المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6237 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

مواصفات اصناف البصل الهامة في مصر
2-12-2020
التربة كمصدر للعناصر الغذائية
2024-06-09
The constant of aberration
3-8-2020
Stress
2024-06-18
صلاة الصبح من صلاة النهار أم الليل.
11-1-2016
Magnetostriction
4-3-2021


موانع العبودية لله (الرضا بالحياة الدنيا)  
  
406   01:21 صباحاً   التاريخ: 2024-07-30
المؤلف : مركز المعارف للتأليف والتحقيق
الكتاب أو المصدر : دروس في التربية الأخلاقية
الجزء والصفحة : ص189-197
القسم : الاخلاق و الادعية / الرذائل وعلاجاتها / حب الدنيا والرئاسة والمال /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-8-2022 1323
التاريخ: 5/9/2022 1524
التاريخ: 5-10-2016 1899
التاريخ: 2024-05-25 892

مقدمة

إذا كان لقاء الله تعالى، والفوز بمقام الشهادة أمنية كلّ إنسان صادق يبحث عن السعادة التي لا ينغّصها ألم، والكمال الذي لا يشوبه نقص، والراحة التي لا يعتريها نصب، فإنّ بلوغ هذا الهدف السّامي شرطه الأساسيّ صدق النيّة في طلب الحقّ، وقطع كلّ العوائق التي تمنع من التوجّه والانقطاع إليه. وفي الدرسين السابقين ذكرنا مانعين من هذه الموانع هما الغفلة والعقائد الفاسدة، وفي هذا الدرس سوف نذكر المانع الثالث وهو الرضا بالحياة الدنيا.

 

آفة الاكتفاء بالدنيا وحبّها

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ[1].

تبيّن هذه الآية بشكل واضح، أنّ الاكتفاء والرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان إليها يمكن أن يكون سبباً لدخول النّار، لأنّ الرضا بالحياة الدنيا يكشف عن غفلة الإنسان عن الحياة الحقيقيّة في الآخرة. فالآية لم تذمّ الذين يعيشون في الدنيا، يأكلون ويشربون، ويتمتّعون، بل الذين تعلّقت قلوبهم بالدنيا واطمأنّوا بها، واختاروها بدلاً عن الآخرة وتشبّثوا بها، فلا يرغبون في شيءٍ آخر ولا يشعرون بنقصٍ إلى جانبها. ولقد استفاضت الآيات والروايات في الحديث عن الدنيا والتحذير من مغبّة التعلّق بها، وحبّها والاكتفاء بها، لأنّه يحرف الإنسان عن جادّة الحق وصراطه المستقيم، منها قوله تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ[2]، وقوله عزّ اسمه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ[3]، وقوله: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾[4]، وقوله: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى[5].‏

وفي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خبر المعراج، قال: "قال الله تبارك وتعالى: يا أحمد لو صلّى العبد صلاة أهل السماء والأرض، ويصوم صيام أهل السماء والأرض، ويطوي عن الطعام مثل الملائكة، ولبس لباس العابدين، ثمّ أرى في قلبه من حبّ الدنيا ذرّة أو سمعتها أو رئاستها أو صيتها أو زينتها، لا يجاورني في داري، ولأَنزعنَّ منْ قلبه محبتي، ولأُظلمنّ قلبه حتّى ينساني، ولا أذيقه حلاوة محبتي"[6].

وعن الصّادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ قال: "هو القلب الذي سلِم من حبّ الدنيا"[7].

وعن الإمام عليّ (عليه السلام) قال: "إن كنتم تحبّون الله فأخرجوا من قلوبكم حبّ الدنيا"[8]. وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: "إنّك لن تلقى الله سبحانه بعملٍ أضرُّ عليك من حب الدنيا"[9].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "في مناجاة موسى (عليه السلام): يا موسى إنّ الدنيا دار عقوبة، عاقبتُ فيها آدم عند خطيئته، وجعلتها ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما كان فيها لي. يا موسى إنّ عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم، وسائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما من أحد عظّمها فقرّت عيناه فيها، ولم يحقّرها أحد إلا انتفع بها"[10].

 

منشأ التعلّق بالدنيا

أمّا منشأ حب الدنيا والتعلّق بها والاستغراق في ملذّاتها وشهواتها فيعود إلى أمرين أساسيّين:

الأوّل: هو رؤية الإنسان أنّ كماله وسعادته وراحته إنّما هي محصورة في هذه الحياة الدنيا، على حساب الحياة الآخرة، ولقاء الله تعالى والارتباط به.

