أضحى لفظ «تكنولوجيا» من الألفاظ الأكثر شيوعا وتداولا من قبل رجل الشارع العادي بجميع فئاته وشرائحه، وعلى اختلاف خلفياته وثقافاته، وذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبيل سنوات قليلة من بداية منتصف القرن العشرين وحتى يومنا هذا. وعلى الرغم من هلامية المعنى ومطاطيته، فإنه أصبح معيارا عند رجل الشارع ليقيس به مدى تقدم الدول وقوتها، ومؤشرا على متانة اقتصادها وهيمنتها على مجريات الأمور في العالم وسياساته وتطويعها وفقا لمصالحها وأمانيها، ومن ثم فقد اكتسى هذا اللفظ في كثير من الأحيان معاني أخرى تختلف في كثير من الأحيان عن المعنى الأساسي المراد له.

وفي غياب تعريف محدد للفظ «تكنولوجيا» ونتيجة للتداول الخاطئ للفظ، فقد يظن البعض أن العالم لم يعرف التكنولوجيا إلا من خلال تلك الإنجازات العلمية العملاقة والتطبيقيات الحديثة التي شهدها عالمنا خلال الستين عاما الماضية، مثل التكنولوجيا الحيوية Biotechnology تكنولوجيا هندسة المكونات الوراثية Genetic Engineering تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات Communication and Information Technology التكنولوجيات الدقيقة Micro–technologies، وتكنولوجيات الإلكترونيات الدقيقة Micro–electronics، وأخيرا تكنولوجيا النانو Nanotechnology، وهذا مخالف للحقيقة.

وإذا ما اتفقنا على أن التكنولوجيا بمعناها المبسط تعني مجموعة المهارات والتقنيات الرامية إلى تطويع النظريات وتطبيق نتائج البحوث العلمية من أجل وضع حلول فريدة ومتميزة لمشكلة ما، أو الحصول على منتجات حديثة قائمة على النتاج العقلي والذهني للإنسان، فسوف يتضح لنا من هذا التعريف، أن التكنولوجيا كظاهرة ليست جديدة أو حديثة، فلقد طوّع الإنسان منذ وجوده على سطح هذا الكوكب الكثير من تجاربه ونتاج خبراته العملية، التي تطورت بعد ذلك لتكون مخرجات تعتمد على العلم والتجريب، لإيجاد حلول فريدة تمثلت في تشييده للمأوى وتوظيفه أدوات بدائية فعالة لتنفيذ أعماله. هذا بالإضافة إلى تمكن الإنسان من استخراج المعادن من تحت سطح الأرض وتجهيزها ثم تخليصها من الشوائب العالقة بها أو الداخلة في تركيبها، ثم تمكنه من الحصول على مسبوكات فلزية وذلك عن طريق الصهر، ثم تشكيلها في صور مختلفة تناسب كل تطبيق على حدة، وإلى غير ذلك من استخدامات مهمة كانت السبب في تمكن الإنسان من التغلب على الصعاب والمشاكل اليومية التي واجهته على مدار ما يقرب من مليون سنة هي عمره على كوكب الأرض. إذن فظاهرة التكنولوجيا في حد ذاتها ليست بجديدة وإنما الجديد فيها هو اللفظ فقط وهذا على النقيض من المفهوم المترسخ عند البعض ⁶.

____________________________
هوامش

(6) يتفق معنا في هذا الرأي الأستاذ الدكتور فؤاد زكريا في كتابه «التفكير العلمي الصادر عن عالم المعرفة، العدد الرقم 3 العام 1978 الصفحات 131، 132. كما يتوافق الدكتور أنطونيوس كرم معنا وذلك في كتابه الصادر تحت عنوان «العرب» أمام تحديات التكنولوجيا»، سلسلة عالم المعرفة، العدد 59، العام 1982، الصفحات 11، 25.