أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-3-2016
5150
التاريخ: 2-4-2017
2620
التاريخ: 28-3-2022
6482
التاريخ: 4/9/2022
1195
|
اختلف الفقه بين فكرتين لتحديد الأساس القانوني لواجب كتمان الأسرار الوظيفية، فمنهم من أخذ بفكرة العقد كأساس لهذا الواجب، في حين ذهب الأغلبية إلى أن فكرة النظام العام يمكن أن تكون أساساً له لاعتماده على المصلحة العامة، وقد ترك ذلك الأساس أثره في طبيعة الالتزام بكتمان السر الوظيفي ومدى سريان حجيته على الغير عليه سنتطرق إلى هاتين النظريتين ضمن فرعين، ثم نفرد فرعاً ثالثاً لتناول الأشخاص الملتزمين بكتمان السر الوظيفي.
الفرع الأول
نظرية العقد
يقوم أساس التزام الموظف بعدم إفشاء الأسرار الوظيفية بحسب هذه النظرية على فكرة العقد من خلال الاتفاق بين الطرفين لأن صاحب السر يعهد بأسراره إلى ذي الوظيفة أو المهنة وغيره بحكم صفته هذه، ويكون للموظف الخيار في قبول الالتزام بحفظ الأسرار أو رفض ذلك، فهو ليس مجبراً على قبول الالتزام بحفظ السر ، فالمؤسسات والدوائر الحكومية والإدارية تطلع الموظفين على أسرار العمل بهذه المؤسسات، وبمناسبة قيامهم بتأدية واجباتهم الوظيفية، ستنكشف لهم تلك الأسرار، ويكون الموظف وفق هذه النظرية حراً في قبول هذه الثقة أو رفضها، فلا بد من تبادل التراضي بين صاحب السر والمؤتمن عليه، وبعد اتفاق هاتين الإرادتين يصار إلى إحداث العقد بين الطرفين سواء أكان صريحاً عند إيداع السر إلى الموظف ويطلب منه كتمانه، أم ضمنياً عندما يكون الإفصاح بطريقة غير مباشرة من خلال اكتشاف الموظف وغيره بخبرته أو بالفحص هذه الأسرار (1).
واستند أنصار هذه النظرية، إلى أنه من خلال العقد يمكن تحديد مسؤولية من يفشي السر وحجم الضرر إذا تحقق وتقدير التعويض، وكذلك نصبح في غنى عن وضع تعريف قانوني للسر (2). واختلف الفقهاء حول طبيعة هذا العقد، فقد وصف بأنه عقد وديعة، ومنهم من سماه عقد وكالة، كما أطلق عليه بالعقد غير المسمى، والأغلبية تقول أنه عقد وديعة، فمن الفقه الفرنسي ما يستند لأحكام القانون المدني الفرنسي، إذ تم تشبيه السر المعهود به للشخص بعقد الوديعة، ويلاحظ أن المشرع الفرنسي في المادة (13/226) من قانون العقوبات النافذ لم يورد عبارة تشير إلى تبنيه وصف العقد لأساس الالتزام بكتمان الأسرار الوظيفية، فالظاهر من النص أنه جاء عاماً ومطلقاً. وفي مصر يجد هذا الوصف سند له في المادة (310) من قانون العقوبات المصري فقد ورد في هذه المادة عبارة: ((... أو غيرهم مودعاً إليه...)) فهذه العبارة تدل على هذا الوصف (3). وانتقد هذا الوصف لنظرية العقد، فهناك اختلاف كبير بين السر والوديعة من حيث الطبيعة القانونية، فالوديعة عقد تبرعي بلا مقابل ومحله أشياء منقولة يمكن استردادها، أما السر فهو في الغالب من الأمور المعنوية التي لا يمكن استردادها، كما إن تعبير مودع إليه الوارد في القوانين استخدم بالمعنى الشائع في اللغة العادية وليس بالمفهوم المعروف في القانون المدني لعقد الوديعة، فضلاً عن إن عقد الوديعة لا يتم إلا بالقبض، وهذا لا ينطبق على السر الوظيفي لأن الموظف لا يقبض شيئاً عندما يعلم بأسرار دائرته التي يعمل فيها (4). إن نظرية العقد على الرغم من كل ما قيل فيها من الأوصاف، لم تلق قبولاً لدى العديد من الفقهاء، فهي تقوم على تصور خاطئ لمفهوم العقد، لذلك وجهت الانتقادات إليها ومنها، إن هذه النظرية قائمة على افتراض عقد ضمني بين صاحب السر والشخص الأمين على السر، ولا ينسجم هذا مع الواقع، لأن من اللازم توافر الأركان للعقد كالإرادة الحرة والأهلية وسبب ومحل مشروعين، وقد لا تتوافر هذه الأركان كلها ، ولا يمكن تطبيق نظرية العقد على المهن والوظائف كافة، ويكون القول بأن هناك واقعة يجرمها القانون خارج فكرة التعاقد هو الصواب (5).