الثاني: الجهل بحقيقة الحياة الدنيا، ودورها الحقيقيّ في حياة الإنسان.

فعندما يرى الإنسان أنّ سعادته وكماله يكمن في نعم الدنيا وملذّاتها وشهواتها، دون أن يخطر في بال هذا المسكين أنّ الدنيا فانية وزائلة في الأصل ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ[11] وأنّها لم تدم لغيره حتى تبقى له. فكيف يجد الإنسان سعادته في أمر فان؟! وكيف يعلّق آماله على شيء زائل؟! فكلّ من يركن إلى الحياة الدنيا وينجذب إليها، ولا يتورّع عن الدخول في حرامها، ويسرف في حلالها، فلن يلبث أن يقع في المعصية التي إن أصرّ عليها أهلكته لا محالة. لذا كان بغض الدنيا من أفضل الأعمال،

كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "ما من عمل أَفضل عند الله بعد معرفة الله، ومعرفة رسوله، وأَهل بيته من بغض الدنيا"[12].

إنّ الحياة الحقيقيّة والأبديّة للإنسان والخلود متيسّر في عالم الآخرة فقط، أمّا الحياة الدنيا فمتاعها قليل، وهي فانية وزائلة ﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى[13]، ولكنّ هذا لا يعني أن لا قيمة لهذه الحياة الدنيا.

فإذا عرف الإنسان حقيقة الحياة الدنيا ودورها، وأدرك أنها مقدّمة للحياة الحقيقيّة الخالدة في عالم الآخرة، والتفت إلى أنّ اللحظات القصيرة التي جعلها الله تعالى له في الدنيا ستكون مفتاحاً لكنوزه الأخرويّة الأبديّة، وفهم ماهيّة العلاقة بين الدنيا والآخرة، وتأثير حياته الدنيويّة على حياته الأخرويّة الخالدة، وعرف أنه لا بدّ من الزراعة هنا حتى يتمّ الحصاد هناك، فممّا قاله عيسى (عليه السلام): "بحق أقول لكم إنّ الدنيا خلقت مزرعة يزرع فيها العباد الحلو والمرّ والشر"[14]، وأنّ أولي النعمة هناك هم الذين أنجزوا أعمالاً هنا، وسعوا وجدّوا من أجل تلك الحياة وتحصيل السعادة فيها. عندها سوف يدرك أنّ للدنيا دوراً وتأثيراً إيجابياً جدّاً في ارتقائه وتكامله،

فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: "إنّما الدنيا دار ممرّ والآخرة دار مستقر، فخذوا من ممرّكم لمستقرّكم"[15]، والإنسان الذي يتمتّع بهذه المعرفة، فإنّه لن يعادي الحياة الدنيا، لأنّه سيدرك هذه الحقيقة وهي أنّه كلّما استمرّ وجوده في الدنيا أكثر كان قادراً على التكامل أكثر، وإنجاز المزيد من الأعمال الصالحة وبالتالي بلوغ مقامات أخرويّة أسمى، فالروايات والأدعية المرويّة عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) والتي تتحدّث عن طلبهم طول العمر من الله قائمة على هذه الرؤية والاستنتاج المذكور.

لقد كانوا على علم بأنّ الحياة الدنيا يمكن أن تكون وسيلة لنيل السعادة الأخرويّة.

والتعابير الواردة في الروايات نظير "الدنيا مزرعة الآخرة"[16]، تشير إلى هذه الحقيقة وهي أنّ على الإنسان أن يعمل في الدنيا لكي ينال السعادة الدائمة في الآخرة، فهذه الحياة طريق لا بدّ أن نجتازه، ووسيلة ينبغي أن نستخدمها في مجالها وبصورة صحيحة، وأداة يجب الاستفادة منها بدقّة كي ننال سعادتنا، والحياة اللائقة بنا في العالم الخالد. وفي هذه الحالة فقط يرغب الإنسان أن تطول فترة حياته الدنيويّة كي يوفّق للمزيد من الأعمال الصالحة.

أمّا تمنّي الموت من قبل أولياء الله كما قال مولى الموحدين علي بن أبي طالب (عليه السلام): "والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه"[17]، فهو من أجل لقاء محبوبهم بعد الموت حيث فصلتهم الحياة المادّية عنه، وبالموت يرتفع هذا المانع، وينالون لقاء محبوبهم. وهذا لا يتنافى مع طلبهم البقاء، والدوام في هذا العالم كما ذكرنا، فهم من جهة يطلبون بقاءهم لكي يستعدّوا بنحوٍ أفضل للّقاء، ويتمنّون الموت من جهة أخرى شوقاً للقاء محبوبهم، فالمقصود الأصلي للإنسان هو النعم الأخرويّة والكرامات الإلهية ورضا الله تعالى.

