أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-15
1390
التاريخ: 31-12-2020
1153
التاريخ: 2023-09-20
947
التاريخ: 12-1-2023
1459
|
كان بور صاحب عبقرية فذة وهو ما كان مطلوبا بالضبط لإحراز التقدم في الفيزياء الذرية على مدى السنوات العشر إلى السنوات الخمس عشرة التالية. لم يكن بور يهتم بشرح كل التفاصيل في نظرية واحدة ِ مكتملة، لكنه كان على استعداد تام للتوفيق بين الأفكار المختلفة لوضع «نموذج» تخيلي يتفق ولو على نحو تقريبي مع مشاهدات الذرات الحقيقية. وبمجرد أن تكونت لديه فكرة تقريبية عما يجري، استطاع التلاعب بها بتركيب الأجزاء معا على نحو أفضل، والعمل بذلك على إعطاءِ صورة أكثر اكتمالا. وعليه، فقد تناول بور صورة الذرة على أنها مجموعة شمسية مصغرة، تتحرك فيها الإلكترونات في مدارات تبعا للقوانين الكلاسيكية للميكانيكا والكهرومغناطيسية، وقال إن الإلكترونات َ لا يمكنها أن تغادر ِ تلك المدارات إلى الداخل، بما يجعلها تطلق إشعاعا أثناء ذلك؛ لأنه مسموح لها فقط بإطلاق أجزاء كاملة من الطاقة — كموم كاملة — وليس إشعاعا متصلا ِ كما تستوجب النظرية الكلاسيكية. ويقابل المدارات ٌ «المستقرة» للإلكترونات كميات ثابتة معينة من الطاقة، كل منها هو أحد مضاعفات كم أساسي، ولا توجد مدارات بينية؛ لأنها بذلك ستتطلب كميات كسرية من الطاقة. واسترسالا مع تشبيه المجموعة الشمسية، فإن ِ ذلك مثل القول بأن مدار الأرض حول الشمس مستقر وكذلك مدار المريخ، وأنه لا يوجد مدار آخر مستقر في أي موضوع بينهما.
لم يكن ما فعله بور يصلُح للتنفيذ. تقوم فكرةُ المدار بأكملها على الفيزياء الكلاسيكية، أما فكرة حالات الإلكترون التي تقابل كميات محددة من الطاقة — مستويات الطاقة، كما أصبحت تُسمى — فتأتي من نظرية الكم. ولم يكن لنموذج الذرة، الذي يجمع بين أجزاء من النظرية الكلاسيكية وأجزاءٍ من نظرية الكم، أن يقدم منظورا حقيقيا عما يجعل الذرات تؤدي عملها جيدا، لكنه في الواقع قدم لبور نموذجا عمليا بما يكفي للمضي قدما. وقد اتضح فيما بعد أن النموذج الذي قدمه كان يجانبه الصواب من كل النواحي تقريبًا، بيد أنه قدم نموذجا انتقاليا لوضع نظرية َ الكم ِ الحقيقية عن الذرة؛ ومن ثم كان نموذجا انتقاليا فائق القيمة. ولسوء الحظ، ظل هذا النموذج متداولا ليس فقط في الإصدارات العلمية المبسطة ولكن أيضا في كثير من الكتب المدرسية والجامعية، وذلك بسبب مزِجه الرائع والبسيط بين أفكار الكم والأفكار الكلاسيكية، وبسبب التشبيه الجذاب للذرة على أنها مجموعةٌ شمسيةٌ مصغرة. وإذا كنت قد درست أي شيء عن الذرة في مرحلة الدراسة، فإنني على يقين من دراستك لنموذج بور، سواء أكان ذلك تحت هذا الاسم أم لا. ولن أطلب منك إغفال كل ما عرفته، لكن عليك أن تهيئ نفسك للاقتناع بأن ذلك لم يكن َ الحقيقة الكاملة. وينبغي أن تحاول طرح ِ فكرة أن الإلكترونات «كواكب» صغرية تدور حول النواة من ذهنك؛ فقد كانت هذه هي فكرةَ بور في البداية، لكنها في الواقع فكرةٌ مضللة. فالإلكترون ببساطة هو شيء ما يقبع خارج النواة ويمتلك كميةً معيَّنةً من الطاقة وبعض الخصائص الأخرى. ويتحرك بطريقة غامضة كما سنرى.
