الآخرة تماثل شئون الدنيا، و هو تفكير سقيم خاطئ، فنجد الميّت يوصي: ادفنوني في هذه المقبرة فأنا أخاف من الأرض التي لا سقف لها. ذلك لأنّه يتخيّل أنّ الأمر هناك كما هو هنا، فإذا دفنوه في غرفة ذات سقف فإنّه سيكون مصانا محفوظا، أمّا لو أودعوه التراب في أرض مستوية فانّ الثلوج و الأمطار ستؤذيه، كما إنّ حركة الناس فوق قبره و مزاره ستزعجه، و كفى بذلك جهلا!
لقد اصطحبت الملائكة الروح إلى عالم البرزخ، و صار البدن المطروح في القبر طعاما للديدان و الأفاعي، و لقد أهلكت هذه الجهالة جميع أفراد البشر، و قد ضجّ القرآن الكريم بالنداء:
﴿وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.﴾
لقد فنيت خيالاتكم و أوهامكم و تبدّدت في رمال العدم و في تيه الضلالة[23].
انتهى كلام المرحوم الوالد قدّس سرّه.
و على هذا الأساس يتّضح وجه هذا التأكيد على الذهاب إلى المقابر، و زيارة أهل القبور! فيجب أن تكون المقبرة بسيطة، دون أن يزرع فيها الورود و النباتات و الأشجار، و دون أن تحدث فيها الأبنية، و ذلك لتبعث في النفس العبرة و الاتّعاظ، و لو كانت المقابر مشجّرة و مزيّنة بالورود، فسوف لا يعود الإنسان يفكّر بالموت أثناء زيارتها، بل سينعطف إلى هذه المظاهر، و هو خلاف هدف الشارع، و أمر مرفوض.
فالنّاس يتصوّرون أنّه لو كانت المقبرة خالية من هذه التزيينات، فستوجب الذعر و الخوف للأموات، و سيشعرون بالاضطراب و القلق؛ لذلك فهم يريدون أن يشغلوهم بهذه الأمور ليزيلوا عنهم وحشة العزلة -تماما كما كان ذلك زمن حياتهم في الدنيا- فيعمدون إلى إنشاء هذه الطبيعة الخضراء، ليلهوهم بها و يدخلون عليهم الشعور بالبهجة و السرور، و يبعدوا عنهم شبح الإحساس بالغربة. و لكنّهم غافلون عن أنّ الذي ارتحل إلى الدار الأبديّة قد انفتحت عينه على حقائق عالم الملكوت و خصوصيّاتها، و لا وجود لهذه اللذّة و السرور و الفرح و الانشراح الذي كان في الدنيا. فاللذّة و السرور في ذلك العالم يحصلان بواسطة شيء آخر؛ يأتي السرور من قراءة سورة الفاتحة لا من تشجير القبور و غرس
الورود فيها، يأتي من الإنفاق و الصدقات لا من العمران و تزيين المقابر. تماما كالمريض المصاب بمرض خطير، فبدلا من أن يأخذه أقرباؤه ليعاينه الطبيب و يعطيه و صفة الدواء و يشفى بواسطة العمل بها، يطوفون به في المنتزهات و الحدائق و مراكز اللهو و المباريات. فالذهاب إلى هذه المراكز مع هذه الحالة المبتلى بها لا يشفيه و لا يداويه، بل يوقعه في الهم و الغمّ و الألم، و يودي بحياته و يميته.
و نحن نريد أن نسري أفكارنا الخاطئة و تصوراتنا المغلوطة، و نطبّقها على شئون الأموات و أمورهم، فحيث أنّنا نستوحش من المقبرة، نعمد إلى تزيينها بالورود و الزرع، كي نرفع الخوف و نزيل الرعب الذي نحسّ به.
