أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-25
927
التاريخ: 21-11-2019
1271
التاريخ: 5-7-2016
3296
التاريخ: 13-7-2019
23994
|
تخيل أنك تشاهد مقطع فيديو مسرع للأرض وهي تدور، أو الأقمار والكواكب في المجموعة الشمسية وهي تدور حول بعضها بعضًا؛ فهل تستطيع أن تحدّد إن كان الفيديو يسير بالعكس أم لا؟ نعم، ربما إذا تذكَّرت بعض المعلومات عن مراحل القمر أو تذكرت أن الشمس تطلع من الشرق وتغرب في الغرب، لكن المسألة تحتاج إلى التفكير. ما من شيء سيبدو «خطأ على الفور» بشأن الفيديو إذا كان يسير بالعكس، فلا شيء «واضح» يدل على أن هناك خطأ ما فحركة الكواكب تبدو واحدةً في الأساس، سواء كانت تسير إلى الأمام أو بالعكس.
والآن، كرّر الخدعة نفسها مع كومة رمال تنهار، أو مع مزج الحليب بالقهوة، أو ذوبان الثلج مع زيادة السرعة، أو نمو الكائنات الحية وتحلُّلها. في هذه الحالة، يغدو واضحًا تمامًا إن كان الفيديو يسير بالعكس أم لا ؛ فهناك سمات فورية لكل هذه العمليات تخبرنا باتجاه تقدم الفيديو.
المصطلح التقني الذي يُطلَق على هذه العملية هو «القابلية للانعكاس». فحركات الكواكب قابلة للانعكاس، أما انهيار كومة الرمال وذوبان الثلج فهما عمليتان غير قابلتين للانعكاس. وحقيقة أن بعض العمليات الديناميكية قابلة للانعكاس وبعضها غير قابل للانعكاس تطرح صعوبات عميقةً في الميكانيكا الإحصائية.
لإدراك ذلك، لنتطرق إلى المعنى الدقيق لمصطلح القابلية للانعكاس. سنبدأ بتصور قوانين الديناميكا في الفيزياء باعتبارها أجهزة للتنبؤ بالمستقبل؛ إذا أدخلت الحالة الحالية للنظام الذي تنطبق عليه هذه القوانين، فسيعطي الجهاز الحالة التي سيصبح عليها النظام في غضون ثانية أو في غضون ساعة. بالنسبة إلى الهواء في الغرفة على سبيل المثال، إذا أدخلت مواضع كل الجسيمات في الوقت الحالي وسرعاتها المتجهة، فستحدد القوانين مواضع الجسيمات وسرعاتها المتجهة في أي وقتٍ مستقبلي يعنيك، لكن ذلك على افتراض عدم وجود أي تدخلات خارجية مؤثّرة. وفي حالة المجموعة الشمسية، ففور تحديد مواضعِ الكواكب في الوقت الحالي وسرعاتها المتجهة، فإنَّ هذا يكفي لتحديد تلك المواضع والسرعات المتجهة في المستقبل؛ ويمكننا استخدام هذه القوانين للتوصل إلى تواريخ الكسوف الشمسي في المستقبل على سبيل المثال. وعلى الرغم من أنَّ حل معادلات الحركة لمزج الحليب مع القهوة أمر في غاية التعقيد والصعوبة، فمن حيث المبدأ، إذا أدخلت البيانات المبدئية عن الجزء المملوء بالقهوة في الفنجان والجزء المملوء بالحليب فستمكنك هذه البيانات أيضًا من التنبؤ بتلك الحقائق في أي وقتٍ في المستقبل. كل القوانين التي تناولناها حتى الآن حتمية، مما يعني أن أي مدخلات محددة ستعطي مخرجات فريدة في كل وقت محدد في المستقبل.
يتجسد جوهر الانعكاس في أنَّ كل القوانين الانعكاسية يمكن استخدامها من أجل التنبؤ بالماضي، أو للاستنتاج الرجعي كما يطلق عليه الفلاسفة في بعض الأحيان. فحركة الكواكب قابلة للانعكاس، أي إنه يمكن استخدام البيانات الحالية عن الكواكب بمنتهى السهولة؛ لتحديد ظواهر الكسوف في الماضي وفي المستقبل. هذه المسألة مهمة في التاريخ القديم على سبيل المثال؛ فمعرفة المواعيد الدقيقة لظواهر الكسوف والخسوف التي حدثت في الماضي، ستساعد المؤرخين على تأريخ مصدر ما تأريخا دقيقًا إذا ذكر ذلك المصدر إحدى وقائع الكسوف. أما مزج الحليب أو ذوبان الثلج فهو عملية غير قابلة للانعكاس؛ فثمة معلومات تُفقد في العملية؛ ومن ثمَّ يتوافق العديد من الحالات الأولية لفنجان القهوة أو الشراب البارد مع الحالة النهائية نفسها وبقدر ما يمكننا استخدام ديناميكيات الأنظمة غير القابلة للانعكاس لتعلُّم أشياء عن حالتها السابقة، فينبغي أن يحدث ذلك بشكل غير مباشر وعبر افتراضات أساسية إضافية.