كان النجاح الباهر الذي حققته أبحاث بور في وقت مبكر، سنة ١٩١٣، يرجع إلى تفسيره الموفق لطيف الضوء المنبعث من الهيدروجين، وهي أبسط الذرات. ِيرجع علم التحليل الطيفي إلى السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، عندما اكتشف ويليام ولاستون خطوطا معتمة في طيف الضوء المنبعث من الشمس، غير أن اكتشافه هذا لم يتبلور إلا مع أبحاث بور فقط ليصبح أداة قائمة بذاتها لسبرِ أغوار تركيب الذرة. وعلى غرار ما فعله بور من مزج ِ بين النظرية الكلاسيكية ونظرية الكم لإحراز التقدم الذي بلغه، علينا أن نَرجع خطوة إلى الوراء انطلاقا من أفكار أينشتاين حول الكموم الضوئية لفهم فكرة علم التحليل الطيفي وآلية عمله. ومن غير المنطقي في هذا النوع من الأبحاث أن نفكر في الضوء إلا على أنه موجات كهرومغناطيسية. (2)
يتكون الضوء الأبيض، كما أثبت نيوتن، من كل ألوان قوس قزح وهي الطيف ويقابل كل لون طول موجي مختلف للضوء، وباستخدام منشور زجاجي لتحليل الضوء الأبيض إلى الألوان المكونة له نكون في الواقع بصدد تحليل الطيف بحيث تصطف الموجات ذات الترددات المختلفة بعضها بجوار بعض على شاشة أو لوح فوتوغرافي. يقع كل من الضوء الأزرق والضوء البنفسجي، وكلاهما ذو طول موجي ِ قصير، على أحد طرفي الطيف الضوئي، ويقع الضوء الأحمر ذو الطول الموجي الطويل على الطرف الآخر، إلا أن الطيف يمتد على كلا الطرفين إلى ما أبعد من نطاق الألوان المرئية لعيوننا. وإذا حللنا ضوء الشمس بهذه الطريقة فسيتميز الطيف الناتج بوجود خطوط معتمة وواضحة للغاية في مواضع محددة بدقة في هذا الطيف، وهذه الخطوط تقابل ترددات محددةً بدقَة. ودون الإلمام بكيفية تكون هذه الخطوط، أثبت باحثون — من أمثال جوزيف فراونهوفر، وروبرت بنزن (الذي خلد اسمه بإطلاقه على الموقد المعروف المستخدم في المختبرات). وجوستاف كريشوف في القرن التاسع عشر — بالتجارب أن كل عنصر ينتج فئة خاصة به من خطوط الطيف. فعند تسخين عنصر (مثل الصوديوم) في لهب موقد بنزن، ينتج عن ذلك ضوءٌ ذو لون مميز (لون أصفر في هذه الحالة)، وهو ينتج عن انبعاث قوي للإشعاع على شكل خط أو عدة خطوط شديدة التوهج في جزء معين من الطيف. وعند مرور الضوء الأبيض خلال سائل أو غاز يحتوي على العنصر نفسه، حتى لو كان العنصر متحدا مع عناصر أخرى في مركب كيميائي، فإن طيف الضوء يُظهر خطوط امتصاص معتمة، مثل تلك الموجودة في الضوء المنبعث من الشمس، وعند الترددات ِ نفسها المميزة لهذا العنصر. ويُفسر ذلك وجود الخطوط المعتمة في طيف الشمس. ولا بد أن تكون هذه الخطوط قد نتجت عن سحب أكثر برودة من المواد الموجودة في الغلاف الجوي للشمس؛ حيث تمتص ِ الإشعاع عند الترددات المميزة من الضوء العابر خلالها من سطح الشمس الأكثر سخونة بكثير. وقد قدمت هذه التقنية للكيميائيين وسيلة مفيدة لتحديد العناصر الموجودة في أي مركب. إذا ألقيت بملح الطعام على النار مثلا َّ، فإن اللهب سيتوهج باللون الأصفر المميز لعنصر الصوديوم (وهو اللون المألوف أيضا مصابيح الصوديوم الصفراء في الشوارع حاليا). وفي المختبر، يمكن مشاهدة الطيف المميز عن طريق ِ غمس سلك في المادة موضع الاختبار ثم تعريض السلك للهب موقد بنزن. يعطي كل عنصر النسق الخاص به من خطوط الطيف، وفي كل حالة يظل النسق واحدا على الرغم من تغير شدته، حتى لو تغيرت درجةُ حرارة اللهب. ويتضح من حدة خطوط الطيف ووضوحها أن كل ذرة من ذرات العنصر تبعث الضوء أو تمتصه عند التردد نفسه بالضبط، دون حيود أي ذرة منها. وبالمقارنة مع اختبارات اللهب، تمكن علماء التحليل الطيفي من تحديد معظم الخطوط في طيف ضوء الشمس، وفسروها بأنها راجعة إلى وجود العناصر المعروفة على الأرض. وفي خطوات عكسية ِ لهذه الطريقة ِ اكتشف عالم الفلك الإنجليزي نورمان لوكري (مؤسس مجلة «نيتشر» العلمية) خطوطا في طيف الشمس لم يتمكن من تفسريها من
حيث كونها طيفا; أي عنصرا معروفا وقرر أنها لا بد أن ترجع إلى عنصر لم يكن معروفا من قبل، وأسماه عنصر الهيليوم. وبعد فترة وجيزة، اكتشف الهيليوم على الأرض، وثبت أن له نفس الطيف بالضبط الذي يتناسب مع خطوط طيف الشمس. وبمساعدة علم التحليل الطيفي، يمكن لعلماء الفلك رصد المجرات والنجوم البعيدة لمعرفة المواد المكونة لها. ويمكن لعلماء الفيزياء الذرية حاليا اختبار التركيب الداخل للذرة باستخدام الأدوات نفسها.
هوامش
(2) The full quantum theory tells us that light is both particle and wave, but we haven’t got there yet.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|