مفهوم الانتقال من الكُمُون الحراري إلى الحرارة الكامنة عند العلماء العرب والمسلمون |
988
01:04 صباحاً
التاريخ: 2023-05-03
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-20
753
التاريخ: 18-10-2019
890
التاريخ: 2023-05-25
948
التاريخ: 2023-05-08
897
|
وَرَد في معجم مقاييس اللغة لابن فارس حول مادة (كَمَنَ): «الْكَافُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ أُصَيْلٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَاءِ، يُقَالُ: كَمَنَ الشيءُ كُمُونًا، وَاشْتِقَاقُ الْكَمِينِ فِي الْحَرْبِ مِنْ هَذَا وَزَعَمَ نَاسٌ أَن الناقَةَ الْكَمُونَ الْكَتُومُ اللقَاحِ، وَهِيَ إِذَا لَقِحَتْ لَمْ تَشُلْ بِذَنَبِهَا. وَحُزْنٌ مُكْتَمِنٌ فِي الْقَلْبِ كَأَنهُ مُسْتَخْفٍ وَالْكُمْنَةُ: دَاءٌ فِي الْعَيْنِ مِنْ بَقِيةِ رَمَدٍ.»9
واصطلاحيًّا يُعرِّفُ أبو عبد الله الكاتب الخوارزمي (تُوفِّي 387هـ/997م) في كتابه (مفاتيح العلوم معنى الكُمون فيقول: «الكمون هو استتار الشيء عن الحس كالزبد الذي في اللبن قبل ظهوره، وكالدهن في السمسم.» 10 أما أبو بكر الباقلاني (تُوفّي 402ھ / 1013م) فيقول: «الظهور خروج إلى مكان، والكمون انتقال عنه، وكون في غيره من الأماكن، واستتار ببعض الأجسام.»11
وهكذا نجد أنَّ المعنى اللغوي للكُمون يتطابق عند العرب مع المعنى الاصطلاحي إلى حد كبير؛ إِذْ يقوم مذهب الكمون على الاعتقاد بأن كل شيء يكمن في كل شيء؛ أي إنه كل شيء فيه جزء من كل شيء. وقد اعتقد العلماء العرب والمسلمون المتفقون مع نظرية الكمون بقابلية الجسم للاحتراق لأنَّ الحرارة كامنة فيه.
ويرى الباحث محمد عاطف العراقي بأنَّ القائلين من العرب بمذهب الكمون قد تأثروا بأناكساغوراس الذي قال بأنه لا يُمكن إرجاع الأشياء المُرَكَّبة إلى عناصر بسيطة؛ فمهما بلغت عملية تقسيم الأجسام، حسب النظرية الذرية لديموقريطس Democritus (460؟ ق.م.-370؟ ق.م.)، فإنَّ التقسيم ينتهي دومًا إلى أجزاء متجانسة في الكل: العظمُ في العظمِ واللَّحمُ في اللحمِ. وهكذا، فإنَّ كل قطعة مهما صغُرَت تكون قابلة للتجزئة، وتحوي جميع الأشكال والكيفيات، ولا تختلف عن قطعة أخرى مخالفة لها إلا بالنسب المختلفة التي مُزجَت فيها على وَفْقها. 12 ويعتبر العراقي بأنَّ مذهب الكمون «يُنسب في الإسلام إلى إبراهيم بن سيار النظام المتكلم المعتزلي الذي جعل من مسألة الكمون النقطة الرئيسة لمذهبه في المباحث الطبيعية.» 13 معتمدًا في قوله هذا على ما طرحه معارضو النَّظَّام؛ عبد القاهر بن طاهر البغدادي (تُوفّي 429هـ/1037م) في كتابه (الفرق بين الفرق)، 14 وأبو الفتح الشهرستاني (تُوفّي 548هـ /1153م) في كتابه (الملل والنحل).15
لكننا لا نتفق معه في هذا النسب؛ فقد وجدنا أنَّ جابر بن حيان، الذي تُوفّي قبل النظام بنحو ثلاثين سنة، قد تَكَلَّم في هذا المذهب، ويذكر جابر أنَّ المذهب كان شائعًا ومنتشرا في عصره، ولكن رُبَّما النظام كان أكثر من جَادَل فيه، وقَدَّم أمثلة توضيحية موسعة من الطبيعة عليه؛ وبالتالي ظهر له مؤيدون ومعارضون، خصوصًا وأن سَبَق للنَّظام وأن أثار مسألة الطفرة في الحركة (أي الوثب مع الارتفاع)، والتي قسمت العلماء والفلاسفة أيضًا إلى فريقين متفقين معه ومخالفين له. والجيد في الأمر هو ظهور حركة النقد العربي لهذا المذهب، سواء كان مصدره النظام أم اليونانيين وعدم قبوله على علاته.
باستثناء جابر بن حيان، فقد كان عدد المعارضين والمنتقدين لنظرية الكمون الحراري التي أشاعها إبراهيم النَّظَّام في مذهبه ثمانية أشخاص، أما الذين وافقوه فكان عددهم ثلاثة أشخاص فقط، وهذا يعني أنَّ الغالبية العظمى من العلماء العرب والمسلمين كانت ترفضها وتنتقدها وتُحاول أن تقدّم التفسير البديل لها، وبالتالي البديل على الفكر اليوناني.
_______________________________________________
هوامش
9- ابن فارس، أحمد بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين، معجم مقاييس اللغة، ج5، تحقيق: عبد السلام محمد هارون دار الفكر، بيروت 1979م، ص 136.
10- الخوارزمي، مفاتيح العلوم، ص 167.
11- الباقلاني، كتاب التمهيد، ص 69.
12- العراقي، محمد عاطف، الفلسفة الطبيعية عند ابن سينا، ط 2، دار المعارف، القاهرة، 1983م، هامش ص 380.
13- الموسوعة الفلسفية العربية، رئيس التحرير معن زيادة ط 1، ج 1، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1986م، ص 699.
14- البغدادي، عبد القاهر الفرق بين الفِرَق وبيان الفِرْقة الناجية، ط 2، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1977م، ص 139.
15- الشهرستاني، أبو الفتح الملل والنحل، ج 1، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر، القاهرة، ص 56.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|