أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-14
1009
التاريخ: 10-2-2022
1957
التاريخ: 7-2-2022
1459
التاريخ: 17-9-2020
1261
|
عرفت الظواهر الكهربائية منذ آلاف السنين، غير أن أسرار إبرة البوصلة المغناطيسية ووميض البرق، وطبيعة الكهرباء ظلت دون تفسير حتى انقضاء سنوات عديدة من القرن التاسع عشر. لخص الموقف قرب نهاية ذاك القرن في كتاب «أسئلة وأجوبة في العلوم» في عام 1898 وردا على سؤال «ما الكهرباء؟» يجيب الكاتب بأسلوب العصر الفيكتوري الميلودرامي قائلاً إن «الكهرباء سائل يستحيل قياسه بدقة، وطبيعته لغز للإنسان». يا له من فارق ذلك الذي تصنعه مائة عام إن الاتصالات الإلكترونية الحديثة والصناعات كافة هي نتاج اكتشاف طومسون للإلكترون عام 1897، الذي أجاب عن السؤال المطروح سابقًا قبل نشر ذلك الكتاب بعام كامل. لكم تنتقل الأخبار على نحو أسرع هذه الأيام.
تتدفق الإلكترونات عبر الأسلاك في صورة تيارات، وهي تشغل المجتمع الصناعي، وتنتقل عبر متاهات جهازنا المركزي العصبي وتحفظ وعينا، وتعد مكونات أساسية في ذرات المادة، وعلى حركتها من ذرة إلى أخرى تقوم الكيمياء والبيولوجيا والحياة. الإلكترون جسيم أساسي للمادة بجميع صورها، وهو أخف الجسيمات ذات الشحنة الكهربائية، وهو مستقر، وموجود في كل مكان تتحدد أشكال كل البنى الصلبة من خلال الإلكترونات الدائرة في المحيط الخارجي للذرات. توجد الإلكترونات في كل شيء، لذا من قبيل المفارقة أن جاء اكتشاف هذا المكون الأساسي للمادة ثمرة للقدرة التي طورت في القرن التاسع عشر بغية التخلص من المادة، لصنع الفراغ.
لزمن طويل كان هناك وعي متنام بأن المادة لها خصائص غامضة، مع أن هذا الوعي لم يتطرق في البداية إلى مسألة الفراغ مباشرة. وكان الإغريق القدامى على دراية بالفعل ببعض من هذه الخصائص، مثل قدرة الكهرمان (الإلكترون هو الكلمة اليونانية للكهرمان) على جذب والتقاط قصاصات الورق عند حكه بالفرو. في صورة أحدث لهذه التجربة، صفف شعرك بسرعة بمشط، وإذا كان اليوم جافًا يمكنك أن تتسبب في تطاير بعض الشرر. يتمتع أيضًا الزجاج والأحجار الكريمة بهذه الخاصية السحرية المتمثلة في التعلق بالأشياء بعد الاحتكاك بحلول العصور الوسطى عرف البلاط الملكي في أوروبا أن العديد من المواد تتشارك هذا الجذب الغريب بعد الاحتكاك فحسب. وهذا بدوره أدى بويليام جيلبرت، طبيب البلاط الخاص بالملكة إليزابيث الأولى، أن يقترح أن المادة تحتوي على قدرة كهربية وأن الكهرباء هي (سائل يستحيل قياسه) يمكنه أن ينتقل من مادة إلى أخرى بالاحتكاك. أما عن اكتساب أو فقدان هذه القدرة الكهربية فهو يرتبط بكون الجسم «مشحونا» بشحنة موجبة أو سالبة.
في أمريكا استهوت الظواهر الكهربية، لا سيما البرق بنجامين فرانكلين، الذي استقطع لها بعضًا من الوقت المخصص لصياغة دستور ما أصبح فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية السحابة الرعدية هي مولد إلكتروستاتيكي طبيعي قادر على خلق ملايين الفولتات والشرارات القاتلة أدرك فرانكلين أن الأجساد تحتوي على قوة كهربية خفية يمكن نقلها من جسد لآخر. لكن لم يعرف أحد ان هو هذا السائل الذي يستحيل قياسه.