ومما يؤخذ على هذه النظرية إن إفشاء الأسرار إذا كان يعرض المصلحة الخاصة للضرر كما في أسرار المهنة وأسرار الأفراد الخاصة بيد إن المشرع جعل من بين عوامل تجريمه لإفشاء الأسرار، مساس ذلك السلوك بالمصلحة العامة أيضاً، كما في حالة إفشاء الأسرار الوظيفية، لكون التشريعات الحديثة وأحكام القضاء تشدد على استبعاد فكرة الجريمة الخاصة بصدد إفشاء الأسرار ، حتى أسرار المهنة وتفضل الأخذ بفكرة الجريمة الاجتماعية، على أساس إن الإفشاء يلحق الأذى بالمصلحة العامة المتمثلة في احترام كرامة الوظيفة وانتظام سيرها فضلاً عن المصلحة الخاصة بالإفراد بالنسبة لإسرارهم (6).
وانتقدت فكرة العقد بأنها ليست حتمية في تفسير المسؤولية المدنية الناشئة عن إفشاء الأسرار، إذ قد يلجأ إلى المسؤولية التقصيرية أو الخطأ المدني لتفسير هذه المسؤولية، فضلاً عما تقدم فإن إفشاء الأسرار الوظيفية يترتب عليه مسؤولية جزائية كون هذا الفعل مجرم بموجب قانون العقوبات ومسؤولية تأديبية بسبب الإخلال بقواعد الوظيفة وواجباتها (7).
فالموظفون مجبرون على تقبل الأسرار، فهم في مركز تنظيمي في علاقتهم بالدولة ويخضعون إلى القوانين والأنظمة والتعليمات وليسوا في مركز تعاقدي، كما أجمع القضاء والفقه الإداريين على ذلك، وعليهم الالتزام بكتمان الأسرار التي يطلعون عليها بحكم وظائفهم (8).
الفرع الثاني
نظرية النظام العام
أمام عجز نظرية العقد لتأسيس الالتزام بعدم إفشاء الأسرار الوظيفية وغيرها من أصناف الأسرار، اتجه رأي آخر في الفقه إلى فكرة النظام العام المستوحى من النصوص القانونية(9)، فالمصلحة الاجتماعية تعد أساس الالتزام بكتمان السر على وفق هذه الفكرة، لأن مصلحة المجتمع ترجح على مصلحة الأفراد، وكل ما يضر بها مخالف للنظام العام، ويستعان بهذه المصلحة لتحديد النظام العام، وضرورة دوام سير المرفق العام بانتظام واطراد من خلال تنظيم عمل موظفيها، ومن مصلحة دوائر الدولة أن تجد موظفين يقومون بالعمل الجاد ويكتمون أسرار الدولة، وكذلك من مصلحة المواطن أن يثق بأعمال الحكومة والمؤسسات، وهذه المصالح تشكل بالنهاية النظام العام (10) ، وقد عدت محكمة النقض الفرنسية واجب الموظف بالمحافظة على أسرار الوظيفة التزاماً عاماً وكذلك أسرار المهنة (11).
اختلف الفقهاء في تحديد مفهوم النظام العام، لكون هذه الفكرة مرنة وتختلف تبعاً للزمان والمكان، وقد عرفت بأنها : (مجموعة الأفكار والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها كيان المجتمع في أنظمته المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية). ويرتبط الصالح العام بهذه الفكرة، ويعد الصالح العام النتيجة التي يسعى النظام العام إلى تحقيقها، كما ينصرف المضمون الحديث للنظام العام إلى التدخل وتقييد الحريات الفردية بما فيه خير المجتمع، بخلاف المضمون التقليدي لهذا النظام الذي ينصرف إلى المحافظة على الأمن أو السكينة العامة أو الصحة العامة (12).
