أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-2-2022
2253
التاريخ: 2024-08-12
297
التاريخ: 27-1-2022
2069
التاريخ: 8-1-2023
2344
|
نموذج من الماجريات البرلمانية
عقد مجلس النواب المصري في الثاني من شهر أبريل سنة 1947 جلسة كان من أهم موضوعاتها الاستجواب الذي قدمه الاستاذ مكرم عبيد عن مصادرة الصحف، ونشرت صحيفة "الاهرام"الصادرة في الثالث من ذلك الشهر تقريرها عن هذه الجلسة بعنوان:
في مجلس النواب
الاستجواب عن مصادرة الصحف
كلمة مكرم عبيد وبيان رئيس الحكومة
بدأت جلسة النواب في مساء أمس بأن حلف اليمين الدستورية" فلان وفلان من النواب الجدد"، ثم أحيلت مشروعات القوانين الجديدة إلى اللجان المختصة، ومنها مشروع قانون التعامل في الاوراق المالية، ومشروع قانون بعدم قبول الطعن في أعمال وزير المالية الخاصة بالحراسة فقط.
شركة مياه الإسكندرية
وأجيب بعد ذلك من الاسئلة الباقية، وكان أولها سؤالاً للنائب "فلان" عن مدة التزام شركة مياه الإسكندرية، وانفرادها بتحديد سعر المياه في المدينة بأن العقد ليس به مدة محددة، ولكن البلدية ترى أنه ليس له صفة الدوام، أما أسعار فمحدودة في العقود، ولكن للسلطة مانحة الامتياز حق تعديلها.
الاستغناء عن البعثة للعسكرية
وأجيب عن سؤال للنائب "فلان" عن موعد الاستغناء عن البعثة العسكرية بأنه تقرر إنهاء عقود نصف أعضاء البعثة في آخر شهر يونيه، والنصف الآخر في نهاية العام.
في المدارس الأجنبية
وأجيب عن سؤالين للنائبين "فلان، وفلان" في صدد إلزام المدارس الاجنبية باحترام دين الدولة الرسمي، بأن الوزارة لما بلغها بأن مدرسة سانت أنطوان وزعت كتاباً على التلاميذ به طعن في الدين الإسلامي قامت بمصادرته؛ وإجراء التحقيق، ومنعت دخوله إلى البلاد؛ وأرسلت مفتشها إلى جميع المدارس الاجنبية لفحص الكتب المدرسية وغيرها مما يوجد في مكاتباتها؛ واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أية مدرسة تحتفظ بأي كتاب يشتمل على طعن في الدين الإسلامي.
حول التصريح ببطاقات الغزل
وأجيب عن سؤال للنائب "فلان" عن شركة الفيوم للنسيج، وهل منحت بطاقة غزل استثناء ببيان طويل مدعم بالأدلة يستخلص منه أن تقرير بطاقة لهذه الشركة إنما كان تطبيقاً لقاعدة عامة تهدف إلى خدمة صالح التموين؛ دون نظر إلى أي اعتبار آخر، وأنه لم يكن لأشخاص المتقدمين بالطلبات أي تأثير في توجيه الوزارة إلى القرار الذي اتخذته.
الموافقة على تسعة مشروعات
ثم وافق المجلس بنداء الاسماء على تسعة مشروعات قوانين تم بحثها بالفعل في الجلسة الماضية.
حرية الصحافة
وعلى أثر ذلك أخذ المجلس في مناقشة الاستجواب الموجه إلى دولة رئيس الوزراء من معالي مكرم عبيد "باشا" والاستاذ محمد حنفي الشريف في مصادرة الصحف، والتجاء الحكومة إلى أوامر الحظر دون سبب قانوني.
كلمة مكرم "باشا"
وأعطيت الكلمة لمعالي مكرم عبيد "باشا" فقال: إنه جمع في استجوابه بين المصادرة والحظر، لان لهما معنى واحداً، هو مصادرة حرية الرأي، وذكر أنه لم يدفعه إلى تقديمه إلا الرغبة في الاحتكام إلى المجلس، ولعل الحكومة تتفق مع النواب على أن المصادرة عقوبة، ولا يجوز للحكومة أن تحكم بعقوبة، لان ذلك من اختصاص السلطة القضائية، فإذا أجازته السلطة التنفيذية لنفسها كان في هذا مصادرة للحريات التي كلفها الدستور وطلب السعر بهذه المناقشة عن أي اعتبار إلا اعتبار المصلحة العامة، خصوصاً في هذا الوقت الخطير.
