أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-7-2022
3823
التاريخ: 2023-09-26
1020
التاريخ: 29-3-2016
10553
التاريخ: 2023-10-28
1652
|
نظراً لتعلق التفويض بركن الاختصاص الذي يعد قواعده من النظام العام ، لذا فان المشرع والفقه والاجتهاد القضائي في الدول المقارنة يحيطه مجموعة من الضوابط والشروط، وهذه الشروط يمكن تلخيصها بما يأتي:
أولاً : استناد التفويض الى نص قانوني يجيزه:
بمعنى أنه لا يجوز لأية جهة إدارية أن تفوض غيرها في مباشرة اختصاص لها دون الاستناد الى نص تشريعي يسمح بذلك(1) ، وقد استقر الفقه الفرنسي والمصري والعراقي على أن التفويض بالاختصاص لا يكون شرعياً إلا اذا كان مباحاً بنص دستوري كنص المادة (13) من الدستور الفرنسي المعدل عام 2004 التي تسمح لرئيس الجمهورية بأن يفوض من خلال مرسوم صلاحيته بتعيين الموظفين لرئيس الوزراء ليمارسها باسمه والمادة (21) من الدستور نفسه التي تسمح لرئيس الوزراء بتفويض بعض صلاحياته للوزراء (2) ، وفي مصر أجازت المادة (148) من دستور مصر النافذ لسنة 2014 على الرئيس الجمهورية أن يفوض بعض اختصاصاته لرئيس مجلس الوزراء أو لنوابه او للوزراء أو للمحافظين ، ولا يجوز لاحد منهم أن يفوض غيره، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون (3) ، وفي العراق نصت المادة (123) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ على "يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظات او بالعكس بموافقة الطرفين، وينظم ذلك بقانون (4) ، وقد يكون تفويض الاختصاص بناء على نص قانوني، كالقانون رقم 1970/12/31الفرنسي الذي سمح للمجلس البلدي بتفويض بعض اختصاصاته للعمدة، أو قد يكون التفويض من خلال مرسوم كالمراسيم الفرنسية التي تسمح للمحافظين بتفويض بعض صلاحياتهم للمدراء التابعين للمحافظة والسكرتير العام للمحافظة ولنواب المحافظين ورؤساء المرافق الخارجية ومثاله مرسوم 23 كانون الثاني 1947 والمعدل بمرسوم 15 حزيران 1987 والذي سمح ايضاً للوزراء أن يفوضو بعضاً من صلاحياتهم بقرار منهم للكثير من أعضاء وزارتهم (5) كما عالج المشرع المصري التفويض بقانون عام وهو القانون رقم (42) لسنة (1967) حيث نصت المادة الأولى منه على ما يلي الرئيس الجمهورية ان يعهد ببعض الاختصاصات المخولة له بموجب التشريعات والى نوابه أو رئيس الوزراء أو الوزراء أو نواب الوزراء ومن في حكمهم او المحافظين"، وايضاً نصت المادة (31) من قانون الادارة المحلية رقم (43) لسنة (1979) على انه للمحافظ ان يفوض بعض سلطاته واختصاصاته الى نوابه او الى سكرتير عام المحافظة او الى السكرتير العام المساعد او الى رؤساء المصالح او رؤساء الوحدات المحلية الاخرى" (6).
أما في العراق فان القوانين التي تجيز التفويض في الاختصاص كقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14 لسنة 1991) النافذ اذ نصت المادة الأولى منه البند ثانياً على رئيس" الدائرة هو وكيل الوزارة ومن هو بدرجته من اصحاب الدرجات الخاصة ممن يديرون تشكيلاً معيناً والمدير العام او اي موظف آخر يخوله الوزير صلاحية فرض العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون (7)، نلاحظ بمقتضى هذه المادة يحق للوزير تخويل اختصاصه بفرض العقوبات الانضباطية المنصوص عليها في المادة (8) من قانون الانضباط سابق الذكر الى غيره من الموظفين كوكيل الوزارة وغيرهم من الموظفين كما ذكرنا في نص المادة (1/ثانيا) من قانون الانضباط، ..... .