أما مفهوم هذه الفكرة في القانون الخاص، فهو مجموعة القواعد التي تتعلق بكيان الدولة ومصالحها وبحقوق الأفراد ومصالحهم المشتركة، ولا يتأثر النظام العام في القانون العام إذا مس السلوك المحظور بعناصر النظام العام في القانون الخاص (13).
وإذا كانت نظرية النظام العام تفضل أكثر من غيرها في تفسير أساس الالتزام باحترام السر الوظيفي وتشدد على ذلك، فأنها تعرضت إلى بعض النقد، ومن هذه الانتقادات، إن أنصار هذه النظرية لم يبينوا بوضوح المقصود من النظام العام فهو متطور ومرن، وينصرف مفهومه البسيط إلى حماية مصلحة اجتماعية عليا (14)، ويلاحظ بعض الفقه أن أنصار هذه النظرية بلغوا بها مرحلة القول بالسر المطلق من خلال عدم كشف الحقيقة ومنع الشهادة أمام القضاء استناداً إلى كون السر مطلقاً (15).
وعلى الرغم من النقد المتقدم لنظرية النظام العام، إلا إنها أقرب إلى الواقع، وقد ضمنت النصوص الجزائية لحالات تخفف من حدة السر المطلق وتجعل من السر نسبياً. أما عن موقف التشريعات الجزائية والفقه من هذه النظرية ، فقد اعتمدت من قبل القضاء والفقه في فرنسا، ويقول الفقه الفرنسي بأن جريمة إفشاء السر تعد إخلالاً بالتزام قانوني يفرضه قانون العقوبات وليس إخلالاً بحق المجنى عليه (16) . وقضت محكمة النقض الفرنسية بأن السر: ((فكرة بحتة من النظام العام)) (17).
ومن القوانين الجنائية العربية التي أخذت بهذه النظرية القانون الجنائي المصري، إذ يتفق الفقه فيه على إن كتمان الأسرار المنصوص عليه في المادة (310) من قانون العقوبات متعلق بالنظام العام (18).
وأخذ بهذه النظرية أيضاً القانون الجنائي الأردني، إذ تلافي المفهوم المطلق للأسرار باتباعه الأسباب المشروعة في نص المادة (3/355) من قانون العقوبات التي ورد فيها عبارة: ((...على علم بسر وأفشاه دون سبب مشروع))، فإذا وجد سبب مشروع للإفشاء فلا عقاب على ذلك، وقضت محكمة التمييز والعدل العليا الأردنية بأن : ((إفشاء مضمون كتاب المخابرات العامة الموجه لجامعة اليرموك حول فصل المستدعين يتنافى والمصلحة العامة...)) (19).
أما موقف قانون العقوبات العراقي، فالظاهر من نص المادة (437) من قانون العقوبات، أنه يميل للأخذ بنظرية النظام العام، كما يرى البعض ذلك، فهذه المادة نصت على جواز الإفشاء في حالات معينة، وبما إن نصوص قانون العقوبات تعد من النظام العام فلا يجوز بالتالي الاتفاق على القيام بمخالفتها، أي لا يجوز إضافة أو إدخال أية حالات جديدة للإفشاء لم يتناولها النص القانوني بالتجريم، باستثناء الحالات المنصوص عليها في قوانين أخرى كالمادتين (88، 89) من قانون الإثبات (20).
الفرع الثالث
الأشخاص الواجب عليهم كتمان السر الوظيفي
يُعد السر الوظيفي وثيق الصلة بصفة الموظف الذي يجب أن يكون أميناً على الأسرار، والعلة في تطلب هذه الميزة لدى الشخص تكمن في أن القانون يعاقب على إفشاء السر الوظيفي صيانة للمصالح العامة للدولة وتدعيم الثقة في وظائف الدولة من قبل جمهور المتعاملين مع الإدارة من أفراد المجتمع، فضلاً عن المصالح الخاصة بالدوائر والمؤسسات الحكومية(21)، فإن الإخلال بالتزام ناتج عن الوظيفة يعد جوهر جريمة إفشاء أسرار الوظيفة (22).
