المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



الحسن بن محمد بن عبد الصمد بن أبي الشخباء  
  
3456   04:59 مساءاً   التاريخ: 21-06-2015
المؤلف : ياقوت الحموي
الكتاب أو المصدر : معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)
الجزء والصفحة : ج3، ص76-91
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-2-2018 1781
التاريخ: 21-06-2015 2663
التاريخ: 29-3-2021 2963
التاريخ: 13-08-2015 2137

أبو علي العسقلاني صاحب الرسائل، مات فيما ذكره علي بن بسام في كتاب الذخيرة في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة معتقلا بمصر في خزانة البنود. وكان يلقب بالمجيد ذي الفضيلتين. أحد البلغاء الفصحاء الشعراء له رسائل مدونة مشهورة قيل إن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن البيساني منها استمد وبها اعتد وأظنه كتب في ديوان الرسائل للمستنصر صاحب مصر لأن في رسائله جوابات إلى الفساسيري إلا أن أكثر رسائله إخوانيات وما كتبه عن نفسه إلى أصدقائه ووزراء أمراء زمانه وها أنا أكتب منها ما سنح لتعرف قدر بضاعته ومغزى صناعته نظما ونثرا.

 قال من قصيدة: [الكامل]

 (أخذت لحاظي من جنا خديك ... أرش الذي لاقيت من عينيك)

 (هيهات إني إن وزنت بمهجتي ... نظري إليك فقد ربحت عليك)

 (غضي جفونك وانظري تأثير ما ... صنعت لحاظك في بنان يديك)

 (هو ويك نضح دمي وعز علي أن ... ألقاك في عرض الخطاب بويك)

 (فسلكت في فيض الدموع مسالكا ... قصرت بها يد عامر وسليك)

 (صانوك بالسمر اللدان وصنتهم ... بنواظر فحميتهم وحموك)

 (لو يشهرون سيوف لحظك في الوغى ... لاستقرأوا فيها قنا أبويك)

 وقد كتب إلى صديق له: لما حديت ركاب مولاي أخذ صبري معه وصحبه قلبي وتبعه: [الكامل]

 (فعجبت من جسم مقيم سائر ... كمسير بيت الشعر وهو مقيد)

 وبقيت بعده أقاسي أمورا تخف الحليم وترعي الهشيم إن رجوت منها غفلة اقتحمت وإن رمت منها فرجة تضايقت والتحمت وأما الوحشة فقد اصطبحت منها كأسا مترعة وتجرعت من صابها أمر جرعة ورأيت فؤادي إذا مر ذكر مولاي يكاد يخرج من خدره ويرغب في مفارقة صدره حنينا يجدده السماع وصدودا ينتفض منه الأضلاع وزفرة يدمي في غرارها ويطلع في الترائب شرارها: [الطويل]

 (أداري شجاها كي تخلي مكانها ... وهيهات ألقت رحلها واطمأنت)

وأما ما أعاني بعد مسيره فأشياء منها عيث الألم مرة وزوال الاستمتاع بما يعرفه من تلك المسرة ومنها اضطراري إلى كثرة معاشرة من أعلم دخل سرائره واختلاف باطنه وظاهره. وتكلف اللقاء له بصفحة مستبشرة وأخلاق غير متوعرة والله يعلم نفور طباعي ممن رآه أهل الأدب من الأدب غفلا ومن ذخائره مقفلا لكن السياسة تقتضي اعتماد ما ذكرت وتوجب قصد ما شرحت وإن كان موردا غير عذب وثقيلا على العين والقلب: [الكامل]

 (ولربما ابتسم الفتى وفؤاده ... شرق الضلوع برنة وعويل)

ومنها انعكاس كثير من الآمال وارتشاف الصبابة الباقية من الحال بجوائح مصرية وشامية وفوادح أرضية وسماوية ولا أشكو بل أسلم له مذعنا وأرى فعله كيف تصرفت الأحوال جميلا حسنا: [الطويل]

 (ومن لم يسلم للنوائب أصبحت ... خلائقه طرا عليه نوائبا)

 والله تعالى المسئول أن يهب لي من قرب مولاي ما يأسو هذه الكلوم ويجدد من المسرة عافي الرسوم فجميع الحوادث وسائر النوائب الكوارث إذا قربت الخطوة واستجيبت هذه الدعوة تمسي غير مذكورة وبجناح التجاوز مكفورة.

