أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2016
2992
التاريخ: 3-7-2019
3113
التاريخ: 25-3-2016
4435
التاريخ: 18-4-2017
4302
|
يعد البث العلني Diffusion en Publique ، أحد الخصائص التي تتميز بها تقنية الإنترنت، باعتبارها أكبر حدث علمي بارز منذ اختراع الطباعة. فهي فضلا عن كونها وسيلة حية، وأيضا حيوية، للبث فيها فإنها اجتمعت فيها مظاهر البث السمعي المرئي Audiovisual أيضا، فاحتوت بذلك قوة وسائل وأدوات البث التقليدية (المقروءة - المسموعة - المرئية). فإذا أضفنا إلى ذلك الظاهرة العلنية التي عليها الإنترنت، من حيث كونها إحدى وسائل العلنية كما عرفها قانون العقوبات، إن لم تكن أقواها على الإطلاق، فإن ذلك ليعبر عن القدرة الإيجابية ذات الطابع الفريد للإنترنت. لذلك يمكن عداد الإنترنت وبما تحويه من عالم افتراضي وسيلة يمكنها أن تستوعب حركة البث في كافة مظاهرها.
وعلى الرغم مما سلف فإن نقطة واحدة تظل في منأى عن اتصالها بالإنترنت وهي الالتقاء المادي المباشر بين الأشخاص، وهذه يبني عليها تفرقة مادية في الحدث يمكن أن يكون لها تأثير مادي ولكن لا يمتد إلى القانون. والفرض هنا بالطبع إمكانية حدوث اتصال مرئي بين شخصين فأكثر وينطبق على المكان، أما الوصف الخاص وإما الوصف العام للمحل، فمثلا يمكن أن يجتمع عبر الإنترنت عدة أشخاص لكي يتبادلوا أطراف الحديث بالرؤيا المباشرة في ذات الوقت، بحيث يرى أحدهم الآخر أو أنهم جلهم يرون بعضهم ومثال ذلك النظام المؤتمر أو حلقة النقاش News group أو Conference، وفي هذه الحالة تتوافر صفة العمومية إذا كان المؤتمر المذكور مما يسمح بالولوج إليه من قبل أي كان، فهو في هذه الحالة من الأماكن العامة طالما وجد ما يدل على إمكانية الاشتراك في هذا المؤتمر أو حلقة النقاش حتى بمجرد المتابعة لما يجري، وهو أمر ينطبق عليه مدلول العلنية ( 1/16- عقوبات ليبي). ويتخذ البث الفاضح العلني مظاهر عدة إلا أنها تتوحد كلها عبر الإنترنت في كونها بثا، وهو أمر يستفاد منه إن التمييز الحادث بين مظاهر البث هو تمييز حادث في العالم المادي ومصدره القانون، وهو أمر يجد له أثرا عبر الإنترنت أيضا، إذ يميز هناك بين كون البث نشرا، وبين كونه سبا أو قذفا أو تشهيرا، وبين كونه مراسلة بريدية عبر البريد الإلكتروني، وفيما إذا كان هناك علنية أم لا، وفيما إذا كانت العلنية مفترضة في أي من هذه الحالات من عدمه، وذلك لما توفره الإنترنت من مجموعة بدائل تستخدم في التعامل عبرها. على أنه يلاحظ أن المشرع في بعض الأحيان لا يستجيب للعلنية، وبالتالي نجدها غير متطلبة على الرغم من طبيعة الجريمة هنا وكونها من طبيعة الجرائم الفاضحة، والتي تسبب تصغيرا من شأن المجني عليه عند أهل مهنته وبني وطنه. ومع ذلك تتكامل هذه الجريمة ويكون الجاني عرضة للإدانة دون اعتبار لما إذا كان هناك علانية من عدمه، مثل ما هو مقرر في جرائم إهانة الصحفي أو التعدي عليه بسبب عمله، والتي لم يتطلب فيها القانون العلانية. ومن ثم فإنه سواء توافرت العلنية أو لم تتوافر فإن الجريمة قائمة، وهو ما تنص عليه المادة (12) من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن الصحافة في مصر من أنه "كل من أهان صحفيا أو تعدي عليه - بسبب عمله - يعاقب بالعقوبات المقررة لإهانة الموظف العمومي أو التعدي عليه في المواد 133-136- 1/137 من قانون العقوبات - بحسب الأحوال".