وكذلك من القوانين العراقية التي اجازت تفويض الاختصاص قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21 لسنة 2008 المعدل، فقد نصت المادة (12 / احد عشر) على الى أن لمجلس المحافظة او مجلس القضاء ان يمنح مجلس الناحية اي اختصاصات اخرى بما لا يتعارض مع القوانين النافذة" ، اما المادة (35) من هذا القانون فقد "اجازت للمحافظ أن يفوض بعض صلاحياته الى نوابه ومعاونيه ولا يجوز له تفويض الصلاحيات المفوضة إليه (8), ومن التطبيقات الاخرى للتفويض في العراق خاصة في الامور المالية، وما تضمنته المادة الرابعة من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (20) لسنة (2008) التي نصت على أن يحصر الصرف من اعتمادات الحسابات الرئيسية المنح ، الاعانات ، المصروفات الاخرى ونفقات المشاريع الرأسمالية) من الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق بوزارة المالية ولوزير المالية تخويل الوزراء ورؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة صلاحية التصرف مباشرة على بعض مستويات الحسابات الرئيسية انفة الذكر (9) .
ومن التطبيقات القضائية في هذا الصدد نذكر حكم مجلس الدولة الفرنسي، نذكر حكمه القديم في (21 شباط عام (1900) في قضية (منيوكس) والذي أقر فيه صراحة عدم مشروعية قرارات الوزير الصادرة بتفويض بعض اختصاصاته لسكرتير الدولة المساعد أو لمدير أحد المرافق العامة التابعة له او لمدير مكتبه، وذلك لعدم وجود نص يأذن للوزير بهذه التفويضات، وحكمه الصادر في (4) حزيران عام (1926) والذي انتهى فيه الى بطلان قرار وزير الزراعة بتفويض مدير مكتبه في ممارسة بعض اختصاصاته، واستند في ذلك الى عدم وجود نص يأذن للوزير بهذا التفويض لمرؤوسيه، والى ان التفويض لا يجوز إلا في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة ، وحكمه الصادر في 30 من تشرين الأول عام 1953 في قضية شركة التعاون الزراعي للحمضيات والفواكه والخضار، والذي قضى فيه بعدم جواز تفويض حاكم عام الجزائر بعض اختصاصاته لمرؤوسيه، دون الاستناد الى نص قانوني يجيز له ذلك التفويض (10).
ومن أحكام مجلس الدولة المصري في هذا الصدد والتي اشترطت ضرورة استناد التفويض الى نص اذن نذكر حكم محكمة القضاء الاداري الذي جاء فيه أن القاعدة التي اخذ بها الفقه والقضاء انه اذا أنيط بسلطة من السلطات الادارية اختصاص معين بمقتضى المبادئ الدستورية او القوانين أو اللوائح، فلا يجوز لها أن تنزل عنه او تفوض فيه سلطة أو جهة اخرى لان مباشرة الاختصاص عندئذ تكون واجباً قانونياً عليها وليس حقاً لها يجوز أن تعهد به لسواها الا انه يستثنى من ذلك حالة ما اذا كان القانون يتضمن تفويضاً في الاختصاص "(11) ، وكذلك قضت المحكمة الادارية العليا في مصر ببطلان تفويض مجلس الدراسات العليا والبحوث لنائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث في اصدار قرار بإلغاء قيد طالب ماجستير بناء على طلب مجلس الكلية ، حيث أن اصدار قرار بهذا الشأن من اختصاص مجلس الدراسات العليا والبحوث المستمد من قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية ولا يوجد في هذا القانون نص يجيز التفويض في ممارسة هذا الاختصاص" (13)
ويشترط في النص الاذن بالتفويض ألا تقل قوته الالزامية عن مرتبة النص الذي يقرر الاختصاص الذي ينوي صاحبه التفويض فيه، فالاختصاص الذي يتقرر بنص دستوري لا يجوز التفويض فيه الا بنص دستوري والاختصاص الذي يتقرر بنص قانون او تشريع عادي لا يجوز التفويض فيه الا بقانون او بنص دستوري كما يسري هذا القيد بالنسبة للقرارات الادارية تبعاً لتدرجها في المرتبة بحيث لا يجوز التفويض في سلطة مقررة بقرار جمهوري إلا بقرار جمهوري (14) ، وعليه يجب أن يكون تفويض الاختصاص بفرض العقوبة الانضباطية مستنداً الى نص قانوني يجيزه لكي تتم عملية التفويض على اساسه ، وفي حالة عدم وجود نص قانوني لا يمكن أجراء اي تفويض .
