أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-6-2016
3767
التاريخ: 14-2-2017
2140
التاريخ: 2023-09-14
958
التاريخ: 2023-06-08
843
|
في الوقت الذي كافحت فيه وكالات الفضاء الكبرى من أجل استكمال محطة الفضاء الدولية، بدأت العديد من المبادرات الجديدة في رحلات الفضاء المأهولة تتشكل بعد عام 2000؛ في الصين، وفي السياحة الفضائية الخاصة، وفي مركبات رحلات الفضاء المأهولة التي تُموّلها وكالة ناسا، وفي شركات الفضاء الأمريكية التي نشأت لتحدي الشركات الصناعية العسكرية من الصواريخ وسباقات الفضاء. وبحلول أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدا أنَّ عصرًا جديدًا يبزغ في رحلات الفضاء المأهولة، ولم تكن النتائج واضحة بأي حال من الأحوال.
ثمة شيء واحد أصبح واضحًا للغاية؛ تصميم جمهورية الصين الشعبية على أن تُصبح قوة فضائية كبرى في جميع نواحي رحلات الفضاء. وأدى صعود يانج ليوي على متن «شنتشو 5» (كلمة «شنتشو» تعني بالعربية «السفينة المقدسة») في 15 أكتوبر 2003 إلى الفضاء، إلى جعل الصين الدولة الثالثة التي تُطلق رائد فضاء في الفضاء بواسطة مركبة الإطلاق الخاصة بها وعلى متن مركبة فضائية خاصة بها أيضًا. كانت أهداف البرنامج 921، كما أُطلق عليه بيروقراطيا، هي بناء محطة فضائية من أجل تقوية ادعاء الصين بأنها قوة عالمية من خلال الإشارة إلى قدرتها الوطنية العلمية والتكنولوجية (ولا تزال كذلك). ولم يكن تعزيز النَّغْرة القومية والولاء الجماهيري لقيادة الحزب جزءًا من الأهداف الأصلية للبرنامج، بل كانا مكافآت للمهام الناجحة التي قام بها.9
بدأ برنامج 921 في عام 1992، بعد محاولة سابقة لأوانها لبدء مشروع رحلات فضائية مأهولة في السبعينيات من القرن العشرين ونتج المشروع الجديد عن جهود الإصلاح التي بذلها الزعيم دنج شياو بينج لجعل الأمة واقتصادها منافسين للغرب، ولقد كان البرنامج وما زال يُدار من قبل الجيش، ولكن على غرار غيره من البرامج السوفييتية، بالتكافل مع الوكالات المدنية؛ إذ لا تُوجد أسباب داخلية أو خارجية للتمييز بوضوح بين الجهود الفضائية المدنية والعسكرية. انتهز مديرو البرنامج الفرصة التي أوجدها انهيار الاتحاد السوفييتي (حَدَثُ صَدَم القيادة الشيوعية الصينية وأحد الحاجة إلى الإصلاح) من خلال ترخيص بعض تقنيات الفضاء الروسية؛ حيث تبدو المركبة الفضائية «شنتشو» إلى حد كبير شبيهة بالمركبة الفضائية «سويوز»، ولكنها أكبر حجمًا ومحسنة. تحتوي وحدة إعادة الدخول أيضًا على طاقم مكون من ثلاثة أفراد، ولكن في مكان أكثر اتساعًا، ووضعت محل الوحدة المدارية (مقر المعيشة والتجربة الإضافي) وحدةٌ صينية بألواح وأنظمة شمسية تسمح لها بالتحليق بشكل مستقل.
