المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

التمييز بين تحليل الخطاب وتحليل المحتوى
22-3-2022
بداية الكون
2023-02-08
RNA Blotting
7-11-2020
طهارة القلب هي السبيل لنيل المراحل الاسمى من القران
2023-11-16
3- العصر الحجري الحديث في العراق
24-9-2016
بعثة رسول الله (صلى الله عليه واله) علياً إلى اليمن


ابن عباد الرندي  
  
1595   01:20 صباحاً   التاريخ: 2023-08-17
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة : مج5، ص:341-350
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-7-2016 2676
التاريخ: 10-3-2022 2135
التاريخ: 4-7-2016 3290
التاريخ: 30/11/2022 1117

ابن عباد الرندي

قال في حقه صاحبه الشيخ أبو زكريا السراج، ما صورته: شيخنا الفقيه الخطيب البليغ الخاشع الخاشي، الإمام العالم المنصف السالك العارف المحقق الرباني ذو العلوم الباهرة، والمحاسن المتظاهرة، سليل الخطباء، ونتيجة العلماء، أبو عبد الله محمد ابن الشيخ الفقيه الواعظ الخطيب البليغ العلم الحظي الوجيه الحسيب الأصيل أبي إسحاق إبراهيم بن أبي بكر بن عباد، كان حسن السمت، طويل الصمت، كثير الوقار والحياء، جميل اللقاء، حسن الخلق والخلق، عالي الهمة متواضعاً، معظماً عند الخاصة والعامة، نشأ ببلده رندة على أكمل طهارة، وعفاف وصيانة، وحفظ القرآن ابن سبع سنين، ثم تشاغل بعد بطلب العوم النحوية والأدبية والأصولية والفروعية، حتى رأس فيها وفهم معانيها، ثم أخذ في طريق الصوفية والمباحثة على الأسرار الإلهية حتى أشير إليه، وتكلم في علوم الأحوال والمقامات والعلل والآفات وألف فيه تواليف عجيبة وتصانيف

341

بديعة غريبة(1)، وله أجوبة كثيرة في مسائل العلوم نحو مجلدين، ودرس كتباً وحفظها أو جلها كشهاب القضاعي والرسالة ومختصري ابن الحاجب وتسهيل ابن مالك ومقامات الحريري وفصيح ثعلب وغيرها، وقوت القلوب؛ أخذ ببلده رندة عن أبيه القرآن وغيره، وعن خاله الشيخ الفقيه القاضي عبد الله الفريسي العربية وغيرها، وعن الشيخ الفقيه الخطيب أبي الحسن علي بن أبي الحسن الرندي حرف نافع، وعرض عليه الرسالة، وبتلمسان وفاس عن السيد الشريف الإمام العالم العلامة المحقق أبي عبد الله التلمساني الحسني جمل الخونجي تفهماً وغيره، وعن الشيخ الفقيه القاضي العالم أبي عبد المقري كثيراً من المختصر الفرعي لابن الحاجب وفصيح ثعلب وبعض صحيح مسلم كلها تفقهاً، وعن الشيخ الفقيه العالم أبي محمد عبد النور العمراني الموطأ والعربية، وعن الإمام العالم أبي عبد الله الآبلي الإرشاد لأبي المعالي وجميع كتاب ابن الحاجب الأصلي وعقيدة ابن الحاجب تفقهاً، وعن الشيخ الفقيه الحافظ أبي الحسن الصرصري بعض التهذيب تفقهاً، وعن الشيخ الأستاذ المقرىء الصالح أحمد بن عبد الرحمن المجاصي شهر بالمكناسي كثيراً من جمل الزجاج وتسهيل ابن مالك، وعن الشيخ الفقيه الصالح أبي مهدي عيسى المصمودي جميع كتاب ابن الحاجب والحاجبية له أيضاً تفقهاً، وتفقه على الفقيه العالم أبي محمد الوانغيلي في كتاب ابن الحاجب الفقهي وأخذ حرف نافع، وعن الشيخ الفقيه الصالح المدرس بالحلفاويين أبي محمد عبد الله الفشتالي كثيراً من التهذيب، وعن قاضي الجماعة وخطيب الحضرة أبي عبد الله محمد بن أحمد الفشتالي كثيراً من التهذيب تفقهاً، وكذا من غيرهم، ولقي بسلا الشيخ الحاج الصالح السني الزاهد الورع أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر، وأقام معه ومع أصحابه سنين عديدة، قال: قصدتهم لوجدان السلامة معهم، ثم رحل لطنجة فلقي بها الشيخ الصوفي أبا مروان عبد الملك، قال: لازمته كثيرا

