المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

انواع المستنقعات
2024-08-13
الكتابة الدرامية التلفزيونية
3-11-2021
التهاب الكبد من نوع C
2024-07-01
مقطعات لابن العطار
2024-05-01
الثقافة والعولمة
24/12/2022
Mills, Prime
24-9-2020


ما هو القرآن ؟  
  
477   01:04 صباحاً   التاريخ: 2024-07-11
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص79-90
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / معجزاته /

لقد تجلى الله لخلقه بكلامه ولكنهم لا يبصرون !

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، سيما بقية الله في الأرضين ، واللعن على أعدائهم إلى يوم الدين .

قبل أسبوع ذكرنا فكرةً عن القرآن بمناسبة قوله تعالى : وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . ( سورة الأعراف : 180 ) ومع أن قلوبنا كالحجارة ، فقد احتج علينا أحدهم بحجةٍ كانت نتيجتها أن نتكلم هذا الأسبوع حول القرآن ، القرآن الذي نعترف بظلمنا له ، لعل الله تعالى يعاملنا بفضله . .

على أنا نتخوف من الدخول في هذه المباحث بسبب قلة الباع ونقص الاطلاع ، وعدم لياقة الباحث ، فليس هذا من مباحث الفقه والأصول التي نتسلط عليها ، بل هو من المباحث المسلطة علينا ، التي نتحدث فيها بخوف وهيبة ، معترفين بالعجز عن الخوض في أعماقها !

توجد كلمة في القرآن للإمام الصادق عليه السلام وما أدراك من هو ؟ بها نعرف القرآن ونعرف الإمام الصادق عليه السلام . . فلنتوجه جميعاً بأدب وحضور قلب ، إلى روح الإمام الصادق المقدسة ، لعله يتفضل ويفيض علينا من بركة الله فيه ، فنفهم شيئاً من هذه الفقرة التي تجلى فيها عليه السلام .

والكلمة هي : ( لقد تجلى الله لخلقه بكلامه ، ولكنهم لا يبصرون )[1].

إنه أمرٌ محيرٌ واقعاً ، أن يتجلى الله بكلامه لخلقه ولكنهم لا يبصرون ! وهذه الجملة في عالم العلم معجزة ، فالمعجزة للعوام تختلف عن المعجزة للخواص ، والإنسان الذي وصل إلى درجة البلوغ العقلي يعرف منها أن الإمام الصادق عليه السلام متحدٌ بكله مع القرآن ، وبهذا الاتحاد متحدٌ مع تجلي الله تعالى في القرآن ، فهو حكيم قرآني عليه السلام .

ومن هذه الجملة نفهم أن الإمام الصادق عليه السلام قصد بالتجلي كلام الألوهية التكويني ، لا الرحمانية ، ولا الرحيمية ، ولا العليمية ، ولا السميعية . . ! فقد اختار من الأسماء الحسنى اسم الله تعالى وقال : لقد تجلى الله ، ولم يقل تجلى العليُّ العظيم مثلاً ، ليفهمنا ما هو القرآن ، الذي لم نفهم ما هو !

لقد تجلى الله . . هذا هو القسم الأول ، وفي اسم الله تعالى ميزةٌ على التسع وتسعين إسماً ، ميزةٌ في المسمى ، وفي الاسم . .

أما في المسمى فإن المسمى به الله مقام يجمع كل الأسماء الحسنى والصفات العليا ، من الجمال ، والكمال ، والجلال .

وأما في الاسم ، فإن خصوصية اسم الله تعالى من بين أسمائه كلها ، أن حقيقة غيب الغيوب مندرجةٌ فيه ، وحقيقة المالكية الربوبية ، وحقيقة بساطة الذات ، الحاكية عن الوحدة الحقة الحقيقية . . كلها مندرجة فيه !

نحن عندما نقرأ كلام الإمام الصادق عليه السلام ، لا نستطيع أن نستفيد منه كما ينبغي ، لأنا لم نصل إلى عظمة ذلك الإمام الذي صدر عنه ! نعم ، نحن نقبل كلامه بدليل التعبد والتقديس لشخصيته صلوات الله عليه ، لكنا مع الأسف لانبذل جهدنا في فهمها ، بل ترانا نولي أهمية أكثر لسطور الشفاء ، وكلمات الأسفار ، وتأملات نهاية الدراية ، والمنظومة ، والكفاية !

يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ، وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ . ( سورة إبراهيم : 27 )

وعندما ننظر إلى عالَم الحروف المبني بحكمة ، نجد أن اسم الله تعالى يتكون من الألف في أوله ، وهو أول حروف الهجاء ، أما آخره فهو الهاء . والألف له الأولية والاستقامة والبساطة ، وهو يحكي عن الوحدة الحقة الحقيقية ، وقائل هذه الكلمة ومبينها وشارحها هو الإمام عليه السلام ، والذي أول حرف من اسمه الألف أيضاً !

وإذا رفعنا الألف ، صارت الكلمة ( لله ) : للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ . ( سورة لقمان : 26 )

وإذا رفعنا اللام ، صارت ( له ) : لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ . ( سورة الحديد : 2 )

وإذا رفعنا اللام الثانية ، بقيت الهاء ( هو ) : قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ . ( سورة الإخلاص : 1 )

هذه رشحة من خصوصيات الاسم والمسمى ، فالقرآن إذن جلوةٌ لهذه الذات المقدسة ، بكل أسمائها الجمالية والكمالية ، وكل أسمائها الجلالية للخلق . . فهل فهمنا القرآن هكذا ، وهل عرفنا ماذا في أيدينا ؟ !

وهل عرفنا معنى قول النبي صلى الله عليه وآله عندما قال : كأني قد دعيت فأجبت ، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يزالا جميعاً حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما . ( كمال الدين ص 238 ) ، وأنه بذلك سلم بأيدينا عصارة وجوده ! فالقرآن حرف الربط بين الخالق والخلق ، وهو تجلي الألوهية بتمامها ! فما الذي يجب علينا عمله لنستفيد منه ؟

الخطوة الأولى أن نعرف ما هو ؟ وأنتم أيها الفضلاء لستم عواماً ، فالقرآن للعوام عبارات ، لكنه للخواص إشارات . أرجو أن تنتبهوا إلى هذا الموضوع لأنفسكم وغيركم ، فكل واحد منا مسؤول حسب سهمه في القرآن .

لاحظوا أنه تعالى يستعمل صيغة ( تبارك ) في موارد خاصة كقوله تعالى : إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ، تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . ( سورة الأعراف : 54 )

دققوا في التعبير ، فعند ما يجمع الله الخلق والأمر فقد جمع الملك والملكوت أي لب الكون وقشره ، وهنا يقول ( تَبَارَكَ ) .

وعندما ينهي الملك والوجود اليه تعالى يقول أيضاً ( تَبَارَكَ ) ، تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ . ( سورة الملك : 1 )

ثم لاحظوا أنه عندما يصل العالم إلى ثمرته ، وتجتمع عصارة العالم في آدم وذريته . . من نطفةٍ إلى علقةٍ إلى مضغةٍ ، ثم يكسو العظام لحماً ، ثم ينشؤه خلقاً آخر . . يعبر عنه بقوله ( تَبَارَكَ ) : ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ، ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ، فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . ( سورة المؤمنون : 14 ) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ، وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . ( سورة غافر : 64 ) .

ثم لاحظوا أنه سبحانه استعمل كلمة ( تَبَارَك ) في كلامه عن تنزيل الكتاب على عبده : تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً . ( سورة الفرقان : 1 ) وذلك ليفهمنا أن الله الذي له الملك والملكوت ، والذي جعل عصارة العالم وخلاصته الإنسان هو : الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ !

وليحرك أذهاننا لنفهم ماذا في القرآن ، وماذا يجب أن نعمل لكي نفوز به ، ولا نضيع عمرنا ولا نصل اليه فنقول : يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا . ( سورة الأنعام : 31 )

روحي وأرواح العالمين فداء لصاحب تلك النفس المقدسة الذي قال : لقد تجلى الله ، لقد تجلى الله ! الكلمة التي كلما كررها الإنسان ، وجد منها فيضاً جديداً . . لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون .

الجملة الثانية : ولكنّهم لا يبصرون . . والسؤال : أنه ما دام الله تعالى قد تجلى في القرآن فلماذا لا نرى تجليه فيه ؟ ! والجواب هنا للقرآن نفسه ، لأن الكلام في هذا الموضوع للقرآن وليس لابن سينا وغير ابن سينا من الفلاسفة ، فالمكان الذي يتكلم فيه جعفر بن محمد ، يتطاير هؤلاء كالهباء في الهواء !