كان إيقاع هذا البرنامج منضبطا للغاية. بدأت بعثات «شنتشو» في نوفمبر 1999 بأول رحلة تجريبية دون طيار، تلَتْها ثلاثُ رحلات أخرى حتى عام 2002. وبعد رحلة يانج المدارية التي استغرقت يومًا واحدًا، لم تنطلق الرحلة التالية إلا بعد عامين، وضمت رائدي فضاء، وتلتها فترة توقف بلغت ثلاثة أعوام قبل أن تنطلق «شنتشو 7» مع ثلاثة من أفراد الطاقم، اثنان منهم قاما بالسير في الفضاء. (كانت بدلاتهما الفضائية أيضًا مبنيةً على تصميمات روسية.) لقد سارت الصين على خُطى الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي التي اتَّخذوها في الفترة من 1961 إلى 1965، ولكنها فعلت ذلك دون التعجل أو البعثات المتعددة لذلك السباق. مرت ثلاث سنوات أُخرى قبل أن ترسو مركبة «شنتشو 8» غير المأهولة مع المحطة المدارية الصغيرة «تيانجونج - 1» (التي تعني بالعربية «القصر السماوي 1») وتبعها طاقم قام بنفس الشيء بعد ذلك بعام، وكان أحد أفراده أول امرأة صينية تصعد إلى الفضاء. وكانت أحدث بعثة صينية، حتى كتابة هذه السطور، بعثة استمرت لمدة ثلاثة وثلاثين يومًا في خريف 2016 وضمت طاقمًا مكونا من ثلاثة رواد فضاء على متن «تيانجونج-2».
أعلنت إدارة الفضاء الوطنية الصينية، التي تأسست في عام 1993 كوكالة لبيروقراطية المشتريات الدفاعية المدنية، عن برنامج لبناء محطة نموذجية بحجم «مير»، ابتداءً من حوالي عام 2020، وبالتالي تحقيق الهدف الأصلي من برنامج 921. نظرا إلى ضوابط تصدير التكنولوجيا ومخاوف السرقة استبعدت الحكومة الأمريكية حتى الآن التعاون النشط بين وكالة ناسا والصين، مما يجعل برنامجها منفصلا تماما عن محطة الفضاء الدولية وغيرها من المشاريع المتعدّدة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة. لكنَّ الشيء الوحيد الذي يبدو مؤكدًا هو أنَّ الصين ستبني برنامجها المأهول بغضّ النظر عما يحدث بخصوص التعاون الدولي.
ومع كشف النقاب عن برنامج 921، تكشفت أيضًا المحاولات الأولى لإنشاء مشاريع خاصة لرحلاتٍ فضائية مأهولة ومركبات فضائية. وكانت المحاولة المشئومة لإحياء محطة «مير» مُتجذِّرة في إحباطات دعاة الفضاء الأمريكيين الذين نشئوا في الستينيات وتساءلوا عن سبب عدم تحقيق الحلم الموعود لقواعد القمر وبعثات المريخ. وغالبًا ما كانوا ينتقدون بشدة وكالة ناسا وكانوا من أتباع السياسات الليبرالية الرأسمالية الفائقة. أحدهم كان
رائد الفضاء بيتر ديامانديس، الذي أنشأ مؤسسة «جائزة إكس»، على غرار جوائز الطيران التي قُدِّمَت بين الحربين العالميتين لتحفيز نمو تكنولوجيا الطيران. وقد جمع التبرعات وراهن رهانا محفوفًا بالمخاطر على سوق التأمين، ليقدّم جائزةً بقيمة 10 ملايين دولار لأول مركبة فضائية غير حكومية بطيار قادرة على حمل ثلاثة أشخاص للقيام برحلتين خلال أسبوعين فوق 100 كيلومتر (62.1 ميل). كان الهدف هو تحفيز السياحة الفضائية الخاصة عند أدنى مستوى من الصعوبة – ولكنه لا يزال تحديًا ليس سهلا بأي حال من الأحوال – من خلال الصعود بالرُّكَّاب في المسارات تحت المدارية بما يكفي فقط ليتمكنوا من الحصول على مكانة المسافرين في الفضاء.