إن التشريعات التي تنص على جريمة إفشاء الأسرار الوظيفية أو المهنية، اختلفت في أسلوب بيانها لطوائف الأشخاص الملتزمين بكتمان الأسرار، سواء أكانت القوانين الجنائية أم القوانين الخاصة بالخدمة الوظيفية، فهناك قوانين تعطي بعض الأمثلة لطوائف الأشخاص الملزمين بالكتمان من دون حصر لجميع الطوائف (23) ، وبالمقابل فأن تشريعات أخرى تكتفي على العكس، بإعطاء خاصية عامة أو صفة مميزة تدل بشكل مبسط على الملتزمين بالكتمان(24). إن المشرع العراقي في قانون العقوبات، نصّ في المادة (437) على أن: ((... كل من علم بحكم وظيفته أو مهنته أو صناعته أو فنه أو طبيعة عمله بسر فأفشاه في غير الأحوال المصرح بها قانوناً ...))، فالنص هنا جاء عاماً ولم يحدد أو يحصر طوائف الأشخاص الذين ينطبق عليهم، وذلك مسلك محمود من المشرع العراقي ذلك إن تخصيص اللفظ قد يؤدي إلى عدم استيعاب طوائف معينة في التطبيق العملي ممن يفشون الأسرار ومن ثم الإفلات من العقوبة في دعوى إفشاء الأسرار الوظيفية (25).
إن المقصود بالملتزمين بكتمان الأسرار الوظيفية، يشمل جميع من يرتبط مع الحكومة برابطة الوظيفة، فالموظفون على اختلاف صنوفهم ومراكزهم، وكذلك المكلفون بخدمة عامة يقع عليهم واجب الكتمان الوارد في النصوص الجزائية وتلك الخاصة بالوظيفة ويُعتبرون المخاطبين أساساً بذلك، لما يطلعون أو يحصلون عليه من أسرار العمل وبأية طريقة كانت سواء بالكتابة أم النقل من وثيقة أم السماع أم أية طريقة أخرى، كما لا يهم أن يكون الموظف من المختصين في إنجاز الأعمال والوثائق السرية، ولا يشترط أن يكون الموظف من الذين يديرون شؤون مكتب البريد السري في الدائرة أو المؤسسة الحكومية أو ممن يقومون بإعداد الوثائق والمعلومات السرية أو حفظها في الأضابير الخاصة، فالمهم أن يطلع أي موظف بغض النظر عن مستواه أو درجته في سلم الوظيفة على الأسرار الوظيفية، أو يقع تحت يده وثيقة ذات معلومات سرية بمناسبة قيامه بعمله ثم يقوم بإفشاء ما ذكر، فإن النص الجزائي المجرم لهذا الإفشاء يشمله بالحكم، فضلاً عن قوانين تنظيم الواجبات والشؤون الوظيفية (26).
ويرى بعض الفقهاء في فرنسا، إن الملزمين بالحفاظ على الأسرار إذا ما تم حصرهم فذلك سوف يؤدي إلى رفع أي لبس أو شك قد يحصل بشأنهم، فكل من حددهم النص القانوني وفرض عليهم واجب الكتمان فهم يقيناً ملزمون بهذا الواجب (27)، ويمكن ان يستفاد حكم سريان واجب كتمان الاسرار الوظيفية على الموظفين من نص المادة (13/226) في قانون العقوبات الفرنسي النافذ على جميع من يؤتمنون على الأسرار بحكم وظائفهم الدائمة والمؤقتة أو مهنتهم فهذه المادة لم تأتي بصيغة الحصر لهؤلاء الاشخاص. أما بشأن انطباق المادة (378) من قانون العقوبات الفرنسي القديم على موظفي البنوك، فقد اختلف الفقه في ذلك، فهناك من يذهب بانطباقها عليهم، وقد ورد حكم يؤيد ذلك قضى بمعاقبة موظف بنك أفشى معلومات سرية خاصة ببنك فرنسا إلى إحدى البنوك التجارية، أما القسم الآخر فذهب بخلاف ذلك مسوّغين رأيهم بالتفسير الضيق للنص، في حين إن المادة (13/226) من قانون العقوبات النافذ، تنطبق عليهم بسبب صياغتها بشكل عام (28). ويمكن تحديد الملتزمون بعدم إفشاء الأسرار الوظيفية كذلك بوساطة النصوص التشريعية الخاصة كقوانين الوظيفة العامة والخدمة، أو بالرجوع إلى التفسير القضائي والإداري للنصوص القانونية (29).