وهنا سوف نتطرق إلى موضوع البث العلني في أشكاله التي تم رصدها فيما سلف، وهي النشر Publication والسب والقذف والتشهير Defamation والمراسلة Mailing وذلك في الفقرات التالية:
أولا : النشر:
ليس المقصود بالنشر هنا هو النشر الصحفي عبر الإنترنت، وإنما مقصودة قيام أي شخص بنشر ما يمكنه أن يقوم به مباشرة تجاه أي شخص، فالنشر المقصود هنا لا يقع في نطاق العمل الصحفي فقط، وإنما بث مباشر على الإنترنت بخطاب مباشر مع الآخرين.
فالنشر عبر الإنترنت ليس هو النشر في العالم المادي، ففي العالم الافتراضي يكون النشر متميزا بخاصية الحرية المطلقة غير المقيدة بإجراءات، سوى تلك التي تتعلق بحجز نطاق اسم Domain Name ثم حجز المساحة اللازمة على الإنترنت لدى أحد مزودي الخدمات، وهذه وتلك متوافرة ويمكن القيام بها بسهولة تامة دون حاجة لكي يكون التأجير من قبل مزود خدمات وطني، بل يمكن القيام بحجز نطاق الاسم والمساحة المرغوبة من مزود دخول في دولة أخرى إن لزم الأمر، والقيام بالبث مباشرة كما لو كان ذلك من مزود دخول بجوار المنزل. فلا يهم فيما إذا كان مزود الدخول في آخر العال أو كان في الشارع الخلفي المحل إقامة المتهم. ثم يتم بعد ذلك القيام بالبث بأي شكل من الأشكال. فإذا تضمن البث سبا أو قذفا فإن الأمر يتطلب هنا دراسة النصوص للنظر فيما إذا كانت تتناسب مع مثل هذا الحدث أم أنها ليست متناسبة، وهو الأمر الذي يستدعي تدخل المشرع في هذا الشأن. والحقيقة أن النشر عبر الإنترنت إنما هو أقرب إلى البث منه إلى النشر المتعارف عليه في العالم المادي. إذ أن إجراءات النشر عبر الإنترنت لا يتطلب فيها اتخاذ الإجراءات التي يتطلبها القانون للنشر بالمعنى الضيق في العالم المادي، فمثلا لا يستدعي النشر عبر الإنترنت لزوم اتخاذ إجراءات إيداع المصنف كما هو مقرر في العالم المادي، كما أنه لا يلزم أن يكون النشر محاطا بضمانات النظام العام والآداب... الخ. فمثلا يستطيع أي شخص إنشاء صحيفة عبر الإنترنت، دون لزوم اتخاذ الإجراءات القانونية التي يتطلبها القانون لنشر صحيفة في العالم المادي، وفي هذه الحالة س وف يكون في حل من المساءلة مادامت الصحيفة رقمية. بل أن النشر عبر الإنترنت إنما هو أقرب إلى ممارسة الحرية الكاملة في البث منه إلى النشر، بحيث يخضع الأمر لذوق عضو الإنترنت المطلع على ما يتم نشره. ولذلك آثار في القانون من حيث اقتراب مفهوم النشر عبر الإنترنت من المنطق الواسع له الذي يتخذ شكل البث الكامل بكل حرية. وهذا المفهوم الواسع للنشر عبر الإنترنت يجعل انطباق المدلول الموسع للنشر ي قانون العقوبات متوافقا معه، فمثلا في القانون الليبي فإن النشر غير المشروع يمكن أن يشكل جريمة وفقا للمواد (274-290-291 - 320-319-318-317 - عقوبات ليبي). كما يتولى القانون المؤرخ 1881/7/29 بشأن الصحافة في فرنسا العقاب على البث الإجرامي العلني إذا تم عبر الإنترنت بأسلوب السمعي البصري Audiovisuelle كما لو تم هذا البث عبر أحد حلقات النقاش مثلا Forum de Discussion (1) ومع ذلك يعتد بالتقادم الصحفي الاستثنائي في حالة النشر لما يتضمن قذفا عبر الإنترنت، وهو التقادم المقرر في المادة (65) من قانون 29 يوليو 1881 (2).
