ارتبطت حركة الاصلاح الديني في انكلترا بعدة عوامل اهمها ان حالة رجال الدين في انكلترا لم تكن بأحسن من غيرهم في اوروبا فيما يختص بارتكاب الفضائح والرذائل والاقبال على الملذات والانغماس في المشاكل الاجتماعية المختلفة وفي سياسة تبذير الاموال التي كانوا يجمعونها بشتى الطرق. كما ان انكلترا شهدت منذ القرن الرابع عشر - كما رأينا - بروز افكار اصلاحية بدأها ويكلف بمعارضة شديدة لدفع الضرائب للبابا بحجة انه يسيء استعمالها. فضلا عن أن مبادى لوثير وكالفن وبقية المصلحين كاراسم مثلاً كانت قد وصلت الى انكلترا عن طريق المبشرين البروتستانت.  لقد بدأ الخلاف بين هنري الثامن ملك انكلترا (1509 - 1547) مع البابوية عندما رفض البابا كلمنت السابع ان يطلق زوجته کاترین اراغون، بعد مضي ثماني عشرة عاماً على زواجه منها بحجة ان الزواج لا يعتبر شرعياً لأن كاترين كانت ارملة أخيه. والحقيقة ان هنري كان يرمي الى الزواج من احدى عشيقاته واسمها آن بولين كما انه كان يتوق الى ولد ذكر يرث عرشه. اذ لا يمكننا اغفال العقلية الانكليزية المحافظة في وجوب إنجاب العرش لأن في ذلك استقرار للسلطة السياسية في البلاد بعد الحروب الدامية التي كانت تشهدها انكلترا بسبب هذا الأمر. كما أن ابنة هنري من کاترین كانت قد خطبت لولي عهد فرنسا وعمرها سنتان فقط. وفي هذه الحالة يمكن لملك فرنسا في المستقبل ان يرث التاج الانكليزي لتصبح انكلترا بعدها مقاطعة فرنسية خالصة. وهكذا نستنتج من طلب هنري لبطلان الزواج، ان الملكية الانكليزية اصبحت ذات شأن يمكنها من رفض التسليم بسلطة البابا وتحكمه في مواردها الاقتصادية مع ان هنري الثامن نفسه كان من أشد المخلصين للكاثوليكية، مع حتى ان البابا ليو العاشر انعم عليه بلقب) حامي العقيدة» بعد ان أصدر هنري بحثاً عام 1521 رد فيه على لوثير مدافعاً عن البابوية وسلطتها (1). لم تعد البرجوازية الانكليزية اذن في أوائل القرن السادس عشر بعد ان ازدهرت أعمالها التجارية وراء البحار وفي الاراضي المنخفضة، قادرة على الوقوف مكتوفة الأيدي امام الاعراف والتقاليد والقوانين المعيقة لنموها. لذلك وقفت الى جانب الملك الانكليزي تسانده في اتخاذ القرارات والقوانين التي تحد من سلطة رجال الدين وتجعل من الكنيسة الانكليزية كنيسة قومية خالصة. كما ان انتصارات شارل الخامس المتتالية في الحروب الايطالية على فرنسا واحتضانه للبابوية قد قلبت التوازن الاوروبي رأساً على عقب. فما كان على انكلترا في هذه الحالة الا ان تقف ضد شارل الخامس قبل ان يبتلع ايطاليا كلها ومعها فرنسا وبما ان كاترين زوجة هنري هي قريبة شارل (عمته) كانت حجة ودافعاً للمزيد من العداء لإمبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة. يذكر فيشر المؤرخ الانكليزي بهذا الصدد: (رغم ان الشعب الانجليزي يغلب عليه طابع المحافظة، فانه كان ايضاً بصفة عامة لا يميل الى رجال الدين ويصدق هذا بصفة خاصة على العلمانيين في لندن والمدن التجارية. وكانت الطبقة التجارية واسعة السلطان؛ وكان الجبللين (2) (Gibelins) الانجليز يحقدون على ما يتمتع به القسس من امتيازات وما يحوزون من املاك كان يسوؤهم ان يعفى رجال الدين من التشريع الجنائي الذي يخضع له افراد الناس في الوقت الذي يخضع فيه الناس لتشريع الكنيسة الجنائي. وتساءلوا: لماذا يفلت سافك الدماء فعلاً من العقوبة إذا استطاع ان ينشر مقطوعة من المزامير واستحق بذلك ان يكون رجل دين، واي حق يخول محكمة الاسقف الحكم على رجل علماني بالحرق بتهمة الهرطقة دون اي تدخل او مانع من جانب السلطة المدنية؟ ... ورغم ان اتجاه الرأي العام كان في معظمه علمانياً لا يميل الى الاكليروس، فانه لم يكن ثورياً. ولم تلهب حركة الاصلاح الديني في انجلترا تلك المرارة الاجتماعية بين الطبقات التي اشعلت ثورة الفلاحين في المانيا) (3).

...........................................

1- كتب هنري يدافع عن سلطة البابا قائلاً : اي ثعبان سام يصل الى درجة من يصف سلطة البابا بأنها مستبدة ؟ ... واي جارحة من جوارح الشيطان تحاول ان تمزق اعضاء المسيح وتفصلها عن رأسها. فالكنيسة بأسرها ليست رعية للمسيح فحسب... بل لكان المسيح الوحيد، بابا روما.. انظر ديورانت: قصة الحضارة الجزء (25) (29).

2- الجبللين هم انصار الامبراطورية اثناء الصراع بين الامبراطور والبـابـا في العصور  الوسطى. للمزيد. انظر: POULET. E. : Papauté. Guelfs et Gllelins 2 vol Paris 1922.

3- فيشر: المرجع نفسه ص 113.