وفي مصر، وعلى الرغم من أن المادة (310) من قانون العقوبات قد ذكرت بعض الطوائف من الأشخاص الملتزمين بكتمان الأسرار، صرحت بالقول بعد ذكر هؤلاء: ((... أو غيرهم مودعاً إليه بمقتضى صناعته أو وظيفته سر خصوصي...)) فهذه العبارة نطاقها متسع ويعطي مجالاً للقضاء والفقه فيها، ولا شك في أنها تشمل الموظفين في دوائر الدولة (30).
وبالنسبة للأشخاص الملزمين بكتمان أسرار التحقيق فأن قيام المحقق القضائي بإفشاء أو نشر تفاصيل عن التحقيق يؤدي إلى الإضرار بعمل المحقق ويخل بسير التحقيق، ويشترط لكي يعد إفشاء أخبار التحقيق جريمة، أن يكون ذلك الإفشاء قد حصل عن طريق شخص ملزم بالكتمان، فمن يقوم بالكشف عن بعض الأسرار ذات الصلة بالتحقيق لم يتوصل إليها بنفسه لا يعد مرتكباً لجريمة إفشاء الأسرار الوظيفية (31) ، وضمن هذا الإطار فأن الملتزمين بكتمان أسرار التحقيق :هم قضاة التحقيق فهم ملزمون بالكتمان في جميع القضايا والمعلومات والوثائق التي يطلع عليها القضاة بحكم وظيفتهم (32) ، وكذلك يقع الالتزام على أعضاء الادعاء العام، فهم من بين تلك الطائفة سواء في حالة قيامهم بالتحقيق بأنفسهم أو حضورهم لـه(33)، وأيضاً يلتزم المحققون بعدم إفشاء أسرار التحقيقات التي يقومون بها استناداً للصلاحيات المخولة لهم بموجب القانون، فهم يتولون أعمال التحقيق في الجرائم تحت إشراف قضاة التحقيق وهذا ما نصت عليه المادة (51/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي (34) ، كما إن الكتبة في المحاكم يلزمون بكتمان أسرار التحقيق وكذلك الموظفون ممن يختصون بحفظ محاضر التحقيق وأوراقه وكذلك ممن تكلفهم المحاكم بتنفيذ أوامر التحقيق الجاري في الجرائم. ويدخل ضمن ما تقدم الخبراء، بالنسبة لأسرار تقارير الخبرة التي يكلفون بتقديمها ويتقاضون أجورهم من الخزينة العامة للدولة (35). ويسري الالتزام أيضاً على أعضاء الضبط القضائي، فهم يقومون بالإجراءات التحقيقية بصورة مباشرة ويشاركون فيها، وبالتالي يقع عليهم الالتزام بكتمان أسرار إجراءات التحقيق، كما يرى الفقه الفرنسي ذلك (36). وبناءً على ما تقدم فإن الملتزمين بالكتمان للأسرار الوظيفية هم الموظفون بجميع مراكزهم وصنوفهم واختلاف درجاتهم في السلم الوظيفي وكذلك المكلفون بخدمة عامة، بدءاً من الرئيس الإداري الأعلى إلى أدنى موظف في الدوائر والمؤسسات الحكومية، ويشمل ذلك الوزير باعتباره مكلفاً بخدمة عامة والذي يُعد الرئيس الإداري الأعلى لوزارته والموظفين التابعين له، ويدخل ضمن هذا السياق رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة ورؤساء الجهات التنفيذية كالهيئات المستقلة وموظفيها (37) ، وكذلك موظفي البرق والبريد (38).
ويدخل ضمن طائفة الموظفين المتعاقدين مع الإدارة لتقديم خدماته لها في المجال الوظيفي، لذا يشملهم واجب كتمان الأسرار التي تصل إلى علمهم، بموجب أحكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 ، وكذلك وفقاً لقرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل)(39). كما ذهب النظام الوظيفي الفرنسي وكذلك الأمريكي إلى انطباق أحكام الالتزام بحفظ الأسرار الوظيفية وعدم إفشائها على العاملين بعقود والمستخدمين في دوائر الدولة. ويلتزم الموظف تحت التجربة بكتمان الأسرار أسوة ببقية الموظفين، إذ من الثابت إنه بصدور قرار تعيين الشخص في الوظيفة من السلطة المختصة بذلك فأنه يعد موظفاً ويُشمل بأحكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام، حتى إن لم يباشر في عمله بعد (40).