342

وقرأت عليه وسمعت منه، وأنشدني من شعره ومن شعر غيره، وترددت بيني وبينه مسائل في إقامته بسلا، وانتفعت به عظيماً في التصوف وغيره، وأجازني إجازة عامة، مولده برندة عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة، وتوفي بعد العصر يوم الجمعة ثالث رجب عام اثنين وتسعين وسبعمائة، وحضر جنازته الأمير فمن بعده، وهمت العامة بكسر نعشه تبركاً به، ولم أر جنازة أحفل ولا أكثر خلقاً منها، ورثاه الناس بقصائد كثيرة؛ انتهى كلام السراج.

وقال غيره في حقه: محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك بن إبراهيم بن محمد بن مالك بن إبراهيم بن يحيى بن عباد، النفزي نسباً، الرندي بلداً، الشهير بابن عباد، الفقيه الصوفي الزاهد الولي العارف بالله تعالى.

وقال في حقه الشيخ ابن الخطيب القسمطيني في كتابه " أنس الفقير وعز الحقير"(2): هو الخطيب الشهير، الصالح الكبير، وكان والده من الخطباء، الفصحاء النجباء، ولأبي عبد الله هذا عقل وسكون، وزهد بالصلاح مقرون، وكان يحضر معنا مجلس شيخنا الفقيه أبي عمران [موسى] العبدوسي رحمه الله تعالى، وهو من أكابر أصحاب ابن عاشر، ومن خيار تلامذته، وأخذ عنه، وله كلام عجيب في التصوف، وصنف فيه، كما هو الآن يقرأ على الناس مع كتب التذكير، وله في ذلك قلم انفرد به، وسلم له فيه بسببه، ومن تصانيفه شرح كتاب الحكم لابن عطاء الله في سفر، رأيته وعلى ظهر نسخة منه مكتوب:

لا يبلغ المرء في أوطانه شرفاً ... حتى يكيل تراب الأرض بالقدم

ومن كلامه فيه: الاستئناس بالناس، من علامات الإفلاس، وفتح باب الأنس بالله تعالى الاستيحاش من الناس. ومن كلامه فيه: من لازم الكون وبقي معه وقصر همته عليه ولم تنفتح له طريق الغيوب الملكوتية، ولا خلص بسره إلى

343

فضاء مشاهدة الوحدانية، فهو مسجون بمحيطاته، ومحصور في هيكل ذاته. إلى غير ذلك من كلامه، وكان يحضر السماع ليلة المولد عند السلطان، وهو لا يريد ذلك، وما رأيته قط في غير مجلس جالساً مع أحد وإنما حظ من يراه الوقوف معه خاصة، وكنت إذا طلبته بالدعاء احمر وجهه واستحيا كثيراً، ثم يدعو لي، وأكثر تمتعه من الدنيا بالطيب والبخور الكثير، ويتولى أمر خدمته بنفسه، ولم يتزوج ولم يملك أمة، ولباسه في داره مرقعة، فإذا خرج سترها بثوب أخضر أو أبيض، وله تلامذة كلهم أخيار مباركون، وبلغني عن بعضهم أنه تصدق حين تاب على يده بعشرة آلاف دينار ذهباً، وهو الآن إمام جامع القرويين بفاس وخطيبه، وأكثر قراءته في صلاة الجمعة " إذا جاء نصر الله " وأكثر خطبته وعظ، ومثله من يعظ الناس، لأن اتعظ في نفسه، وقد أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه الصلاة والسلام: يا عيسى، عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس، وإلا فاستحي مني، ذكره الغزالي؛ وعهدي به أنه على صفة البدلاء، الصادقين النبلاء، كثر الله مثله في الإسلام؛ انتهى.

قلت: وقد زرت قبره مراراً بفاس، ودعوت الله تعالى عنده، وهو عند أهل فاس بمثابة الشافعي عند أهل مصر، ومن منن الله سبحانه علي أني سكنت محله لما توليت الخطابة والإمامة بجامع القرويين من فاس المحروسة مضافين إلى الفتوى، والدار المعلومة للخطيب بالجامع المذكور إلى الآن تعرف بدار الشيخ ابن عباد، وأقمت على ذلك خمس سنين وأشهراً، ثم قوضت الرحال للمشرق، وها أنا إلى الآن فيها، والله ييسر الخير حيث كان.