إن البث عبر الإنترنت يتطلب فقط إعداد العدة الخاصة بذلك للقيام به، من حيث اختيار نطاق اسم بحجزه لدى الجهة المختصة، ثم القيام بإعداد موقع (3) لذلك باستخدام تكنولوجيا المعلومات الحاسوب والبرمجيات والبيانات تحديدا، ثم استخدام قرص ص لب أو مرن أو مضغوط، ممغنط، لكي يتم نقله وإيداعه في الحاسوب الخادم أو الملقم، ثم بعد ذلك استخدام برمجيات أخرى لكي يتم تحميل ذلك على الإنترنت، وذلك يتم بطريق الحيازة المشروعة لمساحة في مضيف، مع ضرورة حيازة برمجيات أخرى(4) يمكن بطريقها القيام بإنزال هذا الموقع عند الحاجة للإجراء تعديل ما في هذا الموقع. ويترتب على هذا الاختلاف المادي بي البث عبر الإنترنت وبين النشر في العالم المادي أثر قانوني هام يتعلق بتطبيق التقادم على نوعية الجرائم التي ترتكب عبر بث الإنترنت، مثلما هو الحال فيما يتعلق بتطبيق المادة (65) من قانون الصحافة الفرنسي. إذ أن التقادم بثلاثة أشهر المقرر في هذا القانون يسري من تاريخ النشر المادي لموضوع الجريمة في حين أن التقادم لا يسري على جرائم البث عبر الإنترنت، وإن كان هناك رأي يذهب إلى القول بأن التقادم يسري كما هو الحال في جرائم النشر المادي، إلا أنه يتجدد كلما كان هناك تغييرا للخادم المضيف الذي وضع فيه الموقع الذي يحتوي على جرائم البث، قبل وذهب هذا الرأي إلى التأكيد على أن مجرد تغيير نطاق الاسم Domain Name يؤدي بالضرورة إلى تحديد التقادم المشار إليه (5) .
ثانيا : السب والتشهير:
تعد هذه الجرائم من أقدم الجرائم المرتكبة عبر الإنترنت، وذلك لما يتمتع به عضو الإنترنت دائما - وبحسب المعتقد السائد - من حرية كاملة عبر الإنترنت، لذلك يجب ألا نستغرب إذا كنا قد ارتكبنا أيامن الأفعال المشار إليها عبر الإنترنت في المساء، لنجد في ص باح اليوم التالي دعوى تباشر ضدنا في أحد المحاكم وإعلانا بالحضور لسماع الحكم علينا لأنه في يوم....الخ.
(أ) السب: وهو خدش شرف شخص أو اعتباره في حضوره، وذلك بتوجيه كلمات مقذعة في مواجهة شخص أو أشخاص معينين بدقة كافية(6)، على أن يكون حاضرا كل من الجاني والمجني عليه الواقعة، ويشمل السب والقذف نسبة وقائع معينة لكي يصل إلى مجرد توجيه عبارات تعد خدشا للشرف والاعتبار دون أن يكون فيه إسناد لواقعة معينة كما هو الشأن فيما هو مقرر في المادة (306- عقوبات مصري)(7). وإن كانت بعض التشريعات تتطلب أن تكون الواقعة علنية. وذلك مثلما هو الحال فيما تقضي به المادة (4- 624-R من قانون العقوبات الفرنسي الجديد التي تنص على أنه "السب غير العلني الواقع في مواجهة شخص أو مجموعة أشخاص بسبب الأصل أو الانتماء أو عدم الانتماء، حقيقة أو مفترضا، على عرض أو أمة أو عنصر أو دين محدد، معاقب عليه بالغرامة المقررة على الجنحة من المستوى الرابع"(8). أما القانون المؤرخ 1881/7/29 بشأن حرية الصحافة فإنه يعرف السب بأنه "كل تعبير مهين أو شائن، أو مصطلحات احتقار. أو قدح التي لا تؤدي إلى الاتهام بأي فعل"(9).
