أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014
2286
التاريخ: 11-10-2014
1935
التاريخ: 11-10-2014
1766
التاريخ: 2-06-2015
2165
|
وفيما بين عامَي ( 531 ـ 579 م ) حَكم الفُرس في عهد أنوشيروان هذه المنطقة وَوَجد المَلِك الفارسي أنّ السدّ ( الذي بَناه كورش قبل 1000 عام ) لم يَعد يمنع المُغيرينَ عن بلاد فارس ، خصوصاً وأنّ النوعيّة قد تغيّرت ، فقد أُضيف إليها العُنصر الروماني والتركي .
فمن أين جاء التهديد هذه المرّة ، وكيف بَطَل مفعول السدّ الكورشي ؟
... كان بحر قزوين يَضرب بأمواجه أقدامَ جبال قوقاز من جهة الشرق ، وكانت مياه البحر الأسود تَضرب أقدامها من ناحية الغرب ، وكان من المستحيل على الغُزاة بعد بِناء سدّ كورش الشهير أنْ يتوغَّلوا إلى جنوب قوقاز .
ولكن بعد ( 1000 عام ) من بِناء السدّ في مضيق داريال ، كان البحر قد فعل مفعوله في مياه بحر قزوين .
وبما أنّه بحرٌ مُغلق لا يتّصل ببِحار العالَم ومحيطاتها ، فقد تناقصت مياهُه وانحسرت عن شواطئه ، مُتراجعةً نحو القاع ، فانكشف جزءٌ مُدرَّج على طُول امتداد تعاريج الساحل ، وظهر بذلك شريط ساحلي ضَيّق بين خطّ ماء البحر الجديد وأقدام جبال قوقاز عند ( دربند ) ، وصار الرومان البيزنطيّون والأتراك يَتدفّقون على شمال فارس عِبر هذا الشريط الساحلي الذي بلغ اتساعه 30 ميلاً بين بحر قزوين وجبال قوقاز .
لذلك أمر ( أنوشيروان ) ببِناء جِدار من الحَجَر بين مياه بحر قزوين وأقدام الجبال ، بعَرض هذا الشريط الساحلي ، حتّى التَحَم الجِدار تماماً بجبال قوقاز ، وبذلك عاد لسدّ كورش مفعوله مرّةً أخرى (1) .
جدار ( دربند ) (2)
ويَجدُر بنا و نحن على وَشَك الانتهاء من حديث ذي القَرنَينِ ، أنْ نتحدّث شيئاً عن السُدود المعروفة في العالَم القديم وربّما اشتبهت بسدّ ذي القَرنَينِ الآتي في القرآن الكريم :
منها : ( جدار دربند ) أو ( حائط قوقاز ) الذي بناه المَلِك الساساني أنوشيروان في امتداد جبال قوقاز حتّى مياه بحر قزوين في طول سبعة فراسخ ، سدّاً لهَجمات أَقوام هَمَج كانوا وراء السدّ ، كانوا يُغيرون على حدود مَمالك فارس ، فصدّهم ببِناء هذا الحائط العظيم ، وجَعل له باباً ضَخماً كان يُوصد بوجه المَغول والتتار ، واشتهر بباب الأبواب .
وكانت مدينة ( دربند ) والتي بَناها أنوشيروان في نَفس المكان ، قد سُمّيت بنفس الاسم ، وهي اليوم عاصمة جمهوريّة ( داغستان ) على ساحل البحر (3) ، لقد كانت الحروب دامية بين مُلوك فارس والقبائل الوَحش خَلف جبال قوقاز مُنذ عهد بعيد ، حيث أَطماع تلك الأَقوام الصحراويّين في ثَراء منطقة آذربيجان وأرمينيّة وداغستان وكرجستان وسائر البلاد الخِصبة الغنيّة بالحَرث والنَسل .
وكان المَلِك الساساني ( قباد ) ( والد أنوشيروان ) كان قد شَنّ حَملاته الدفاعيّة ضدّ أقوام التتر ؛ ليَمنعهم عن إغارة البلاد ، وكانوا يُغيرون عِبر حُدود مَمالك فارس حتى نهر كورا ( كورش القديم ) ، فحاربهم ( قباد ) ومَزَّق شملَهم في حروب دامية ، وقَتَلهم شرَّ قتلة وسبى وغَنِم الكثير من أموالهم ، وهكذا كانت الإغارات والهجمات ظلّت مُستمرّةً بين حين وآخر حتى جاء دور
( أنوشيروان ) وتَسنَّم الحُكم ، فكان ممّا شَدَّ العَزم على إنهاء تلك العَرقلة ، أنْ قام بتشييد حائط متين يَحجز دون إغارات الأَقوام الهَمَج نهائيّاً ، وليريح شَعبه من المُزاحمينَ طول حُقبات (4) .