ثم استطرد قائلاً: إن الذي يعنيه أولاً هو الناحية الوطنية، ففي مصادرة الصحف تقييد شديد للحرية، ولا يجوز في الوقت الذي نتقدم فيه إلى الاحتكام الدولي مطالبين بالحرية أن نتعدى نحن على الحرية. ولو جاز هذا في أي وقت من الاوقات لما جاز في الوقت الحاضر.
وذكر أن مصادرة الصحف مصادرة لحرية الرأي، مع أن كلفتها مادة أساسية من مواد الدستور وهي في الوقت نفسه مصادرة للرقابة القضائية، واعتداء على سلطة القضاء، وعلى مبدأ الفصل بين السلطات، وعلى الرقابة البرلمانية أيضاً، لان الحكومة تصادر الصحيفة لتمنع وصول خبر من الاخبار إلى نواب البلاد.
وهنا سأله دولة رئيس الوزراء:
"وإذا كان الخبر كاذباً، وكان من شأنه أن يحدث اضطراباً"؟ فأجاب بأن المصادرة الإدارية لا تجوز على أية حال، بل يجب أن يترك الامر للقضاء، وإذا سلمنا بنظرية المصادرة لصار حالنا أسوأ منه في سنة 1881 .
ثم تلا المادة الخامسة بالمصادرة في قانون المطبوعات، وفيها أنها لا تكون إلا بقرار من مجلس الوزراء، أو بعد الإنذار مرتين، أما الآن فإن الصحيفة تصادر وهي خارجة من المطبعة، وقد يحدث أن يوقظ دولة رئيس الوزراء من نومه، ويقال له إن جريدة كذا يجب مصادرتها، لأنها كتبت كذا، فيصدر أمره التليفوني بالمصادرة، غير حاسب حساباً لأرزاق الناس، ولا للضرر الذي يصيبهم.
وتلا "مكرم" المادة الخاصة بحرية الصحافة من الدستور، ثم تلا المناقشة التي دارت حولها بين أعضاء لجنة الدستور، واستخلص منها أن الفقرة الخاصة بوقاية النظام الاجتماعي إنما قصد بها إصدار تشريعات تحدد فيها أحوال المصادرة التي تتخذ لحماية النظام الاجتماعي، ودعم رأيه بالمذكرة التفسيرية الخاصة بالمادة 15 من الدستور.
وقال إنه في 17 فبراير سنة 1936 وضع قانون المطبوعات، ونص فيه على الاحوال التي تجوز فيها المصادرة، والاحوال التي تجب فيها، واستشهد ببحوث رجال القانون، فتلا بحثاً لوحيد رأفت "بك" يفسر فيه عبارة "وقاية النظام الاجتماعي" بأنها دفع خطر الشيوعية والبلشفية وإن كانت بعض المحاكم لم تقصرها على هذا المعنى.
ثم ذكر أن هناك فرقاً بين النظام السياسي والنظام الاجتماعي، فلا خطر من الخلاف بين الاحزاب، واستطرد قائلاً: إن الدستور الفرنسي يبيح المصادرة في حالة أخرى، هي حالة الخطر الداهم الذي لا يمكن تداركه إلا بالتعطيل، عملاً بالمبدأ القائل: "إن سلامة الدولة هي القانون الاعلى" .
وقال معاليه: إن المغفور له أحمد ماهر "باشا" خطب في سنة 1921 فقال:
"إن من يتولى الحكم يجب أن يعرض أعماله جميعاً للنقد، وإن محمد محمود )باشا( تكلم عن قضية الصحافة في عام 1940 فقال:
"إنه كلما كانت حرية الصحافة أوسع ازداد الدستور احتراماً" .
وأراد مكرم "باشا" أن يتلو بياناً للدكتور هيكل "باشا" عن المادة 15 من مواد الدستور، فقال له دولة النقراشي "باشا" إنه لم يصادر استناداً إلى المادة 15 من الدستور، بل بحكم المادة 198 من قانون المطبوعات، ولذلك فإنه يحتكم إلى رئيس المجلس في أنه لا داعي للكلام في المادة 15 هذه.
واستطرد مكرم "باشا" فتلاً بعض الفقرات من مذكرة رئيس الشيوخ، مستشهداً على أنه ليس للحكومة الحق في مصادرة الصحف إلا الوقاية النظام الاجتماعي.
وانتقل إلى المادة 198 من قانون العقوبات فتلاها، وهي تجيز المصادرة إذا كان النشر جريمة استعمل فيها سوء القصد. وهذه الجريمة هي التحريض على ثورة، أو الاعتداء على الاعراض، أو ما يماثل ذلك، وفي هذه الحالة يكون المقصود بالمصادرة هو منع انتشار الجريمة، على أن يتولاها رجال الضبطية القضائية.