ثمة مفهومان مرتبطان أحدهما بالآخر يساعدان في فَهم أهمية القابلية للانعكاس. يصبح النظام تكراريًّا إذا كرر نفسه إلى ما لا نهاية، حتى إننا إذا أدخلنا فيه بعض البيانات الأولية، فستتطابق بيانات النظام في وقت مستقبلي مع تلك البيانات الأولية. ويقال إنَّ للنظام «منطقة جاذبة» إذا كانت به حالة ما (أو مجموعة من الحالات التي لا تتضمن كل الحالات) بحيث إنه مهما كانت الحالة الأولية للنظام، فسينتهي به الأمر إلى الحالة (الحالات) الجاذبة ثم يستقر فيها إلى أجل غير مسمى (في الميكانيكا الإحصائية، كثيرًا ما يُطلق على الحالات الجاذبة حالات التوازن ويُطلَق على العملية التي تتمثل في التطور نحوها اسم «الاتزان»).
بشكل عام، لا تصبح الأنظمة تكرارية إلا في حالة واحدة وهي أن تكون انعكاسية؛ ولا يصبح لها حالات جاذبة إلا في حالة واحدة وهي أن تكون غير انعكاسية. وبناءً على هذا، يمكننا استخدام مصطلح «الأنظمة التكرارية» بدلا من «الانعكاسية»، ومصطلح «الحالات الجاذبة» بدلا من «غير الانعكاسية». وتكمن الحجةُ في جوهرها في فكرة أنه إذا كان النظام غير تكراري، فستكون هناك حالات يغادرها النظام ولا يعود إليها أبدًا؛ ومن ثم تصبح مجموعة الحالات – باستثناء الحالات السالفة الذكر – منطقة جاذبة، ويدخل النظام هذه المنطقة من دون رجعة. (توجد بعض المحاذير هنا؛ وأهمها أن النظام الذي ندرسه ينبغي أن يكون محصورًا في منطقة معينة كأن يكون صندوقًا أو غرفة.)
يمكننا أن نرى الآن السبب في أنَّ عدم الانعكاس يثير مشكلة في الميكانيكا الإحصائية. ففيزياء الأنظمة على المستوى المجهري مثل فيزياء الجسيمات الفردية في الغاز المخفف تبدو قابلة للانعكاس، لكن فيزياء الأنظمة على المستويات الأكبر مثل فيزياء الغاز على مستوى الموائع عادةً ما تكون غير قابلة للانعكاس. وهذا (مبدئيا) يجعل من المستحيل غير الانعكاسية نسخة مبسطة من الأنظمة الانعكاسية.
أن تكون الأنظمة لنستخدم مفهومي التكرار والمناطق الجاذبة لتوضيح هذه المسألة. إذا كان النظام المجهري تكراريًا، فإن أي حالة من النظام ستعود إلى نقطة البداية في نهاية المطاف. ولكن هذا يعني كذلك أن أي وصف «مبسط» للنظام سيعود هو أيضًا في النهاية إلى نقطة البداية. بعبارة أخرى، إذا كان النظام تكراريًا، فإنَّ أي وصف مبسط لذلك النظام لا بد أن يكون تكراريا هو الآخر. يمكننا أيضًا أن نشرح المسألة بالترتيب المعاكس. لنفترض أن الوصف المبسط غير التفصيلي له منطقة جاذبة، ولنفترض أن نقطة البداية لذلك النظام تقع خارج المنطقة الجاذبة. فهذا يعني أن النظام سيدخل إلى المنطقة الجاذبة ولن يخرج منها أبدًا. ولكن في هذه الحالة، لن يكون النظام المجهري تكراريًا. على الرغم من ذلك، فعند التفكير في المسألة، نجد أنه لا يمكن للفيزياء غير الانعكاسية العيانية أن تنبثق من الفيزياء الانعكاسية المجهرية.
الأدق أن نقول إنها لا يمكن أن تنبثق حتى يُضاف مكون آخر إضافي. وما تخبرنا به هذه الحجج أن النسخ المبسطة لا يمكن أن تكون هي القصة بأكملها، بل لا بد أن هناك افتراضات أخرى أو شروطا تُضاف إلى الفيزياء الانعكاسية المجهرية حتى يظهر عدم القابلية للانعكاس على مستوى مبسط ولفَهم ما قد تكون عليه هذه العناصر الإضافية، نحتاج إلى النظر في السِّمة الثانية للفيزياء العيانية والتي لا توجد في الوصف التفصيلي الدقيق وهي: الاحتمالية.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|