شرح (يا رَبِّ وأنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفِي ... وَأنا عَبْدُكَ الضَعِيفُ الذَليلُ الحَقِيرُ المِسْكِينُ المُسْتَكِينُ). |
2871
11:51 صباحاً
التاريخ: 2023-08-05
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-03
266
التاريخ: 2023-11-22
1078
التاريخ: 17-10-2016
1712
التاريخ: 2023-08-06
1363
|
(يا رَبِّ وأنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفِي): (ضعفي): ووهني ووهيي.
(عَنْ قَلِيلٍ مِنْ بَلاءِ الدُنيا): كحرارة أهوية الصيف، وبرودة الشتاء، والجوع والظمأ، وأمثال ذلك.
(وَعُقوباتِها): ونكالها، كالآلام والأوجاع، وانكسار العظم، وقطع اليد والرجل وسائر الأعضاء، وكالوقوع في المخاوف والمهالك، وسياسات السلاطين والحكّام، والتجلّد بالحدود، وأمثال ذلك.
(وَما يَجْرِي فِيها مِنَ المَكارِهِ عَلَىٰ أهْلِها): والضمائر الثلاثة راجعة إلىٰ (الدنيا).
(عَلَى أنَّ ذلِكَ): أي بلاء الدنيا وعقوباتها والمكاره التي تجري علىٰ أهلها.
(بَلاءٌ وَمَكْرُوهٌ قَلِيلٌ مَكْثُهُ): ساعة أو يوم أو اُسبوع أو شهر أو سنة، كلّ ذلك.
(يَسِيرٌ بَقاؤهُ): سريع الزوال.
البقاء: خلاف الفناء، كما أنَّ القليل واليسير خلاف الجزيل والكثير.
(قَصِيرٌ مُدَّتُهُ): وزمانه القصير، ضدّ الطويل.
(فَكَيْفَ احْتِمالي لِبَلاءِ الآخِرَةِ وَجَلِيلِ وُقُوعِ المكارِهِ فيها):
يريد أنَّ الإنسان الضعيف النحيف الذي لا يطبق احتمال العذاب والعقوبات السريعة الزوال في الدنيا، كيف يحتمل العقاب والعذاب الدائم المخلّد في الآخرة، كما قلت في كتابك الكريم: {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الأدنى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}.
(وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَيَدومُ مَقامُهُ، وَلا يُخَفَّفُ عَنْ أَهْلِهِ):
أي أهل البلاء، وهو لا يخّفف عن أهله؛ لأنّه كما قال تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا}.
بيان حشر أصناف الخلق:
واعلم أنّ دار الآخرة هي دار بروز صور الملكات والأخلاق، وأهل المحشر يحشرون علىٰ أصناف شتى وأقسام مختلفة:
فبعضهم يحشرون علىٰ صور البهائم، اُولئك الذين كانوا في الدنيا واقفين عن تحصيل المعارف الحقّة والكمالات الدينية بالرياضات الشرعية، وبذلوا جهدهم وصرفوا همّهم في سوق الشهوات ونيل اللذات العاجلة كيفما اتّفق، وكم من آية مرّت عليهم في الدنيا وهم عنها معرضون! وبعضهم يحشرون علىٰ صور الذؤبان والحاجر (1)، اُولئك الذين كانوا في الدنيا حاسدين علىٰ ما أنعم الله به عباده من المال والكمال والجمال والعزّة والجلال، ولا زالوا حاسدين وتمكّنوا فيه، فماتوا علىٰ مَلَكته، وكم من نذير جاءهم فيها وهم عنه غافلون! وبعضهم يحشرون علی صورة الدببة والخنازير أولئك الذين كانوا في الدنيا حريصين علی ادّخار الزخارف، ومولعين في كثرة الأكل والشرب، وما زالوا واقفين علی تلك الصفة الخبيثة، حتی تمكّنوا فيه وصارت مَلَكتهم، وكم من ناصح نصحهم تركه وهم عنهم نافرون! وبعضهم يحشرون علی صور القردة، اولئك الذين كانت طباعهم مجبولة علی تقليد العباد، أفعالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم، وقصّروا هممهم علی إراءة صفات أهل الله بأقبح وجه وأسوأ حال، ومازالوا عاكفين عليها وماتوا علی مَلَكتها، وكم من شفيع زاجر منعهم عن تلك الصفات الخسيسة وهم عنهم سامون! وبعضهم يحشرون علىٰ صور الاُسود والفهود والكلاب والنمور، اُولئك الذين شيمتهم في الدنيا سَوق الغضب علىٰ الخلائق، وديدنهم القهر ومزق الأعراض وهتك العصم بلا حجة شرعية، وما زالوا تورّطوا فيها حتّىٰ صارت مَلَكتهم، وكم من شفيق مكرم نصحهم تركها فما سمعوا، وماتوا وهم كافرون! وهكذا بعضهم علىٰ صور النمل، وبعضهم علىٰ صور العقارب والزنابير والحيّات، وقِسْ عليها ما لم يُذكر.
