أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2016
2137
التاريخ: 26-8-2016
1477
التاريخ: 21-4-2016
1334
التاريخ: 10/11/2022
2393
|
وهو من المباحث المهمّة لما يترتّب عليه من آثار كثيرة في الفقه، إذ بناء على ثبوت دعوى أنّ روايات أصحاب الاجماع لا تحتاج إلى النظر فيمن يقع بعدهم من رجال السند، يمكن الاعتماد على كثير من الروايات التي لم يثبت اعتبارها من غير هذا الطريق في مقام استنباط الأحكام الشرعية، والبحث فيه يتم في ضمن امور ثلاثة:
الأول: في أصل الدعوى وألفاظها.
الثاني: في مفاد الدعوى.
الثالث: في نقد الاحتمالات وترجيح بعضها على بعض.
أما الأمر الاول: فالأصل في هذه الدعوى هو أبو عمرو الكشّي، فقد ادّعى الاجماع على تصحيح ما يصحّ عن ثمانية عشر رجلا من أصحاب الأئمّة عليهم السلام، أو تصديقهم على اختلاف يسير في تحديد أسمائهم ـ كما سنبيّن ـ، وله في ذلك عبارات ثلاث، وهي:
الاولى: قوله: تحت عنوان: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهالسلام «اجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله عليهالسلام، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي. قالوا: وأفقه الستّة: زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري» (1).
الثانية: قوله: تحت عنوان تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء، وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه، من دون اولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم، ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسى، وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون، أنّ أفقه هؤلاء: جميل بن درّاج، وهم احداث أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام (2).
الثالثة: قوله: تحت عنوان تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم عليهالسلام وأبي الحسن الرضا عليهالسلام: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر أخر دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام، منهم: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري، ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن فضّال وفضالة بن أيّوب، وقال بعضهم مكان فضالة بن أيّوب: عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى (3).
فالمجموع ثمانية عشر رجلا إلّا أنّه في العبارة الاولى ورد أبو بصير المرادي، مكان أبي بصير الأسدي، فإذا أضيف إليهم كان المجموع تسعة عشر رجلا، كما أنّه إذا أضيف الحسن بن علي بن فضّال وفضالة بن أيّوب وعثمان ابن عيسى المذكورين مكان الحسن بن محبوب في العبارة الثانية صار مجموعهم اثنين وعشرين رجلا، إلّا أنّ مورد الاجماع ثمانية عشر رجلا وأضيف إليهم أربعة أشخاص.
هذه هي اصول العبارات الواردة في أصحاب الاجماع.
وأمّا الامر الثاني فقد وقع الخلاف في تحديد المراد من معقد الاجماع، وفي المقام احتمالات خمسة:
الأوّل: إنّ معقد الاجماع هو تصحيح روايات هؤلاء عنهم، وعمّن بعدهم، كائنا من كان، فإذا صحّت الرواية عنهم ووصلت إلينا بطريق صحيح، فهي حجّة من دون ملاحظة حال من بعدهم، بل الملاحظ من قبلهم أي الوسائط بيننا وبينهم، فالمدلول أنّ رواياتهم صحيحة إذا وصلت إلينا بطريق صحيح.
ذكر هذا صاحب الوافي ونسبه إلى جماعة (4)، وإن ناقش فيه مبديا احتمالا آخر كما سيأتي.
الثاني: وينسب إلى جماعة منهم السيّد الداماد (5)، والشيخ البهائي (6)، والعلّامة الحلّي (7)، والحسن بن داود (8)، والشهيد (9)، والمجلسيان (10)، والعلّامة بحر العلوم (11)، وغيرهم، وهو: انّ معقد الاجماع دالّ على وثاقة هؤلاء الأشخاص ووثاقة من بعدهم، فيكون من بعدهم ثقة وإن كان مجهول الحال عندنا، فتكون الروايات عن طريقهم صحيحة.