 وكتب إلى أبي الفرج الموفقي جوابا عن رقعة:

 وصلت رقعة مولاي والصبح قد سل على الأفق مقضبه وأزال بأنوار الغزالة غيهبه فكانت بشهادة الله صبح الآداب ونهارها وثمار البلاغة وأزهارها قد توشحت بضروب من الفضل تقصر قاصية المدى ويجري به في مضمار الأدب مفردا: [الكامل]

 (فكأن روض الحسن تنثره الصبا ... فأطلت من قرطاسها أتصفح)

فأما ما تضمنته من وصفي فقد صارت حضرته السامية تتسمح في الشهادة بذلك مع مناقشتها في هذه الطريقة وأنها لا توقع ألفاظها إلا مواقع الحقيقة. فإن كنت قد بهرجت عليها فلتراجع نقدها تجدني لا أستحق من ذلك الإسهاب فضلا ولا أعد لكلمة واحدة منه أهلا وبالجملة فالله ينهضني بشكر هذا الإنعام الذي يقف عنده الثناء ويضلع ويحصر دونه الخطيب المصقع: [الكامل]

 (هيهات تعيي الشمس كل مرامق ... ويعوق دون منالها العيوق)

 وأما الفضل الذي أودعه الرقعة الكريمة من قوله فأما فلان فيحل في قومه ويفرح بالضيوف فرح حنيفة بابن الوليد قدوره عمارية وعطسات جواريه أسدية ويهوين لو خلق الرجال خلق الضباب يتضوعن النشر العبقسي ويرضعن مراضع ثعالة المجاشعي. وما أمرت حضرته السامية من ذكر ما عندي فيه فقد تأملته طويلا وعثر الخادم فيه بما أنا ذاكره راغبا في الرضا بما بلغت إليه المقدورة وتجليل ذلك بسجوف الصفح. أما قوله يفرح بالضيوف فرح حنيفة بابن الوليد فيقع لي أنه أراد خالد بن الوليد المخزومي وذلك أن مسيلمة الحنفي كان قد تنبأ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديثه مشهور فبعث إليه أبو بكر خالد بن الوليد المقدم ذكره في جيش كثيف من المسلمين ففتح اليمامة وقتل مسيلمة وأباد جماعة كثيرة من بني حنيفة. وأما قوله قدوره عمارية فإن هذا الفصل لما كان مبنيا على الذم وجب أن يتطلب لهذا السبب معنى يجب حمله عليه ولم نجد ما ينسب إليه إلا قول الفرزدق: [البسيط]

 (لو أن قدرا بكت من طول ما حبست ... عن الحقوق بكت قدر آبن عمار)

 (ما مسها دسم مذ فض معدنها ... ولا رأت بعد نار القين من نار)

 وأما قوله" عطسات جواريه أسدية" فيقوى في وهمي أنه أراد قول الأول في هجائه: [الوافر]

 (إذا أسدية عطست فـ.... ها ... فإن عطاسها طرق الوداق)

وأما قوله يهوين لو خلق الرجل خلق الضباب فإن الجاحظ ذكر في كتاب الحيوان أن للضب أيـ...ين وللضبة حـ....ين وحكى أن أ....ر الضب أصله واحد وإنما يتفرق فيصير أعلاه اثنين واستشهد على ذلك بقول الفرزدق: [الطويل]

 (رعين الدبا والبقل حتى كأنما ... كساهن سلطان ثياب مراجل)

 (سبحلٌ له نزكان كانا فضيلة ... على كل حاف في البلاد وناعل)

والنزك: اسم أ...ر الضب. وأنشد الأصمعي لابن دزماء فيما رواه أبو خالد النميري: [الطويل]

 (تفرقتم لا زلتم قرن واحد ... تفرق أ...ر الضب والأصل واحد )

ومن ههنا قالت حبّى المدنية لما عذلها أبوها في تزوجها ابن أم كلاب: [الوافر]

 (وددت بأنه ضبٌّ وأني ... ضبيبة كدية وجدت خلاء)