من المؤسف أنّه في هذه الأيّام، أصبحت مقابرنا تشبه أيّ شيء غير محلّ الأموات و مكان دفنهم، و هو ما يبعث الأسف و الألم الشديد، فمقبرة كهذه لا توجب العبرة للإنسان، و لا تنقله إلى تذكّر العالم الآخر، فصفوف بائعي الورد بجوار المقابر، تحرّك ذاكرة الإنسان نحو مجالس الفرح و البهجة أكثر منها إلى زيارة القبور، و هذا العمل خلاف نظر الشارع قطعا، و لا بدّ من الإقلاع عنه بشكل كامل.
و من الأمور الباعثة على التأسّف أيضا، ممّا قد رسخت و امتزجت بثقافتنا، كيفيّة إقامة العزاء و طريقة مجلس الفاتحة.
فقد تغيّرت مجالس الفاتحة في أيّامنا، فبدلا من كونها مجلسا لطلب المغفرة حسب السنّة المتعارفة و المتطابقة مع منهج أولياء الدين و طريقتهم، فقد تحوّلت حقيقتها إلى نوع من العمل المسرحيّ، و مهارة في فنّ التمثيل. و أصبح مديروها و هم: المشرفون و الخطيب الواعظ و المحاضر، كلّهم متّجهون صوب تحقيق هذه الأغراض. فبدلا من أن يسلّط الضوء في هذه المجالس على الآخرة و قراءة العزاء، يعمد إلى المظاهر و ذكر مفاخر المتوفّى. فيتمادون بمدح أصله و نسبه و عشيرته، و رفعهم إلى مستوى الأفراد الشامخين الأفذاذ، فمثلا: فلان كان ابنه طبيبا معروفا، أو صاحب منصب كذا و كذا .. و فلان ابنه الآخر مدير و وزير و غيره، و قد حصل زمن حياته على الشهادات الفلانيّة، و حيثيّته و شأنه بين أقرانه كانت كذا و كذا. و لو قصّر -لا سمح الله- الخطيب أو المعزّي في حقّ المتوفّى و أقربائه دون أن يتعرّض لهذه الخصوصيّات، فسيقوم أصحاب العزاء بما يلزم من العتاب و المحاسبة و التشديد عليهم، و سوف يقصونهم عن أيّة دعوة في المجالس اللاحقة؛ ليهيّئوا الشخص الكفء و اللائق، القادر على أداء المطلب حقّه! و المتمكّن من إبراز شخصيّة الأقرباء مشرّفين و مرفوعي الرأس أمام سائر الناس.
البدع الوافدة من الغرب بالنسبة لمجالس العزاء
كذلك وضع الكئوس و صفّ الأكواب، و استقبال المعزّين بأصناف الفواكه و الحلويات، فإنّها تخرج هذه المجالس عن هدفها الأصليّ، و توجب صرف النظر إلى المظاهر المخالفة لمراد الشارع و رغبته؛ لذلك فهي خلاف نظر الشارع. كذلك السكوت و الوقوف تعظيما لمقام المتوفّى فهو من السنن الوافدة من الغرب، و هي محرّمة شرعا. و لم يأت في الإسلام الأمر بالسكوت أو تلاوة الفاتحة بحالة الوقوف، بل لو كان الإنسان جالسا فعليه أن يقرأ الفاتحة كما هو على هذا الحال، و لو كان واقفا فعليه أن يقرأها و هو كذلك.