ندرك اليوم أنه بفضل الإلكترونات - التي تسهم بأقل من جزء على الألفين من كتلة الذرة العادية، ومن ثم نسبة ضئيلة منها فقط هي التي تشترك في التيار الكهربائي - يكون التغيير الحادث في كتلة الجسم عندما يُشحن كهربائيا ضئيلا للغاية، لدرجة لا يمكن رصدها. كيف يمكن إذن عزل هذا السائل الذي يستحيل قياسه، وتصنيفه، ودراسته؟
تتدفق الكهرباء عادة عبر الأشياء، كالأسلاك، ولما كان مستحيلا أن ننظر داخل الأسلاك، تولدت فكرة التخلص من الأسلاك والنظر إلى الشرر الكهربي. أظهر البرق أن التيار الكهربائي يمكنه أن ينتقل عبر الهواء، ومن هنا جاءت فكرة أن تدفق التيار الكهربائي يمكن أن ينكشف في الهواء الطلق، بعيدًا عن الأسلاك المعدنية التي عادة ما توصله وتخفيه.
لذا شرع العلماء في توليد الشرر في الغازات الموجودة داخل أنابيب زجاجية. نقل الهواء في الضغط الجوي العادي التيار الكهربائي، لكنه حجب تدفق الإلكترونات. وبالتخلص التدريجي من الغاز كان من المرجو أن يتبقى التيار الكهربائي وحده في آخر المطاف. وفي أعقاب الثورة الصناعية وتطوير مضخات تفريغ أفضل ظهرت أطياف غريبة، عندما كهرب العلماء الغاز الرقيق في أنابيب التفريغ. وهكذا أفصحت الكهرباء عن أسرارها شيئًا فشيئًا. أنتج التيار عند واحد على خمسة عشر من الضغط الجوي سحبا مضيئة تطفو في الهواء مما أقنع الفيزيائي الإنجليزي ويليام كروكس أنه كان ينتج الإكتوبلازم، المادة التي كانت تحبذها بشدة جلسات استحضار الأرواح في العصر الفيكتوري، وعليه تحوّل إلى تحضير الأرواح.
اعتمدت ألوان الأضواء في هذه الأطياف الخافتة على نوع الغاز، مثل الضوء الأصفر للصوديوم والأخضر للزئبق في الإضاءات المألوفة الحديثة. تنتج هذه الأطياف عندما يصطدم تيار الإلكترونات بذرات الغاز محررًا الطاقة منها على صورة ضوء. ومع انخفاض ضغط الغاز أكثر اختفت الأضواء أخيرًا، غير أنه تكون لون أخضر زاهٍ خافت على السطح الزجاجي قرب مصدر التيار. وفي عام 1869 جرى التوصل إلى اكتشاف هام مفاده أن الأشياء الموجودة داخل الأنبوب تلقي ظلالاً ذات وهج أخضر داخل الأنبوب، مما يثبت أن هناك أشعة متحركة تنبعث من مصدر التيار الكهربائي وترتطم بالزجاج إلا عندما تعترض الأشياء طريقها. اكتشف كروكس أن المغناطيس من شأنه أن يحرف الأشعة، مما يثبت أن المغناطيس يحمل شحنة كهربية، وفي عام 1897 استطاع جيه جيه طومسون باستخدام كلتا القوتين المغناطيسية والكهربائية (عن طريق توصيل طرفي بطارية بلوحين معدنيين داخل الأنبوب) أن يحرك الشعاع (وهذا هو النموذج البدائي لجهاز التليفزيون). وبتعديل القوى المغناطيسية والكهربائية استطاع أن يتوصل إلى خصائص مكونات التيار الكهربائي. ومن ثم اكتشف الإلكترون ذا الكتلة الضئيلة حتى إذا قورنت بكتلة ذرة الهيدروجين أخف عنصر. وبفضل عمومية نتائجه، التي لم تتغير مع تغير الغاز المتبقي في الأنبوب أو الأسلاك المعدنية التي توصل التيار الكهربائي إلى أنبوب التفريغ، استنتج أن الإلكترونات هي مكونات مشحونة كهربيًّا موجودة في كل الذرات.
