أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-3-2022
2156
التاريخ: 5-4-2019
1632
التاريخ: 2024-09-01
372
التاريخ: 22-5-2022
1272
|
المعاني الباطنيّة التي هي روح الصلاة وحقيقتها سبعة:
أحدها: الإخلاص في النيّة، وقد تقدّم.
وثانيها: حضور القلب، أي تفريغه عن غير ما هو متلبّس به حتّى يكون عالماً بما يقوله ويفعله من دون ذهول وغفلة، ويعبّر عنه بالإقبال والتوجّه والخشوع والخضوع، وهو يتعلّق بالقلب بتفريغ الهمّة لها والإعراض عمّا سواها، حتى لا يكون في القلب غير المعبود، وبالجوارح بغضّ البصر وترك الالتفات والعبث والتثاؤب والتمطّي وفرقعة الأصابع وغيرها من المكروهات التي لا تتعلّق بالصلاة.
والثالث: فهم المعنى زيادة على الحضور مع اللفظ لتفارقهما والناس فيه على تفاوت عظيم، فكم من دقائق ولطائف تنكشف على بعض المصلّين في أثنائها لم تنكشف على غيره ولا عليه قبلها، ولذا تنهى عن الفحشاء والمنكر.
والرابع: التعظيم وهو أمر وراء حضور القلب والتفهّم.
والخامس: الهيبة، أي الخوف الناشئ من التعظيم، فمن لا يخاف لا يسمّى هائباً، وكم من خوف ناشئٍ عن غير التعظيم.
والسادس: الرجاء زائدًا على الخوف منه لبرّه وإحسانه.
والسابع: الحياء الناشئ من استشعار قصور أو تقصير في الخدمة، وكون هذه السبعة بمنزلة الروح لها ظاهر، إذ الغرض الأصلي كما عرفت تصفية النفس وتصقيلها، فكلّ ما يكون أثره أشدّ فهو أفضل، والمقتضي لصفائها وصقالتها عن الأخباث والكدورات الحاصلة لها من مزاولة الشهوات ليس الا ما ذكر، وليس للحركات الظاهرة مدخل فيها الا من حيث التقوية كما عرفت.
هذا، مع أنَّ الصلاة مناجاة، وإفشاء عمّا في الضمير، ولا مناجاة ولا إفشاء مع الغفلة وعدم الحضور وحركة اللسان على مقتضى العادة، وكيف تصير هذه الحركة العاديّة مع سهولة خطبها عمادًا للدين، فاصلاً بين الكفر والإيمان، مقدّمًا على كلّ عبادة موصولاً بها إلى كل خير وسعادة، ولذا ورد الحثّ على ذلك في الآيات والأخبار ممّا لا تحصى، والذّم على الغفلة والوساوس الشيطانية أيضاً فيها خارج عن حدّ الاستقصاء وتظاهرت الأخبار بكون الأنبياء والأولياء في حالتها على غاية الإقبال والخشوع والخوف.
قال تعالى:
{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2].
{وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205].
{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].
وفي أخبار موسى عليهالسلام: «يا موسى إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكري خاشعاً مطمئنّاً، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك وراء قلبك، وإذا قمت بين يديّ فاجعل قيامك قيام العبد الذليل، وناجني بقلب وجل ولسان صادق»(1).
وقال علي عليهالسلام: «طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه، ولم ينسَ ذكر الله بما تسمع أذناه...» (2).
وروي أنَّ الخليل عليهالسلام كان يسمع تأوّهه على حدّ ميل، وكان في صلاته يسمع له أزيز كأزيز المرجل، وكذلك كان يسمع من صدر النبي صلى الله عليه وآله (3).
وقالت بعض أزواجه: إذا حضرت الصلاة فكأنّه لم يعرفنا ولم نعرفه (4).
وكان علي عليهالسلام إذا توضّأ تغيّر وجهه خوفاً، وإذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلوّن، فقيل له في ذلك، فقال: «جاء وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها» (5).
وأُخرج النصل من رجله في حالة صلاته فلم يشعر بها (6).
وكان السجّاد عليهالسلام إذا توضّأ اصفرّ لونه ويقول: «أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟» (7).
وقال عليهالسلام: «إنّ العبد لا يقبل من صلاته الا ما أقبل فيها» (8).
وكان عليهالسلام إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه وإذا سجد لم يرفع رأسه حتّى يرفضّ عرقاً، وكان في الصلاة كأنّه ساق شجرة لا حركة له الا ما حرّكت الريح (9).
وخرّ الصادق عليهالسلام مغشّياً عليه في الصلاة، فقيل له في ذلك، فقال: ما زلت أردّد هذه الآية على قلبي حتّى سمعتها من المتكلّم بها، فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته، قيل: وكانت لسان الإمام في تلك الحالة كشجرة طور حين قالت: إنّي أنا الله (10).
وحينئذٍ تعلم أنّ من الناس من يتمّ صلاته ولا يحضر قلبه لحظة، ومن يغفل في بعضها ويحضر في بعض، ويختلف ذلك بحسب اختلاف الحضور والغفلة في الكثرة والقلّة، ومن يحضر في صلاته بأسرها ولا يغفل لحظة لاستيعاب همّه بها بحيث لا يحسّ بما يجري عليه أو بين يديه، ولا يستبعد هذا بعد مشاهدة من استغرق همّه عند الدخول على الملوك أو على المعشوق مع خساسة حظّه، فلكلّ درجات ممّا عملوا، وحظّ كلّ واحد بقدر خضوعه وخشوعه لما عرفت أنّ الله لا ينظر إلى الجوارح، بل إلى القلوب ولا ينجو الا من أتى الله بقلب سليم.
فإن قلت: يظهر ممّا ذكرت عدم قبول ما ليس فيه إقبال وهو خلاف فتوى الفقهاء فيما سوى النيّة والتكبير؟
قلت: فرق بين القبول والإجزاء، فمرادنا من الأوّل ما يحصل له التقرّب إلى الله، ومن الثاني ما يسقط به التكليف والخروج عن العهدة والناس مختلفون فيه، إذ ليس التكليف الا بالمقدور ولا يمكن تكليف الجميع بالحضور في كلّ الصلاة، بل لا يقدر عليه الا الأقلّون، ولعدم التمكّن سقط الوجوب الا عن القدر المقدور للجميع وهو الجزء اليسير من النيّة والتكبير فاقتصر عليه، والمرجوّ من الله سبحانه ألّا يكون حال الغافل في جميع صلاته عند الله كالتارك بالمرّة لإقدامه على الفعل وإحضاره القلب ولو في لحظة.
__________________
(1) المحجّة البيضاء: 1 / 372 ـ 373.
(2) الكافي: 2 / 16، كتاب الإيمان والكفر، باب الإخلاص، ح 3.
(3) المحجّة البيضاء: 1 / 351 نقلاً عن عدّة الداعي.
(4) المحجّة البيضاء: 1 / 350 ـ 351.
(5) المحجّة البيضاء: 1 / 351.
(6) المحجّة البيضاء: 1 / 379 ـ 398.
(7) المحجّة البيضاء: 1 / 351.
(8) المحجّة البيضاء: 1 / 352.
(9) المحجّة البيضاء: 1 / 352.
(10) المحجّة البيضاء: 1 / 352.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|