وأما قوله "يتضوعن النشر" فمن أمثال العرب (هو أخسر صفقة من شيخ مهو) وهو بطن من عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن نزار بن معد بن عدنان وكان من خبره أن إيادا كانت أفسى العرب فوفد وافدهم إلى الموسم بسوق عكاظ ومعه حلة نفيسة فقال يا معشر العرب من يشتري مني مثلبة قوم لا تضره بحلتي هذه فقال الشيخ المهوي: أنا أشتريها. فقال الإيادي: أشهدكم يا معشر العرب أني قد بعت فساء إياد لوافد عبد القيس بحلتي هذه وتصافحا وافترقا متراضيين وقد شهد عليهما أهل الموسم فصارت عبد القيس أفسى العرب. وقيل لابن مناذر كيف الطريق إلى عبد القيس؟ فقال شم ومر: [السريع]

 (فإن عبد القيس من لؤمها ... تفسو فساء ريحه تعبق)

 (من كان لا يدري لها منزلا ... فقل له يمشي ويستنشق)

وأما قوله "أعطش من ثعالة المجاشعي" فمن أمثال العرب فيما ذكره الكلبي قال هما رجلان من بني مجاشع عطشا فالتقم كل واحد منهما أير صاحبه يشرب بوله فلم يغن عنهما شيئا وماتا عطشا ووجدا على تلك الحال

 قال جرير يهجو بني دارم: [الوافر]

 (رضعتم ثم بال على لحاكم ... ثعالة حين لم يجدا الشرابا)

هذا ما وقع لي في هذا الفصل وأرجو أن أكون قد ذهبت إلى ما قصده قائله.

 ومن كلامه يهنئ بكسر أتسز بن أوق الغزي وكان ذلك لثمان ساعات مضين من يوم الاثنين في العشر الأخيرة من جمادى الآخرة سنة تسع وستين وأربعمائة { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } قد ارتفع الخلاف بين الكافة أن الله ذخر للدولة الفاطمية ثبت الله أركانها من الحضرة العلية المنصورة الجيوشية خلد الله سلطانها من حمى سوادها ونصر أعلامها وضم نشرها وحفظ سريرها ومنبرها بعد أن كان الأعداء الذين ارتضعوا در إنعامها وتوسموا بشرف أيامها فطردت يد الاصطناع إملاقهم وأثقلت قلائد الإحسان أعناقهم فخفروا ذمم الولاء وكفروا سوابغ الآلاء ففجأتهم الحوادث من كل طريق ونعب بهم غراب الشتات والتفريق واستباحتهم يد الشدائد { فأتى الله بنيانهم من القواعد }،ولم تزل النفوس منذ طرق أتسز اللعين هذه البلاد وأنجم فيها أنجم الفساد وتعدى حدود الله وكلماته وتعرض لمساخطته ونقماته عالمة بأن إملاء الحضرة العلية مد الله ظلها على الكافة لم يكن عن استعمال رخصة في هذه الحال ولا سكون إلى عوارض من الإغفال والإهمال بل هو أمر ركب فيه متن التدبير وجرت بمثله المقادير واتبع فيه قوله تعالى { فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب } وحين خدعته المطامع المردية إلى الأعمال القاهرة مؤملا انفصام عروة الله المتينة وأفول ما توقد من شجرة مباركة زيتونة سكنت النفوس إلى أن الحضرة العلية ثبت الله مجدها ستجرد له من عزماتها الماضية ما يعجل دماره وتنتضي له من آرائها الكامل ة ما يعفي آثاره وحين اصطدمت الرجال وتوالت الأنباء بانكسار اللعين وما منحته الحضرة من النصر المبين حتى نهبت الأموال وتحكمت السيوف بحكم القادر الغالب وأكلتهم الحرب أكل الغرثان الساغب وأنشبت فيهم أظفارها المنية وكسيت الأرض من دمائهم حلة عسجدية وولى المخذول على أدباره ونكص على أعقابه بوبيل أوزاره يخاف من نجوم الليل أن ترجمه ومن شمس النهار أن تصطلمه وترك ما معه يقسم يمينا وشمالا ومن حشده يقتل ركبانا ورجالا علم أن لله تعالى عناية بالدولة الزاهرة وتحقق أن له سبحانه رعاية بالملة الطاهرة تحوط أقطارها وتضاعف أنوارها ولطفا خفيا بهذه الرعية ومشيئة نافذة في هذه البرية التي لولا مقام الحضرة العلية لمزق أديمها واستبيح حريمها والله المحمود على ما منح من هذه النعمة والمسئول أن يشد ببقاء الحضرة العلية قواعد الإسلام ويسم بمحامدها أغفال الأيام ويستخدم  لها السيوف والأقلام حتى لا يبقى على وجه الأرض مفحص قطاة إلا وقد دوخها سنابك خيولها ولا مسقط نواة إلا وقد ركزت فيه صدور رماحها ونصولها فقد دفعت أدام الله جمال الدنيا ببقائها وأعز كمال الدين ببأسها وأصالة رأيها خطبا جسيما واستلقحت من السياسة أمرا عقيما وأعادت شمل الأمة ملموما نظيما { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } { وكان فضل الله عليك عظيما } فأما العبد المملوك فقد تلاعبت به أيدي الأقدار وقذفته العطلة في هوة بعيدة الأقطار وهو يعد نفسه ويوقيها ويسوفها ويمنيها أن مراحم الحضرة نصر الله أعلامها تعيد كساد بضاعته نفاقا واضطراب حاله انتظاما واتساقا وسكون ريحه خفوقا وغروب حظه شروقا إن شاء الله تعالى.