_______________
1- كمال أبو العيد، سر المهنة، بحث مقدم للمؤتمر الثاني عشر لاتحاد المحامين العرب، بغداد، تشرين الأول، 1974 ، ص 36؛ جابر مهنا ،شبل الالتزام بالمحافظة على سر المهنة، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون بجامعة بغداد، 1984 ، ص 68.
2- د. أحمد كامل سلامة الحماية الجنائية لأسرار المهنة دار النهضة العربية ، القاهرة، 1988 ، ص 75
3- أحمد كامل سلامة الحماية الجنائية لأسرار المهنة دار النهضة العربية ، القاهرة، 1988 ، ص 76؛ د. سعيد عبد اللطيف حسن الحماية الجنائية للسرية المصرفية جريمة إفشاء السر المصرفي)، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص 116.
4- د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة، 1978 ، ص 751؛ عدنان خلف محي، جريمة افشاء سر المهنة في القانون العراقي، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون بجامعة بغداد، 1998 ، ص 48
5- د. أحمد كامل سلامة ، مصدر سابق، ص 84 وما بعدها.
6- د. سعيد عبد اللطيف حسن الحماية الجنائية للسرية المصرفية جريمة إفشاء السر المصرفي)، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص 140؛ د. محمود صالح العادلي، الحماية الجنائية لالتزام المحامي بالمحافظة على أسرار موكليه، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2003، ص20.
7- عدنان خلف محي، مصدر سابق، ص 48.
8- قرار مجلس الانضباط العام العراقي رقم 1961/119 في 1991/11/27. نقلاً عن شفيق عبد المجيد الحديثي، النظام الانضباطي لموظفي الدولة في العراق، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون بجامعة بغداد 1973 ، ص 42؛ جابر مهنا شبل، مصدر سابق، ص 74.
9- د. رايس محمد مسؤولية الأطباء المدنية عن إفشاء السر المهني في ضوء القانون الجزائري، ص 261،
بحث منشور في شبكة الإنترنت على الموقع:
http://www.damascusuniversity.edu.sy/mag/law/images/stories/242.pdf
(آخر زيارة للموقع في 2012/3/2)
10- جابر مهنا شبل المصدر السابق، ص 75.
11- قرار محكمة النقض الفرنسية / 1974 في 1974/3/19. نقلاً عن د. رايس محمد مسؤولية الأطباء المدنية عن إفشاء السر المهني في ضوء القانون الجزائري، ص 261، بحث منشور في شبكة الإنترنت على الموقع:
http://www.damascusuniversity.edu.sy/mag/law/images/stories/242.pdf
12- د. سعيد عبد اللطيف حسن الحماية الجنائية للسرية المصرفية جريمة إفشاء السر المصرفي)، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص 143 وما بعدها؛ د. محمود صالح العادلي، الحماية الجنائية لالتزام المحامي بالمحافظة على أسرار موكليه، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2003 ، ص 49
13- ولا ينفي . هذا القول أن يرتبط السلوك المجرم بالنظامين معاً، كالاتفاق الجنائي بين شخصين على قتل إنسان فهو يخل بالنظام العام في القانون الخاص لذلك يعد اتفاقاً باطلا، وهو في الوقت نفسه يعد إخلالاً بالنظام العام القانون العام لانتهاك القاعدة الجنائية التي تجرم القتل. د. سعيد عبد اللطيف حسن، المصدر السابق ص 149
14- د. أحمد كامل سلامة الحماية الجنائية لأسرار المهنة دار النهضة العربية ، القاهرة، 1988 ، ص 95
15- د. سعيد عبد اللطيف حسن، المصدر السابق، ص 157 كمال أبو العيد، سر المهنة، بحث مقدم للمؤتمر الثاني عشر لاتحاد المحامين العرب، بغداد، تشرين الأول، 1974 ، ص38 أحمد عيد النعيمي، جريمة إفشاء أسرار مهنة المحاماة، ط1، دار وائل للنشر، عمان، 2010 ، ص60
16- د. أحمد كامل سلامة ، مصدر سابق، ص89؛ عدنان خلف محي، جريمة افشاء سر المهنة في القانون العراقي، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون بجامعة بغداد، 1998، ص 48 وما بعدها.