وكانت المادة (308 مكرر - عقوبات مصري) التي تنص على أنه "كل من قذف غيره بطريق التليفون يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 303. وكل من وجه إلى غيره بالطريق المشار إليه بالفقرة السابقة سبا لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه خدشا للشرف أو الاعتبار يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 306. وإذا تضمن العيب أو القذف أو السب الذي ارتكب بالطريق المبين بالفقرتين السابقتين طعنا في عرض الأفراد وخدشا لسمعة العائلات يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 308"(10). على أن المشرع قد يتوسع في مسألة الحضور المادي للمجني عليه، بحيث يكون السب متوافرا إذا لم يكن المجني عليه حاضرا ماديا بشخصه، مثلما هو الحال فيما تقضي به المادة (306- عقوبات مصري) من أن " كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه خدشا للشرف أو الاعتبار يعاقب عليه في الأحوال المبينة بالمادة 171 بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين". المادة (438- عقوبات ليبي) التي تنص على أنه "كل من خدش شرف شخص أو اعتباره في حضوره يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تجاوز خمسة وعشرين دينارا. وتطبق العقوبات ذاتها على من ارتكب الفعل بالبرق أو التليفون أو المحررات أو الرسوم الموجهة للشخص المعتدى عليه. وتكون العقوبة الحبس لمدة لا تجاوز السنة أو الغرامة التي تجاوز أربعين دينارا إذا وقع الاعتداء بإسناد واقعة معينة".
وفي قانون العقوبات الإيطالي تعاقب المواد (594-595) على السب. كما تضمن القانون الأمريكي نصا هو 47 Sec. 223 (a ) يعاقب على استخدام عبارات قذرة إذا كان الغرض منها مضايقة Annoy الغير (11).
)ب) التشهير: والتشهير Libel من جرائم البث المباشر في القانون، وهو في كل الأحوال نوع من القذف، وإن كان يستلزم في القانون الأمريكي أن يكون كتابة. في حين أن التشهير بالكلام يطلق عليه في المصطلح الأنجلوفوني Slander. فالأساس الذي يعتمد عليه التشريع الأمريكي في إطار التشهير ينطلق من تهديد سمعة شخص ما Man's Reputation التي تمثل المصلحة التي يحميها القانون هنا. حيث يؤدي التشهير إلى التقليل من قدر الشخص في نظر المجتمع والناس أيا كانوا، مثل أقاربه وجيرانه والأشخاص الذين لهم علاقة بهم أيا كانت نوعية هذه العلاقة، كما لو كانت هذه العلاقة عائلية أو شخصية أو تجارية أو مالية... الخ.
وهو ذات الأمر في القانون الفرنسي فالمادة (3-624 .R (من قانون العقوبات الفرنسي الجديد تنص على أنه "القذف غير العلني يقع في مواجهة شخص أو مجموعة أشخاص بسبب أصلهم أو انتمائهم أو عدم انتمائهم، الحقيقي أو المفترض، إلى عرق أو أمة أو جذر أو دين"(12). كما تنص المادة (439- عقوبات ليبي) على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تجاوز خمسين دينارا كل من اعتدى على سمعة أحد بالتشهير به في غير حضوره لدى عدة أشخاص، وذلك في الأحوال المنصوص عليها في المادة السابقة. وإذا وقع التشهير بإسناد واقعة معينة تكون العقوبة الحبس الذي لا تتجاوز مدته السنتين أو الغرامة التي لا تجاوز السبعين دينارا. وإذا حصل التشهير عن طريق الصحف أو غيرها من طرق العلانية أو في وثيقة عمومية تكون العقوبة الحبس الذي لا يقل عن ستة أشهر أو الغرامة التي تتراوح بين عشرين دينارا ومائة دينار. وإذا وجه التشهير إلى هيئة سياسية أو إدارية أو قضائية أو إلى من يمثلها أو إلى هيئة منعقدة انعقادا صحيحا لتزداد العقوبة بمقدار لا يجاوز الثلث".