و كذلك تغيير عنوانيّ «الترحّم» و «المغفرة» و استبدالهما ب «ذكرى تعظيم أو تخليد الميّت» فإنّه من الأمور المذمومة و غير المشروعة. فما وردنا من الإسلام و وصلنا من بيانات أولياء الدين هو طلب المغفرة و الترحّم و تعزية أهل الفقيد و تسلية خاطرهم، و تسكين نفوس أصحاب العزاء و المصيبة، و ليس التخليد و التعظيم و أمثال هذه الألفاظ و العبارات. ماذا تعني كلمة «التخليد»؟ فذاك المسكين قد ارتحل عن الدنيا، و هو الآن مبتلى بألف داء و ألف مشكلة، و يعاني من المصائب و واقع فيها، حينئذ نأتي و نقيم له مجلس التعظيم و نبجّله و نكرّمه! ينبغي أن يكون التعظيم و التكريم زمان حياته -و الحال أنّ كلّ ذلك هو اعتبار و توهّم و تخيّل- لا زمن وفاته و بعد مماته، حيث فات الأوان و انقضت الفرصة لذلك! حيث لم يبق عظمة و لا تعظيم و لا اعتبار و لا معتبر! الآن وقت الحساب لا العمل، و وقت كشف الحقائق لا الأمور التخيليّة و التوهميّة! الآن يسألون عن الصلاة و الصيام و الحجّ و الإنفاق و الأمر بالمعروف و الصدق و الأمانة و الإخلاص في العمل، و لا يسألون عن العناوين المصطنعة التي يخصّص بها نفسه، و يميّزها عن سائر بني نوعه، و لا عن الوزارة و الوكالة و المديريّة و المال و الكسب! يسألونه الآن عن الالتزام بالتكاليف في الدنيا، و أنّه إلى أيّ حدّ كانت أموره الحياتيّة و الاجتماعيّة جارية على رضا الله، و ليس عن رتبته و و ساماته و لباسه و غيره!
و من هنا، فإنّ مقتضى الالتزام بالقاعدة الكليّة، و لزوم اندراج الأفعال تحت ملاكاتها الشرعيّة، هو أن تندرج جميع هذه الأمور تحت رضا الشرع، و أن تنحّى عن مبتدعات النفس الأمّارة، و تبتعد عن الأذواق الجاهليّة.
ورود النهي عن مشاركة النساء في مراسم التشييع و الدفن
و من جملة الأمور المذمومة أيضا، مشاركة النساء في مراسم التشييع و الدفن، حيث ورد فيه النهي من أولياء الدين بشدّة، و كانت السنّة في الإسلام على خلاف ذلك، لكن و مع الأسف، ما نشاهده اليوم هو رواج ذلك في الأوساط الشيعيّة، حيث يعدّ بنظر العوام أمرا مبرّأ من البدعة و الخطأ، بل يعتبرونه من أصول المعاشرة المتسالم عليها، و نوعا من الارتباطات الاجتماعيّة.
و الروايات الصادرة من أولياء الدين في هذا الباب، مورد اتّفاق كلّ من الشيعة و أهل التسنّن[24]، و مع الأسف،
قد عملوا هم بهذه السنّة و التزموا بها، و لكن تخلّفنا نحن عن القافلة؛ و مع ذلك ندّعي أنّنا تابعون و مطيعون و أنّنا شيعة لمدرسة رسول اللّه و منهجه و سنّته! و الحال أنّه ينبغي أن نكون في طليعة كلّ الملل و الأقوام، فنبادر إلى العمل بأوامر رسول اللّه و مبانيه، و لا ندع المخالفين و المنحرفين لمذهب أهل البيت عليهم السلام يسبقوننا، و لنصبح عرضة للتّهمة، بأنّنا نعمل آراءنا الشخصيّة و ندخل في الدين ما ليس فيه.