ثانياً: صدور قرار بالتفويض
التفويض لا يكون صحيحاً الا بقرار تفويض يصدره الاصيل صراحة ينقل به بعض اختصاصاته للمفوض اليه متضمناً لحدود التفويض ومدته وشروط ممارسته.
ويكون قرار التفويض باطلاً ومن ثم يبطل التفويض اذا خلا هذا القرار من اي من البيانات السابقة، ومن ثم فان التفويض لا يفترض وانما يتعين أن يصدر به قراراً ادارياً صريحاً حيث أنه استثناء من الاصل العام الذي بموجبه يتعين ان يمارس من أوكل اليه اختصاصاً إدارياً هذا الاختصاص بنفسه (15) .
وقد تأكد ذلك بقضاء المحكمة الادارية العليا التي ذهبت فيه الى ان "التفويض في الاختصاص لا يفترض ولا يستدل عليه بأدوات استنتاج لا تعبر عنه صراحة ولا تؤدي اليه باليقين إذ أنه اسناداً للسلطة ونقلاً للولاية ومن ثم يتعين إفراغه في صيغة تقطع بإرادته، ويجب ان يكون استظهاره مباشراً من سنده (16) .
وعليه يجب أن يكون تقويض الاختصاص بفرض العقوبة الانضباطية في العراق بقرار صادر من الوزير او رئيس الجمهورية، باعتبار أن هؤلاء يملكون سلطة تفويض اختصاصهم بفرض العقوبة الانضباطية، ........... .
ثالثاً: يجب ان يكون التفويض جزئياً :
التفويض وسيلة استثنائية لممارسة اختصاص ما ، قصد به تخفيف ثقل المسئوليات عن الاصيل بالسماح له بنقل اختصاصاته الى موظف اخر ، فالهدف من التفويض ليس سلب كل اختصاصات الاصيل بنقلها الى من فوضه حيث يتنافى ذلك مع الهدف من اجازة التفويض ، ومن ثم فالتفويض لا يكون إلا جزئياً بحيث لا يشمل كل اختصاصات الاصيل ويجب ان يكون بصدد اختصاصات محددة بدقة بحيث لا يشمل صلاحيات الاصيل في تحديد الاهداف ووضع السياسات العامة، حيث أن الصلاحيات روعي في منحها شخص من منحت له بما يتمتع به من خبرات إدارية ومهارات فنية لا تتوافر بالضرورة لدى المفوض إليه(17)
اقر القضاء الفرنسي هذا الشرط في احكام عديدة له، وذلك من خلال رفضه التفويض الكامل أو الشامل في الاختصاص، وقد ظهر إقرار القضاء الاداري الفرنسي لشرط التفويض الجزئي من خلال رفضه تفويض المجلس العام للوحدات المحلية اللجنة المحلية لهذه الوحدات في ممارسة كافة اختصاصاته المتعلقة بالضرائب وإقرار الميزانية والضرائب الاضافية وحق توزيع الإعانات الحكومية بين القرى ورفضه شرعية تفويض العمدة أحد معاونيه في كافة اختصاصاته ، واستند مجلس الدولة الفرنسي في هذا الرفض الى عدم تحديد قرار التفويض حدود التفويض الممنوح للمفوض إليه، كما أقر مجلس الدولة الفرنسي شرط التفويض الجزئي من خلال رفض التفويضات الكاملة الصادرة من الحكومة التي منحتها لها المادة (37 من الدستور الفرنسي لعام 1958) لبعض هيئاتها الادارية حيث انه قرر انه يجب ان يكون قرار التفويض محدداً ببعض الاختصاصات وليس تفويضاً عاماً لكافة الاختصاصات التي تملكها الحكومة بموجب هذا النص. وكذلك قد أقرت الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري في فتاوى عديدة هذا الشرط نذكر منها على سبيل المثال فتواها الصادرة في (1993/5/22) والتي جاء فيها "ينبغي أن يكون قرار التفويض محدداً بموضوعات معينة بحيث لا يفرط به صاحب السلطة في جميع الاختصاصات التي منحها القانون إياه، تطبيقاً لقاعدة ان الاختصاص يمارس ولا يتنازل عنه"(18)
كما نلاحظ ايضاً ان النصوص التشريعية التي تجيز التفويض تستخدم كلمة (بعض) للدلالة على ان التفويض جزئي، كما بينا ذلك تفصيلاً في الشرط الاول من شروط التفويض.