وفيما بين عامَي( 531 ـ 579 م ) ( أي بعد بِناء سدّ كورش بأَلف عام ) وجَدَ المَلِك أنوشيروان أنّ السدّ القديم لم يَعد يمنع المُغيرينَ عن فارس ، خصوصاً وأنّ النوعيّة قد تغيّرت ، فقد أُضيف إلى أقوام التتر والمَغول ، العنصر الروماني والتركي ، وكان بحر قزوين قد أَخذ في الانخفاض والانحسار عن أقدام جبال قوقاز ؛ نظراً لأنّه بحر مُغلق لا يتّصل بالمُحيطات ، فقد تناقصت مياهه وانحسرت عن شواطئه نحو القاع ، فانكشف جُزء مُدرَّج على طول امتداد تعاريج الساحل ، وظهر بذلك شريط ساحليّ ضيّق بين خطّ ماء البحر الجديد وأقدام جبال القوقاز عند
( دربند ) وصار الرومان البيزنطيّون والأتراك ، مع البقايا من أقوام التَتَر الهَمج يتدفّقون على شمال فارس ، عِبر هذا الشريط الساحلي الذي بلغ اتّساعه ( 30 ميلاً ) (5) بين بحر قزوين وجبال قوقاز .
لذلك قام أنوشيروان ببِناء جِدار متين من الصخور الغِلاظ ، مُمتدّاً من سُفوح جبال قوقاز حتّى مياه البحر ، وآخِذاً فيه بعض الشيء ـ على ما ذَكَره المسعودي والحَموي ـ (6) حتّى التَحم الجِدار مع الجبال تماماً .
* * *
وهل كان أنوشيروان هو الذي تَبنّى بناء جِدار دربند ، أَم كان هو القائم بتجديد بنائه بعد انهيارات حَصلت في أَطرافه وتَضعضع وأشرف على الخراب ، فأعاد أنوشيروان بِناءه على أُسس متينة وعلى استحكام بالغ بَقيَ طيلة قرون ، ( وقد كان قائماً حتّى عهد المسعودي سنة 323 هـ ) ؟
يبدو مِن كتاب تأريخ كرمان : أنّ الجِدار كان قد بُني قَبل ذلك بما أَثّر فيه طول العهد
مِن التَضعضع والإشراف على الانهيار ، فكان أنوشيروان قام بتَرميمه وتجديد عمارته .
جاء فيه : أنّ شاهنشاه إيران أنوشيروان عَمَد من ( المدائن ) عاصمة مُلوك الفُرس ، قاصداً مدينة باب الأبواب لتَرميم السدّ في منطقة ( شروان ) (7) ، فأَخذ طريقه على ساحل الخزر ومعه العُمّال والمهندسون لعمارة السدّ ، وأنفق أموالاً طائلة ، لكن المشروع استنفدها دون الاكتمال ، وبعد التدبُّر والمُشاورة رأى المَلِك أنّ أَحداً من عُظماء مَملكته لا تَسَعه المُساهمة في إكمال المشروع الجَلَل ، سِوى الأمير ( آذرماهان ) وكان والياً على بلاد كرمان من قبل السلطان ، وكانت بلاد كرمان يومذاك غنيّة بالثروات الطبيعيّة والزراعيّة بما يَفوق سائر البلاد .
غير أنّ المَلِك لم يَرُقه تكليف مُوظّفيه بأكثر من المُقرّر الرسمي المفروض عليهم ، حيث كان خِلاف العَدل السُلطاني ؛ ولذلك عَزَم على المسير إليه في أَلف من خواصّه المهندسينَ والعُمّال الفنّيينَ ، حتّى ورد ( إيلغار كواشير ) (8) نازلاً في دار الأمير ، فوَعَدهم بالمُساهمة في المشروع بما يكفي مؤنة إكمال السدّ نهائيّاً ... ذكروا أنّ السدّ اكتمل بما بَذَله أمير كرمان آنذاك (9) .
________________________
(1) مفاهيم جغرافيّة ، ص 314 ـ 315 .