إنّ إبعاد منهج رسول اللّه و إقصاءه، و عدم العمل به و الالتزام بأوامره و إحكام مبانيه، و بالتالي إعمال الذوق و النظريات الشخصيّة بما يتماشى مع المصالح الدنيويّة و النفس الأمّارة بغية إعجاب العوام، كلّ ذلك يرجع في الحقيقة إلى بيع الدنيا بالآخرة، و هو ترجيح الخسران على السعادة و الفلاح، فبذاك المقدار الذي يعمد فيه المخالفون إلى العمل على خلاف أوامر الله و رسوله، طبقا للميل الدنيويّ و رغبات النفس الأمّارة، بهذا المقدار سوف يقصون أهل البيت و العترة، ليقعوا في تبعيّة أفراد آخرين، و يكونون بذلك قد خرجوا عن طريق الحقّ، و تخطّوا الصراط المستقيم، و هو ما يجعلهم قابعين تحت نير السخط الإلهيّ و غضب رسوله. فلا قدّر الله أن نوهم أنفسنا بأنّنا ملتزمون بأمر رسول اللّه و ولاية أئمّة الهدى، فنظنّ أنّنا تابعون لإمامتهم صلوات الله عليهم أجمعين، ثمّ نعمد إلى مخالفة سنّة رسول اللّه، و نقع في تجاوز منهجهم بشكل عمليّ، و إذا قال لنا المخالفون: قد أدرتم رحى تبعيّة أوامر رسول اللّه و طاعته على ولاية أهل بيته و إمامتهم، فأنتم تنوحون على ذلك و تلطمون صدوركم لأجله، ثمّ بعد ذلك لا تلتزمون بأوامرهم و لا تقتدون بسنّتهم، فأيّ جواب ينبغي أن نتفوّه به؟!
و من هنا، حيث اتّضحت كيفيّة و حقيقة سنّة رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم بالنسبة لانعقاد مجالس العزاء، نعلم أنّه ليس لدينا في الإسلام شيء يسمّى بـ الأسبوع أو الأربعين أو الذكرى السنويّة؛ لذلك يتّضح جليّا أنّ هذه المناسبات مخالفة لسيرة الإسلام و سنّته.
لم يرد في الإسلام ذكر «الأسبوع» و «الأربعين» و «الذكرى السنويّة» للاموات
فأمّا «الأسبوع» و «الذكرى السنويّة»، فلم نلمح لهما أيّ اسم و لا ذكر في الإسلام قطعا. و مع الأسف، فقد أصبحت في الأوساط الشيعيّة -و بالخصوص لدى الإيرانيّين- سنّة خاطئة و جارية و شائعة، و كأنّها أمر لا غنى عنه و لا يترك و لا يقبل الخلاف و النقاش!!
فـ الذكرى السنويّة حسب التراث الشيعيّ الأصيل مختصّة فقط بالمعصومين عليهم الصلاة و السلام؛ و ليس لدينا أيّ مدرك تاريخيّ و لا روائيّ يثبت أنّ الأئمّة عليهم السلام أمروا بتشكيل مجالس «الذكرى السنويّة» لأحد من صحابتهم؛ فالذي ورد الحثّ و التأكيد عليه من تشكيل مجالس الذكرى، مختصّ بإحياء ذكرى أهل البيت فقط.
و من باب المثال: نجد أنّ الإمام الباقر عليه السلام قد أوصى بعد شهادته، أن يقام له في منى المآتم و يندب لمدّة عشر سنوات، و يتعرّض فيها إلى ما كان الخلفاء يوردونه على الإمام، و يتمّ توضيح ذلك للنّاس[25].
و كذلك فيما يتعلّق بحضرة سيّد الشهداء عليه السلام، فقد وردنا روايات كثيرة إلى حدّ التواتر[26]. بل حتّى لو لم يتمّ التأكيد في الروايات على إقامة مجالس أهل البيت، فيجب علينا أن نحكم بوجوب إقامة هذه المجالس تمسّكا بعموم إحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام، سواء مجالس المواليد أم الشهادات، و لا مجال لتطرّق الشكّ في ذلك من ناحية الثقافة الشيعية.
أمّا اليوم، فإنّنا نراهم يحيون «الذكرى السنوية» لسائر الأفراد، فيكرّرون ذلك كلّ سنة، حتّى و لو نخلت عظامه و استحالت ترابا، فإنّهم لا ينسون الميّت و لا يتركونه. نعم، من الواضح أنّ قلوب أصحاب هذه المجالس غير محترقة و لا مقروحة على الميّت، فهم يلاحظون استمرار منافعهم في هذه المجالس، و يرون أنّ حياتهم و بقاءهم مرهونين بانعقاد هذه المجالس، و يتصوّرون أنّهم بواسطة تعطيل هذه المجالس سيصبح الميت نسيا منسيا، و بالتّبع فإنّ الأفراد المرتبطين بهذا المتوفّى، سوف يكتسبون بهذه المجالس المنافع و المصالح الدنيويّة، و بدونها سوف ينسون أيضا، فيسعون جاهدين و بأيّة وسيلة أو حيلة، و بتحمّل العذاب و المشقّات أن يحفظوا اسم الميّت و يحيوا ذكره، بسائر الحجج و الحيل الواهية، و من خلال كلّ الظروف المتاحة لهم!