وترتيباً على ما سبق يجب أن يكون تفويض الاختصاص بفرض العقوبة الانضباطية بجزء من العقوبات الانضباطية العقوبات الخفيفة ، وليس جميع العقوبات لأنه في حالة تفويض الاختصاص بجميع العقوبات، فانه يعتبر تنازل الاصيل عن اختصاصاته بفرض العقوبة بالكامل واعطاؤها للمفوض اليه، وبالتالي يجرد التفويض من قيمته
رابعاً: ان يكون التفويض مؤقتاً :
التفويض في ممارسة الاختصاص إجراء مؤقت بطبيعته، فهو لا يصح ان يكون أبدياً، حيث يؤدي في هذه الحالة الى تنازل غير جائز من الاصيل عن ممارسة ما منحه له القانون من اختصاص ومن ثم فإنه يتعين ان يكون محدد المدة، بحيث لا يجوز للمفوض إليه ممارسة الاختصاصات محل التفويض بعد انتهاء مدته، وإلا اعتبر التصرف الصادر منه في هذا الشأن باطلاً لصدوره من غير مختص ، واذا كان المفوض إليه يلتزم بحدود مدة التفويض فان ذلك لا ينطبق على الأصيل الذي يكون بوسعه إنهاء التفويض حتى ولو لم تنقض مدته ، وقد تحدد مدة التفويض في النص الاذن به، وقد يترك هذا النص سلطة تحديدها لتقدير الاصيل(19) ، وتأسيسا على ما سبق يجب أن يكون تفويض الاختصاص بفرض العقوبة الانضباطية مؤقتاً لمدة محددة كمعالجة ظرف طارئ او غيره فاذا كان تفويض الاختصاص بفرض العقوبة مؤبداً عد باطلاً فاقداً للمشروعية.
خامساً: عدم جواز التفويض في الاختصاصات المفوضة:
فلا يجوز للمفوض إليه ان يقوم بإعادة تفويض السلطات التي انتقلت إليه من الرئيس الاداري الى من هم أدنى منه في السلم الوظيفي إلا اذا سمح المشرع بذلك ، لان ذلك يؤدي الى ضياع المسؤولية، فعملية التفويض لا تتم إلا مرة واحدة طبقاً للقاعدة العامة "لا تفويض في الاختصاصات المفوضة، كما يجب ان تقتصر اختصاصات المفوض إليه على المسائل التي تضمنها قرار التفويض وإلا كانت قراراته غير مشروعة ومعيبة بعيب عدم الاختصاص (20) .