هذا علىٰ طريقة الإمامية الاثني عشرية الحقّة، ومذهب حكماء الإسلام، بالمذهب جميع الحكماء، من إدريس عليه السلام إلىٰ زماننا هذا، وإليها ذهب جميع العرفاء، وأهل الكشف والشهود، والآيات الفرقانية، والأحاديث الصحيحة الصريحة، والآثار من الحكماء النظّار والعرفاء ـ أولي الأيدي والأبصار ـ في هذا الباب أكثر من أن تعدّ وتحصى.
وقيل: إنّ يوم الحشر إذا حُشر الناس علىٰ تلك الصور صاحوا وفزعوا فزعاً عظيماً، ونادوا نداء، ويقولون: يا ويلتي ما هذه، ما كنّا بهائم وذؤباناً واُسوداً وفهوداً وعمياناً، كما أخبر الله تعالى عن الحال الجاهلين في الدنيا، وقولهم هنالك: {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا}.
فيقال لهم: إنّما هي أعمالكم تردّ إليكم، ومَلَكاتكم صوّرت لكم، فيقولون: يا ليتنا كنّا تراباً. ثمّ يعرضون جميعهم علىٰ النار، ويصلون فيها خالدين إلى ما شاء الله.
(لأنّهُ لا يَكُونُ إلّا عَنْ غَضَبِكَ وَانْتِقامِكَ وَسَخَطِكَ):
الضمير يرجع إلىٰ البلاء.
الغضب في الحيوان: غليان دم القلب الصنوبري إذا أدرك ما ينافر طبيعته، وأراد التفصّي عنه أو الانتقام علىٰ باعثه.
وفي الله تعالى: عقابه وإرادة الانتقام من العصاة، فإنّه يفعل بالكفّار ما يفعل الملك الجبّار إذا غضب علىٰ من تحت يده.
وفي رواية عمرو بن عبيد مع أبي جعفر عليه السلام، وقد قال له: قوله تعالى: {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هوى} ما ذلك الغضب؟ فقال عليه السلام: (هو العقاب يا عمرو، وإنّه مَن زعم أَنَّ الله قد زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة المخلوقين) (2).
أقول: قد مرّ في المكر أنَّ الغضب والحياء والخدعة والتردّد وأمثال ذلك، إذا اُسند إليه تعالى يراد بها الغايات لا المبادئ، فغاية الغضب مثلاً هو الانتقام والتخلّص، فإذا أراد الله تعالى عقوبة العاصي أو انتقام الكفّار علىٰ كفرهم، فصدق عليه تعالى أنّه غضب عليهم. وقِسْ عليه البواقي.
الانتقام: التعذيب علىٰ المخافة.
السخط: الغضب، وهو في الإسناد إليه تعالى كالغضب، يراد به ما يوجب السخط من العقوبة.
(وَهذا ما لا تَقُومُ لَهُ السماواتُ والأرضُ):
يريد أنّ غضبك وانتقامك وسخطك شيء لا تقوم له السماوات والأرض.
(يا سَيِّدِي، فَكَيْفَ بِيْ وَأنا عَبْدُكَ الضَعِيفُ الذَليلُ الحَقِيرُ المِسْكِينُ المُسْتَكِينُ):
(الضعيف): من ضَعُف عن الشيء، أي عجز من احتماله، فهو ضعيف.
(الذليل) من الذُلّ ـ بالضم ـ: بمعنى الهوان والاستخفاف، خلاف العزّ.
(الحقير): الصغير الذليل.
(المسكين): الفقير الذي لا يقدر علىٰ قوت يومه وليلته.
(المستكين): الخاضع.
يريد: أنّ ما لا تقوم له السماوات والأرض من غضبك وانتقامك كيف يمكن لي تحمّله ومقاومته، والحال أنّني (عبدك الضعيف) ...؟ إلىٰ آخره؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في المخطوط.
(2) «الكافي» ج 1، ص 110، ح 5.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|