إنّ سورة التكاثر الشريفة التي ورد فيها: ﴿أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ﴾[27] ناظرة إلى هذه الطائفة من الناس. فعلى الشيعيّ أن يحكم ثقافته على أساس سنّة رسول اللّه، كي يستفيد من بركات هذه التبعيّة و الاستنان به أولا، و ثانيا كي لا يكون ألعوبة أو وسيلة بيد المخالفين و المواجهين للتشيّع، و لا يمكّنهم من الطعن و الاعتراض على التشيّع، و لا يكون مدعاة لتسليط أقلامهم و تصريحاتهم على التشيّع.
و أمّا مسألة «الأربعين»، فإنّها أشنع و أقبح من مسألة «الأسبوع» و «الذكرى السنويّة» قطعا؛ و ذلك لأنّه فضلا عن عدم وجود أيّ خبر أو أثر عن الأئمّة عليهم السلام يفيد إقامة ذكرى الأربعين عن روح الأموات، فإنّ مسألة الأربعين من شعائر التشيّع و خصوصيّاته، و هي مختصّة فقط و فقط بحضرة أبي عبد الله الحسين أرواحنا فداه، لا غير!
إحياء الأربعين لجميع الأموات يخرجها عن كونها شعارا خاصّا لسيد الشهداء
و لو انجرّ الأمر إلى صيرورة إقامة مجالس الأربعين على الأموات بعنوانها سنّة و رسما ثابتا، فكيف يمكن حينئذ أن تكون شعارا و علامة و امتيازا لسيّد الشهداء! و لو كان هناك رجحان من قبل الشارع لإقامة ذكرى الأربعين لسائر الأفراد، فلما ذا لم نجد هذه المرغوبيّة بالنسبة لسائر الأئمّة عليهم السلام، بل و رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم؟! و مع كون ذلك بالنسبة لهؤلاء العظماء أولى بهم و أجدر، بل و حتّى مع وجود كلّ هذا التأكيد على إقامة مناسبات أهل البيت عليهم السلام، و التشديد على الاستفاضة منها، فإنّنا مع كلّ ذلك لم نلحظ أيّ أثر من الأئمّة بالنسبة لإقامة الأربعين على غير سيّد الشهداء عليه السلام.
و هذه المسألة تكشف عن أنّ إقامة الأربعين لغير سيّد الشهداء عليه السلام غير مرضيّ لهم قطعا؛ بداهة أنّهم أمروا بإحياء ذكرهم، و حثّوا على تشكيل المجالس، إلّا أنّهم لم يتعرّضوا لمسألة الأربعين إلّا في خصوص سيّد الشهداء.
و لو قيل: ما هو الإشكال في أن تقام مجالس الأربعين عن روح الأموات، بغية لطلب المغفرة و الرحمة، دون أيّ داع أو غرض آخر، و بعبارة أخرى: يكون الداعي لعقد الأربعين عن روح المتوفّى الجهة المعنويّة و العباديّة دون الاعتبارات و المنافع الدنيويّة -التي مرّ ذكرها- فأيّ إشكال في ذلك، و أيّ منع سوف يتوجّه من قبل الشارع في هذه الحالة؟
فإنّ جوابه:
أولا: ما هو الفرق بين الأربعين أو الثلاثين أو الخمسين و غيرها حينئذ؟ و لأيّ سبب يجب عقد مجلس الترحّم عن روح الميّت في رأس الأربعين؟! و لو كان من المقرّر أن ينعقد مجلس لذكرى الميّت، فلما لا يقيمونه بعد ثلاثين يوما أو خمسين؟!