ثالثا : السب عبر الإنترنت
إذا كان الفقه والقضاء قد وجد صعوبات حال البحث عن معيار يمكن بمقتضاه التمييز بين ما هو مقرر في التشريع من تمييز بين الطريقة التي يمكن بها ارتكاب السب والقذف (13)، فإن الأمر استقر فيما يبدو على المعيار الاحتياطي الدائم، وهو معيار واقعي مستمد من البحث في كل حالة على حده، وذلك لصعوبة التمييز بين السب والتشهير في الحالة الواقعية التي يكون فيها الفرد قائما وحاضرا أمام الجاني.
أما في الحالة الاعتبارية فإن المشرع كثيرا ما يقوم بتحديد حالات يكون فيها المجني عليه غير حاضر واقعة السب حضورا ماديا كاملا وإنما جزئيا بحيث يستشعر أحد أعضاء المجني عليه واقعة السب كما هو الشأن في سماعة ورؤية واقعة السب عبر الاتصال الهاتفي والهاتف المرئي أو البرقي أو الكتابة في محرر أو إعداد رسوم ما، في حين إن التشهير يلزمه، فضلا عن عدم وجود الشخص أو حضوره الواقعة، أن ترتكب أمام عدة أشخاص، كما يمكن أن ترتكب في الصحف أو غيرها من طرق العلانية أو في وثيقة عمومية، إذ كل ما يتطلبه المشرع في واقعة التشهير ألا يكون المجني عليه حاضرا. أما إذا كان الشخص حاضرا فإن الواقعة في هذه الحالة تكون سبا وليست تشهيرا.
لذلك فإن النطاق المادي لبحث مدى توافر واقعة السب وتمييزها عن التشهير يستلزم الحضور المادي كليا أو جزئيا لواقعة الجريمة، حتى يمكن القول بأن الواقعة تكون جريمة سب أو جريمة تشهير. ففي واقعة السب والقذف فإن الركن المادي يتم بناؤه على أساس تحديد ش خص المجني عليه وتعيينه التعيين الكافي لا محل معه للشك في معرفة شخصيته(14). على أن الأمر هنا ليس بهذه السهولة عبر الإنترنت، ذلك إنه لما كان من الصعوبة، إن لم يكن من المستحيل، توافر الحضور الكلي للمتهم والمجني عليه حتى يمكن القول بوجود سب ما، فإن المسألة يمكن أن تكون محل جدل فيما يتعلق بارتكاب السب الجزئي. ذلك إنه يختلف الحال حول هذه المسألة فيما إذا كان المجني عليه حاضرا على الإنترنت وفي حالة اتصال مباشر مع الجاني، كما لو كان الاثنان معا في إحدى حلقات النقاش، وما إذا كان الاتصال مباشرا بينهما أم إن الجاني يتحدث مع آخرين دون حضور للمجني عليه (تشهير) أم بحضور المجني عليه (سبا) حسب الأحوال.
ومما يدخل في إطار التشهير قيام الجاني ولو باستخدام الاستعارة ببث رسالة باستخدام حلقات النقاش (15) وكذلك عبر قوائم المراسلة Mailing List التي تذخر بها المواقع عبر الإنترنت للتعبير عن الرأي أو الفكرة وكذلك البريد الإلكتروني (16) إلى عدد غير محدود، وفي هذه الحالة يستفيد المجني عليه من الاحتمال إذا وصلته نسخة من هذه الرسالة. أما إذا لم تصله فإن الأمر يظل في إطار التشهير كقاعدة، وفي هذه الحالة فإن المثار هنا هو موضوع العلانية التي نرى توافرها عبر الإنترنت، إذ كل ما يتطلبه المشرع في التشهير أن تكون واقعته قد تمت لدي عدة أشخاص، دون استلزام لما إذا كان حضورهم المادي متطلبا أم لا، وهو غير الأمر فيما يتعلق بالمحررات حيث يلزم أن يعترف المشرع بالوجود الرقمي لهذه المحررات. وتعد حلقات النقاش والقوائم البريدية أو التراسلين مجالا حيويا لتطبيق قانون النشر الصحفي على وقائع التشهير عبر الإنترنت في فرنسا بمقتضى القانون المؤرخ 1881/7/29 بشأن الصحافة المعدل بالقانون المؤرخ 1986. فالقانون الأخير يميز بين القذف وبين الإساءة بالسب وقفا للمادة (29) منه، حيث تعرف المادة الأخيرة القذف بأنه كل ادعاء أو اتهام بفعل يجلب عدوان على سمعة أو اعتبار الشخص ما أو لمجموعة ينسب إليها الفعل"(17). على أن السؤال الأكثر إثارة للجدل يتعلق بموضوع مضمون الرسالة التي يمكن أن تكون مجرمة بمقتضى التشريعات المختلفة في هذا الإطار.
