المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



تحديد غرائز الشاب  
  
1123   10:45 صباحاً   التاريخ: 2023-04-18
المؤلف : الشيخ محمد تقي فلسفي
الكتاب أو المصدر : الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة : ج1 ص318 ــ 323
القسم : الاسرة و المجتمع / المراهقة والشباب /

قال تبارك وتعالى في محكم كتابه: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37].

أحد أركان التمدن :

إن تعديل الميول النفسية وترويض الغرائز هما من الأركان الرئيسية للتمدن ، والشروط الأساسية لسعادة الإنسان وهنائه ، وهذا ما أجمعت عليه كل الأديان السماوية وكافة العلماء والمفكرين.

فالإنسان الذي يود أن يكون إنساناً حقيقياً على الصعيد المعنوي ، ويبلغ الكمال الحقيقي في ظل التعاليم الإلهية السمحاء، وأن يعيش حياة هانئة متمتعاً بكل الصفات الأخلاقية والإنسانية، ينبغي على مثل هذا الإنسان أن يسعى إلى تحديد غرائزه وأهوائه النفسية بالمقدار الصحيح ، والحيلولة دون تمردها وإفراطها، لأن الانجرار دون وعي وراء هوى النفس، يجرد الإنسان من إنسانيته، ويرمي به إلى مستنقع الرذيلة والفجور .

سبب الضياع والانحراف:

كان ابو عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: لا تدع النفس وهواها فإن هواها رداها(1).

وبغض النظر عن البعد المعنوي والإيماني، يتوجب على المرء تحديد غرائزه وشهواته النفسية إذا ما أراد أن يكون إنساناً متمدناً يتمتع بكل مظاهر المدنية، وأن يكون فرداً من أفراد المجتمع من الناحية المادية.

«يتجه الكثير من الناس إلى معارضة المدنية لأنها تحد من عمل غرائزهم، ويجب الالتفات إلى أن هذه المعارضة مرفوضة بتاتاً، لأن مسألة تحديد الغرائز هي من المسائل الضرورية جدً من الناحية الفنية التي تعتمدها المدنية لبلوغ أهدافها ومراميها.

إذن ، فالإنسان الذي يتوقع أن ينعم بالأمن والاستقرار في ظل المدنية دون أن يفرط بحريته الشخصية ، يكون توقعه أجوف، لأنه إذا ما أراد أن يعيش في مجتمعه عليه أن يصرف النظر عن حريته الطبيعية التي كان يتمتع بها قبل نشوء المدنية».

وجهان متضاربان:

«إن الرغبة في الرجوع إلى الوضع السابق ، لإطلاق الغرائز ومنحها حريتها ، خطأ كبير، لأن توقع العيش وسط مجتمع متمدن مع الحفاظ على الحرية الشخصية الكاملة ، يشكلان وجهين متضاربين، ويؤديان إلى سلب الآخرين حريتهم».

«إن الحد من الاعتداءات والتجاوزات يعتبر ضرورة اجتماعية ، وواضح جداً أن الإنسان الذي يسمح لدوافع العدوان أن تتفاعل في نفسه بشكل غريزي (كحب القتل أو الاعتداء الجنسي) ، لا يمكنه أن يقيم أية علاقة اجتماعية)).

ضرورة تحديد الغرائز:

وباختصار نقول: إن جميع العلماء وكافة المؤسسات العلمية في العالم يلتقون في آرائهم عند ضرورة تحديد الغرائز وتعديل الميول النفسية في حياة الإنسان. فالإنسان مضطر للحد من حرية ميوله النفسية وإرضاء غرائزه وفق معيار سليم، وذلك تحقيقاً لسعادته في الحياة، أو على الأقل تأميناً لحياة مدنية سالمة.

وهنا ربما يتساءل البعض، كيف يمكن كبح الشهوات والغرائز الجامحة للإنسان؟، وبأية وسيلة يمكن تحذير الإنسان من مخاطر طغيان الرغبات والأهواء النفسية؟، وما هي القدرة التي يمكنها أن تضمن مسألة تعديل الميول النفسية للإنسان؟.

إن من أهم العوامل المؤثرة في تعديل الرغبات والميول النفسية، وكبح غرائز الإنسان، العقل.