 وكتب إلى بعض إخوانه أغب كتاب مولاي حتى أضرم نارا في الفؤاد وحالف بين جفني والسهاد: [الخفيف]

 (ثم وافى بلفظه الرائق العذب ... وأغنى عن الزلال البرود)

وقوله أيضا: [مجزوء الكامل]

 (وقرأته متنزها ... في روضه وغديره)

 (جمع البلاغة كلها ... تختال بين سطوره)

 (فالدر في منظومه ... والسحر في منثوره)

وعرفت ذكر الشوق الذي هيج أحزانا ونكأ قرحا لا يندمل زمانا وإن عندي بشهادة الله ما يضرم ناره ويشب أواره والله تعالى يسهل من ألطافه الخفية ما يجمع الشمل ويصل الحبل ويقرب الدار ويدني المزار بمحمد وآله والأئمة الأطهار.

 وأما حالي بعده وارتياحي إلى ما عنده وتأسفي على الفائت من أخلاقه التي هي من الحسن أدق ومن الماء أصفى وأرق فحال صب أخذ ما في فؤاده وحولف بين طرفه وسهاده فحرم لذلك لذيذ رقاده. وأما عتبه علي لتأخر كتبي عنه وبعدها منه فهو يعلم حرس الله مدته أنني إذا واصلت أو أغببت أنه سمير خاطري وإن غاب عن ناظري وهو نازل بضمائري وإن بان من بين مخالطي ومعاشري: [مجزوء الكامل]

 (يا غائبا عن ناظري ... وحاضرا في خاطري)

 (لا تخش مني جفوة ... فباطني كالظاهر)

والله يعلم أني لم أغفل كتابه صرما وهجرا ولا أهملت مجاوبته نقضا لمودته الكريمة ولا غدرا فإنه من العين بمكان السواد ومن الصدر بموضع الفؤاد وبسبب هذا الاعتقاد وما ذكرت من محض الوداد أبثه أشجانا وأطلعه على أسراري إسرارا وإعلانا ثقة بوده وتمسكا بوثيق عهده وعقده لو رآني فسح الله مدته وضاعف علي مودته لرأى صبا قلبه خفيق ودمعه طليق: [الكامل]

 (قلق الضمير بظبية وهنانة ... فلها بقلبي هزة وعلوق)

 (الوجه طلق والوشاح مهفهف ... والردف دعص والقوام رشيق)

 (وتبسمت عن واضح فضحت به ... سطع البروق ونم منه رحيق)

 هذه الأبيات تغني عما أردت أن أشرحه وتنبئ عن مكنون ما سبيلي أن أثبته وأوضحه والله المسئول أن يقضي مأربي بسعادة جده ويزيل عني ما أخشاه بتمام إقباله ومجده وكتابه هو فسحة للصدر ومنية ما يطلب من الدهر ولرأيه علوه في إمضائه إلي ووفوده عليَّ.

وكتب إلى ابن المغربي يهنئه بالفتوح أطال الله بقاء سيدنا الوزير الأجل ما سطع الصبح بعموده وهمهم السحاب برعوده وطلعت في الأفق أنجم سعوده: [الكامل]

 (نعتده ذخر العلا وعتادها ... ونراه من كرم الزمان وجوده)

 (الدهر يضحك من بشاشة بشره ... والعيش يطرب من نضارة عوده)

 فقد ألبس الله الدهر من مناقب الحضرة السامية ما أخرس اللائمة وأفاض على الكافة من آلائها ما تملك به رق المآثر ويعجز عنه كل ناظم وناثر يقصر عنه لسان البليغ ويفضل عن مقلة الناظر فما ينفك خلد الله أيامه يذود عن الدولة برأي صائب وحسام قاضب يتحاسد عليه الدرع والدراعة ويتنافس فيه الصمصامة واليراعة والملك بين هذين متين العماد مستبحر الثماد: [الكامل]