17- قرار محكمة النقض الفرنسية / 1985 في 1985/6/5 . نقلاً عن د. سعيد عبد اللطيف حسن، مصدر سابق، ص 150 وما بعدها.
18- المصدر نفسه، ص 153.
19- قرار محكمة التمييز والعدل العليا في الأردن/ 1983 ، د ت. نقلاً عن أحمد عيد النعيمي، مصدر سابق، ص 63 وما بعدها.
20- جابر مهنا شبل مصدر سابق، ص 79؛ عدنان خلف محي، جريمة افشاء سر المهنة في القانون العراقي، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون بجامعة بغداد، 1998 ، ص 50.
21- د. أحمد كامل سلامة، مصدر سابق، ص 60.
22- د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، مصدر سابق، ص 763.
23- ومن هذه التشريعات قانون العقوبات المصري في المادة (310)؛ قانون البيانات الأردني رقم 30 لسنة 1952 المعدل في المادة (37)؛ قانون العقوبات الفرنسي القديم لسنة 1810 في المادة (378).
24- من التشريعات التي سلكت ذلك قانون العقوبات العراقي في المادة (437)؛ قانون العقوبات الفرنسي النافذ في المادة (13/226).
25- عدنان خلف محي، مصدر سابق، ص 91
26- د. مجدي محمود محب ،حافظ موسوعة جرائم الخيانة والتجسس، ط1، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2008 ، ص 185 وما بعدها.
27- Véron Michel, op, cit, p142.
28- قرار محكمة السين الفرنسية / 1931 في 1931/12/2328. نقلاً عن د. سعيد عبد اللطيف حسن، مصدر سابق، ص278؛ د. أحمد كامل سلامة ، مصدر سابق، ص 274؛ كمال أبو العيد، مصدر سابق، ص 25.
29- Veron Michel, op, cit, p142.
30- د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، مصدر سابق، ص 764.
31- جعل المشرع المصري من مسألة إجراء التحقيق من قبل المحقق أو حضوره التحقيق بنفسه معياراً في تحديد الأشخاص الملزمين بعدم إفشاء أسرار التحقيق وذلك في المادة (75) من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 المعدل، بينما جعل المشرعان الفرنسي والإيطالي الاشتراك في إجراءات التحقيق معياراً لذلك التحديد د. مجدي محمود محب ،حافظ، مصدر سابق، ص 171، هامش (19).
32- المادة (7/ ثانياً) من قانون التنظيم القضائي العراقي.
33- المادة (39/ ثالثاً) من قانون الادعاء العام العراقي.
34- نصت المادة (51/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على أن (( يتولى التحقيق الابتدائي قاضي التحقيق وكذلك المحققون تحت إشراف قضاة التحقيق ))
35- تسري على الخبراء الحكوميين الأحكام التي تخضع لها بقية طوائف الموظفين والخاصة بعدم إفشاء الأسرار الوظيفية آمال عبد الرحيم عثمان، مصدر سابق، ص 30 وما بعدها.
36 - قرار محكمة النقض المصرية / 1940 في 1940/12/16. نقلاً عن د. مجدي محمود محب حافظ، مصدر سابق، ص 173.
37- د. عثمان سلمان غيلان شرح أحكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 ،المعدل، ط1 ، دار الكتب والوثائق، بغداد، 2010 ، ص 10 وما بعدها.
38- المادتان (328/327) من قانون العقوبات العراقي؛ المادة (88) من قانون الإثبات العراقي.
39- نصت الفقرة (سابعاً) من قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 603 لسنة 1987، على أن: ((تطبق على الموظفين المؤقتين في التعيين وفي الحقوق والواجبات في غير ما ورد في هذا القرار قوانين وقواعد الخدمة والتقاعد وقرارات مجلس قيادة الثورة التي تطبق على الموظفين في الدوائر التي يعملون فيها)).
40- عثمان سلمان غيلان شرح أحكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 ،المعدل، ط1 ، دار الكتب والوثائق، بغداد، 2010 ، ص 25 - 48
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|