وقال الشيخ سيدي أحمد زروق في شأن الشيخ ابن عباد: إنه ولد برندة، وبها نشأ في عفاف وصون، ثم رحل لفاس وتلمسان فقرأ بهما الفقه والأصول والعربية، ثم عاد فصحب بمدينة سلا أفضل أهل زمانه علماً وعملاً سيدي أحمد

 

344

ابن عاشر، فأظهر الله تعالى عليه من بركاته ما لا يخفى على متأمل، ثم نقل بعد وفاة الشيخ فجعل خطيباً بجامع القرويين من مدينة فاس، وبقي بها خمس عشرة سنة خطيباً، فتوفاه الله تعالى بها بعد صلاة العصر من يوم الجمعة رابع رجب سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، ودفن بكدية البراطل من داخل باب الفتوح، وكان رضي الله عنه إذا صمت وسمت، وتجمل وزهد، معظماً عند الكافة، معولاً في حل المشكلات على فتح الفتاح العليم:

 

ومن علمه أن ليس يدعى بعالم ... ومن فقره أن لا يرى يشتكي الفقرا

ومن حاله أن غاب شاهد حاله ... فلا يدعي وصلاً ولا يشتكي هجرا

كذا رأيت بخط من أثق به في تعريفه مختصراً مع زيادة ما تحققت، وكتبه شاهدة بكماله علماً وعملاً، فهي كافية في تعريفه، وكان الذي طلبه في وضع الشرح على الحكم سيدي أبو زكريا السراج الذي أكثر رسائله له وسيدي أبو الربيع سليمان بن عمر؛ انتهى.

وقال في موضع آخر: سيدنا العارف المحقق الخطيب البليغ نسيج وحده، ومقدم من أتى بعده، أبو عبد الله، قرأ بفاس وتلمسان العربية والأصول والفقه ككتاب الإرشاد ومختصر ابن الحاجب الفقهي والأصلي وتسهيل ابن مالك، وتوفي بفاس، وقبره بها مشهور، ومزيته معروفة شرقاً وغرباً، وقد كتب مسائل معروفة أكثرها لسيدي يحيى السراج، وله كتب الشرح مع سيدي سليمان بن عمر الذي قال في حقه: إنه ولي بلا شك، بطلبهما لذلك، ورأيت كتاباً في الإمامة سماه " تحقيق العلامة في أحكام الإمامة " فذكرته لشيخنا القوري رحمه الله تعالى، وكان معتنياً بكتبه معولاً عليها في حاله، فقال: أظنه لوالده سيدي إبراهيم، وقد كان خطيباً بالقصبة إذ كانت عامرة، وله خطب عظيمة الفصاحة، حسنة الموقع؛ انتهى.

وقال الشيخ أبو يحيى ابن السكاك: أما شيخي وبركتي أبو عبد الله ابن عباد

 

345

رضي الله عنه فإنه شرح الحكم وعقد درر منثورها في نظم بديع، وجمعت من إنشائه مسائل مدارها على الإرشاد إلى البراءة من الحول والقوة، فيها نبذ كأنفاس الأكابر، مع حسن التصرف في طريق الشاذلي، وجودة تنزيله على الصور الجزئية، وبسط التعبير، مع إنهاء البيان إلى أقصى غاياته، والتفنن في تقريب الغامض إلى الأذهان بالأمثلة الوضعية، فقرب بها حقائق الشاذلية تقريباً لم يسبق إليه، كما قرب الإمام ابن رشد مذهب مالك تقريباً لم يسبق إليه، وكان مع ذلك آية في التحقق بالعبودية والبراءة من الحول والقوة وعدم المبالاة بالمدح والذم، بل له مقاصد نفيسة في الإعراض عن الخلق، وعدم المبالاة بهم، وأعظم أخلاقه التي لا يصبر عنها ويضطرب لها غاية الاضطراب أن يحضر حيث ينسى الحق، لا سيما إن كان نسيان الحق بالنسبة إليه، فهو الذي يقلقه، ويضيق صدره على اتساعه ووفور انشراحه عن ذلك، ولقد ذكر بعض من كان من أخص الناس به ومنقطعاً إليه أحوال رجال الرسالة القشيرية والحلية وما منحوا من المواهب، قال: فلما مات الشيخ واستبصرت ما أشاهده منه من أفعال تدل على القطع بصديقيته لاح لي أن لتك الصفات التي يذكر مشخصة فيه، نشاهدها عياناً، ولو لم أر الشيخ لقلت: إنني لم أر كمالاً، وعلى الجملة فهو واحد عصره بالمغرب، ذكر لي عن قطب المعقول بالمغرب والمشرق الآبلي أنه كان يشير إليه في حال قراءته عليه، أعني الشيخ ابن عباد، ويقول: إن هناك علماً جماً لا يوجد عند مشاهير أهل ذلك الوقت، إلا أنه كان لا يتكلم رضي الله عنه، وشهد له المقطوع بولايتهم بالتقدم، وأقروا له بالشيخوخة، وتبركوا به، كسيدي سليمان اليازغي (3) وسيدي محمد المصمودي وسيدي سليمان ابن يوسف ابن عمر الأنفاسي (4) وأمثالهم، وكان شيخه الحجة الورع أحمد ابن عاشر يشيد بذكره، ويقدمه على سائر أصحابه، ويأمرهم بالأخذ عنه، والانتفاع به،