الثالث: انّ معقد الاجماع يدلّ على توثيق هؤلاء، وصحّة رواياتهم، ولا دلالة فيه على توثيق من بعدهم، وينسب هذا إلى صاحب الرياض (12)، والسيّد الكاظمي (13)، وصاحب الفصول (14)، وغيرهم.
الرابع: انّ معقد الاجماع يدلّ على وثاقة هؤلاء في أنفسهم، وأنّهم من الأجلّاء، من دون الدلالة على تصحيح رواياتهم، فضلا عن وثاقة من بعدهم.
وهذا هو الاحتمال الآخر الذي أبداه صاحب الوافي (15)، واختاره السيّد الأستاذ قدس سره.
الخامس: أن معقد الاجماع لا ربط له بالرواية، وانّما هو في مقام بيان منزلة هؤلاء من حيث العلم، والفقاهة، وتصديق العصابة لهم بالفقه، وهو المناسب لذكر الاجماع تحت عنوان الفقهاء من أصحاب الأئمة عليهم السلام.
هذا مجمل ما قيل ممّا يحتمل إرادته من معقد الاجماع الوارد في العبارات الثلاث.
واما الامر الثالث فتحقيق الحال فيه أن نقول:
أمّا الاحتمال الاوّل: فهو الظاهر من عباراتهم، بل العبارة الاولى نصّ في ذلك، فإنّ المراد من قولهم أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء ...، تصديقهم في رواياتهم، لا أنّها ظاهرة في التوثيق لهم ولا لمن بعدهم، كما أنّ الظاهر من قولهم تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء في العبارة الثانية والثالثة صحّة ما يروونه وما يحكونه من الفتاوى بمقتضى العموم، أو الاطلاق، المستفاد من العبارة.
وهذا القول يبتني على أنّ الصحّة عند المتقدّمين تختلف عنها عند المتأخرين، فالمراد من الصحّة عند القدماء هو صحّة المتن لا صحّة السند بمعنى أنّ المرويّ صحيح ومطابق للواقع، ولا دلالة فيه علىّ وثاقة الرواة، وبناء عليه فالمستفاد من العبارات تصحيح متون رواياتهم لا توثيق من يقع في اسنادها.
وأمّا الاحتمال الثاني: فقد استدلّ له بأنّ العبارات المتقدمة تدل على وثاقتهم ووثاقة من بعدهم، لأنّ ما ذكر من الفرق بين الصحّة عند المتقدّمين والمتأخّرين غير ثابت، بل الصحّة عند الجميع بمعنى واحد، وقد ذكرنا فيما تقدّم ـ في البحث حول الكتب الأربعة ـ أنّ الصحة بمعنى أنّ يكون الراوي ثقة، فإذا قيل: في الصحيح عن فلان، فمعناه أنّه وصل إلينا عنه بطريق صحيح، وأمّا الحكم بصحّة المتن اعتمادا على وجود القرائن فبعيد لاستبعاد الفحص عن القرائن في كلّ رواية صدرت عنهم، فالظاهر أنّ الحكم بالصحّة يدور مدار وثاقتهم لا صحّة متون رواياتهم، وبناء عليه فالتصحيح بمعنى التوثيق، فيشملهم ويشمل من بعدهم.
وأمّا الاحتمال الثالث: وهو توثيق هؤلاء وصحّة رواياتهم فدليله أنّه إذا ثبت تصحيح رواياتهم فمعناه أنّهم تتبعوا أصحاب الاجماع وفحصوا في جميع رواياتهم فعلموا أنّ جميع رواياتهم صحيحة، وهذا عادة ملازم لوثاقتهم.
مضافا إلى انّ الموضوع لمعقد الاجماع هو هؤلاء الأشخاص لا رواياتهم، فيكون في مقام بيان ضابطه كلّيّه لهؤلاء الرواة، وحينئذ تكون الدلالة على الوثاقة بالمطابقة لا بالالتزام.