والقرآن يخبرنا أنا لا نراه لأن القرآن نفسه بصرٌ وبصيرة ، فلا بد أن نبصره ببصيرته ، وهذا هو المهم والمعجزة ! نحن البشر عندنا البصر أما البصيرة فهي موجودة في القرآن : هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ . ( سورة الجاثية : 20 ) قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ . ( سورة الأنعام : 104 ) فأين نجد تلك البصيرة التي نبصر بها التجلي الإلهي في القرآن ؟

نختصر الموضوع وأرجو أن يوفقني الله تعالى أنا وأنتم لأن نجعل ما قلناه وفهمناه برنامج عمل لنا ، أن يوفقنا عندما نفهم المشروط أن نعمل على تحقيق شرطه في أنفسنا !

هذه البصيرة المطلوبة تحدث عنها الله تعالى في قوله : لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ . ( سورة آل عمران : 164 )

وفي دعاء إبراهيم عليه السلام للأمة الخاتمة : رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . ( سورة البقرة : 129 ) ، وفي كل القرآن نجد التأكيد على هذا الشرط : قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . ( سورة المائدة : 15 - 16 )

إن البصيرة المطلوبة لرؤية التجلي الإلهي في القرآن ، تكمن في هذه الجملة : وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِه ! فماذا نعمل لكي نصل إليها ؟ !

لا تضيعوا وقتكم ، فليست المسألة دراسةً ولا بحثاً وتحصيلاً ، ومهما ألقيتُ عليكم دروساً فلا أثر لها هنا أصلاً ، ومهما درستم وقرأتم لتصير الزجاجة الموجودة في داخل الرمل والصخر مصباحاً ، ويتصل المصباح بالكهرباء ، ويضئ ، فلا أثر لقراءتكم ! لأن المسألة ليست فكرية ! ليست كتاب الكفاية ، ولا نهاية الدراية ، ولا جواهر الكلام ، لتدرسوها عند أستاذ !

الطريق هنا طريق آخر . . فلا بد أن يتم صهر صخرنا أو رملنا في أتون حتى يذوب ، ثم يفصل المعدن الذائب عن تفالته ، ثم يصنع منه المصباح . . وبعد ذلك يحتاج الأمر إلى ( يدٍ ) تصله بتيار الكهرباء حتى يضئ !

إن تيار الكهرباء ومنبعه من عند الله تعالى : اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ، يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَئٍ عَلِيمٌ ) . ( سورة النور : 35 ) ، فأنا وأنت زجاجة مصباح ، وذلك هو مصنع الكهرباء ، ونحن في باطن الرمل والصخور ، فلا بد أن نخرج منها ، وأن ننصهر بدرجة حرارة عالية فنذوب ، ثم ننفصل عن بقية موادنا الزائدة ، ثم ندخل إلى المصنع ، ليصنع صاحبه منا زجاجة مصباح .

أما صاحب ذلك المصنع ، فهو الحجة بن الحسن عليه السلام فهو الذي يملك أن ينفخ فينا بإذن ربه ، لاغيره !

نعم ، إننا وجهاً لوجه أمام ذلك النور الإلهي عليه السلام ولا نحتاج إلى عمل آخر ولا إلى الذهاب إلى شرق أو غرب ، فهو عليه السلام حاضر دائماً ، وما علينا إلا أن نخرج معدن زجاجنا ونهيئه لصانع المصابيح ، ليتفضل بصنع مصباحنا منه ، ويصله بتيار الكهرباء ، وينتهي الأمر !

من أين يبدأ هذا الطريق . . ؟

يبدأ من هنا . . تأملوا فيما يقوله الله تعالى في قرآنه الذي هو فوق كلام البشر : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً . نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً . إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً . إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً . ( سورة المزمل : 1 - 6 ) .

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . . مَن يتكلم مع مَن ؟

المفتاح هنا ، فلنقرر جميعنا من هذه الليلة أن نطبق : قُمِ اللَّيْلَ ، فكل ما يوجد مخزون في ذلك الوقت ، فلنحرص عليه مهما كلفنا أمره !

إن هذه الآيات برهان ولا أقوى منه ، فأول السورة خطاب موجه إلى شخص النبي صلى الله عليه وآله : قُمِ اللَّيْلَ . . ثم قال له : وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً .

