أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-09-2015
1595
التاريخ: 24-09-2015
1531
التاريخ: 25-03-2015
3375
التاريخ: 25-09-2015
9633
|
وهو
أن يأتي الشاعر ببيت يسوغ أن يقفي بقواف شتى، فيتخير منها قافية مرجحة على سائرها
بالدليل، تدل بتخيرها على حسن اختياره، كقول الشاعر [بسيط]:
إن
الغريب الطويل الذيل ممتهن ... فكيف حال غريب
ما له قوت
فإنه
يسوغ أن يقول: فكيف حال غريب ما له حال أي ما له مال، ما له نشب، ما له سبب، ما له
صفد، ما له سبب، ما له خطر، ما له أحد، ما وجد، ما له شيع، وإذا نظرت إلى قوله: ما
له قوت وجدتها أبلغ من الجميع، وأدل على الفاقة، وأمس بذكر الحاجة، وأبين للضرورة،
وأشجى للقلوب، وأدعى للاستعطاف، فلذلك رجحت على كل ما ذكرناه ومن هذا النوع في
الكتاب العزيز قوله تعالى في أول الجاثية: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ
لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ
دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فالبلاغة تقتضي أن
تكون فاصلة الآية الأولى: المؤمنين، لأنه سبحانه ذكر العالم بجملته، حيث قال: (السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ)، ومعرفة ما في العالم من الآيات دالة على صفاته لتقدم الموصوف وجوداً
واعتقاداً على الصفات وكذلك قوله في الدالة على أن المخترع له قادر عليم حكيم وإن
دل على وجود صانع مختار فدلالتها على صفاته مرتبة على دلالتها على ذاته، فلا بد
أولاً من التصديق بذاته حتى تكون هذه الآيات دالة الثانية: لقوم يوقنون، فإن نفس
الإنسان وتدبر خلق الحيوان، أقرب إليه من الأول، وتفكره في ذلك مما يزيده يقينا في
معتقده الأول، وكذلك معرفة جزئيات العالم من اختلاف الليل والنهار، وإنزال الرزق
من السماء، وإحياء الأرض بعد موتها، وتصريف الرياح، تقتضي رجاحة العقل ورصانته،
ليعلم أن من صنع هذه الجزئيات هو الذي صنع العالم الكلي التي هي أحسن منه، وعوارض
عنه، ولا يجوز أن يكون بعضها صنع بعضا بعد قيام البرهان على أن للعالم الكلي
صانعاً مختاراً، فلذلك اقتضت البلاغة أن تكون فاصلة الآية الثالثة لقوم يعقلون وأن
احتيج للعقل في الجميع، إلا أن ذكره هاهنا أمس بالمعنى من الأول، إذ بعض من يعتقد
صانعاً للعالم ربما قال: إن بعض هذه الآثار يصنع بعضا، فلا بد إذاً من التدبر
بدقيق الفكر وراجح العقل ، ومنه قوله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا
تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) ولا
يجوز التبديل بينهما، إذ لا يجوز النهي عن انتهار اليتيم لمكان تأديبه، وإنما ينهى
عن قهره وغلبته، كما لا يجوز أن ينهر السائل إذا حرم، وليرد رداً جميلاً، ومن ذلك
قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ
عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فإن
قوله تعالى: (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) ربما أوهم بعض الضعفاء أن الفاصلة لو كانت (غَفُورًا
رَحِيمًا) كانت أنسب لمكان (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ)
ويذهل عن كونهم يستحقون العذاب دون الغفران، وإن قوله: (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
بعد قوله: (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ) أنسب، لأن من يغفر لمن يستحق العذاب إنما
يكون من لا فوقه أحد يرد عليه حكمه، ومن كان كذلك كان عزيزاً ممتنعاً من الرد
عليه، ومن كان حكيماً وضع الشيء في موضعه، وإن كان ظاهر فعله موهماً بأنه على خلاف
الحكم، لخفاء وجه الحكمة بمكنون الغيب عن المخلوق القائم عن إدراك أسرار الربوبية.
ومن
التخيير ضرب غير هذا، وهو أن يؤتى بقطعة من الكلام أو بيت من الشعر قد عطف بعض
جمله على بعض بأداة التخيير كقوله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ
أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) وكقول الشاعر: [بسيط]
خلوا
التفاخر أو حلوا اليفاع إذا ... ما أسنت الناس أو لبوا
الصريخ ضحى
ولا
يكون هذا الضرب من المحاسن حتى تكون الجمل المعطوف بعضها على بعض متضمنه صحة
التقسيم كما جاء في الآية الكريمة، إذ حصر سبحانه وتعالى فيها أنواع الكفارة التي
لا يجزئ الموسر غيرها، كما جاء في البيت من حصر أعظم الأسباب التي نفاخر بمثلها،
وهي نهاية الكرم، وغاية الشجاعة إذا لا يحل بالمكان المرتفع من الأرض في المجاعة
ليدل على بيته إلا الجواد المؤثر، كما قال شاعر الحماسة [وافر]:
له
نار تشب على يفاع ... إذا النيران ألبست القناعا
ولم
يك أكثر الفتيان مالاً ... ولكن كان
أرحبهم ذراعا
كما
أنه لا يبادر إلى تلبية الصريخ عند الضحى، وهو وقت الغارات إلا أشجع القوم، ومن
هذا القسم من التخيير قوله سبحانه وتعالى: (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي
صُدُورِكُمْ) فانظر إلى حسن هذا التخيير وصحة الترتيب في الانتقال من الأدنى إلى
الأعلى حتى بلغ النهاية في أوجز إشارة بقوله سبحانه بعد الانتقال من الحجارة إلى
الحديد الذي هو أصلب منها: (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) غير
حاصر لهم في صنف من الأصناف.
والفرق
بين التخيير بأو وحسن النسق من وجهين: أحدهما أن حسن النسق يكون بجميع حروف العطف
وغالباً ما تقع الواو، وربما وقع منه شيء بالفاء للتعاقب، أو بثم للمهلة والتراخي،
ووقوعه بالواو أكثر، والتخيير لا يكون إلا بأو التي هي للتخيير خاصة.
والثاني
أن التخيير يشترط فيه صحة التقسيم، ولا كذلك حسن النسق، والفرق بين تخيير مقطع
الكلام دون كل مقطع يسد مسده وبين التسهيم أن صدر كلام التخير لا يدل إلا على
المقطع فقط، وصدر كلام التسهيم يدل على ما زاد على المقطع، إلى أن يبلغ عجز البيت،
والفرق بين التخير والتوشيح التوطئة بتقديم لفظة القافية في أول البيت من التوشيح،
ولا كذلك التخيير، والله أعلم.