رابعا : تكوين المراسلة الإلكترونية مجرمة
يعد نظام التراسل فحوى الاتصال بالإنترنت، وإذا كانت التطورات المعاصرة في تكنولوجيا المعلومات قد وصلت إلى حدود الاتصال الفوري بالصوت والصورة، بحيث يجعل الإنسان في حركة اتصالية مباشرة مع الغير، دون اعتبار لما إذا كان هناك حاجز مادي من أي نوع، فإن مثل هذا الأمر بالطبع لن يترتب عليه تراجع من أي نوع أيضا لنظام التراسل عبر الإنترنت. ولذلك عدة أسباب أبرزها على الإطلاق مسألة الاعتراف القانوني بموضوع الرسالة الإلكترونية تحديدا حيث أخذت الرسالة الإلكترونية حظها القانوني ووصلت إلى مستوى الرسمية في هذا الإطار. بحيث يمكن تقديمها كدليل أمام المحاكم وذلك كنتيجة طبيعية للاعتراف القانوني المذكور بمخرجات الحاسوب.
والمراسلة الإلكترونية يتسع مدلولها لأبعد من الرسالة التي تبث عبر الإنترنت في صيغة رسالة عبر نظام البريد الإلكتروني. إذ يتسع مدلولها ليصل إلى قائمة التراسل أو ما يطلق عليها في المصطلح الإنجليزي Mailing List، وهو نظام تراسلي جماعي يمنح صلاحية بث رسالة إلى مجموعة من الأشخاص، قد تجمعهم أفكار مشتركة حول موضوع ما أو موضوعات متعددة، قاموا بتسجيل بريدهم الإلكتروني مسبقا في هذه القائمة، بقصد تناول هذا أو ذاك الموضوع، فيقوم هذا النظام ببث هذه الأفكار التي أرسلها هذا أو ذاك العضو في هذه القائمة لكل من يشترك فيها من أشخاص دون حاجة لأن يكون على دراية بهم أو بشخصياتهم. وغني عن البيان أن مثل هذا النظام التراسلي كان قد نشأ في ظل أفكار العمل الجماعي، بحيث يتم تداول الأفكار في إطار المنظمة الواحدة حول موضوع ما، فهو في الحقيقة نظام مشجع للعمل الجماعي، حال تطلب وجود أكثر من رأي فيما يخص أحد الموضوعات.
ومما يندرج في إطار التراسل الإلكتروني أيضا، كأثر لاتساع مدلوله عما هو عليه الحال في العالم المادي، ما يسمى بنظام حلقات النقاش Newsgroups، وهي تتناول في موضوعها جلسة لمناقشة موضوع أو موضوعات فورية، أو حديث الساعة. وقد تكون في إطار مجموعة على معرفة بأحدهم الآخر، بحيث يكون دور الدخيل مجرد دور استفهامي، وبحيث يترك سؤالا فقط لأحد المناقشين دون أن يتدخل في موضوع المناقشة حيث يكون ذلك غير مسموح به، أو أن يسمح في مثل هذه المجموعات للغير بالدخول في حلقة النقاش فيطرح أفكاره علنا على مجموعة النقاش هذه، كما لو كان الأمر مباحا للجميع في المشاركة. والواقع أمام تعدد أنواع وبدائل النظام التراسلي عبر العالم الرقمي، فإن الأمر يبرز كما لو كان هناك نوع من الخلط، وبحيث يطغى هذا الخلط على تحديد التكييف المناسب للعدوان في هذا الإطار، وفيما إذا كان الأمر ينطبق عليه مفهوم الرسالة كما هي معرفة في العالم المادي أم أن لها مفهوما آخرا موسعا، وبحيث يكون مدلوله متوافقا مع الصورة التي يمكن استخدامها بها في العالم الرقمي.