حفزت «جائزة إكس» موجة من أنشطة تطوير الصواريخ في جميع أنحاء العالم، ولكن لم يكن لدى أيّها أية فرصة حقيقية للفوز، بخلاف مجموعة واحدة؛ شركة الطيران والفضاء «سكيلد كومبوزيتس» لمصمّم الطائرات الشهير بيرت روتان، بتمويل من الملياردير بول ألين الذي شارك في تأسيس مايكروسوفت. لقد صمم روتان «سبيسشيب وان»، وهي طائرة فضائية ذات ذيل فريد من نوعه قابل للطي، يجعلها تُبطئ من سرعتها عند الهبوط مثل كرة الريشة. وتم إسقاطها من طائرة حاملة كبيرة من تصميم روتان، وقامت «سبيسشيب وان» بثلاث رحلاتٍ من جنوب كاليفورنيا تجاوزت خط 100 كم، وفازت آخر رحلتين بالجائزة في خريف 2004. كل رحلة قام بها أحد طياري الشركة التجريبيين، محلّقًا بثقل لتمثيل الراكبين.10
في الوقت نفسه، ظهرت السياحة المدارية لأنَّ الروس قرَّروا بيع مقاعد عرضية في المركبة الفضائية «سويوز» التي تتَّجه إلى محطة الفضاء الدولية. وكانت هناك سوابق؛ إذ صعدت امرأة إنجليزية إلى محطة «مير» في عام 1991، على الرغم من عدم الحصول على تمويلٍ خاص من بريطانيا، وفي عام 1998، دفعت شركة إعلامية يابانية الأموال لإرسال أحد مراسليها إلى «مير». وفي أبريل 2001، أصبح المستثمر الأمريكي دنيس تيتو أول من استخدم أمواله الخاصة للسفر إلى الفضاء، حيث قام بزيارة إلى محطة الفضاء الدولية رغم اعتراضات وكالة ناسا المتردّدة. ولم يفعل ذلك سوى ستة آخرين حتى عام 2009، واحد منهم صعد مرتين إلى الفضاء، وبعد ذلك كانت هناك حاجةٌ إلى شَغْل جميع مقاعد «سويوز» لإرسال روّاد الفضاء إلى المحطة. وتكلّفت هذه الرحلات السياحية المدارية ما بين 20 و40 مليون دولار، وكانت تقتصر على حفنة من الأشخاص اللائقين بدنيا والأثرياء الذين تلقوا تدريبًا لمدَّةِ أشهر في المراكز الروسية. وبصعوبة كان يمكن أن يُطلق على ذلك سياحة. وقد تُتاح الفرصة مرةً أُخرى؛ إذ أعلنت «روسكوزموس» أنها ستُخفض عدد أفراد الطاقم الروسي في المحطة إلى اثنين، وستُرسل وكالة ناسا قريبًا روادها مرةً أخرى على متن المركبة الفضائية الأمريكية.
شكل: «سبيسشيب وان» وطائرتها الحاملة «وايت نايت» في أغسطس 2005، عند تسليم الأولى إلى المتحف الوطني للطيران والفضاء. حصل فريق الطائرة الفضائية على جائزة أنصاري إكس برايز في عام 2004، وبدا أن ذلك يُبشِّر بوصول السياحة الفضائية شبه المدارية الوشيك، ولكن ثبت أن بدء حمل الرُّكَّاب فعليًّا أصعب بكثير ممَّا كان متوقعًا. تصوير إريك لونج (المصدر: متحف الطيران والفضاء الوطني التابع لمؤسسة سميثسونيان).
