أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-18
618
التاريخ: 2023-09-11
1270
التاريخ: 2023-09-03
961
التاريخ: 2023-09-11
1039
|
لقد اولت الشـريعة الاسلامية اهتماماً كبيراً بحاسة السمع ، لما لها من الاثر البالغ في بناء الانسان وحياته، ولمكانتها المهمة نجد ان الله عز وجل فرض مجموعة من الاحكام تتعلق بالسمع وحاسته فمهنا :
اوجب الشارع المقدس على من اتلف هذا العضو او قوته قصاصا ً او دية، قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[1]؛ لأن أتلافها عمدا ً يعد عبثاً او تغييراً لخلق الله عز وجل حتى ولو كان الى الحيوان بقطع اذنه او تشويه خلقه جاء في التنزيل على لسان إبليس: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ }[2]، فكيف اذا كان المجني عليه هو الانسان الذي سخّر له ما في الكون وكرمه الله على غيره من المخلوقات، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }[3]، واوجب الفقهاء في ذهابه كله دية كاملة ، قال الطوسي: (وفي السمع الدية بلا خلاف لقوله عليه السلام : وفي السمع الدية) [4]، وفي ذهاب سمع احدى الاذنين نصف الدية ، لا فرق في ذلك بين الصغير ولا الكبير وضعيف السمع وقوية ومقطوع الاذن وصحيحها[5].
كما كان للشـريعة وقفة اخرى مع السمع وهي ما يسمعه الانسان فهو مسؤول عما يسمع، قال تعالى:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصـر وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[6]، فكان ما يسمعه الانسان يخضع لطريقة الفقهاء في تقسيم الأحكام الشـرعية الخمسة: محرم ومكروه وواجب ومستحب ومباح .
اما المحرم : فيكون في الاستماع الى الغيبة، والنميمة، والتجسس على عورات الناس، ودليله من الكتاب قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}[7]، وقوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}[8] .
اما دليله من السنة هوقولَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): (...الْـمُسْتَمِعُ بَيْنَ قَوْمٍ وَ هُمْ لَهُ كَارِهُونَ يُصَبُّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ وَ هُوَ الْأُسـربُ)[9]، وألانك الرصاص المذاب.
ونقل الغزالي ( ان المستمع شـريك المتكلم ) في ذلك يقول: ( فمن تركها مخافتي ابدلته ايماناً يجد حلاوته في قلبه ):
وسمعَكَ صنْ عن سماعِ القبيحِ كصون اللسانِ عن النطقِ بهْ
فإِنك عند سماعِ القبيحِ شـريكٌ لقائلِه فانتبهْ[10]
وكذا اذا كان السمع يهيج الخواطر والوسواس في القلب ، ومنه نجد ان الله عز وجل نهى عن اظهار صوت الحلي ، قال تعالى: {وَلَا يَضـربْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}[11] . قال الامام موسى بن جعفر (عليه السلام): (وَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْخَلَاخِيلِ أَيَصْلُحُ لُبْسُهَا لِلنِّسَاءِ وَ الصِّبْيَانِ؟ قَالَ: إِنْ كُنَّ صُمّاً[12]، فَلَا بَأْسَ، وَ إِنْ يَكُنْ لَهَا صَوْتٌ فَلا)[13].
كما ذهب الشيعة الامامية الى تحريم الغناء مطلقًا[14]، قال الشيخ الانصاري: (الغناء، لا خلاف في حرمته)[15]، واستدلوا بنصوص كثيرة اليك بعض منها: قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[16]، لكون المراد من قول الزور الغناء او ان الغناء منه ، ويؤيده ما روي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[17]؟ قَالَ: الْغِنَاءُ)[18]. وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْـحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[19]. وفي بيان هذه الآية جاء عن أئمة الهدى ما عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (الْغِنَاءُ مِمَّا وَعَدَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِ النَّارَ، وَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْـحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ})[20]. وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ : (الْغِنَاءُ مِمَّا قَالَ اللهُ: {وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْـحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ})[21].
اما جمهور الفقهاء ذهبوا الى كراهيته بشـرط ان يكون مجرد عن الآلة الموسيقية وعن الكلام المشتمل على ما لا يحل أنشاده وسماعه ولا يكون من امرأة لرجل او بالعكس، وقد ذهب الى هذا كل من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وبعض الأمامية وهو المروي عن ابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، والشعبي، والضحاك، والفضيل بن عباس، والحسن البصـري، ويزيد بن الوليد . فالحنفية وان قالوا بالكراهية الا أنهم حرموا سماعه ، اذا كان بلفظ لا يحل مصحوب بآلة موسيقية محرمة[22].
وقالت المالكية: بتحريم الغناء اذا كان بصوت مغنيه يثير صوتها الشهوة في السامع ، وقالت الشافعية بالتحريم اذا كان مصحوبا ً بآلة موسيقية محرمة او مصحوبه بذكر محاسن النساء[23].
اما من ذهب الى اباحته ، فهم ابن حزم الظاهري و الغزالي وابن القيسـراني في كتابه السماع وقيدوا الاباحة بقيد عدم الاظلال عن سبيل الله عز وجل[24] .