(2) دربند ، مدينة في داغستان على ساحل بحر قزوين غرباً ، سَمّاها العرب ( باب الأبواب ) مشهورة بأَسوارها التي تَسدّ المَمرّ بين البحر والجبل ، احتلّها المُسلمون عام ( 22 هـ / 643 م ) وكانت آخر مدينة على حُدود إيران الشماليّة حتّى عهد فتحعلي شاه قاجار فاستلبها الرُوس عام 1796 م .
(3) لغت نامه دهخدا ، حرف الدال ، ص 10554 .
(4) تأريخ إيران ، ص 205 ـ 206 و 215 .
(5) حسب تقديره الآن وقد انحسر البحر أكثر ، وقد قَدَّره الحَموي آنذاك على عهد المَلِك أنوشيروان بسبعة فراسخ ، كلّ فرسخ ثلاثة أميال اليوم ، فقد اتّسع هذا الشريط بعد أَلفي عام بعَرض عشرة فراسخ .
(6) قال الحَموي : وعلى مدينة باب الأبواب ( دربند ) سور من الحجارة مُمتدّ من الجبل طولاً ، ومع طول السور فقد مُدّت قطعة في البحر شبه أنف طولاني لمنع مِن تقارب السُفن من السور ، وهي مُحكَمة البِناء موثّقة الأَساس من بِناء أنوشيروان ، وهي أحد الثغور الجليلة العظيمة ؛ لأنّها كثيرة الأَعداء الذين حَفُّوا بها من أُمم شتّى وأَلسِنة مختلفة وعدد كثير .
قال : وأقام أنوشيروان يبني الحائط بالصخر والرصاص ، ثُمّ قاده في البحر ، وقد أَحكم هذا المُمتدّ في البحر بحيث لا يَتهيّأ سلوكه ، وقد بَناه بالحجارة المنقورة المُربّعة المُهندّمة ، لا يُقِلُّ أَصغَرَها خمسون رجلاً ، وقد أُحكمت بالمسامير والرصاص ، وأُلقيت في قَرار البحر حتى اعتلى السور على وجه البحر بما استوى مع الذي في البرّ في عَرضه وارتفاعه .
وقُدِّر طول الحائط من البحر إلى سَفح الجبل بسبعة فراسخ ، معجم البلدان ، ج 1 ، ص 303 ـ 305 .
وذَكَر المسعودي أنّ كسرى أنوشيروان بنى السور من جَوف البحر بمقدار ميل ( 4000 ذراع ) بالصخر والحديد والرصاص ، ويُسمّى هذا المَوضع من السور في البحر : الصدّ . وهو باقٍ إلى وقتنا هذا ، وهو سنة ( 332 هـ ) مانِعاً للمَراكب في البحر إنْ وردت من بعض الأعداء . ثُمّ مَدَّ السور في البرّ مابين الجبل والبحر .
وزاد : أنّه مَدَّ السور حتى أعالي الجبال ومنخفضاته وشِعابه ( أي سَدَّ جميع الخلل والفُرج هناك ) نحواً من أربعين فرسخاً إلى أنْ ينتهي إلى قلعة ( طبرستان ) ، مُروج الذهب ، ج 1، ص 176 و 264 .
قلتُ : ولعلّه الصاروج بدل الرصاص وقد التَبَس عليهم ، لوجود المُشابَهة شكليّاً وبعد مرور ألف عام على بِنائه ، والصاروج : خليط من حجر الكِلس وأَملاح الكلسيوم والباريون مَحروق القَصَب وغيرها ، يُستعمل في طِلاء الجدران والأحواض والحمّامات ، صَنعة قديمة استُخدمت في أُسُس البِنايات الضَخمة وأَعمدة الجسور ولمخازن المياه ؛ لمقاومتها تجاه تأثير الرطوبة واستحكامها عن كلّ مؤثّرات الجوّ والمُحيط ، وهي على مقاومة الإسمنت في هذا العصر .
(7) شروان : منطقة في الجنوب الشرقي من بلاد قوقاز بين أعالي نهر أرس وكورا كانت في القديم من نواحي باب الأبواب .
(8) إيلغار ، لفظة تُركية تَعني : المُعسكر ـ الحامية ، وكواشير اسم قديم لمدينة كرمان الفعليّة .
(9) راجع : كورش كبير ، ص 283 ـ 284 الهامش ، عن تأريخ كرمان ، ص 24 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|