واستطرد قائلاً: إنه سيبين للنواب هل صودرت صحيفتنا "حزب الكتلة" لجريمة تنطبق عليها هذه المادة؟ وهنا رأى سعادة رئيس المجلس الاستاذ محمد حامد جودة أن تذكر الحكومة أسباب المصادرة، ثم يرد عليها مكرم باشا.
بيان الحكومة
وكان دولة رئيس الوزراء قد غادر القاعة لسبب طارئ، فتولى عبد الرحمن عمار "بك" مدير الامن العام إلقاء بيان "دولته" وهذا نصه:
حضرات النواب المحترمين:
تحرص الوزارة على كفالة حرية الرأي في شتى مظاهرها، ومختلف نواحيها، ولعل أجل صورتها تلك التي يتعين توافرها في شأن الصحافة وهي تؤدي رسالتها التي هي رسالة قومية خطيرة الشأن، عظيمة الاثر.
وقد عملت الوزارة منذ وليت الحكم على تقدير ما يجب أن تحاط به هذه الرسالة من قدسية، وما ينبغي أن يتوافر لها من حرية شاملة، فلم تلجأ الحكومة إلى مصادرة الصحف في عهدها القائم إلا في ثلاث حالات اضطرت فيها إلى ذلك اضطراراً بدافع من المصلحة العامة، ونزولاً على أحكام قانون المطبوعات.
ثم شرح بيان الحكومة هذه الحالات الثلاث، وأتت صحيفة الاهرام. على هذا البيان الحكومي برمته، وفيه شرح لكل حالة من الحالات الثلاث، ولكنها نوجز الحديث عنها إيثاراً للإيجاز.
فالحالة الاولى: هي مصادرة صحيفة المصري في 12 / 11 / 1946 وذلك بمناسبة المظاهرة التي نظمها طلبة معهد "فؤاد الاول" الديني بمدينة أسيوط، وتفريق البوليس لها، ووقوع حوادث تولت النيابة تحقيقها، وأصدرت أمرها بحظر إذاعة أي خبر يتصل بهذه الحوادث، ومع ذلك، ومع أن صحيفة المصري نشرت أمر هذا الخطر، فإنها عمدت إلى نشر أنباء عن هذا الحادث من شأنها التأثير في سير التحقيق.
الحالة الثانية: مصادرة أعداد من صحيفتي "الكتلة" و"صوت الامة" الصادرتين بتاريخ 20 / 1 / 1947 . وسبب ذلك أن كلتا الصحيفتين قد نشرتا خبراً غير صحيح تحت عنوان بارز بخط عريض مؤاه أن رجال البوليس أطلقوا الرصاص على طلبة مدرسة حلوان الثانوية للبنين في يوم الحداد 19 يناير، وأنه قد أصيب منهم عشرة طلاب!
غير أن القضاء كشف عن بطلان هذه الاخبار.
الحالة الثالثة: مصادرة أعداد صحيفتي "الكتلة" و "صوت الامة" الصادرة في 10 / 2 / 1947 ، ذلك أن صحيفة الكتلة نشرت تحت عنوان "الحالة في الجامعتين أنباء غير صحيحة من شأنها إثارة الخواطر، ومؤداها أن جامعة "فؤاد الاول"، قد حوصرت منذ الصباح الباكر بقوات كثيرة من المشاة، والخيالة، والسيارات المصفحة، والدبابات، فضلاً عن سيارات إنجليزية من النوع المعروف باسم "جيب" بها جنود من الإنجليز كانت ترابط في مناطق بمدينة الجيزة.
كما نشرت "صوت الامة" تحت عنوان: "الحالة في الجامعتين والمدارس" أنباء غير صحيحة من نوع الانباء التي نشرتها صحيفة "الكتلة" من شأنها كذلك إشاعة الفتن والاضطراب، وتكدير السلم، وخلاصة هذه الاخبار أن رجال البوليس قد عاودتهم الشهوة الجامحة، واعتدوا على الطلاب اعتداء وحشياً بالعصى الغليظة، فأصيب بعضهم بإصابات مختلفة، وأنهم قبضوا على فريق منهم، وأودعوهم مختلف الاقسام...
ولما كانت جميع هذه الانباء عارية عن الصحة فقد بادرت الوزارة إلى تبليغ النيابة عن الصحيفتين، إذ أن نشر هذه الاخبار غير الصحيحة، والمكدرة للسلم جريمة تعاقب عليها المادة 198 من قانون العقوبات.