ثانيا: إنّ العبادة الصادرة من العبد، إنّما تقع مقبولة و مرضيّة فيما لو كانت متطابقة مع الأمر الإلهيّ، دون أن تصدر من تلقاء نفسه أو متأثّرة بمزاجه. فالشرط الأساسيّ في صحّة العبادة هو التقرّب و الانقياد؛ و هاتان المسألتان متفرّعتان على حيثيّة توقيفيّة العبادة و جهة تعبّديتها. و ما لم يصدر الأمر بالعبادة من الشارع، فسوف يكون الإتيان بها بدعة و ضلالا و حراما؛ حتّى و إن قصدنا القربة و الرجاء ألف مرّة، فسوف لا يكون لهذا العمل أيّة قيمة و لا وزن من وجهة نظر الشارع.
نعم، لو كانت المسألة بحيث يكون رجحان الفعل محررا -من جهة معيّنة- بالنسبة للمكلّف، أو على الأقلّ محتملا، و لم يكن هناك دليل قطعيّ على الرجحان الشرعيّ، ففي هذه الحالة لا مانع من الإتيان بالفعل بداعي الثواب و رجاء التقرّب. و لكن ما نحن فيه فضلا عن عدم كونه واجدا للرجحان الاحتماليّ العقليّ، فإنّه و من خلال القرائن و الشواهد العقليّة و النقليّة مرجوح و مفضول، و في هذه الحالة لا مجال لداعي التقرّب و الإتيان به رجاء للثواب، و سوف يكون الإتيان به منافيا لنظر الشارع و مخالفا لرضاه، أو سيكون باطلا و مكروها كراهة شديدة قطعا.
و حسب الاتّفاق، فإنّ مسألة «الأربعين» من هذا القبيل، حيث لو كان الإتيان بها ممضى و مرضيّا من ناحية الشارع، لكان من المحتّم أن يصدر شيء يتعلّق بهذه المسألة طوال مدّة إمامة و ولاية المعصومين عليهم الصلاة و السلام، و لصدر منهم شيء من التوصيات و الأوامر فيما يتعلّق بها، و الحال أنّه لم يتّفق شيء من ذلك، بل لم يشر إلى مورد واحد لا تصريحا و لا كناية! و الحال أنّه لم يكن هذا الموضوع من الموضوعات المنحصرة بخصوص زمان تواجد المعصومين عليهم السلام فقط، بل هو على العكس من ذلك، فهو موضوع حيويّ و عامّ البلوى، و متجدّد في كلّ سنة و كلّ شهر و كلّ أسبوع بالنسبة لهم و أصحابهم و أقربائهم، و مع كلّ ذلك لم يصدر أيّ تشويق منهم أو حثّ أو ترغيب لأصحابهم، أو على الأقل صدور الإجازة بعقد هذه الذكرى، لأجل ذلك، يمكننا أن ندّعي -بضرس قاطع- أنّه لم يكن انعقاد مجلس «الأربعين» على الأموات مورد رضى للأئمّة المعصومين عليهم السلام، و أنّ نظرهم قائم على اختصاص «الأربعين» بحضرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
إلى هنا ننهي هذه الرسالة، و حتّى مع كون المسألة تحتاج إلى بسط أكثر، بلحاظ جهاتها المختلفة، إلّا أنّه مع ملاحظة الرغبة في عدم التطويل، نكتفي بما تمّ ذكره، آملين من أتباع مدرسة الولاية و مذهب التشيّع، أن يقلعوا عن هذا الرسم و هذه العادة الجارية المبغوضة لله، من قبل أولياء الدين، و يتأسّوا بالسنّة السنيّة لرسول اللّه و أئمّة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين، و يكون هدفهم و غايتهم من كلّ أفعالهم و سلوكهم هو الانقياد و الإطاعة للممشى القويم و الصراط المستقيم لأئمّة الهدى عليهم السلام، الذين تنحصر الهداية و الفلاح في إطاعتهم و انتخاب دستوراتهم و أوامرهم فقط لا غير[28].