اما المكروه من السماع : فهو ما اورث لهواً او غفلة ، قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ( مَا جَلَسَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَ يَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَ حَفَّتْهُمُ الْـمَلَائِكَةُ وَ مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يسـر [يُسـرعْ] بِهِ نَسَبُهُ) [25]. فمن الدلالة الالتزامية نتوصل الى ان كل ما يضيع الوقت عن ذكر الله والعلم النافع فهو مكروه.
اما الواجب من السماع : قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ القرآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }[26] ، فظاهره وجوب الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في الصلاة وغيرها . وقيل كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت هذه الآية وصارت سنة في غير الصلاة وهذا الحكم في الصلاة خاصة خلف الامام الذي يؤتم به اذا سمعت قراءته عن ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبيروالامام جعفر بن محمد (عليه السلام) [27].
اما المستحب : فيكون فيما يحدث في النفس شوقاً الى ربها حتى أنَّ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) امر بتزيين الصوت عند القراءة كي لا ينفر الناس منه ، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: (قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه واله وسلم): لِكُلِّ شَيْءٍ حِلْيَةٌ وَ حِلْيَةُ الْقُرْآنِ الصَّوْتُ الْحَسَنُ)[28]. وعن الامام الرضا (عليه السلام)ِ قَالَ: ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم): حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ؛ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْناً، وَ قَرَأَ{وَ اللهُ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاء}[29])[30]، وعن انس بن مالك، عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): ( ان حسن الصوت زينة للقرآن ) [31]، وعن البراء بن عازب، قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (زيـــنوا القرآن بأصواتكم ) [32]. والمباح فيما عدا ما ذكر .
كما ان الشـريعة المقدسةً أولت اهتماماً كبيراً لصوت المرأة لما فيه من فتنة للمستمع وهو عورة ، فجاءت أحكام الشـريعة مبينة لحكم سماع صوت المرأة إذ اقرت :
1- صوت المرأة عورة ان لم يحدث فتنة في نفس المستمع فلا تكثر الكلام مع الرجال الاجانب .
2- لا يجوز لها الجهر بقراءة القرآن في الصلاة وخارجها بحضـرة من يسمعها من الرجال الاجانب[33].
[1] سورة المائدة : 45:
[2] سورة النساء: 119.
[3] سورة الاسـراء : 70.
[4] الطوسي: المبسوط 7: 125.
[5] قلعجي: محمد رواس: معجم لغة الفقهاء : 250.
[6] سورة الاسـراء : 26.
[7] سورة القلم : 9 – 10.
[8] سورة الحجرات : 12.
[9] البرقي: المحاسن2 :616.
[10] الغزالي: ابي حامد محمد بن محمد :منهاج العابدين ، ط1-1972م، مكتبة الجندي: 79 – 80 .
[11] الخلخال: حلي تلبسه النساء.ظ: مجمع البحرين- خلل- 5: 365.
[12] الخلخال الأصمّ: الذي لا صوت له. ظ: مجمع البحرين- صمم- 6: 103.
[13] العريضي: مسائل علي بن جعفر و مستدركاتها: 138.
[14] السامرائي: سعد مزهر جاسم: حكم السماع في الشريعة الاسلامية، بغداد 1998،رسالة ماجستير: 63.
[15] الأنصاري: مرتضى: كتاب المكاسب 1: 285.
[16] سورة الحج : 30 .
[17] سورة الحج : 30 .
[18] الكليني: محمد بن يعقوب: الكافي 6 : 431.
[19] سورة لقمان : 6 .
[20] الكليني: محمد بن يعقوب: الكافي 6 : 431.
[21] الكليني: محمد بن يعقوب: الكافي 6 : 431.
[22] الجزيري: عبد الرحمن، الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت(، مع تعليقة محمد الغروي، وياسـر مازح، ط1- 1419 - 1998 م، الناشر : دار الثقلين2: 75.
[23] السامرائي: سعد مزهر جاسم : حكم السماع في الشريعة الاسلامية:63 .
[24] القيسـراني : محمد بن طاهر السماع ، ط1-1979، تح: ابو الوفاء المراغي، اصدار المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية، القاهرة: 35.
[25] ابن ابي جمهور: عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية 1 :375.
[26] سورة الاعراف : 204.
[27] الطبرسي : مجمع البيان 4: 514 .
[28] الكليني: محمد بن يعقوب: الكافي 2 :615.
[29] سورة فاطر :1.
[30] الصدوق: عيون أخبار الرضا % 2 :69.
[31] القرطبي: جامع الاحكام 1 :18، النسائي: سنن النسائي2 : 179. الدارمي: سنن الدارمي2 : 471 .
[32] الطبرسي : مجمع البيان 1 : 16 ، مختصر سنن ابو داوود 4 : 137 ، ومجمع الفوائد 7 : 170 .
[33] الحلي: الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء3 : 154. الهيتمي : احمد بن محمد بن علي بن حجر: كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع 2 :267 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|