أما بالنسبة إلى مؤسسة «جائزة إكس»، فقد بدا فوز روتان وألين عام 2004 مُبشرًا بالوصول الوشيك إلى السياحة الفضائية تحت المدارية. وقام مؤسّس إمبراطورية «فيرجن» التجارية، ريتشارد برانسون، بتمويل «سبيسشيب تو» من «سكيلد كومبوزيتس»، التي يمكن أن تحمل طيارين وستة رُكَّاب. كما قامت شركته الجديدة، «فيرجن جالاكتيك»، ببناء ميناء فضائي مُتقَن في صحراء نيومكسيكو من أجل رواد الفضاء». على الرغم من سعر التذكرة الذي يبلغ حوالي ربع مليون دولار، فقد وضع المئات ودائع أو دفعوا المبلغ بالكامل من أجل القيام بالرحلة. ومع ذلك، أسفرت سلسلة من التحديات التقنية وحادثان مميتان عن عدم القيام بأي رحلات سياحية حتى كتابة هذه السطور. وتحطمت أول مركبة «سبيسشيب تو» في رحلة تجريبية في أكتوبر 2014، مما أسفر عن مقتل طيار وإصابة الآخر بجروح خطيرة. لقد تجاوزت تكاليف التطوير ما توقعه برانسون بكثير، وأكدت العملية الدرس المؤلم الذي تعلمته برامج الرحلات الفضائية المأهولة التي تُموّلها الحكومة، ألا وهو أنَّ بناء أنظمة للصعود بالناس إلى ارتفاعات كبيرة وبسرعة تصل إلى آلاف الأميال في الساعة عملية باهظة الثمن ومحفوفة بالمخاطر، وأنَّ محاولة ضمان مستوى معقول من السلامة على الأقل تكلف الكثير من المال. علاوة على ذلك، إذا حدث أي حادث مميت للسياح الذين دفعوا ثمن الرحلة، فقد ينهار سوق المقاعد وستصدر الحكومة تشريعات أكثر تشددًا بالتأكيد.
تسببت تكلفة التطوير وحدها في وأد العديد من شركات السياحة الفضائية بسبب نقص رأس المال الاستثماري. وبخلاف شركة «فيرجن جالاكتيك»، لم يصمد سوى صاروخ «نيو شيبارد» الخاص بملياردير «أمازون دوت كوم»، جيف بيزوس؛ لأنه لا يحتاج إلى أموال أي شخص آخر. ولدى «نيو شيبارد» مُعزّز قابل لإعادة الاستخدام وكبسولة مؤتمتة لستَّةِ رُكَّاب تعود بالمظلة. وقد تم بناؤه من قبل شركته الفضائية، «بلو أوريجين»، وتم اختباره في غرب تكساس منذ عام 2015 وبالتالي، إذا وصلت السياحة الفضائية تحت المدارية أخيرًا في حوالي عام 2020، في وقت متأخّر جدًّا عن المتوقع، فستظلُّ ثابتةً في منطقة مغامرات الأثرياء، على الرغم من أنَّ المسافرين لن يُضطروا إلى أن يكونوا بنفس ثراء أول سياح مداريين.
