أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-06
1084
التاريخ: 2023-04-19
1031
التاريخ: 2023-08-24
1009
التاريخ: 2023-06-05
1049
|
كان احتكاك المصريين بالفرنسيس أول احتكاك علمي مع الفرنج، وممن كانوا في طليعة المستفيدين مؤرخ مصر في تلك الحقبة عبد الرحمن الجبرتي، وعالم آخر اسمه حسن العطار، وهو الذي تولى مشيخة الأزهر بعد حين، وألف في الفلك والطبيعيات والرياضيات، فإن هذين الشيخين وأمثالهما علموا بعض علماء حملة نابوليون اللغة العربية وغيرها، وتعلموا منهم ما لم يكن لهم به عهد من العلوم المادية، واختلط رجال الإدارة والسياسة من أهل مصر برجال الحملة، ونشأ بين الفريقين تعارف كان انقطع منذ عهد سان لوي أحد ملوك فرنسا في القرون الوسطى الذي جاء مصر فأُخذ أسيرًا في دمياط، وهكذا عُرفت المدنية الفرنسية في هذا الشرق القريب، وظلت وارفة الظلال في بلاد الفراعنة، حتى لقد مضى على الاحتلال الإنجليزي أكثر من خمسين سنة، والأولية للغة الفرنسية، هذا مع حرص البريطانيين على نشر لغتهم. وتولى مصر محمد علي واليها منذ سنة 1805م، فأوحى إليه ذكاؤه النادر أن يقتبس النظم الإدارية الحديثة، وكان شغوفا بتمدين (1) مصر فأحضر من مختلف بلاد أوروبا أساتذة وأطباء وصيادلة ومعلمين شيدوا في أماكن اختيرت أحسن اختيار تلك المدارس والمستشفيات في القطر المصري، و «شعر رغم أميته بأن الملك لا يُشيد إلا على أمتن أساس من العلم، وأن العلم الذي تُدعم به الممالك ليس هو الذي يسمونه علمًا في الشرق، إنما هو الذي قامت به المدنية الغربية، وشيدت عليه صرح عليائها وقوتها، فأقرت لها الأمم بالغلبة، ووقفت أمامها صاغرة ذليلة.» بدأ والي مصر منذ سنة 1813م يرسل الطلبة المصريين إلى أوروبا؛ فأوفد إلى إيطاليا طائفة لدرس الفنون العسكرية وبناء السفن وتعلم الهندسة ،وغيرها، ثم اتجه نظره إلى فرنسا فأرسل إليها زمرة صالحة، وبعث إلى إنجلترا بعض التلاميذ لتلقي فن الملاحة ومناسيب الماء وصرفه والميكانيكا، ثم جعل جل اعتماده على مدارس فرنسا في تخريج الطلبة، وصرف عليهم من سنة 1826 إلى 1847 ( 303360) جنيها، وغدا معظم الطلبة الذين تخرجوا بأساتذة الغرب من دعائم النهضة التي تم على يدها إنشاء مصر الحديثة، وأسس أول مدرسة للهندسة في سنة 1231هـ / 1816م ثم أسس مدرسة الطب إجابةً لاقتراح الطبيب كلوت الفرنسي (1242هـ / 1827م) ، وكان القائم مقام سيف الفرنسي الذي دان بعد بالإسلام وسمي سليمان (1819م) هو الذي نظم الجيش المصري، ونظم أمير البحر بيسون البحرية المصرية ثم خلفه هوسار في هذا العمل. وبعد مدة أنشأ ماريت متحف بولاق واستدعى غير هؤلاء من رجال الغرب ومنهم البولونيون، ودام علم الفرنسيس يفيض على مصر مدة حكم محمد علي وأسرته الكريمة، ولو أُحصي ما كتبه علماؤهم في مصر من الأسفار، وما رسموا لها من الآثار والمصورات والتصميمات لبلغ خزانة كبرى، ولا تزال هذه التحفة العظيمة إلى اليوم مرجع الباحثين والدارسين. قال لنا صديقنا(2) عثمان غالب من علماء مصر الذين شاهدوا تلك الحركة العلمية في إبانها، ثم شاهدوها في انحطاطها، وحضروها في تجددها إن أكثر أساتذة المدارس التي أُنشئت في مصر على عهد نهضتها الأولى كانوا من الفرنسيس المستعربين، يكتب الأستاذ درسه بالفرنسية والمترجم معه ينقله إلى العربية، فيُلقى على الطلبة بلغتهم، دام ذلك من سنة 1830 إلى سنة 1874 ، وقد كتب فيها بروجر رئيس مدرسة الطب والولادة والصيدلة والمستشفيات المصرية إلى خديوي مصر في عهده يقول له في تقريره السنوي: إن الوقت قد حان لأن تكون وظائف التدريس كلها بيد المصريين؛ إذ قد أصبح فيهم الكفاءة الآن، وإن عمل فرنسا في تربية أبناء مصر في هذه الفروع العلمية قد انتهى أو كاد. وقال أحد كتاب الإنجليز (3): إن المدنية المصرية الحديثة هي مدنية إفرنسية صرفه، ويكفي لتصديق هذا القول إن نلقي نظرة واحدة على أعمال فرنسا في هذه البلاد، فمن من العالمين لم يسمع باسم شامبوليون الذي سهل لنا باجتهاده وثباته قراءة تاريخ مصر القديم باللسان الهيروجليفي، وأضاف إلى مصر باكتشافه حل تلك الرموز شهرة فوق شهرتها السابقة، وجعلها ملتقى الأنظار ومحط الرجال ؟ ومن ينكر أن إصلاح الري في عهد محمد علي وبناء القناطر الخيرية، وعمل الخزانات لخزن ماء النيل، وأن كل ما نراه اليوم في مصر مما يتعلق بالانتفاع بهذا النهر ليس إلا من عمل المهندسين الفرنسيين الذين كانوا عضد محمد علي ويده اليمنى. ومن ينكر أن المهندسين الفرنسيين قاموا بالأعمال الهندسية عندما كان المستخدمون الفرنسيون قائمين بالأعمال الإدارية، بل من ينكر علينا أن ترعة السويس، وهي أكبر عمل فني تم في القرن التاسع عشر، هو من صنع الفرنسيس فكرًا وعملاً؟ إن الإصلاح الذي جلب لمصر أكثر من نصف ثروتها الحاضرة ليس إلا من غرس الفرنسيس وما جاء الإنجليز إلا منفذين ومكملين. لولا عمل محمد علي في تمدينه مصر، لأشرفت اللغة العربية على التلف، على الرغم من وجود جامع الأزهر فيها منذ قرون؛ لأن الأزهر ما كان يُعنى بغير المسائل الدينية، واللغة تنقرض إذا لم تكن لغة علم، وهذا ما حاول محمد علي أن يعمله فظهرت تباشير إصلاحه بعد عشر سنين من البداءة به على أيدي من خرجهم من المصريين في مدارس الغرب، فألفوا وعلموا وهذبوا. ومن حسن توفيقه أنه وجد من المصريين مشايعين له على عمله خلافًا لما كان من تصلب رجال الدين الأتراك، وعصيانهم على الإصلاح الذي كان بعض سلاطين بني عثمان يحاولونه، مما جاء برهانا آخر على أن حب الحرية مغروس في فطرة العرب، مهما انحطوا وانحط أمرهم، وأنهم من أكثر العناصر الإسلامية تسامحًا، وما اشتهروا منذ قاموا إلا بفتح صدورهم للمدنية، وكانوا دعاة الدين والأمناء عليه في كل عصر. وكان من محمد علي وطريقته المبتكرة في التمدين الذي أقبسه نبهاء أولاد مصر، كل ما قرب الأمة المصرية من المدنية الغربية، وكان وادي النيل بجميل صنعه المثال الحي الذي دل به العربي بصورة محسوسة، على أن ليس في دينه ما يحول بينه وبين الحضارة، وأنه حفيد أولئك الفاتحين إن نامت فيه زمنًا جراثيم النهوض تدب فيها الحياة عند أقل محرك لها. وفي مصر أُنشئت أول مدرسة لتعليم البنات سنة 1873م على عهد إسماعيل الذي أخذ من مدنية الغرب بالكبير والصغير، وفاخر بأن بلاده أصبحت قطعة من أوروبا بتمدنها، وكان الخديوي إسماعيل يشبه محمد علي كثيرًا ويُعنى بالتعليم عناية خاصة، وقد أنشأ (4) في أيامه مدارس ثانوية وغيرها ومنها دار العلوم التي خدمت اللغة أعظم خدمة. كانت الحركة الأدبية المصرية مبدأ كل نور في الشرق العربي، استفادت منه البلاد المجارة بحكم الطبيعة، ولا سيما أبناء الشام، فإن منهم من درسوا في مدارس مصر، وتمصروا فخدموا البلاد التي هذبتهم، ومنهم من نقلوا قليلا من النور إلى بلادهم. ولما استولى محمد علي على بلاد الشام سنة (1247هـ) ودام حكمه فيها تسع سنين، أثر بابنه إبراهيم ورجاله في إدارتها وتمدينها، ورأى الشاميون الفرق المحسوس بين حكم الترك وحكم أحد ولاتهم محمد علي، فمصر إذا التي بدأت تقتبس من نور العلم الصحيح، ومصر أدخلها من تخرجوا بعلم الغرب في دور ارتقاء لم يسبق له مثيل في بلاد العربية، ومصر هي التي ظهرت فيها آثار المعارف قبل أمها الدولة العثمانية، ومصر أثبتت استعدادها للأخذ بأساليب الارتقاء، وأنها كل ساعة مستعدة لقبول الخبر، لا تسأل عن مصدره ومصدره.
......................................
1- فتح مصر الحديث لأحمد حافظ عوض.
2- الصنائع والمدارس الحربية والبعثات العلمية على عهد محمد علي لعمر طوسون.
3- غرائب الغرب للمؤلف.
4- تحرير مصر، تعريب محمد لطفي جمعة.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|