وقد تأكد ذلك بقضاء المحكمة الادارية العليا المصرية حيث قضت في أحد أحكامها لعام (2001) بعدم جواز تفويض وزير الزراعة للمحافظين في الاختصاصات المفوضة اليه من قبل الحكم العسكري والمتعلقة بوقف الاعمال المخالفة المبينة بالأمر العسكري وبإعادة الحالة الى ما كانت عليه بالطريق الاداري على نفقة المخالف لحين صدور حكم في الدعوى، وانه أيا ما كانت وجهة النظر في مدى سلامة التفويض الممنوح لوزير الزراعة ما كان يجوز لوزير الزراعة على النحو الوارد بقراره رقم (572 لسنة 1996) ان يفوض المحافظين في مباشرة الاختصاصات المفوضة اليه لمخالفة ذلك للمبدأ المستقر عليه فقهاً وقضاءاً بأن التفويض الجائز وفقاً للقواعد العامة انما ينصرف الى الاختصاصات الاصلية التي يستمدها المفوض من القوانين واللوائح مباشرة، اما الاختصاصات المستمدة من سلطة عليا بناء على قواعد التفويض فانه لا يجوز ان يفوض فيها بل عليه ان يمارس تلك الاختصاصات بنفسه"(21) .
وتأسيسا على ما سبق فاذا ما قام الوزير في العراق بتفويض اختصاصه بفرض العقوبة الانضباطية لرئيس الدائرة فان رئيس الدائرة لا يحق له تفويض هذا الاختصاص الى جهة اخرى وذلك بناءاً على شرط عدم جواز التفويض في الاختصاصات المفوضة .
سادساً: الشكليات الجوهرية المتعلقة بقرار التفويض
تأخذ الشروط الشكلية اهمية بارزة في اصدار القرارات الادارية لأنها تحدد المظهر الخارجي لإرادة السلطة الإدارية وكونها تهدف الى حماية حقوق وحريات الافراد ومصالحهم، وطبيعي ان قرار التفويض هو قرار إداري يخضع لأحكام واركان وشروط وصحة القرار الاداري مع مراعاة احكام النص الاذن لان اهمية الشكل تكمل في الوضوح وتحديد مضمون القرار والاثار القانونية المنتجة بالإضافة الى ذلك انه يعد ضمانة قانونية سواء بالنسبة لأطراف التفويض او الغير، لذلك يجب ان يكون قرار التفويض مكتوباً وصريحاً وواضحاً وتحديد الاختصاص المراد تفويضه وتعيين اسم المفوض اليه ودرجته الوظيفية كما يجب النشر والتبليغ بالقرار ليكون حجة امام الغير (22) .
استقر القضاء الاداري الفرنسي على ضرورة ان يكون قرار التفويض بالاختصاص صريحاً ومكتوباً وان لا يكون ضمنياً او شفهياً، سواء كان هذا التفويض تليفونياً أو تلغرافياً إلا في حالة الضرورة وعلى ان يتبع الاصيل هذا التفويض بقرار مكتوب يقره ، وان يتم نشر قرار تفويض بإحدى الطرق العديدة التي تملكها جهة الادارة بهذا الصدد، ومن ثم فانه لا يجوز للمفوض إليه ممارسة الاختصاصات المفوضة إليه إلا بناء على تفويض صريح وفي صورة قرار مكتوب من الاصيل .
وقد قضى مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر في 13 من ايار عام 1949 بعدم قدرة المحافظ في تفويض توقيعه في اختصاصاته لسكرتير عام المحافظة ، إلا بعد اصدار قرار كتابي واضح وليس ضمنياً، وذلك لان التفويض في الاختصاص لا يمكن ان يكون شفهياً أو ضمنياً".
