أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-04
301
التاريخ: 2024-09-29
262
التاريخ: 2024-11-19
192
التاريخ: 2023-10-08
954
|
كان لياسر أخٍ ترك بلاد اليمن إلى مكة، إمّا لأداء المناسك وإمّا طلباً للُقمة العيش ـ على الأغلب ـ ليقيم بها أوده، نظراً للمحنة الاقتصادية التي لفّت بلاد اليمن آنذاك، ويبدو أنّه لم يوضّح لإِخوته سبب رحيله، فكان بحكم المفقود والضائع، سيما بعد أن طال غيابه، وانقطعت أخباره، فرأى ياسر أن يذهب في طلبه ليرجعه إلى منزله في مضارب قومه بني عنس، فخرج من اليمن هو وأخوان له، أحدهما يقال له: الحرث. والثاني: مالك، قاصدين مكة علّهم يجدونه فيها ويحملونه معهم لكن مكة أم الدنيا، يغمر حنانها كل قادم إليها، فيجد نفسه مشدوداً نحوها، غارقاً في حبها، يفارقها مكرهاً غير مختار إن فارق، ويقيم بها مفعماً بألوان السعادة، إن قدّر له أن يقيم، فكان ياسر واحداً ممّن استهوتهم تلك البقعة المباركة وتملّك حبّها في قلبه، فآثر البقاء فيها على الرجوع إلى اليمن، وفي هذا الحال كان عليه أن يحكم أمره ليتمكّن من العيش فيها بكرامة، فحالف أحد ساداتها المبرزين، وهو أبو حذيفة بن المغيرة المخزوميّ، وكان هذا شيخاً كبيراً أكسبته الحياة كثيراً من الخبرة والحنكة والمرونة، فاستطاع أن يتغلب على مرارتها وقسوتها بلين الشيوخ، وعقلية المجربين، لذلك كان سمحاً، سهلاً، لا يأبه كثيراً بمغريات الحياة وعلائقها الإِجتماعية، إذا كان يغلب على تصرفاته طابع اللامبالاة مع إبداء القوة والقدرة حين يستدعي الأمر ذلك، فهو على جانب من السعة في الثراء، والنفوذ، فقَبل الحلف مع ياسر، وأصبح ياسر في غبطةٍ من العيش في ظل هذا الشيخ، وكان لأبي حذيفة أمَةٌ يقال لها سُميّة، أدّبها الغنى وأذلّها الرق، فكانت على جانب من العقل والوقار، إلى شيء من الجمال الهادئ الوديع، وهي لا زالت في مقتبل العمر، فأحبّها ياسر، وعلق قلبه بها، ولم يكن ذلك ليخفى على الشيخ، فقد كان يقرأ في وجه حليفه الرغبة في التزويج منها، فزوجه إيّاها.
ظلّ ياسر مع زوجه سميّة يمنحها الحب والحنان، ويزرع في عينيها أزاهير الرجاء من جديد بعد أن أمحلت الدنيا فيهما، فهي لم تكن سوى أمةٍ مملوكة تسير في متاهات العبودية، ترى الحياة أمام عينيها قيوداً وحواجز وسدوداً، فهي لا تملك حتى أبسط حقوق الإنسان، بل لا تملك حتى إرادتها في تقرير المصير، وها هي الآن تشم رائحة الحرية وتتنسّم عبيرها مع زوجها ياسر، وكأنها ترى فيه ملاكاً أرسلته السماء إليها لخلاصها وإنقاذها.
وحملت سميّة بعمّار، فأقبلت إلى ياسر تسر إليه بالبشرى، وكم كان جذلاً فرحاً بذلك إلا أنّ الحمل ربّما كان أنثى!! لم تطل الفرحة، فالأنثى في منظور الجاهليّين عار يضاف إلى تعاسة الفقراء، وذلٌّ يضاف إلى عز الأغنياء، رغم أنّهم لولاها ما وجدوا ولا كانوا ولا عرفوا طعم الحياة، وأطرق ياسرٌ إلى الأرض في دوامةٍ من التفكير تركته يتأرجح بين اليأس والرجاء ما لبث بعدها أن رفع رأسه، والتفت إلى سمية: من يدري، ربما كان ذكراً سأسميه عمّاراً! ولا يُسرّ ياسر في نفسه أمله ورغبته في أن يكون الحمل ذكراً لا يُسّرُّ ذلك طويلاً فكان كلما حملته قدّماه إلى البيت، بيت الله، ومقام إبراهيم، يطوف حوله، ثم يتضرّع لإِله إبراهيم أن يمنحه القدرة على مواجهة الحياة، وأن ييسّر له موارد العيش، ولا ينس بالتالي التضرّع إليه بأن يرزقه ولداً يعينه على ذلك، ويرحم به شيخوخته.
ومضت أشهر تسع أعقبها وفود عمار إلى الدنيا، وكاد ياسر أن يطير فرحاً بالبشرى لولا أن خيوطاً سوداء كانت تحجب أمله الزاهي، وتكدر عليه فرحه، فينقلب الحلم الأخضر إلى حقيقةٍ مرة وهي الرق، الرق المشؤوم، فلقد كانت العادة تقضي بأنّ ابن الأمة رق مملوك لسيدها الأول، يضاف إلى قائمة أملاكه حتى ولو كان أبوه حرّاً سيداً كان هذا الواقع يحول دون اكتمال الفرحة في نفس ياسر وزوجه سميّة، فها هي العبودية تنهد بحقدها وقسوتها نحو هذا الطفل لتحرمه وتحرم أبويه أعز شيء في الحياة، وهل أحلى وأجمل وأعز من الحرية، ويغرق ياسر في سحابة من التفكير ثم ما يلبث أن ينظر في عيني الطفل البريئتين، فيعود إليه أمله، ولكن ضئيلاً هزيلاً سرعان ما ينطفئ ثم يتطلع إلى عيني سميّة، فيقرأ فيهما الحنان المتعب، والصورة المرهقة لمستقبل هذا الوليد، فيطرق نحو الأرض تاركاً لعينيه الحرية في صوغ الدمع تعبيراً عن الأسى والحزن لكن أبا حذيفة، ذلك الشيخ الوقور كان ـ كما قدمنا ـ يتمتع بإنسانيّة نبيلة وإحساس مرهف تركاه يتنازل عن حقه الذي تفرضه العادات والتقاليد الجاهلية، فكان أن وهب لعمار حريته وأرجع لأبويه البسمة والفرح والسعادة. وتحركت شفتا ياسر وزوجه سميّة بالدعاء له والثناء عليه بأحلى آيات الثناء..
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|