وأمّا الاحتمال الرابع ـ وهو أنّ المراد توثيق هؤلاء الرواة من دون نظر إلى رواياتهم، فمعناه أنّ غاية ما تدلّ عليه العبارات الثلاث وثاقة هؤلاء في أنفسهم، والفرق بينهم وبين غيرهم من الرواة الثقاة وجود الاجماع على وثاقة هؤلاء دون غيرهم، وقد ذكرنا فيما سبق أنّ هذا الاحتمال ذكره صاحب الوافي، واختاره السيّد الاستاد قدس سره. وقد استدلّ عليه صاحب الوافي (16) بوجهين:
الأوّل: ما ذكره قدس سره من أنّ العبارات الثلاث كما يحتمل فيها المعنى المشهور، وهو الدلالة على توثيقهم وتصحيح رواياتهم بالنسبة إلى من بعدهم من دون ملاحظة حالهم من الضعف أو الجهالة أو الارسال، كذلك يحتمل أنّ هذه العبارات تدلّ على أنّ هؤلاء ثقاة في أنفسهم بالاجماع مع قطع النظر عن الشرائط الاخرى، فإذا كانت العبارات محتملة لهذين الأمرين فلا يمكن الأخذ بأحدهما، إلّا أن القدر المتيقن هو الاحتمال الثاني، فحينئذ يكون هو المرجّح، من باب الأخذ بالقدر المتيقّن، إذ ما عداه مشكوك فيه فلا يمكن الأخذ به.
الثاني: لو سلّمنا أنّ العبارات الثلاث دالّة على وثاقة من بعدهم، إلّا أنّ المثبت لذلك هو الاجماع المنقول بخبر الواحد، وهو غير حجّة لعدم دخوله في حجيّة خبر الواحد، ولا أقل في كونه مشكوك الحجيّة، والشكّ فيها مساوق لعدمها، وعليه لا يمكن الأخذ بهذه الدعوى. وقد أضاف السيد الاستاذ وجها ثالثا، وحاصله:
انّ هذه الدعوى غير تامّة؛ لأنّ المشايخ القدماء لم يعملوا بهذا الاجماع ولم يعولوا عليه، فإنّ الشيخ ناقش في روايات صفوان، وابن أبي عمير، وغيرهما ممّن ذكر في معقد الاجماع، وغيرهم، ممّن ادّعى في حقّه أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة، فمناقشة الشيخ كاشفة عن عدم تماميّة الاجماع (17).
ولكن يمكن المناقشة في هذه الوجوه الثلاثة.
أمّا بالنسبة إلى الوجه الأوّل، وهو انّ الاجماع مفاده التوثيق فقط، فيقال في جوابه: إنّه مجرّد احتمال، وليس كلّ احتمال يؤخذ به، فهذا الاحتمال كذلك، فإنّه خلاف ظاهر العبارة. نعم ورد في العبارة الاولى: أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء، وهي تدلّ بالمطابقة على وثاقتهم، وإن كانت قاصرة عن الدلالة على توثيق من بعدهم، ولكن في العبارتين الاخريين تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، أي أنّ ما صدر عنهم فهو صحيح ـ رواية كان أو فتوى ـ، ولو لم يكن كذلك أمكن للكشّي أن يعبّر بما هو أدل وأوضح على توثيقهم كأن يقول: أجمعوا على تصديقهم أو وثاقتهم، لا أن يعبّر بتصحيح ما يصحّ عنهم، فهذا الاحتمال ضعيف جدا.
فمفاد العبارتين الاخريين: أنّ كلّ ما وصل إلينا بطريق صحيح يكون مصحّحا ولا يلاحظ من بعدهم، وعليه فلا إجمال في المقام حتى تصل النوبة إلى الاخذ بالقدر المتيقّن، إذ الاحتمال الآخر موهون بالقياس إلى ظاهر العبارة، وإن كنّا نقول أنّ القدر المتيقّن الدلالة على التوثيق بحسب الواقع، لا من باب الترديد بين الاحتمالين لوهن أحدهما وقوّة الثاني، كما هي الدعوى.