كانت «بلو أوريجين» أول شركة من شركتين فضائيتين رئيسيتين أطلقهما رائدا أعمال عبر الإنترنت يتمتعان بطموح جامح نحو رحلات الفضاء. وأنشأ إيلون ماسك، الذي حقق ثروةً من خلال خدمة الدفع عبر الإنترنت «باي بال» شركة «سبيس إكس» في عام 2002 ليعمل من أجل تحقيق مستقبله المتخيَّل المنشود كمؤسِّس مستعمرة المريخ. ونظرًا إلى إحباطه من الأسعار التي تفرضها شركات الطيران والفضاء التقليدية، شرع في إنشاء شركة صواريخ رأسية متكاملة تصنع محركاتها الخاصة ومعظم المكونات الأخرى المطلوبة. ولم تحظ أول مركبة تُنتجها شركة «سبيس إكس»، ألا وهي مركبة إطلاق قمر صناعي صغيرة تُسمى «فالكون 1»، بنجاح باهر؛ إذ مُنِيَت بالفشل في المرات الثلاث الأولى التي أُطلِقت فيها من عام 2006 إلى عام 2008. وقد أدت هذه الإخفاقات إلى اقتراب الشركة من الإفلاس. وبعد إطلاقين ناجحين، قرَّر ماسك التخلّي عن سوق الأقمار الصناعية الصغيرة والمشاركة في الأسواق العسكرية والجغرافية الثابتة بالاستعانة بالمركبة «فالكون 9»، التي احتوت على تسعة من محرّكات ميرلين التي تُنتجها شركته في مركبة واحدة.11
كانت المركبة «فالكون 9» قيد التطوير بالفعل لأنَّ وكالة ناسا كانت قد منحت أموال تطويرها لشركة «سبيس إكس» في عام 2004، مما أدى إلى إبرام عقد في عام 2006 لتزويد محطة الفضاء الدولية بالإمدادات اللازمة لها واستخدم ماسك ذلك العقد كوسيلة لتطوير مركبة فضائية مأهولة خاصة به (أسماها «دراجون») مستوحاة من المركبة «أبولو» (كما فعل بيزوس)، نظرًا إلى هوسه برحلات الفضاء المأهولة. أما بالنسبة إلى مركبة الشحن، فسوف تحمل كبسولة العودة المضغوطة رفوفًا بدلا من المقاعد والمعدات. ويمكن وضع الإمدادات غير المضغوطة في «صندوق» على وحدة الوقود المرفقة.
نشأ مشروع الشحن التجاري التابع لوكالة ناسا لأنَّ المكوك كان على وشك التقاعد وكان مكلّفا جدًّا على أن يكون مركبة نقل. وقد تمنَّى مايكل جريفين، الذي أصبح مديرًا لوكالة ناسا في عام 2005 لتنفيذ برنامج جورج دبليو بوش القمر المريخ، أن يُوفِّر المال من خلال الاستخدام المبتكر لإعادة الإمداد التجاري لمحطة الفضاء الدولية، بدلا من الاعتماد على المركبات الروسية والأوروبية واليابانية باهظة التكاليف. ولتعزيز المنافسة وتقليل خطر حوادث فشل الإطلاق التي قد تنجم عن استخدام نوع صاروخ واحد، سمحت وكالة ناسا أيضًا بإبرام عقد توريد محطة فضائية آخر فازت به شركة «أوربيتال ساینسز» في 2008، وهي شركة رحلات فضائية تجارية من الثمانينيات. وأكملت المركبة «دراجون» الخاصة بشركة «سبيس إكس» والمركبة «سيجنوس» الخاصة بشركة «أوربيتال سائنسز» رحلات تجريبية إلى محطة الفضاء الدولية في عامي 2012 و2013، على التوالي، لبدء عصر إعادة تزويد محطة الفضاء الدولية التي أطلقتها الولايات المتحدة بالإمدادات.12
بحلول ذلك الوقت، كانت وكالة ناسا تُموِّل عمليات نقل رواد الفضاء التجارية إلى محطة الفضاء الدولية. وفي عام 2009، وافقت إدارة أوباما الجديدة على تطويرها لتقصير فترة الاعتماد على «سويوز» الروسية بعد توقُّف المكوك عن العمل. وبعد جولات عديدة من المنافسة، التي أعاقتها تخفيضات الميزانية من قبل أعضاء الكونجرس غير المتحمسين، أعلنت وكالة ناسا في عام 2014 أنها ستمنح عقدين لشركتين: «سبيس إكس» مقابل مركبتها المأهولة «دراجون» وعملاق الفضاء والطائرات «بوينج» مقابل كبسولة «سي إس تي - 100».13 وكان من المفترض أن تنطلق كلتاهما برُوَّاد الفضاء بحلول عام 2017 ولم يحدث ذلك. ومرة أخرى، ثبت أن بناء المركبات الفضائية المأهولة الآمنة نسبيًّا أصعب وأكثر تكلفةً ممَّا كان يُؤمل.