 (ما زال قائد كتبة وكتيبة ... بأصيل رأيي منصل وفؤاد)

 (شبهان من قلم ومن صمصامة ... شهرا ليوم ندى ويوم جلاد)

 وما وقفت في هذا المقام موقفا وحشيا ولا وقع عندها موقعا أجنبيا بل اقتفت آثار أسلاف خفقت عليهم ألوية المعالي وبنودها ووسمت بأسمائهم جباه الممالك وخدودها وتحيف الكرم أموالهم وهي أثيثة الجناح وذللت عزائمهم النوب وهي شديدة الجماح: [الكامل]

 (كتاب ملك يستقيم برأيهم ... أود الخلافة أو أسود صباح)

(بصدور أقلام ترد إليهم ... شرف الرياسة أو صدور رماح)

 كان العبد خدم المجلس السامي بخدمة قصدها التهنئة بما فتح الله تعالى من الظفر بالعدو الذي أطاع شيطانه ومد في مضمار الغي أشطانه واتبع ما أسخط الله وكره رضوانه وجرى الله على جميل عادته في زلزلة أطواده واستئصال أحزابه وأجناده الذين غدت الرماح تستقي مياه نحورهم والسيوف تنتهب ودائع صدورهم والحمام يجول عليهم كل مجال ويستدني إليهم نوازح الآجال: [الكامل]

 (ما طال بغي قط إلا غادرت ... فعلاته الأعمار غير طوال)

 (فتح أضاء به الزمان وفتحت ... فيه الأسنة زهرة الآمال)

وأرجو أن يكون التوفيق قضى بوصولها وأذن في قبولها فيمتد ظل ويثري مقل ويصوب عارض مستهل: [المتقارب]

 (أيعجز فضلك عن خادم ... وأنت بأمر الورى مستقل)

 وبحكم ما العبد عليه من تطلع الأمل القوي وتوقع الإنعام الكسروي عززها بهذه المناجاة وإن كان على ثقة أن رشاه قد ألقي في الغدير القريب ورائده قد خيم بالمرتع الخصيب: [الخفيف]

 (لو رأينا التوكيد خطة عجز ... ما شفعنا الأذان بالتثويب)

 وله أدام الله عزه الرأي العالي فيه إن شاء الله تعالى.

وكتب إلى صارم الدولة بن معروف أطال الله بقاء الحضرة الصارمية يجري القدر على حسب أهويتها ويعقد الظفر بعزائم ألويتها ويحلى بذكرها ترائب الأيام العاطلة وينجز بكرمها عدات الحظوظ المماطلة ما أصحب الجامح وأضاء السماك الرامح وعافت الماء الإبل الطوامح: [الطويل]

 (وما سحبت في مفرق الأرض ذيلها ... خوافق ريح للسحاب لواقح)

 (إذا رفض الناس المديح وطلقوا ... بنات العلا زفت إليه المدائح)

 أيام الناس شهود مختلفة في الأقوال وصنوف متباينة الأحوال فيوم تؤرخ السير بسؤدده وسنائه وينطق بمحامد قوم ألسنة أبنائه ويوم يخبو في موقف الجد شهابه ويعبق بمسك المدام إهابه فالحمد لله الذي جعل الحضرة السامية عقال الخطوب العوارم ونظام المحاسن والمكارم يعتدها الزمن نسيم أصائله وزهر خمائله وشموس مشارقه وتيجان مفارقه فيجب على كل من ضم اليراعة بنانه وأطلق في ميدان البراعة عنانه ألا يخلي مجلسه من مدح معروضة وخدم مفروضة يسهب فيها الواصف ويوجبها الإنعام المتراصف: [الطويل]

 (عسى منة تقوى على شكر منه ... وهيهات أعيا البحر من هو راشف)

 (ولو كنت لا تولي يدا مستجدة ... إلى أن توفى شكر ما هو سالف)

 (حميت حريم المال من سطوة الندى ... وغاضت وحاشاها لديك العوارف)

 (وكم عزمة في الشكر كانت قوية ... فأضعفها إحسانك المتضاعف)

(رعى الله من عم البرية عدله ... فأنصف مظلوم وأومن خائف)