ومما يؤخذ في الاعتبار هنا إن القانون الجنائي المقارن يأخذ في الاعتبار الكيفية التي يتم بها التراسل ماديا، دون أهمية لعامل الوقت، وبحيث يعد زمن الاتصال يبدو كما لو لم يكن له قيمة في هذا الشأن. إذا عديدة هي النصوص التي تشتبه على الكتابة، مثل الإبراق والفاكس والاتصالات الهاتفية، ومن ذلك ما هو مقرر في تشريع ولاية أركانساس الأمريكية 2000 108-41-5 .ARK CODE ANN الذي يعترف بارتكاب جريمة التخويف أو الترهيب أو التهديد أو الإساءة ضد أي شخص باستخدام البريد الإلكتروني أو أية وسيلة اتصال أخرى، أو أني قوم الشخص بارتكاب جريمة بالمراسلة حال إرسال رسائل دعاية مثيرة وغير منظمة Unsolicited bulk email باستخدام شخصية وهمية Forged identity، مثلما هو الحال في تشريع Illinois الذي يعاقب على تزييف أو تزوير Falsifies or forges التحويل المعلوماتي بطريق الرسالة الإلكترونية بأية مضمون، حال كون موضوع هذا التراسل بريد تافه عبر الإنترنت غير معروف مصدره.
وعليه يتسع مدلول الرسالة المجرمة عبر الإنترنت لكي تشمل في محتواها ليس فقط جرائم الأخلاق، وإنما أيضا جرائم أخرى تتخذ الطابع التقليدي، كما هو الشأن في جرائم التهديد بالقتل أو بارتكاب جريمة ض د النفس والمال. كما يتسع أيضا مدلولها في إطار الجريمة التقنية بحيث تتخذ أبعادا تقنية محضة، كما هو الشأن في تخريب قواعد البيانات أو هدم نظام المعلومات باستخدام الرسائل الإعلانية مجهولة المصدر. ولعل أشهر قضية تهديد هي تلك التي قام بها Christopher James 18) Reincke عاما) طالب في جامعة Illinois بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام في 2001/12/4 بإرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى الرئيس كلينتون وقام بتهديده فيها بالقتل.
وفيما يتعلق بطبيعة العبارات التي استخدمت في السب والقذف، فإنه لا يختلف حالها عما هو عليه الحال في العالم المادي، إذ تستخدم ذات العبارات التي يتم استخدامها في العالم المادي في جرائم السب والقذف والتشهير عبر الإنترنت. ولا يقدح هنا في عملية التغاير والاختلاف الاجتماعي والثقافي بين الشعوب للقول بعدم إمكانية تحديد مفهوم العبارات المستخدمة. ذلك أن تحديد مرامي العبارات وتحري مطابقة الألفاظ للمعنى الذي انتهى إليه الحكم وتسميتها باسمها المعين في القانون وتحديد ما إذا كانت سبا أم قذفا أم عيبا أم إهانة أم تشهيرا هو من مسائل القانون التي يخضع فيه ما ينتهي إليه قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض (18). ومثل هذا الأمر يتوافق مع وسيلة إثبات القصد الجنائي في هذه الجرائم، حيث يلزم لإثباته والتحقق من قيامه أن تكون الألفاظ المستخدمة
في السب والقذف والتشهير شائنة بذاتها(19) ، وتبتعد عن مدلول مجرد النقد المباح الذي لا يتضمن المساس بشخص صاحب الأمر أو التشهير به أو الخط من كرامته(20). إذ يصلح أن يكون مبنى التجريم هنا أن يكون ذلك باستخدام نطاق اسم يحتوي على عبارات غير أخلاقية، مثل Fuckmickey.multimania.com حتى أن تضمن الموقع مجموعة صور لأفراد برزت فقط وجوههم (21)
______________
1- وفي إطار القانون الفرنسي فإنه يلزم الأخذ في الاعتبار بأن القانون المؤرخ 1881/7/29 بشأن حرية الصحافة بعد القانون الأساسي الذي يتشكل معه النظام القانوني للصحافة Le Cadre Legal de la press. وهو القانون الذي تم سنه من قبل مشرع الجمهورية الثالثة، بحيث يمكن القول أنه متوافق مع الإعلان الفرنسي الحقوق الإنسان والمواطن في المادة (11) منه التي تنص على حرية الإنسان في بث أفكاره وآرائه كما له حرية الكلام والكتابة والطباعة شريطة ألا يكون في هذه الحرية تعسفا من أي نوع. ولقد تم تعديل القانون المذكور بمقتضى القانون المؤرخ 1982/7/29 بشأن الاتصالات السمعية المرئية ثم بمقتضى القانون المؤرخ 1986/8/1 بشأن هيئة النظام القانوني للصحافة ثم أضيف إلى هذه النصوص القانون المؤرخ 1990/7/13 بشأن العنصرية، وهو القانون المعروف باسم تشريع .Loi Gayssot .