ومن احكام مجلس الدولة الفرنسي التي اجاز فيها التفويض الشفوي خروجاً على شرط الكتابة في الموضوعات العاجلة التي لا تحتمل كتابة التفويض ، وذلك على الرغم من صعوبة اثباته وعلى أن يتبع الأصيل هذا التفويض بأصدار قرار بهذا التفويض ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، نذكر على سبيل المثال الحكم الصادر في 20 اذار عام 1953 والتي قضى فيه بصحة قرار احد الوزراء بتفويض احد المحافظين تلفونياً ثم اتبعه بقرار مكتوب وذلك لشراء بعض المشتريات العاجلة مقرراً في هذا الحكم بانه اذا كان ينبغي في التفويض الاداري ان يكون مكتوباً وصريحاً وليس ضمنياً فانه ليس من الضروري ان يذكر في ديباجة هذا القرار ما يشير الى صدوره بناء على تفويض شفوي سابق.."(23)
كما استقر قضاء مجلس الدولة المصري على التفويض وهو استثناء من الاصل العام وينبغي لذلك ان يكون صريحاً ومكتوباً ولا يجوز افتراضه ضمنياً او شفاهه إلا اذا اتبعه الاصيل بقرار مكتوب ومن احكامه في هذا الصدد نذكر حكم محكمه القضاء الاداري الصادر في ( 21 يناير عام 1949 ) والذي جاء فيه "لا يلتفت الى القول بصدور تفويض شفوي من مجلس الوزراء الى وزير المالية في شأن وقف العمل بقواعد مجلس الوزارة، لان مثل هذا التفويض لا يكون إلا بقرار يصدره مجلس الوزراء بالطرق المعتادة ثم يحيله الى وزارة المالية (24). اما بالنسبة لنشر قرار التفويض فيقصد بنشر القرار الاداري وضعه في دائرة التنفيذ واخطار الكافة به فالنشر عملية مادية ملحقة بالإصدار والمسلم به انه اذا نص القانون على طريقة معينة للنشر فيجب على الادارة اتباع هذه الطريقة .
كما أن المسلم به في فرنسا ومصر أن القرار غير المنشور او غير المعلن هو قرار سليم ونافذ في حق الادارة، وفي هذا المعنى هناك من يرى بان عدم نشر القرار لا يؤثر على صحته، ولا يؤدي الى بطلانه إلا أن القرار الاداري لا يكون نافذاً بحق الافراد الا من تاريخ علمهم به بإحدى الوسائل التي يقرها القانون، ومن هذا التاريخ تبدأ مواعيد الطعن فيه، ولكن القرار الذي لم ينشر لا يمكن الاحتجاج به على الغير فهو غير سار في مواجهتهم، فعدم النشر لا يعد عيباً في القرار أو سبباً من اسباب الإلغاء إلا اذا نص القانون صراحة على خلاف ذلك ، ويترتب على ذلك ان العيوب التي تشوب عملية النشر لا تنعكس على القرار ذاته ولا تؤثر فيه . وهذا ما اكدته المحكمة الادارية العليا في مصر بقولها "... ان ما يزعمه المدعي من عيب هذا الشكل انما يلحق عملية النشر ولا يمس كيان القرار ذاته ولا صحته كتصرف قانوني، ذلك ان القرار الاداري هو افصاح وتعبير عن إرادة الادارة الملزمة اما عملية النشر في ذاتها فهي اجراء لاحق لا يعدو أن يكون تسجيلاً لما تم فلا يرتد أثره الى ذات القرار ولا يمس صحته (25) . وترتيباً على ما سبق يجب أن يكون تفويض الاختصاص بفرض العقوبة الانضباطية مكتوباً لكي يسهل أثباته ويتم الاحتجاج به أمام الغير "
نستخلص مما سبق أن تفويض الاختصاص لكي يكون سليماً من الناحية القانونية ولا يكون عرضة للإلغاء يجب ان يستند الى نص سمح به كالدستور والقوانين العادية والانظمة والتعليمات، ويجب أن يصدر قرار بالتفويض من قبل الاصيل للمفوض إليه يبين له شروط التفويض ومدته ويحدد الشخص المفوض إليه، كما يجب ان يكون قرار التفويض جزئياً يشمل بعض اختصاصات الاصيل وليس جميعها كما هو الحال في الحلول ..... كما يجب ان يكون التفويض محدد المدة وليس بشكل دائم لان مثل هذا الأمر يجعل الاصيل يتنازل عن اختصاصاته الممنوحة له قانوناً، كذلك لا يجوز للمفوض إليه ان يفوض اختصاصاته المفوض بها من قبل رئيسه الإداري الى شخص آخر لان ذلك يؤدي الى ضياع المسؤولية كل هذه شروط موضوعية للتفويض، اما بالنسبة للشروط الشكلية فيجب ان يكون قرار التفويض مكتوباً حتى يسهل اثباته وان يتم نشره بإحدى طرق النشر التي يحددها القانون لكي يعلم به الافراد المخاطبين به
____________
1- د. سامي جمال الدين، الدعاوى الأدارية، ط،2منشاة المعارف، الاسكندرية2003 ، ص193.