 (له منن في حرب خطب عواطف ... دماث وفي صدر الخطوب عواصف)

 فكم أهل هدته نصر الله عزائمها بعد الضلال وحر استنقذته من حبائل) الإقلال ومرهق خففت عنه وطأة الزمن المتثاقل وطريد بوأته من حرمها أمنع المعاقل: [الطويل]

 (منازل عز لو يحل ابن مزنة ... بها لسلا عما له من منازل)

 (فيا صارما يعطي وينسى عطاءه ... ولم نر سيفا ذا وفاء ونائل)

 (يكاد يفيض البرق من وجناته ... إذا ما أتاه سائل بوسائل)

 (إذا هو عرى سيفه من غموده ... وأفضى بفضفاض من السرد ذابل)

 (وقد صبغ النقع النهار بصبغة ... ترى ناصلا منها بياض المناصل)

 (رأيت متون الخيل تحمل ضيغما ... مرير مذاق الكيد حلو الشمائل)

 (يلذ له طعم الكماة كأنما ... جرى الشنب المعسول فوق العواسل)

 (وكم أخرست أطرافها من غماغم ... لأقرانه واستنطقت من ثواكل)

 (من القوم لم تترك لهم عند كاشح ... طوال ردينياتهم من طوائل)

 (إذا ما سروا خلف العدو وهجروا ... تظلل من أرماحهم في ظلائل)

 (وما ذبلت يوما خميلة عزة ... إذا زرعت فيها كعوب الذوابل)

(أوائل مجد لم يزل فاخرا بها ... تميم بن مر أو كليب بن وائل)

 ثم جاءته مناقب الحضرة العلية فتم بها مناقب تميم وحكم لآل القعقاع أمر حكيم ونصر لواء بني نصر وأبدرت أهلة بني بدر ونبه منبه هوازن وظهرت مزينة ومازن وضحك لعبس عابس الدهر وراحت الكملة كاملة الفخر وزادت مغايظ الأزد وقشرت قشيرا عن بلوغ المجد وأغمدت سيوف بني غامد وصارت همدان كالجمر الهامد ومذحج كالعنس مذللة وحمير بالراية الحمراء متظللة وطوت طيئ عملها استخذاء وغضت جفنة جفونها استحياء. فحرس الله محاسن الحضرة السامية التي جباه الأنام بها موسومة وتمم نعمها التي هي بينها وبين الناس مقسومة ولا زالت الدولة الفاطمية تحمد عزائمها التي شهدت لها بمداومة الكفاءة وأنشرت من النصائح كل رميم رفات: [الوافر]

 (كأنك حين ضل الناس عنها ... هديت إلى رضا هادي الرعاة)

 (مزيل المال من ملك الأعادي ... وناظم شمله بعد الشتات)

 (سينطق بالثناء على علي ... وعترته المنابر صامتات)

 (فقاد له إلى بغداد قودا ... تجلى لحمها جنب الفرات)

 (عليها كل داني الحلم ثبت ... سفيه السيف من بعد الثبات)

 (كأنهم إذا التحموا المنايا ... يقيدون الحياة من الممات)

 يسابقون إلى العدو الأعنة فتطعن عزائمهم قبل الأسنة ويقتدون بالحضرة السامية في خوض الرهج وإرخاص المهج وتحمل الأعباء في موالاة أصحاب العباء ولا سلب الله هذا الثغر وأهله ما وهب لهم من إنعامه الذي يتهافت إليهم متناسقا ويعيد غصن مجدهم ناضرا باسقا: [الطويل]

 (إذا ما قلى الناس السماح عشقته ... وأحسن ما تسدى المكارم عاشقا)

 (حمى الله من كيد الزمان خلائقا ... وسعت بها يا ابن الكرام خلائقا)

 (إذا أظلموا كانت شموسا طوالعا ... وإن أجدبوا كانت غيوثا دوافقا)

 (وقد زاد شهر الصوم ربعك صابحا ... له بأفاويق السعود وغابقا)

 (تنور بالقرآن أسداف ليله ... فيبيض منها كل ما كان غاسقا)

 (تأرج من تقواك فيه لطائم ... يظل لها عرنين عامك ناشقا)

 (فعش أبدا ما شوهد الأفق أورقا ... وراح قضيب الأيك أخضر أورقا)

 (إذا عد قوم للمعالي أخامصا ... عددناك تيجانا لها ومفارقا)

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.