وأمّا بالنسبة إلى الوجه الثاني وهو أنّ هذا ليس داخلا في حجيّة خبر الواحد، ولا يكون كاشفا عن رأي المعصوم فليس بوجيه، لأنّ الاجماع هنا غير الاجماع الذي يستند إليه في الفقه لاختلاف مناط الحجيّة في المقامين، فإنّ المناط في حجّية الاجماع في الفقه كشفه عن قول المعصوم عليهالسلام، وأمّا مناطه في المقام فهو حصول الشهادة على وثاقة أشخاص معيّنين، وتصحيح رواياتهم، فلو كان مع ذلك كاشفا عن قول المعصوم عليهالسلام لكان آكد في حجيّته، إلّا أنّ الاجماع الكاشف غير مراد هنا، بل المراد تحقّق الشهادة من جماعة، وهذا متحقق في المقام، ولا أقل أنّه بدعوى الكشّي، ونقل الشيخ ذلك عنه المستفاد منه قبوله له وإلّا لأنكره عليه.
ثمّ لا يخفى أنّ نقل الكشّي للإجماع كاشف عن موافقة عدّة يعتدّ بها وإلّا لم يكن للإجماع وجه، وهذا جواب لمن ناقش في دعوى الكشّي للإجماع، فإنّ وجود عدّة يعتدّ بها كاف لدعواه، وقياس هذا الاجماع على الاجماع في الفقه لا وجه له.
وأمّا الوجه الثالث الذي استشكل به السيد الأستاذ قدس سرّه وهو أنّ الشيخ ناقش في روايات بعض المذكورين في الاجماع كمراسيل ابن أبي عمير، فهو محتاج إلى توجيه، وسيأتي قريبا في الأمر الثاني.
وأمّا دعوى دلالة العبارات الثلاث على وثاقة الرواة المذكورين فقد أجبنا عنها آنفا بأنّه خلاف الظاهر.
وأمّا الاحتمال الخامس: وهو انّ هذه العبارات لا ربط لها بالرواية، بل هي ناظرة إلى بيان منزلة هؤلاء من حيث العلم والفقاهة، فهو الظاهر من العبارة الاولى إذ ورد فيها أنّ أفقه الأوّلين ستة، وأفقههم زرارة، إلّا أنّ مفاد العبارتين الثانية والثالثة تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء، وهو أعمّ من كونه في الفتوى والرواية وان صرح فيها بالأفقه من كل فئة.
ويمكن أن يقال إنّ ملاحظة القرائن الواردة في العبارة تخصّص المراد بالفقاهة، ويؤيّده ما ذكره ابن شهراشوب في مناقب الامام الباقر عليهالسلام والامام الصادق عليهالسلام بأنّ هؤلاء ستّة من أصحاب الصادق عليهالسلام اجتمعت العصابة على أنّ أفقه الأوّلين ستّة كما ذكر في أحوال الصادق، واجتمعت العصابة على تصديق ستّة من فقهائه عليهم السلام ... الخ فعبارته اقتصرت على ذكر الفقاهة فقط (18).
ثم إنّ القدر المتيقّن من الفقاهة هو الفتوى، فلا يمكن حمل الألفاظ في العبارات على الرواية، وإنّ المراد هو وثاقتهم من حيث الرواية، بل تحمل على القدر المتيقّن وهو الفقاهة. ويؤيّد هذا أيضا ما ورد في عبارة الكشّي في عنوان الموارد الثلاثة بتسمية الفقهاء... الخ.
والجواب: إنّ هذا الاحتمال وإن كان واردا إلّا أنّ الظاهر من العبارتين الثانية والثالثة هو تصحيح ما يصحّ عنهم من الروايات لا الفتاوى، نعم العبارة الاولى لا ظهور لها في ذلك، فيمكن الجمع بين العبارات الثلاث بالحمل على الأعمّ من الرواية والفتوى.
وأمّا ما ذكره ابن شهراشوب فجوابه انّه لم يكن في صدد بيان الرواة والرواية، بل هو في صدد إثبات فقاهتهم، وهو لا يعني نفي الرواية عنهم، وأنّهم ليسوا موردا للإجماع من جهة الروايات، مضافا إلى أنّه اقتصر على بعض العبارة.
