أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-18
1348
التاريخ: 3-12-2015
4843
التاريخ: 9-06-2015
4969
التاريخ: 25-09-2014
5494
|
{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ... بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }[الأعراف/۱۷۲-۱۷۳]
الحديث في إخراج الذرية من صلب آدم(عليه السلام) على صورة الذر ، فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه.
والصحيح أنه أخرج الذرية من ظهره كالذر ، فملأ بهم الأفق وجعل على بعضهم نوراً لا يشوبه ظلمة ، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم نوراً وظلمة ، فلما رآهم آدم(عليه السلام) عجب من كثرتهم ومن عليهم من النور والظلمة.
فقال: يا رب ما هؤلاء؟ فقال الله(عزوجل): (هؤلاء ذريتك) يريد تعريفه كثرتهم وامتلأ الآفاق بهم ، وأن نسله يكون في الكثرة كالذر الذي رآه ليعرفه قدرته ويبشره بإفضال نسله وكثرتهم.
فقال آدم(عليه السلام): " يا رب مالي أرى على بعضهم نوراً لا يشوبه ظلمة وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم ظلمة ونوراً."
فقال تبارك وتعالى: أما الذين عليهم النور منهم بلا ظلمة فهم أصفيائي من ولدك ، الذين يطيعوني ولا يعصوني في شيء من أمري ، فأولئك سكان الجنة ، و أما الذين عليهم ظلمة لا يشوبها نور فهم الكفار من ولدك الذين يعصوني ولا يطيعوني في شيء من أمري ، فهؤلاء خطب جهنم.
وأما الذين عليهم نور وظلمة ، فأولئك الذين يطيعوني من ولدك ويعصوني ، فيخلطون أعمال السيئة بأعمال الحسنة فهؤلاء أمرهم إلي إن شئت عذبتهم ، فبعذلي ، وإن شئت عفوت عنهم بتفضلي"(1).
فأنبأه الله تعالى بما يكون من ولده وشبههم بالذر الذي أخرجه من ظهره ، وجعله علامة على كثرة ولده.
ويحتمل أن يكون ما أخرجه من ظهره ، أصول أجسام ذريته دون أرواحهم ، وإنما فعل الله ذلك ليدل آدم(عليه السلام) على العاقبة منه ، ويظهر له من قدرته وسلطانه من عجائب صنعه وأعلمه بالكائن قبل كونه ، ليزداد آدم(عليه السلام) يقيناً بربه ، ويدعوه ذلك التوفر على طاعته ، والتمسك بأوامره ، والاجتناب عن زواجره.
وأما الأخبار التي جاءت بأن ذرية آدم (عليه السلام) استنطقوا في الذر ، فنطقوا فأخذ عليهم العهد فأقروا ، فهي من أخبار التناسخية ، وقد خلطوا فيها ، ومزجوا الحق بالباطل. والمعتمد من إخراج الذرية ما ذكرنا ، دون ما ينطق القول به على الأدلة العقلية والحجج السمعية ، وإنما هو غلط لا يثبت به أثر على ما وصفناه.
فإن تعلق متعلق بقوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ }. وظن بظاهر هذا القول تحقق ما رواه أهل التناسخ والحشوية والعامة في إنطاق الذرية وخطابهم وأنهم كانوا أحياء ناطقين.
فالجواب عنه: أن هذه الآية من المجاز في اللغة ، كنظائرها مما هو مجاز واستعارة. والمعنى فيها: أن الله تبارك وتعالى ، أخذ من كل مكلف يخرج من صلب آدم ، وظهور ذريته ، العهد عليه بربوبيته من حيث أكمل عقله ودله بآثار الصنعة فيه على حدوثه و أن له محدثاً أحدثه لا يشبهه أحد يستحق العبادة منه بنعمته عليه ، فذلك هو أخذ العهد منهم ، وآثار الصنعة فيهم هو الإشهاد لهم على أنفسهم بأن الله تعالى ربهم.
وقوله تعالى: {قالوا بلى} يريد أنه لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ودلائل حدوثهم اللازمة لهم وحجة العقل عليهم في إثبات صانعهم ، فكأن سبحانه ، لما ألزمهم الحجة بعقولهم على حدوثهم ووجود محدثهم ، قال لهم: { ألست بربكم } فلما لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدوث لهم ، كأنهم قائلون: { بلى شهدنا}.
وقوله تعالى: { أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }.
ألا ترى أنه احتج عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يتأولوا في إنكاره ، ولا يستطيعون ، وقد قال سبحانه: {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18]. ولم يرد أن المذكور يسجد كسجود البشر في الصلاة ، وإنما أراد أنه غير ممتنع من فعل الله ، فهو كالمطيع لله ، وهو يعبر عنه بالساجد ، قال الشاعر:
بجمع تظل البلق في حجراته ترى الاكم فيها سجدا للحوافر
يريد أن (الحوافر) تذل الأكم بوطئها عليها وقال آخر:
سجوداً له غشان يرجون فضله وترك ورهط الأعجمين وكابل
يريد أنهم مطيعون له ، وعبر عن طاعتهم بالسجود.
وقوله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11].