 

الدنيا الممدوحة والدنيا المذمومة

في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "حبّ الدنيا رأس كل خطيئة"[18]، وليس المقصود من حب الدنيا والتعلّق بها، حبّ الطبيعة من الجبال والأنهار وغيرها أو حبّ الناس، بل المراد بحبّ الدنيا تعلّق القلب بهذه الأمور بحيث تشكّل عائقاً أمام ارتقاء الإنسان، وسفره نحو الآخرة والحق، وبشكل أدقّ إنّ تعلّق القلب بملذّات الدنيا وشهواتها وأموالها وزينتها إلى الحدّ الذي يحول دون توجّه عقل الإنسان وقلبه وفكره وعمله إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى الحدّ الذي يدفعه إلى الوقوع في الحرام هو الأمر القبيح والمذموم، وهو الذي قالت عنه الروايات الشريفة إنّه رأس كل ذنب وخطيئة، ففي الحديث أنه ممّا وعظ به الله تعالى عيسى (عليه السلام): "يا عيسى.. واعلم أَنّ رأس كلّ خطيئة وذنب هو حبّ الدنيا فلا تحبها، فإني لا أحبها"[19]، وذلك لأنّ الدنيا والآخرة لا يجتمعان وحبها وحب الله في القلب لا يلتقيان، كما جاء عن مولى الموحدين (عليه السلام) أنه قال: "كما أَنّ الشمس والليل لا يجتمعان، كذلك حبّ اللَّه وحبّ الدنيا لا يجتمعان"[20].

وإذا أردنا أن نختصر الأمر نقول إنّ الدنيا في الحقيقة دنياءان: دنيا ممدوحة ودنيا مذمومة، كما قال إمامنا السجاد (عليه السلام): "الدنيا دنياءان: دنيا بلاغ[21]، ودنيا ملعونة"[22].

فليس طلب مطلق الدنيا وطيّباتها حراماً ومذموماً ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[23]، وذات يوم جاء رجل إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وقال له: "إنّا لنطلب الدنيا، ونحبّ أن نؤتاها، فقال: تحبُّ أن تصنع بها ماذا؟ قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأَصِلُ بها وأتصدّق، وأحجّ وأعتمر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة"[24]. وورد في نهج البلاغة أنّ شخصاً ذمّ الدنيا في محضر الإمام علي (عليه السلام) فعارضه الإمام (عليه السلام) بشدّة قائلاً: "أيّها الذامّ للدنيا، المغترّ بغرورها، المخدوع بأباطيلها، أتغترّ بالدنيا ثم تذمّها؟ - إلى أن قال -: إنَّ الدنيا دار صدق لمن صدّقها ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتّعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلّى ملائكة الله ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله..."[25].

فالحياة الدنيا بنفسها غير مذمومة، بل إنّ علاقة الإنسان بها وانخداعه واغتراره بها وغفلته عن الآخرة، وانشغاله بالدنيا إلى الحدّ الذي ينسى معه الله تعالى ولقاءه هو المذموم.

فالذمّ يتوجّه أوّلاً إلى سلوك الإنسان وعلاقته بالدنيا، بمعنى آخر المذموم من حبّ الدنيا هو الدنيا التي توقع الإنسان في الحرام، وتكون سبباً للبعد عن الحق عزّ وجلّ، ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ[26].

كما وإنّ الإسراف في طلب حلال الدنيا دون حسيب أو رقيب، ودون الرجوع إلى الحدود والضّوابط الشرعيّة والأحكام الإلهية، بحيث يضرّ ذلك بواجباته تجاه ربه، هو بدوره يعدّ من مصاديق الدنيا وحبّها الذي يؤدّي إلى عواقب وخيمة، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[27]، ﴿كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى[28].

إنّ نقطة الانحراف الأساس والتي تنشأ منها كلّ العيوب هي الإفراط في اهتمام الإنسان بالدنيا، وتعلّق قلبه بها وابتغاؤها بصورة مستقلّة. هذه الرؤية والتعلّق ناشئان عن جهل الإنسان وقلّة بصيرته، لأنه لو عرف أنّ الدنيا ليست دار بقاء، بل ماهيّتها الانقضاء وأنّنا في حال تحرّك دائم فيها، ولا نتوقّف حتّى لحظة واحدة لا في النوم ولا في اليقظة ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾[29]، لو كانت للإنسان مثل هذه الرؤية لم يتعلّق قلبه بالدنيا أبداً.