وأمّا ما ورد في عنوان المسألة من تسمية الفقهاء فهو مردود بما ذكرناه من ظاهر العبارات، مع أنّ حمل الكلام على التأسيس أولى من حمله على التأكيد، فتكون عبارته: (وانقادوا لهم بالفقه) أمرا آخر، غير ما يستفاد من قوله: «تصحيح ما يصحّ عنهم»، المحمول على الرواية، هذا مضافا إلى أن وجود الاجماع على صحة فتوى هؤلاء ـ مع أن بعضهم، كابن بكير، وابن فضّال، الذين اشتهر الامر بالأخذ برواياتهم دون آرائهم ـ محلّ تأمل.
والمتحصّل: انّ الجمع بين العبارات الثلاث يقتضي الحمل على المعنى العامّ الشامل للرواية والفتوى بمقتضى العرف.
ثم إنّ هنا احتمالا سادسا ـ وهو في نظرنا أضعف الاحتمالات ـ وحاصله انّ معقد الاجماع هو تصحيحات هؤلاء الرواة أي أنّ كلّ ما صحّحوه من الروايات والفتوى فهو صحيح، لا الحكم بصحّة الرواية الصادرة عنهم، وبتعبير أوضح انّهم إذا نصّوا على صحّة رواية معيّنة أو فتوى مخصوصة قبل قولهم وأخذ به. وهذا الاحتمال كما ترى، فإنّ مدلول العبارات هو الصدور عنهم والحكم بصحّته، وهذا المدلول يوهن ذلك الاحتمال، وإنّما ذكرناه هنا لوروده في بعض الأذهان، بل قال به بعض العلماء.
نعم قد يتمّ ذلك بمعونة دليل خارجي مفقود في المقام.
والخلاصة انّ الاحتمالات في معقد الاجماع خمسة أو ستّة، أقواها اثنان:
1 ـ الاختصاص بالفقه والفتوى.
2 ـ الأعمّ من الفتوى والرواية.
ويمكن أن يرجّح الاحتمال الأوّل بأمور:
1 ـ عنونة الكشّي للمسألة.
2 ـ انّ العبارة الاولى اقتصر فيها على ذكر الفقه.
3 ـ ما ورد في العبارة الثانية من تصديق ما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه، وهكذا في العبارة الثالثة.
4 ـ اشتمال العبارات الثلاث على ذكر الأفقه من كلّ فئة.
5 ـ أنّ بعض من ذكر في العبارات الثلاث مورد خلاف من حيث الرواية، ويمكن أن يرجح الاحتمال الثاني بأنّ ظاهر الموصول في العبارتين الثانية والثالثة هو الأعمّ من الفقه والرواية.
فعلى الاحتمال الأوّل يرجع الاجماع إلى أمر حدسي، لا حسّي؛ لأنّ الفتوى من الأمور الحدسيّة، فلا يدخل هذا الاجماع في باب الشهادة، فيتمحّض في التعبّدي، ويمكن أن يضعف بوجهين:
الأوّل: أنّ هذا الاجماع لا يحرز كونه إجماعا كاشفا عن رأي المعصوم عليهالسلام، بل قد ذكرنا سابقا أنّ هذا الاجماع ليس إجماعا في مسألة فرعية.
الثاني: لو سلّمنا تمامية الاجماع فلا بدّ من ظهور أثر لذلك ولو في مورد واحد، ولم نعثر على مورد واحد عمل الأصحاب فيه بفتوى هؤلاء.
وعلى الاحتمال الثاني يكون الاجماع بالنسبة للفتوى حدسيا كما في الاحتمال الأوّل، وسيأتي الكلام عنه، ويكون بالنسبة للرواية حسّيا، ولا يلزم فيه كاشفيته عن قول المعصوم عليهالسلام، لأنّه شهادة ويكفي فيها اثنان، بل واحد، فيكون حجّة، فلا يرد الاشكال الأوّل على الاحتمال السابق، ولكن الاشكال الثاني وارد، فإنّا لم نجد من بين القدماء من استدلّ في مورد واحد برواية مستندا إلى هذا الاجماع، إلّا من بعض المتأخّرين، ولا حجة في استدلالهم.