العقل وقياس الشهوات :

إن العقل باستطاعته وفق حسابات دقيقة تحديد حرية الإنسان، وتحديد كل ما هو مباح وغير مباح له في مسيرته الحياتية، وكذلك يستطيع العقل قياس شهوات الإنسان ورغباته، وتوفير الأرضية المناسبة لتعديلها، والعقل قادر أيضاً على هداية غرائز الإنسان إلى سبيل الخير والصلاح، ومنعها من التمرد والطغيان، وهو بالتالي الهادي إلى الفلاح والرشاد.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : فكرك يهديك إلى الرشاد(2). 

طغيان الغرائز:

إن المشكلة الأساس التي تعترض العقل في مسيرته لهداية الإنسان، هي قوة الشهوات والدوافع الغريزية في أعماق الإنسان، فعندما تهيج هذه الشهوات والغرائز، ويستولي الغضب على الإنسان، يضعف نور العقل ويخفت، ويفقد العقل قدرة المقاومة أمام هذا السيل العارم من الشهوات والنزوات التي تتغلب على الإنسان وتتملك كل كيانه وأحاسيسه، وتدفعه بجنون إلى ارتكاب الموبقات.

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام) : الغضب يفسد الألباب ويبعد عن الصواب(3).

عجز العقل:

وعنه (عليه السلام) أنه قال: أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع(4).

ونستشف مما ورد أن للعقل دوراً مؤثراً في الحالات الطبيعية في كبح الغرائز وتعديل الميول النفسية، وهو قادر على تحديد حرية الإنسان وفق إطارها الصحيح، ولكنه في حالات هياج الأحاسيس وطغيان الغرائز يصبح عاجزاً تماماً عن تسكين فورة هذه الأحاسيس والغرائز.

العلم شعلة منيرة :

من العوامل الاخرى القادرة على تعديل الميول النفسية وكبح الغرائز في أعماق الإنسان، هو العلم. فالعلم هو كالشعلة المنيرة التي تنير للإنسان دربه المظلم في الحياة، لتصونه من الانزلاق في متاهات الحياة. ومما لاشك فيه أن للعلم دوراً مؤثراً جداً في تنمية طاقات الإنسان واستعداداته ، وهو قادر على تحديد غرائز الإنسان ، ولفت انتباهه لصلاح نفسه ، ومنعه من الإتيان بما تمليه عليه أهواؤه النفسية.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): كلما زاد علم الرجل زاد عنايته بنفسه وبذل في رياضتها وصلاحها جهده(5).

العلم والأحاسيس:

يتساوى العلم رغم كل ما يحمله من آثار عظيمة مع العقل في مواجهة فورة الأحاسيس، ويفقد مقاومته أمام هياج الغرائز. فالدراسات العليا لا يمكنها أن تصون الإنسان من الحرص والجشع والغرور والتكبر وحب الجاه، ولا يمكنها أن تكبح شهوته وتهدئ غضبه ، أو أن تجعله إنساناً محباً للتضحية والإيثار.

التراجع عن النظرية العلمية :

لو تفحصنا تاريخ العلم والعلوم قليلا ، لرأينا كيف أن العالم المشهور غاليلو الذي تعرض لانتقادات وضغوط شديدة ووجهت إليه دعوة للمثول أمام مجلس الكنائس للتحقيق في النظريات ، بسبب نظريته حول حركة الأرض ، كيف تراجع عن نظريته وأعلن عن توبته لينقذ نفسه من التهلكة إرضاء لغريزة حب الذات.

«كان مكتب الأب المقدس منهمكاً في إعداد الحكم ، وفي العشرين من حزيران عام 1633 اقتيد غاليلو إلى المكتب واجبر في الثاني والعشرين منه في نفس العام على توقيع اعتراف أعد مسبقاً جاء فيه : إنني غاليلو البالغ من العمر 70 عاماً ، أقسم أمامكم أيها الحضرات بهذا الكتاب المقدس على أنني أنفي ما ورد في ادعائي حول حركة الأرض نفيا قاطعا ، وأرفض هذه النظرية رفضاً لا رجعة فيه))(6).

______________________________

(1) الكافي ج2 ، ص 336.

(2و3و4) غرر الحكم، ص 516 و49 و 15.

(5) مستدرك الوسائل ج 2 ، ص 310 .

(6) تاريخ العلوم، ص193. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.