2- د. عيد قريطم التفويض في الاختصاصات الادارية، ط1 منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2011،ص95
3- المادة (148) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 2014 النافذ.
4- المادة (123) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ.
5- د. عيد قريطم التفويض في الاختصاصات الادارية ، مصدر سابق، ص10296.
6- ديس ليمان محمد الطماوي النظرية العامة للقرارات الإدارية، دراسة مقارنة ، دار الفك العربي، القاهرة، 2006،ص323.
7- المادة (1/ البند (ثانياً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 النافذ المعدل..
8- المادة (12/احد عشر) والمادة (35) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل.
9- المادة الرابعة من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم 20 لسنة 2008 ، الوقائع العراقية بالعدد 4067 في 2008/3/13
10- اشار اليه د. عيد قريطم التفويض في الاختصاصات الادارية ، مصدر سابق، ص 96 وما بعدها .
12- حكم محكمة القضاء الاداري في 1955/3/14 قضية 1444 لسنة 5ق اشار اليه المستشار عبد الوهاب البنداري، الاختصاص التأديبي والسلطات التأديبية، دراسة مقارنة، دار الفكر العربي ، القاهرة، 1998،ص70.
13- حكم المحكمة الادارية العليا، طعن رقم 200 لسنة 35ق جلسة 1990/7/8 ، اشار اليه د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، القرارات الادارية في الفقه وقضاء مجلس الدولة، منشاة المعارف، الاسكندرية، 2007،ص58.
14- د. سامي جمال الدين الدعاوى الإدارية ، مصدر سابق، ص194.
15- د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، القرار الإداري في قضاء مجلس الدولة، ط1، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2008، ص 59
16- حكم المحكمة الادارية العليا في مصر طعن رقم 218 لسنة 35 ق جلسة 1995/11/20م، اشار اليه د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، القرار الإداري في قضاء مجلس الدولة، ط1، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2008 ، ص 59 وما بعدها .
17- د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، القرارات الادارية في الفقه وقضاء مجلس الدولة، منشاة المعارف، الاسكندرية، 2007 ،ص61.
18- عيد قريطم التفويض في الاختصاصات الادارية ، مصدر سابق،ص116-117- 118
19- د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة ، القرارات الادارية في الفقه وقضاء مجلس الدولة، مصدر سابق،ص62.
20- د. عدنان عمرو ، مبادئ القانون الاداري ، ط2، منشاة المعارف، الاسكندرية، 2004 ، ص90.
21- حكم المحكمة الادارية العليا المصرية في الطعن رقم 7007 لسنة 44 ق جلسة 2001/2/7، اشار اليه د. عيد قريطم التفويض في الاختصاصات الادارية، مصدر سابق ،ص124 وما بعدها.
22- ذنون سليمان يونس التفويض في القانون الاداري ، بحث منشور في مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، العدد (38)، المجلد (10) سنة 2021،ص175.
23- د. عيد قريطم التفويض في الاختصاصات الادارية ، مصدر سابق، ص109 وما بعدها.
24- حكم محكمة القضاء الاداري في مصر في القضية رقم 197 السنة الأولى في الجلسة 1949/1/21، اشار اليه المستشار عبد الوهاب البنداري، الاختصاص التأديبي والسلطات التأديبية، دراسة مقارنة، دار الفكر العربي ، القاهرة، 1998 ، ص72.
25- د.فوزي احمد ابراهيم حتحوت التفويض الاداري في ضوء النصوص القانونية واحكام القضاء الاداري ، دراسة مقارنة ، بحث منشور في مجلة القضائية، العدد (14) ، سنة 2018،ص92 وما بعدها .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|