بينما كان كل هذا يحدث كان برنامج إدارة بوش القمر المريخ يسير على قدم وساق. وعندما تولى جريفين إدارة وكالة ناسا في عام 2005، كان قد ركز برنامج «كونستيليشن» المسمَّى حديثًا على إعادة رواد الفضاء إلى القمر وإنشاء قاعدة قمرية في عشرينيات القرن الحادي والعشرين. وبدا ذلك أكثر جدوى على المدى القريب من القيام برحلة إلى المريخ، التي كان المشروع القمري سيبني تكنولوجيا وخبرة من أجلها. لكن تمويل إدارة بوش لم يكن واقعيًّا أبدًا، حيث افترضت أن المكوك سيكمل المحطة ويتقاعد في وقتٍ أقرب ممَّا فعل، مما يوفّر الأموال لدفع تكاليف البرنامج الجديد. ولم يكن الكونجرس ولا الإدارة على استعدادٍ لزيادة مُخصَّصات وكالة ناسا لتغطية العجز، حيث كانت هناك العديد من الأولويات الوطنية الأخرى ولم يكن هناك حاجةٌ مُلحة إلى المشروع. وقد أثبت ذلك مرة أخرى، تمامًا كما فعل إعلان بوش الأول في عام 1989، أنَّ محاولة تكرار خطاب «أبولو» الذي ألقاه كينيدي محكوم عليها بالفشل عندما لا تُوجَد أزمة محسوسة.14
ونتيجة لذلك، كان برنامج «كونستيليشن» يُعاني من نقص كبير في التمويل في الوقت الذي تولى فيه باراك أوباما منصبه، مع تأجيل أول عملية هبوط إلى عشرينيات القرن الحادي والعشرين، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم وجود أموال لتطوير مركبة الهبوط على سطح القمر. وتحرَّك الرئيس الجديد لإلغاء برنامج «كونستيليشن» في عام 2010، ولكن ذلك لم يلق ترحيبًا في الكونجرس ولا في صناعة الطيران والفضاء. أعضاء مجلس الشيوخ من الولايات التي لديها مصلحة قوية في الوظائف التي تم إنشاؤها بواسطة مركبة «أوريون» المأهولة، التي بدت وكأنها وحدات قيادة وخدمات «أبولُّو» مُوسعة مضافًا إليها ألواح شمسية وطاقم مكون من أربعة أفراد، وبواسطة المعزّزات، التي تم اشتقاقها من دفع المكوك الفضائي وعناصر الخزان. بدعمٍ من جماعات الضغط الصناعية وغيرها من
أعضاء الكونجرس، فرَض أعضاء مجلس الشيوخ تسوية. ستبقى «أوريون» على قيد الحياة، وكذلك مُعزّز ثقيل بحجم ساتورن 5» أطلق عليه نظام إطلاق الفضاء (SLS) – الذي أطلق عليه العامة نظام إطلاق مجلس الشيوخ، لأنه بدا كما لو كان قد تمَّ تصميمه في الكابيتول هيل.
ليس من المستغرب أنَّ عملية تطوير «أوريون» / نظام إطلاق الفضاء سرعان ما تخلفت عن الجدول الزمني المعدّ لها، حيث كان عليها في النهاية أن تتناسب مع ميزانية وكالة ناسا التي لا تزال تُموِّل رحلات محطة الفضاء الدولية بالإضافة إلى تطوير مركبات الشحن التجارية والمركبات المأهولة، بالإضافة إلى تليسكوب جيمس ويب الفضائي، وهو خليفة هابل الذي تجاوز الميزانية ولكنه أكبر حجمًا ويُركّز على الأشعة تحت الحمراء. كان الهدف الجديد الذي أعلنت عنه وكالة ناسا للمركبة «أوريون» هو الالتقاء بكويكب، ولكن تم خفض ذلك الهدف إلى إرسال مركبة فضائية روبوتية لالتقاط صخرة من كويكب وإحضارها إلى مدار قمري بعيد، حيث سيختبرها رواد الفضاء. اجتذبت هذه البعثة القليل من الدعم سواء في الكونجرس أو في المجتمع العلمي، وسرعان ما وُئِدَت بالفعل بحلول نهاية ولاية أوباما الثانية. كان من المقرَّر أن يكون كل هذا النشاط، بالإضافة إلى اكتساب خبرة رحلات الفضاء الطويلة الأمد على متن محطة الفضاء الدولية، جزءًا من تحدي «رحلة إلى كوكب المريخ» الذي تُخطط له وكالة ناسا، الذي سيضم بعثات استكشافية إلى المريخ في الثلاثينيات من القرن الحادي والعشرين. ولكن هذا لم يَبدُ مُقنعا أيضًا.