إن كل هذا التأكيد من الله تعالى على صلاة الليل له سرٌّ ، وهو محسوبٌ بحساب ، وهو تأكيدٌ على خير كبير . . وطريق الله لابد أن نتعلمه من الله تعالى ومن المعلمين الذين عينهم لنا .

لاحظوا أنه في آخر سورة المزمل وجه الله تعالى خطابه للنبي صلى الله عليه وآله الذي له حساب خاص لأنه النبي الخاتم ، ثم وجه الخطاب لأمته معه : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ . عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى ، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ ، وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ، وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . ( سورة المزمل : 20 ) .

ليفكر أصحاب الفكر هنا أن الخطاب كان في أول السورة خاصاً للنبي صلى الله عليه وآله وصار في آخرها عاماً : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ، وهذا هو الإعجاز ، وهذا هو القرآن ، كتاب العلم والحكمة الذي نتحسر لأنه لم يفسر . . ولو تركوا مفسره يفسره للناس ، لعرفوا أبواباً من هذا الخير !

المهم هنا أيها الفضلاء : وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ، فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ . . أما بعد قراءة مَا تَيَسَّرَ مِنه ، فصلاة الليل هي المفتاح ، فبها فافتحوا الأقفال !

فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ . . لتصلوا به وبصلاة الليل إلى مطلوبكم ! والمطلوب من أول القرآن إلى آخره هو الوصول إلى الله تبارك وتعالى : وإذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا . ( الكافي : 1 / 92 ) .

فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ . . ثم أعادها : فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ . . إن في هذه الآية آياتٍ لمن كان له لب !

وإذا أكمل الإنسان هذا الطريق ، يصل رويداً رويداً إلى مستوى أن يفهم ماذا تعني : ق . وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، وماذا تعني : ص . وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، وماذا تعني : يس . وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ .

يصل إلى معنى : الحكيم والمجيد والذكر . . ثم يواصل ليفهم الأحرف الثلاثة من الاسم الأعظم الربوبي ، ثم يفهم الربط بين حرف القاف في أول سورة قاف ، والقاف في اسم القرآن الكريم . . وبعد ذلك يمكن أن يسير رويداً رويداً حتى يكون من أهل : لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ . ( سورة الحشر : 21 ) .

ثم يترقى إلى درجة أعلى فيكون من أهل : وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ للهِ الأَمْرُ جَمِيعاً . أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ، وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ الله ، إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ . ( سورة الرعد : 31 )

 

[1] رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي : 4 / 116 ، وفيه : ( تجلى لخلقه في كلامه ) . وفي البحار : 89 / 107 ، عن أسرار الصلاة . والبهائي في مفتاح الفلاح ص 292 ، وفيه : ( تجلى الله لعباده في كلامه ) . وقال الزركشي في البرهان : 1 / 452 ، في أنواع القراءة : ( الأول ، من يشهد أوصاف المتكلم في كلامه ومعرفة معاني خطابه ، فينظر إليه من كلامه وتكلمه بخطابه . . . لأن الكلام ينبئ عن معاني الأوصاف ، ويدل على الموصوف . وهذا مقام العارفين من المؤمنين لأنه لا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ، ولا إلى تعلق الإنعام به ، من حيث أنه منعم عليه ، بل هو مقصور الفهم عن المتكلم ، موقوف الفكر عليه ، مستغرق بمشاهدة المتكلم ، ولهذا قال جعفر بن محمد الصادق : لقد تجلى الله لخلقه بكلامه ولكن لا يبصرون ) . وقال الفيروزآبادي في هامش العروة الوثقى : 2 / 434 : ( الظاهر أن أمير المؤمنين وأولاده الطيبين سلام الله عليهم أجمعين ، لهم درجات أخرى فوق هذه ، بأن يعبدوه من غير أن يجعلوا شيئاً غاية يقصد ، ويكون لهم أمر زائد ملحوظ بالتفصيل يكون هو المحرك دون أن يلاحظ طلب وأمر ، بل المحرك مشاهدة جلال الله وجماله وشمول عنايته . قال عليه السلام : وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك . وقال عليه السلام : والله لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكن لا يبصرون ) . وفي توحيد الصدوق ص 115 : ( أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن سنان ، عن إبراهيم والفضل ابني محمد الأشعريين ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ، الغشية التي كانت تصيب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنزل عليه الوحي ؟ فقال : ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد ، ذاك إذا تجلى الله له ، قال ثم قال : تلك النبوة يا زرارة ) .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.