346

والتسليم له، ويقول: بان عباد أمة وحده، ولا شك أنه كذلك كان، أعني غريباً فإن العارف غريب الهمة بعيد القصد، لا يجد مساعداً على قصده. وكان الغالب عليه الحياء من الله تعالى، والتنزل بين يدي عظمته، وتنزيله نفسه منزلة أقل الحشرات، لا يرى لنفسه مزية على مخلوق، لما غلب عليه من هيبة الجلال وعظمة المالك وشهود المنة، نظاراً إلى جميع عباد الله تعالى بعين الرحمة والشفقة والنصيحة العامة، مع توفية المراتب حقها، والوقوف مع الحدود الشرعية واعبارهم من حيث مراد الله تعالى بهم، هذا دأبه مع الطائع والعاصي ما لم يظهر له من أحد مخايل حب التعظيم والمدح والتجبر على المساكين ورؤية الحق إذ هي دعوى لا تليق بالعبد، ومن كانت هذه صفته فقد وصل حد الخذلان، بل هي علامة تقارب القطع على أنه شقي مسلم إلى غضب الله تعالى ومقته، أعاذنا الله تعالى منه. وكان من حال هذا السيد تألف قلوب الأولاد الصغار، فهم يحبونه محبة تفوق محبته لآبائهم وأمهاتهم، فينتظرون خروجه للصلاة وهم عدد كثير، يأتون منكل أوب ومن المكاتب البعيدة، فإذا رأوه ازدحموا على تقبيل يده. وكذا كان ملوك زمانه يزدحمون عليه، ويتذللون بين يديه، فلا يحفل بذلك. وذكر لي بعض تلامذته أن أقواله تشبه (5) أفعاله، لما منحه الله تعالى من فنون الاستقامة، مع ما في كلامه من النور والحلاوة التي استفزت ألباب المشارقة، بحيث صار لهم بحث عريض (6) على تواليفه؛ انتهى كلام ابن السكاك.

وله من التواليف: الرسائل الكبرى، والصغرى (7) ، وشرح الحكم، ونظمها في ثمانمائة بيت من الرجز.

وحدث الشيخ أبو مسعود الهراس قال: كنت أقرأ في صحن جامع القرويين

347

والمؤذنون يؤذنون بالليل، فإذا أبو عبد الله ابن عباد قد خرج من باب داره، وجاء يطير في الصحن كأنه جالس متربع حتى دخل في البلاط الذي حول الصومعة، ثم مشيت فوجدته يصلي حول المحراب، وسأله السراج عن أبي حامد الغزالي، فقال: هو فوق الفقهاء وأقل من الصوفية. ومما نقل من خطه رحمه الله تعالى ولا يدرى هل هي له أم لا:

الحزم قبل العزم فاحزم واعزم ... وإذا استبان لك الصواب فصمم

واستعمل الرفق الذي هو مكسب ... ذكر القلوب وجد وأجمل واحلم

واحرص وسر واشجع وصل وامنن وصل ... واعدل وأنصف وارع واحفظ وارحم

وإذا وعدت فعد بما تقوى على ... إنجازه وإذا اصطنعت فتمم

وذكر الشيخ الفقيه الخطيب القاضي الحاج الرحيل أبو سعيد ابن أبي سعيد السلوي أنه رأى في حائط جامع القرويين أبياتاً مكتوبة بفحم بخط الشيخ أبي عبد الله ابن عباد وهي (8) :