وبعبارة أوضح أنّه لم تثبت صحّة جميع روايات واحد من أصحاب الاجماع، وعلى هذا فيمكن الخدشة في أساس الاجماع وثبوته.
والتحقيق في المقام: انّه يمكن أن يصار إلى احتمال آخر غير ما ذكر، ولا يرد اشكال عليه، وحاصله: انّ مورد الاجماع في العبارات الثلاث هؤلاء الأشخاص على نحو المجموع بما هو، لا على نحو الانفراد بمعنى أنّه اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء كمجموع لا كلّ واحد واحد، فمؤدى الاجماع أنّ كلّ مجموعة ذكرت في العبارات الثلاث إذا اجتمعت على رواية واحدة أو فتوى فهي صحيحة.
فتتشكل ثلاث مجموعات من الأصحاب، يكون قول كلّ مجموعة حجّة رواية كان أو فتوى، فيما إذا حملنا معقد الاجماع على الأعم أو خصوص الفتوى إن قلنا باختصاصه بالفتوى.
وبعبارة أخرى: إنّ كلمة هؤلاء الواردة في العبارات الثلاث مأخوذة بشرط الاجتماع في كلّ واحدة من هذه العبارات، ويكون إجماع الأصحاب على رواية اجتمع هؤلاء على روايتها من باب الشهادة وعلى الفتوى من باب الاطمئنان.
فإذا وجدنا إحدى المجموعات الثلاث متّفقة على رواية مّا، حكمنا بصحّتها، بلا فرق بين اتّحاد السند وتعدّده، ويمكن أن يؤيّد بما ذكر في الإجماعات من تبديل بعض الأشخاص مكان بعض، كالحسن بن علي بن فضّال، وفضالة بن أيّوب، مكان الحسن بن محبوب، فجعل اثنين مكان واحد إشعار بأنّ الشخص له موضوعية وأهمّية.
ولم نر من تعرض لهذا الاحتمال في كلمات الأعلام، كما لم نجد قرينة اخرى مؤيّدة له، وإذا كان هذا الاحتمال في نفسه واردا فلا يكون قول المشهور بانفراد كلّ واحد تامّا، وعليه فنتيجة البحث هي التوقّف، وإن رجّحنا الاحتمال الأخير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال الكشي ج 2 ص 507 مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.
(2) ن. ص 673
(3) ن. ص 830.
(4) الوافي ج 1 الفائدة الثالثة ص 12 الطبعة القديمة.
(5) كتاب الرواشح السماوية ـ الراشحة السابعة ص 47.
(6) مشرق الشمسين المطبوع في ضمن الحبل المتين ص 270 الطبع القديم.
(7) رجال العلامة الحلي ص 107 الطبعة الثانية.
(8) بهجة الآمال في شرح زبدة المقال الفصل الحادي عشر ص 218.
(9) ن. ص 218.
(10) رجال السيد بحر العلوم ج 4 الفائدة الثالثة ص 68 الطبعة الاولى.
(11) بهجة الآمال في شرح زبدة المقال الفصل الحادي عشر ص 218.
(12) مقباس الهداية ج 2 ص 182 الطبعة الاولى المحققة.
(13) مستدرك الوسائل ج 3 ص 361 الطبعة القديمة.
(14) الفصول الغروية ـ فصل معرفة توثيق المزكي للراوي ـ الطبعة القديمة.
(15) الوافي ج 1 ص 12 الفائدة الثالثة الطبعة القديمة ـ معجم رجال الحديث ج 1 ص 59 الطبعة الخامسة.
(16) الوافي ج 1 ص 12 الطبعة القديمة.
(17) معجم رجال الحديث ج 1 ص 63 الطبعة الخامسة.
(18) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 211 وص 280 المطبعة العلمية ـ قم.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|