ربّنا و اجعلنا من شيعة أمير المؤمنين و الأئمّة المعصومين عليهم السلام و الذابّين عنهم، و لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت التوّاب الرحيم، الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله.
[1] إقبال الأعمال، ج 3، ص 100؛ و كذلك عوالي اللئالي، ج 4، ص 37؛ و في هامش مصباح المتهجّد، ج 3، ص 730، في فضيلة زيارة الأربعين؛ و كذلك ورد شبيه هذا المضمون عن الإمام الصّادق عليه السلام.
[2] أخبار الزينبيّات، ص 115؛ و عين عبارة الكتاب المذكور في التالي:
عن الحسن بن الحسن قال: لمّا حملنا إلى يزيد و كنّا بضعة عشر نفسا أمرنا أن نسير إلى المدينة، فوصلناها في مستهل ... و على المدينة عمرو بن سعيد الأشدق، فجاء عبد الملك بن الحارث السهمي فأخبره بقدومنا، فأمر أن ينادي في أسواق المدينة: ألا إنّ زين العابدين و بني عمومته و عماته قد قدموا إليكم، فبرزت الرجال و النساء و الصبيان، صارخات باكيات، و خرجت نساء بني هاشم حاسرات تنادي: وا حسيناه وا حسيناه!! فأقمنا ثلاثة أيام بلياليها و نساء بني هاشم و أهل المدينة مجتمعون حولنا.
[3] إجماع العلماء منعقد على أنّ إقامة مجلس العزاء على الميّت أكثر من يوم واحد مكروه.
[4] تحقيق درباره روز أربعين حضرت سيّد الشهداء عليه آلاف التحيّة و الثناء، في الهامش ص 58.
[5] سورة طه (20) الآية 50.
[6] سورة التين (95) الآية 4.
[7] الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة، ج 6، ص 63.
[8] م. ن، ص 64.
[9] و كذلك ورد في كتاب الأمّ للإمام الشافعيّ، ج 5، ص 247؛ و كذلك كتاب الموطأ للإمام مالك، ج 2، ص 598؛ و كذلك كشاف القناع للبهوتي، ج 5، ص 485؛ و كذلك كتاب المسند للإمام الشافعي، ص 300؛ و كذلك مسند أحمد، ج 6، ص 37؛ و كذلك صحيح البخاري، ج 2، ص 79؛ و كذلك صحيح مسلم، ج 4، ص 204؛ و أيضا في سنن ابن ماجة، ج 1، ص 674؛ و كذلك المبسوط للسرخسي ج 6، ص 58؛ و غيرها.
[10] المبسوط في فقه الإماميّة، ج 5، ص 265.
[11] من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 182، ح 545؛ و كذلك الكافي، ج 3، ص 217؛ و أيضا وسائل الشيعة، ج 3، ص 236؛ و كذلك مستدرك الوسائل، ج 2، ص 381؛ و كذلك بحار الأنوار، ج 79، ص 72؛ و في جامع أحاديث الشيعة، ج 3، ص 466؛ و في مستدرك سفينة البحار، ج 1، ص 45؛ و في كتاب فلاح السائل، للسيد ابن طاوس، ص 86 و غيرها.
[12] من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 182، ح 549.
و كذا ورد في كتاب المحاسن ص 419، باب الأحكام في المأتم، حديث 189: عنه عن أبيه عن سعدان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي لصاحب الجنازة أن يلقى رداءه حتّى يعرف، و ينبغي لجيرانه أن يطعموا عنه ثلاثة أيّام.
و حديث 190: عنه عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: يصنع للميت الطعام للمأتم ثلاثة أيام بيوم مات فيه.