وما إن عُرف أن الإلكترونات أخف ألفي مرة على الأقل من أصغر الذرات، حتى فهم العلماء لغز تدفق الكهرباء بسلاسة عبر الأسلاك النحاسية أطاح وجود الإلكترون للأبد بالتصور العتيق عن الذرات باعتبارها أصغر الجسيمات، وأماط اللثام عن التركيب الداخلي المعقد للذرة، حيث تحوم الإلكترونات حول نواة مضغوطة مركزية.
قذف فيليب لينارد الذرات بأشعة من الإلكترونات ووجد أن الإلكترونات اخترقتها كما لو لم يكن يعترض طريقها شيء. لخص لينارد هذا الموقف الذي يكاد يكون متناقضا - تبدو المادة صلبة وفي الوقت نفسه شفافة على المقياس الذري - بقوله إن «المساحة. التي يشغلها متر مكعب من البلاتين الصلب هي فارغة بقدر فراغ الفضاء النجمي خارج كوكب الأرض».
انظر إلى النقطة الموضوعة بنهاية هذه الجملة. يحتوي حبرها على نحو مائة مليار ذرة من الكربون، ولكي ترى ذرة واحدة منها بالعين المجردة لا بد أن تكبر النقطة حتى يصل قطرها إلى 100 متر. ومع أن هذا التكبير هائل فإنه يظل بالإمكان تخيله. لكن لكي ترى نواة الذرة، لا بد أن تكبر النقطة حتى يصل قطرها إلى 10 آلاف كيلومتر؛ أي ما يعادل المسافة بين قطبي كوكب الأرض.
يمكن أن تقدم ذرة الهيدروجين أبسط الذرات تصورًا عن المقاييس والفراغ الموجود بالذرة. فالنواة المركزية جسيم واحد موجب الشحنة يُعرف بالبروتون، وما يحدد الإطار الخارجي للذرة هو مدار الإلكترون البعيد عن البروتون المركزي بالانتقال بعيدًا عن مركز الذرة، حين نصل إلى حافة البروتون نكون قد قطعنا واحدًا على العشرة آلاف من الرحلة. في آخر المطاف نصل إلى الإلكترون البعيد الذي يكون ضئيل الحجم أيضًا، إذ لا يتجاوز حجمه واحدًا على الألف من حجم البروتون، أو واحدًا على عشرة ملايين من حجم الذرة. وهكذا، بوصولنا إلى الفراغ شبه التام الذي أفضى بدوره إلى اكتشاف أن المادة الذرية تحوي إلكترونات، يبدو أننا عدنا إلى نقطة البداية باكتشاف أن الذرة فراغ شبه تام إذ إن 99.99999999 في المائة منها فراغ. ومن ثم، تكاد مقارنة لينارد لا تفي فراغ الذرة حق قدره؛ فكثافة ذرات الهيدروجين في الفضاء الخارجي هائلة مقارنة بكثافة المادة الجسيمية داخل كل ذرة من تلك الذرات!
نواة الذرة هي أيضًا شيء هش سريع الزوال. كبر النيوترون أو البروتون ألف مرة وسوف تجد أنهما أيضًا يتمتعان بتركيب داخلي غني. ومثل سرب النحل الذي يُرى من بعيد على أنه بقعة سوداء في حين أن النظر إليه عن كثب يكشف ما يتمتع به من طاقة صاخبة، هكذا الحال مع النيوترون والبروتون أيضًا. يبدو هذان الجسيمان من بعد كبقعتين بسيطتين، لكن عند النظر إليهما في ظل درجة وضوح عالية يتبين أنهما يتألفان من عناقيد من الجسيمات الأصغر التي تُسمى الكواركات. اضطررنا أن نكبر النقطة حتى قطر 100 متر كي نرى الذرة، وحتى قطر كوكب الأرض كي نرى النواة ولنرى الكوارك لا بد أن نكبر النقطة حتى القمر، ثم نستمر في التكبير لضعف هذه المسافة عشرين مرة. الكوارك صغير مقارنة بالبروتون أو النيوترون بقدر ما يكونان هما مقارنة بالذرة. وما بين النواة المضغوطة المركزية والإلكترونات التي تدور حولها عن بعد، تعد الذرات خاوية بشكل شبه تام من المنظور الجسيمي، ويُمكن أن يُقال نفس الشيء عن الأجزاء الداخلية للنويات الذرية خلاصة القول التركيب الأساسي للذرة يتجاوز حدود التصور الواقعي، وفراغها عميق.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|