إذاً، ممّا ذكرنا نستنتج أنّ المشكلة ليست في الحياة الدنيا، بل في كيفيّة تعاملنا واستفادتنا منها، فالإخلاد إليها والرّضا بها هو المشكلة، وهو الذي يكون ضارّاً وخطيراً ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ[30]. لذا يسأل الله تبارك وتعالى الناس ﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ[31].!!

 

علاج حبّ الدنيا

أمام هذا الواقع يرى العاقل أنّه لا بدّ من اجتناب حبّ الدنيا والتعلّق بها لأنّها "المهلكة طلابها، المتلفة حُلاّلها[32]، المحشوّة فالآفّات، المشحونة بالنكبات"[33]، كما قال إمامنا زين العابدين (عليه السلام)، والسبيل إلى ذلك يكون من خلال ثلاثة أمور:

الأوّل: أن يعرف أنّ الدنيا ليست هي الهدف ولا الغاية، وأنّ السعادة فيها زائلة وغير باقية ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾[34]، والأهمّ من ذلك عليه أن يتعرّف إلى الآثار السلبية المترتّبة على حبّ الدنيا، من العذاب والبعد والطّرد وغيرها... لعلها تردعه وتجعله يفكّر مليّاً قبل أن يقدم على هذه الحماقة.

الثاني: على الإنسان العاقل أن يتذكّر الموت دائماً، ويعتبر منه، ويحدّث نفسه به بالليل والنهار، لأنه أبلغ حقيقة، وأقوى برهان على أنّ الإنسان لم يُخلق لهذه الحياة الدنيا، ولا للبقاء فيها. سأل أحدهم الإمام الباقر (عليه السلام): "حدّثني بما أَنتفع به فقال: يا أَبا عبيدة: أَكثر ذكر الموت، فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا"[35].

الثالث: عليه أن يصحّح نظرته إلى الدنيا، ويدرك أنّ حياته ليست محصورة بهذه الحياة، بل هناك حياة أخرى خالدة وراءها، وأن يكتشف العلاقة الواقعيّة بين الدنيا والآخرة، من خلال المقارنة بينهما ليدرك أنّ علاقة الدنيا بالآخرة هي علاقة الطريق والهدف، أو الوسيلة والغاية، فالدنيا "دار ممرّ لا دار مقر"[36] كما قال مولى الموحّدين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

أمّا لو نظر إليها نظر إعجاب وافتتان بزينتها واتّخذها هدفاً نهائيّاً له، فسوف تكون رؤيته الخاطئة هذه منشأ للكثير من الأخطاء الفكريّة والسلوكيّة في المستقبل، لأنه اتّخذ الوسيلة هدفاً والطريق مقصداً، إنّ حال صاحب هذه الرؤية حال من يوفّر مستلزمات السفر إلى بلد ما لأداء عمل ما ضروريّ، ثمّ أثناء الطريق ينجذب إلى الخُضرة والمشاهد الجميلة حتى ينسى هدفه الأساس من الرحلة.


[1] سورة يونس، الآيتان: 7 - 8.

[2] سورة إبراهيم، الآيتان: 2 - 3.

[3] سورة البقرة، الآية: 86.

[4] سورة النازعات، الآيات: 37 - 39.

[5] سورة الأعلى، الآيتان: 16 - 17.

[6] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص36.

[7] م. ن، ج12، ص40.

[8] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج 12، ص 40.

[9] م. ن، ج12، ص41.

[10] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 317.

[11]  سورة الرحمن، الآية: 26.

[12] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص36.

[13] سورة النساء، الآية:77.

[14] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج14، ص 312.

[15] الآمدي، غرر الحكم، ص 149.

[16] المحقق الإحسائي، عوالي‏اللآلي، ج1، ص 267.

[17] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 28، ص 234.

[18] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج16، ص 9.

[19] الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص 131.

[20] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص 42.

[21] بلاغ: أي بقدر ما يبلغ به إلى الآخرة.

[22] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 131.

[23] سورة الأعراف، الآية: 32.

[24] م.س، ج5، ص72.

[25] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص 100.

[26] سورة الأعراف، الآية: 51.

[27] سورة الأعراف، الآية: 31.

[28] سورة طه، الآية: 81.

[29] سورة النجم، الآية: 42.

[30] سورة الأعراف، الآية: 176.

[31] سورة التوبة، الآية: 38.

[32] حلاّلها: أي نزّالها.

[33] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجادية: مناجاة الزاهدين، ص 421.

[34] سورة القصص، الآية: 60.

[35] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 131.

[36] نهج البلاغة، ج4، ص 33.




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.