وقد باشرت النيابة العامة التحقيق في هذا الشأن، وحصلت مصادرة أعداد الصحيفتين المذكورتين في يومي 20 يناير و 10 فبراير تطبيقاً للمادة 198 من قانون العقوبات.
ومضى البيان يدافع عن سياسة الحكومة في مصادرة الصحف، مستنداً في ذلك إلى مواد في قانون العقوبات أهمها المادة رقم 192 ، والمادة رقم 198 ثم أعطيت الكلمة للأستاذ أحمد عبد الغفار "باشا" فقال:
إن الحكومة تتسامح في التعريض بأشخاصها، ولكنها تلجأ إلى المصادرة لعلمها أن المعارضة تبذل كل جهدها لتكدير الامن العام، وفي سبيل حماية الامن العام ستستعمل الحكومة كلا سلاح يبيحه القانون، وستمنع اللعب بالنار بكل حزم.
وهنا طلب مكرم "باشا" حذف هذا الكلام من المضبطة، لان فيه اتهاماً صريحاً للمعارضة لا تقبله على نفسها.
وبعد أن انتهى مكرم "باشا" من إلقاء كلمته طلب الكلمة عبد الرحمن عمار "بك"، فاعترض فكري أباظة "بك" طالباً أن يؤذن للمستجوب الثاني الاستاذ محمد حنفي الشريف بالكلام قبل أن تتكلم الحكومة، واحتج الاستاذ الشريف على عدم الإذن له بالكلام، قائلاً: إن في ذلك مخالفة للائحة الداخلية، فأفهمه الرئيس بأنه لا يمنعه من الكلام، وكل ما في الامر أن الحكومة طلبت الكلمة، ولها الحق فيها كلما أرادت.
بقية بيان الحكومة
وتكلم عبد الرحمن عمار "بك" عن الحظر، فقال إن الاستجواب في حظر النشر غير دستوري، لان النيابة هي التي تصدر أوامر الحظر، وهي تقوم بعمل قضائي، هو من صميم اختصاص السلطة القضائية، والاستجواب لا ينسجم مع مبدأ فصل السلطات، وذكر أن هذا الرأي يقره رجال القانون، واستشهد بفتوى في ذلك لمعالي وزير العدل.
وقد اعترض الاستاذ فكري أباظة قائلاً: إن هذا الكلام خطير، لان النيابة لا يمكن أن يباح لها أن تصدر أوامر الحظر كلما أرادت، ودون أي تقييد.
واستطرد عمار "بك" فتلا مذكرة لمعالي وزير العدل في ذلك، ثم ذكر أن كل حرية يجب أن يكون لها حدود، وليس من الحرية ترك الصحف تقول ما تقول ما تريد لتكدير السلم، وضرب المثل بقول جريدة "الكتلة" إن جامعة "فاروق الاول" قد أحيطت بالدبابات، وإن رجال البوليس أعملوا عصيهم في الطلبة، وإن عشرات منهم أصيبوا بالرصاص في حين أنه لم يحدث شيء من ذلك.
واختتم عمار "بك" كلامه بأن الحكومة ماضية في خطتها في غير ما تعسف ولكن حماية للأمن العام.
المناقشة تستأنف اليوم
وعلى أثر ذلك رفعت الجلسة على أن تستأنف المناقشة في هذا الاستجواب "اليوم" في السادسة مساء.
هذا مثل عادي من أمثلة "الماجريات البرلمانية" التي وقعت في مصر، ومنه يتضح كيف أن المحرر البرلماني عرض لمشروعات القوانين بسرعة وإيجاز، ولم يطل الوقوف عند شيء منها، حتى إذا بلغ الموضوع الرئيسي للجلسة البرلمانية وهو موضوع مصادرة الصحف لم يدع من كلام النائب المستجوب، أو كلام الحكومة في الرد على هذا الاستجواب شيئاً ما.
وقد وضح للقارئ كذلك الطريقة التي سلكها صاحب الاستجواب في التدليل على حقه في تقديم هذا الاستجواب، وهي طريقة تقوم على الحجج القانونية للموضوع من جميع الوجوه، وكان الحكومة كانت تعرف بالضبط شيئاً عن هذه الطريقة فتأهبت للرد لتبرئ نفسها من التهم التي كالتها لها الصحف السالفة الذكر.
على أن هذه الجلسة لم تتمكن من الوصول إلى قرار في هذا الشأن، فلم يستطيع المحرر البرلماني أن يذكر لنا شيئاً من ذلك، ولا استطاع أن يصف نهاية الجلسة في ذاتها، مرجئاً كل ذلك للجلسة التالية.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|