وهو سبحانه ، لم يخاطب السماء بكلام ، ولا السماء قالت قولاً مسموعاً ، وإنما اراد أنه عهد إلى السماء ، فخلقها فلم يتعذر عليه صنعها. فكأنه لما خلقها ، قال لها وللأرض أنتيا طوعا أو كرها ، فلما انفعلت بقدرته كانتا كالقائل أتينا طائعين ومثله قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]. والله تعالى يجل عن خطاب النار وهي مما لا تعقل ولا تتكلم ، وإنما عبر عن سعتها و أنها لا تضيق بمن يحلها من المعاقبين.
وذلك كله على مذهب أهل اللغة وعادتهم في المجاز ، ألا ترى قول الشاعر:
وقالت له العينان سمعاً وطاعة وأسبلتا بالدر لما يثقب
والعينان لم تقل قولاً مسموعاً ، ولكنه أراد منهما بالبكاء ، فكانتا كما أراد من غير تعذر عليه ، ومثله قول عنترة:
فازوز من وقع القنا بلبانه وشكي إلي بعيرة وتحمحم
الفرس لا يشتكي قولاً ، ولكنه ظهر منه علامة الخوف والجزع ذلك فسمي ذلك قولاً.
ومنه قول الآخر:
شكي إلى جملي طول السرى ...
فالجمل لا يتكلم ، لكنه لما ظهر منه النصب والوصب لطول الشرى عبر عن هذه العلامة بالشكوى التي تكون كالنطق والكلام.
ومنه قوله: امتلأ الحوض وقال قطني(2).
والحوض لا يقل قطني ، لكنه امتلأ بالماء فعبر عنه بأنه قال حسبي حسبك مني قد ملأت بطني ولذلك أمثال كثيرة في منظوم كلام العرب ومنثوره وهو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية ، ونسأل الله تعالى التوفيق(3).
[ وقال الشيخ في موضع آخر قريب هذه المضامين في شبة إنطاق الذر:]
المسألة الخامسة والأربعون: وسأل عن قوله تعالى: { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى}.
قال: فكيف يصح خطاب أشباح غير مكلفين؟ ومع هذا فلسنا نرى أحداً يذكر ذلك في الدنيا ، ولسنا نعلم ذلك عموماً أم خصوصاً ، فليعرفنا ما عنده في ذلك إن شاء الله.
والجواب: أن الآية تتضمن أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ، وليست متضمنة أخذها من ظهر آدم ، على ما تخيله فريق من الناس.
والذي أخذه الله من ذرية آدم هو العهد. وأخذ العهد منهم بإكمال عقولهم و إلزام أنفسهم دلالة حدوثهم والحجة عليهم بالربوبية ، وذلك هو الإشهاد لهم على أنفسهم.
وأخباره عنهم بأنهم " قالوا: بلى " ، مجاز في الكلام يفيد أنهم غير منكرين آثار الصنعة فيهم ، وقيام الحجة عليهم لباريهم بالإلهية والتوحيد والإيجاب والإقرار له ، والاعتراف منهم بنعمته عليهم ، والشكر له على ذلك.
ومثله قوله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]. وهو تعالى لم يقل للسماء والأرض قولاً صريحاً: "انتيا" ، لكنه فعلهما فكان بفعله بهما ، وتيسر ذلك عليه كالقائل لغيره: انت فأتاه من غير تعذر ولا تثبت. ولم تقل السماء والأرض قولاً صريحاً: {أتينا طائعين} ، بل انفعلتا بمشيئة الله تعالى ولم يتعذر صنعهما عليه. فكانتا بذلك كالمجيب لمن دعاه مسرعاً وأطاعه باخعاً ، وقال: سمعا وطاعة ، والعرب تتوسّع بمثل هذا الكلام في نحو ما ذكرناه.
قال الشاعر:
وقالت لي العينان سمعاً و طاعة وأسبلتا بادر لمّا يثقب
والعينان لم تقل قولاً على الحقيقة ، لكنهما أسرعتا بالدموع على وفاق إرادة صاحبهما فعبر عنهم بالقول الصريح.
وقال آخر: امتلأ الحوض وقال قطني حسبك مني قد ملأت بطني وقال آخر: شکی إليّ جملي طول السرى ...
وهذا كقوله:
شكي إلى بعيرة وتحمحم والمراد في ذلك ، كله الخبر عن الأفعال ووقوعها دون الكلام الحقيقي. وهذا هو الاستعارة في الكلام والتشبيه والمجاز.
فصل
فأما سؤاله عن العموم في ذلك والخصوص ، فهو عندنا عموم في كل مكلف من بني آدم ، وليس بعموم في الجميع ، بدلالة اختصاص الحجة بذوي التكليف دون الأطفال ونواقص العقول(4).
{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ... }[الأعراف / ١٩٩]
دل الله تعالى نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) على جماعة منهم وأمره بتألفهم ، والإغضاء عمن ظاهره بالنفاق منهم ، ... وقال: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ...}(5).
[انظر: سورة آل عمران ، آية ١٤٤ ، في مسألة نفاق بعض الصحابة ، من الإفصاح: ٦٢.]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكافي ٢: ٦ ، باب ۳ ح / ١٠ بتفصيل أكثر .
2- قطني: أي حسبي ، وأصلها قطى ، ثم أدخلت النون ليسلم السكون الذي بني عليه الاسم (قط) و (حسبك مني هي في لسان العرب): ملا رويداً ، في غيره: مهلا رويدا.
3- عدة رسائل (الرسالة السروية ): ٢١٦ - ۲۱۲ .
4- الرسالة العكبرية (الحاجبية ): ١٥٢ ، والمصنفات ٦: ١١۳.
5- الإفصاح: ٦٢.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|