و في حديث 191: عنه عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لمّا قتل جعفر بن أبي طالب عليه السلام، أمر رسول اللّه صلّى الله عليه و آله فاطمة عليها السلام أن تتخذ طعاما لأسماء بنت عميس ثلاثة أيّام و تأتيها و تسلّيها ثلاثة أيام، فجرت بذلك السنّة أن يصنع لأهل المصيبة ثلاثة أيام طعام.
و مثله في الأمالي للشيخ الطوسي، ص 659.
[13] من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 182، ح 550.
[14] بحار الأنوار، ج 79، ص 71.
[15] الكافي في الفقه، ص 240.
[16] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، ج 2، ص 396.
[17] م. ن، ص 397.
[18] م. ن.
[19] مستند الشيعة، ج 3، ص 313.
[20] سورة الأعراف (7) الآية 199.
[21] الكافي، ج 3، ص 258؛ و كذلك كتاب الزهد، ص 77.
[22] الأمالي للشيخ الصدوق، ص 27.
[23] معرفة المعاد، المجلد الأوّل، المجلس السابع، ص 206، الطبعة العربية.
[24] الخصال، ص 585؛ و وسائل الشيعة، كتاب الطهارة، أبواب صلاة الجنازة، الباب 39، الحديث 3، و أبواب الدفن، باب 69، ح 3 و 4 و 5، و كذلك باب النكاح، المجلّد 20، أبواب مقدمات النكاح و آدابه، باب 123، ح 1 ص 220.
و من المصادر السنّية: مسند أحمد، ج 5، ص 85؛ و كذلك صحيح البخاري، ج 1، ص 80؛ و كذلك صحيح مسلم، ج 3، ص 47؛ و كذلك السنن الكبرى، ج 4، ص 63؛ و أيضا مجمع الزوائد، ج 3، ص 28؛ و كذلك كنز العمّال، ج 16، ص 391، ح 45058؛ و كذلك الجامع الصغير، ج 2، ص 462، ح 7655 و 7656.
[25] الكافي، ج 5، ص 117؛ و كذلك من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 182؛ و التهذيب ج 6: ص 358؛ و أيضا بحار الأنوار، ج 46، ص 220 نقلا عن الكافي.
و نصّ ما ورد في الكافي التالي:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالى كذا و كذا النوادب تندبني عشر سنين بمنى أيّام منى.
و نصّ من لا يحضره الفقيه ما يلي:
و أوصى أبو جعفر عليه السلام بثمانمائة درهم لمأتمه، و كان يرى ذلك للسنة، لأنّ رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم قال:« اتخذوا لآل جعفر ابن أبي طالب طعاما فقد شغلوا». و كذلك في موضع آخر ورد:
و أوصى أبو جعفر عليه السلام أن يندب في المراسم عشر سنين.
و ما ورد في التهذيب بهذا النصّ:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي أبي: يا جعفر! أوقف لي من مالى كذا و كذا لنوادب تندبنني عشر سنين بمنى أيّام منى.
[26] كامل الزيارات، ص 100؛ و كذلك بحار الأنوار، ج 44، ص 278؛ و أيضا إقناع اللّائم على إقامة المآتم.
[27] سورة التكاثر (102) الآية 1 و 2.
[28] وسائل الشيعة، ج 27، ص 70، باب 27، حديث 25:
و عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن ابن الحجّاج، عن هاشم صاحب البريد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام- في حديث-: أما إنّه شرّ عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا!
و في حديث 32 ص 73: و في كتاب« فضل الشيعة» عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق النحويّ قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ... فو الله لنحبّكم أن تقولوا إذا قلنا، و تصمتوا إذا صمتنا، و نحن فيما بينكم و بين الله، ما جعل الله لأحد خيرا في خلاف أمرنا!
و حديث 34 ص 74: محمد بن الحسن الصفار في« بصائر الدرجات» عن العباس بن عامر، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي، عن فضيل قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كلّ ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|