أيتها النفس إليه اذهبي ... فحبه المشهور من مذهبي

مفضض الثغر له نقطة ... من عنبر في خده المذهب

أيأسني التوبة من حبه ... طلوعه شمساً من المغرب

قال الشيخ أبو سعيد: فاستشكلت هذه الأبيات لما اشتملت عليه من التغزل، وذكر الخال والخد والثغر، ومقام الشيخ ابن عباد يجل عن الاشتغال بمثل هذا، فلقيت يوماً أبا القاسم الصيرفي، فذاكرته بالقصة ووجه الإشكال فيها، فقال لي: مقامك عندي أعلى من أن تستشكل مثل هذا، هذه أوصاف ولي الله القائم بأمر الله المهدي، فشكرته على ذلك؛ انتهى.

 

348

قلت: رأيت بخط الونشريسي إثر هذه الحكاية ما نصه: قلت في صحة هذه الحكاية عن الشيخ نظر، لما احتوت عليه من تعبير الحسن، وقدر الشيخ وورعه أعلى من هذا، فهذان إشكالان، والله أعلم.

وحكى(9) أن الشيخ ابن عباد رحمه الله تعالى لما احتضر جعل رأسه في حجر أبي القاسم هذا، وأخذ في قراءة آية الكرسي إلى قوله " الحي القيوم " ثم يقول: يا الله يا حي يا قيوم، فيلقنه من حضر " لا تأخذه سنة ولا نوم " فيمتنع الشيخ من قراءتها ويقول: يا الله يا حي يا قيوم، فلما قربت وفاته سمع منه هذا البيت وكان آخر ما تكلم به:

ما عودوني أحبابي مقاطعة ... بل عودوني إذا قاطعتهم وصلوا

ولما توفي الشيخ ابن عباد رضي الله عنه في التاريخ المتقدم حضر جنازته السلطان أمير المسلمين أبو العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم وأهل البلدتين يعني فاساً الجديد التي هي مسكن السلطان وخواص أتباعه، وفاساً العتيق التي هي محل الأعلام والخاص والعام من الناس في ذلك القطر، إذ هي إذ ذاك حضرة الخلافة وقبة الإسلام في المغرب ويقدم بعده للإمامة والخطبة بجامع القرويين نائبه أيام مرضه الشيخ الصالح الورع أبو زيد عبد الرحمن الزرهوني حسبما قاله الجاديري رحمه الله تعالى.

وحكى الونشريسي رحمه الله تعالى أن الشيخ ابن عباد كلم ابن دريدة الوالي في مظلمة، فلم يقبل، فلما كان يوم الجمعة ونزل السلطان أبو العباس الصلاة بجامع القرويين وراء الشيخ ابن عباد، قال الشيخ في خطبته: من الأمور المستحسنة، أن لا يبقى الوالي سنة؛ انتهى.

وللشيخ ابن عباد خطب مدونة بالمغرب مشهورة بأيدي الناس، ويقرؤون

349

منها ما يتعلق بالمولد النبوي الشريف بين يدي السلطان تبركاً بها، وكذا يقرؤونها في المجتمعات في المواسم، كأول رجب وشعبان ونصفهما والسابع والعشرين منهما، كرمضان، وقد حضرت بمراكش المحروسة سنة عشر وألف قراءة كراسة الشيخ في المولد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام بين يدي مولانا السلطان المرحوم أحمد المنصور بالله الشريف الحسني رحمه الله تعالى، وقد احتفل لذلك المولد بأمور يستغرب وقوعها، جازاه الله تعالى عن نيته خيراً وقد أشرت إلى ذلك في كتابي الموسوم بروضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس وسردت جملة من القصائد والموشحات في وصف ذلك الصنيع (10) ، ورحمة الله وراء الجميع.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) غريبة: سقطت من ق ص ونيل الابتهاج.

(2) انظر هذا المصدر ص: 79.

(3) ق: البازغي، وهو خطأ.

(4) انظر سلوة الأنفاس 3: 156.

(5) ق ص: لا تشبه.

(6) ق: تحريض.

(7) طبع هذان الكتابان أولهما بفاس سنة 1320 والثاني ببيروت سنة 1958.

(8) قد مرت هذه الأبيات ج 4 ص: 14 منسوبة خطأ لابن خروف وهي لابن طلحة الصقلي، وانظر ما يجيء ص: 482.

(9) ق: ثم.

(10) نقص هذا المصدر من أوله، ولكن ما تبقى من ص 5 - 14 يدل على ما يشير المؤلف إليه.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.