ومع ذلك، فقد استهلكت «أوريون» / نظام إطلاق الفضاء عدة مليارات من الدولارات سنويًّا أثناء التحرك بوتيرة تجعل الصينيين يبدون وكأنهم في عجلة من أمرهم. أطلقت الوكالة وحدة قيادة «أوريون» واحدةً في عام 2014 في رحلة عودة تجريبية، باستخدام معزّز تجاري، ولكن هذا هو تاريخ الرحلات الكامل للبرنامج حتى الآن. تأجلت أول رحلة من نظام إطلاق الفضاء، وهي إرسال مركبة «أوريون» بدون طيار إلى مدار القمر، إلى أواخر عام 2019، حتى كتابة هذه السطور. ويبدو من غير المرجح أن تنطلق أول بعثة مأهولة، بهدف قضاء عدة أسابيع في مدار القمر – وهي المرة الأولى التي سيُحلّق فيها أي شخص على بعد أكثر من 400 ميل من الأرض منذ عام 1972 – قبل عام 2023. لقد نجت «أوريون» / نظام إطلاق الفضاء في المقام الأول من خلال الحفاظ على الوظائف في المراكز الميدانية للوكالة وشركات مقاولات الطيران والفضاء القديمة. إنَّ هدف إدارة ترامب الذي تم الإعلان عنه مؤخرًا بتسريع المشروع واستعادة عمليات الهبوط على سطح القمر هو أمر جديد لا يمكن تقييمه، لكنَّ مصير إعلاني بوش الأب وبوش الابن يُظهر بمفرده أن التشكيك له ما يُبرره.
___________________________________________________
هوامش
(9) Kulacki and Lewis, A Place for One’s Mat, 19–29; Hansen, “The Taikonaut as Icon.”
(10) Chris Dubbs and Emiline Paat-Dahlstrom, Realizing Tomorrow: The Path to Private Spaceflight (Lincoln: University of Nebraska Press, 2011); Julian Guthrie, How to Make a Spaceship: A Band of Renegades, an Epic Race and the Birth of Private Space Flight (New York: Penguin Press, 2016).
(11) Christian Davenport, The Space Barons: Elon Musk, Jeff Bezos, and the Quest to Colonize the Cosmos (New York: Public Affairs, 2018).
(12) John M. Logsdon, “Encouraging New Space Firms,” and W. Henry Lambright, “NASA, Industry, and the Commercial Crew Development Program: The Politics of Partnership,” respectively, in Launius and McCurdy, NASA Spaceflight, 237–265 and 349–377.
(13) Lambright, “NASA, Industry,” 365–375. (14) Glen R. Asner and Stephen J. Garber, Origins of 21st Century Spaceflight: A History of NASA’s Decadal Planning Team and the Vision for Space Exploration, 1999–2004 (Washington, DC: NASA, 2018).
(14) Glen R. Asner and Stephen J. Garber, Origins of 21st Century Spaceflight: A History of NASA’s Decadal Planning Team and the Vision for Space Exploration, 1999–2004 (Washington, DC: NASA, 2018).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|