2- Cass. Cr. 30/1/2001, No.655, Disponible enligne en Oct. 2001 a: http://www.juriscom.net
3- Stephane Liti – Le Changement d'adresse sans demenagement, Nouvelle cause dirresponsabilite penale, commentaire du jugement rendo par la 17eme ch. Corr. Du TGI de Paris, le 28 Jan. 1999, disponible en ligne a : http://www.legalis.nt/inet/commentaires/lilti-280199.htm
4-Uploader - Downloader.
5- Stephane Lilti, op. cit.
6- طعن جنائي مصري رقم 20471 لسنة 60 ق جلسة 1999/11/14 المحامي مصر ع. 1 لسنة 2001، ص206.
7- طعن جنائي مصري رقم 12952 لسنة 60 ق جلسة 2000/2/22 المحامي مصر ع. 1 لسنة 2001، ص206.
8- Art (R-624-4-CPN Fr.) « L’injure non puplique commise envers une personne ou un groupe de personnes a raison de leur origine ou de leur appartenance, vraie ou supposee, a une ethnic, une nation, une race ou une religion determince est punie de l'amende prevue pour les contraventions de la de classe ».
9- L'article 29 de la loi du 29 Juillet 1881 definit l'injuire comme « toute expression outrageante termes de mepris ou invective qui ne renferme l'imputation d'aucun fait ».
10- انظر في ذلك: د. جميل عبد الباقي الصغير، الأحكام الموضوعية، ص 29.
11-USA v. William M. Landham, 2001 FED App. 01 75P (6th Cir.), No. 99-5471, May 25, 2001.
12- La diffamation non puplique commise envers une personne ou un groupe de personnes a raison de leur origine ou de leur appartenance ou de leur non-appartenance, vrai ou supposee, a une ethnie, une nation, une race ou une religion determinee est punie de l'amende prevue pour les contravention de le 4e classe ».
13-David Loundy – Computer information systems Law & system Operator Liabilty, the Seattle Uni. Law Review, Vol. 21, No.4, Summer 1998, P.16.
14- طعن جنائي مصري رقم 20471 لسنة 60 ق جلسة 1999/11/14 المحامي - صر العدد 1 لسنة 2001، ص209
15- Guillame Desgens - Pasanau - Du Bon Usage d'un Forum de 13 Mars 2001 a: discussion, P.3- disponble en ligne en http://www.droit-technologiw.org.
16-David Loundy, op. cit., at 17.
17- L'article 29 de la Loi du 29 juillet 1881 definit la diffamation comme « toute allegation ou imputation d'un fait qui porte atteinte a l'honneur ou a la consideration de la personne ou du corps auguel le fait est impute ».
18- طعن جنائي مصري رقم 3087 لسنة 62 ق، جلسة 2000/5/8 المحاماة / مصر العدد 1 لسنة 2001، ص207 .
19- طعن جنائي مصري رقم 4933 لسنة 62ق، جلسة 2000/5/15 المحاماة / مصر العدد 1 لسنة 2001، ص207).
20- طعن جنائي مصري رقم 3087 لسنة 62 ق، السابق.
21- TGI Meaux, 3eme Ch, Correc. 19/11/2001 (Ste Eurodisney S. C. A. & autres c/ A. A.) http://www.juriscom.net.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|