إنَّ العهد الذي يستطيع الإنسان أن يلتزم به مع الله سبحانه وتعالى لا يقتصر على أعمال خاصّة، بل شامل لمطلق أفعال الخير. فباستطاعة الإنسان التعاهد الله في إنجاز الأعمال المستحبّة تارة، كما في "رسالة العهد" التي كتبها بعض العظماء حيث تعهّدوا فيها بكيفيّة معيشتهم (1)؛ بغض النظر عما ذكروه من بعض المسائل العبادية الخاصة كتلاوة القرآن، وقيام الليل، ونوافلهم بصيغة العهد أيضاً، وباستطاعته أيضاً إبرام العهد من أجل تأكيد الواجبات تارة أخرى، كأن يأتي بصلاته الواجبة في أول الوقت أو جماعة مثلاً، أو الحضور في صلاة الجمعة لأن هذه الأمور هي من سنخ انتخاب أفضل الأفراد الواجبة، وليست من صنف المستحب؛ لأن الصلاة لأول وقتها هي غير النافلة؛ إذ أن إحداهما الفرد الأفضل من الواجب حيث يكون تركه من دون بدل حراماً، والأخرى هي مستحبّة وتركها من دون بدل جائز.

على أي تقدير فإن غاية تنزل لطف الله ورحمته هي في أن يستطيع العبد عقد ميثاق ومعاهدة ثنائية معه سبحانه.

تنويه:

أ- للعهد رواج بين طيات الكتابين المقدّسين لليهود والنصارى، ولعلّ هذا هو السبب الذي من أجله سُمّي كل من هذين الكتابين بـ "كتاب العهد" وعُرفت التوراة والإنجيل باسم "العهدين". بالطبع إن العهد المهم - الذي هو واسطة العقد بالنسبة للعهود الأخرى، وبيت القصيد مقارنة بغيره من العقود - هو العهد بقبول رسالة النبي محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله) رسول الله الخاتم.

ب- عهد الإنسان مع الله هو من سنخ التكليف الاعتباري والتشريع، لكن عهد الله مع الإنسان هو من صنف الحقيقة والتكوين. من هنا فإن نطاق وفاء الإنسان بالعهد يمتد إلى زمان الموت، حيث تنقطع ربقة التكليف من بعده، ولا يعود هناك كلام عن الوفاء بالعهد، إلا أن وفاء الله بعهده يبقى مستمراً؛ وذلك لأن الآخرة - كما هو حال الدنيا - هي ظرف الإفاضة وحيّز الإفازة الإلهيتين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كرسالة العهد للشيخ الرئيس ابن سينا.