أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-12
863
التاريخ: 2024-07-03
521
التاريخ: 2024-06-13
567
التاريخ: 5/11/2022
1648
|
نهج البلاغة أرقى كتب الوجود بعد كتاب الله عز وجل، لم ينافسه على علو شأنه آخر على مدى القرون، فهو كتاب مخلّد خلّده قائله ابن أبي طالب سيد البطحاء (عليهما السلام)، فكان الكتاب الهادي بعد الضلال، والنور بعد الظلام، قد خضع له كل أديب، وطأطأ له كل بليغ، فتكاثرت عليه الشروحات، واختلفت على فهمه الكلمات، وكان علي (عليه السلام) يلقي حبلها على غاربها، ويسهر القوم جرّاها ويختصم.
والحق ما قاله بعضهم: "إنّه كتاب أدنى من كلام الخالق وأرفع من كلام المخلوق". وقد جمعه السيد الأجل أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، وهو أخو السيد المرتضى.
أمره في العلم والفضل والأدب والورع وعقة النفس وعلو الهمة أشهر من أن يذكر، فهو الثقة العين الجليل في أصحابنا، وقد أطراه كل من ترجمه.
أما وصول كتابه إلينا فقد قال في رياض العلماء: فإنّ تلاميذ السيد الرضي بل فضلاء الشيعة الامامية ولا سيما العلماء في إجازاتهم حتى عظماء العامة أيضا خلفا عن سلف انتسبوا جميع هذا الكتاب إلى السيد الرضي وهي متواترة من زماننا هذا وهو عام ثمانية ومائة وألف إلى زمن السيّد الرضي.. من غير شك ولا ريب".
إذن لا شك في وثاقة الشريف ولا في صحة وصول الكتاب إلينا على نحو التواتر، لكن الكلام في صحة كلامته وخطبه فنقول والله المستعان:
أدلة المثبتين:
الدليل الأول: ما أفاده الشريف الرضي في مقدمة النهج إذ قال (رحمه الله) "وسألوني.. أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) - من خطب وكتب ومواعظ وآداب... لأن كلامه (عليه السلام) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي.. واعتمدت به أن أبين من عظيم قدر أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الفضيلة، مضافة إلى المحاسن الدائرة والفضائل الجمة.. وأما كلامه فهو من البحر الذي لا يساجل، والجم الذي لا يحافل ...".
ثم قال (رحمه الله): "وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردد والمعنى المكرر، والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافا شديدا، فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنقل على وجهه، ثم وجد بعد ذلك في رواية أخرى موضوعا (عليه السلام) غير موضعه الأول، إمّا بزيادة مختارة أو بلفظ أحسن عبارة، فتقتضي الحال أن يعاد استظهارا للاختيار، وغيره على عقائل الكلام، وربّما بعد العهد أيضا بما اختير أولا، فأعيد بعضه سهوا أو نسيانا لا قصدا ولا اعتمادا " انتهى موضع الحاجة من كلامه (رحمه الله).
وقد استفاد بعض الأصحاب من عبارة السيد من صحة ما دونه في الكتاب، إذ أنّه وبخطبته المذكورة يكرر ما يدل على أن الكلمات المذكورات هي الأمير المؤمنين كما تقدم ذكرها، ولمّا كان (رحمه الله) عالما بالرواية بصيرة باللغة وآدابها، علم أنّه لم ينقل الكلام من غير تدبر ولا بصيرة، ولهذا أسنده هؤلاء الأعلام إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) اعتمادا على ما اعتمده السيد (رحمه الله).
وفيه أولا: أنّ صحة الكتاب وإن كانت أمرا ثابتا عن الشريف الرضي كما هو ظاهر كلماته، إلا أنّ ثبوته عنده لا يلزم منه لزوم اعتمادنا عليه، إذ كم من الأصحاب خالف بعضهم بعضا، فلو وصلت الأسانيد والقرائن التي وصلت للرضى إلينا لأمكن لنا حينئذ النظر فيها، فقد نوافق وقد نخالف.
وبعبارة مختصرة: أنّ الحجة عنده ليست حجة علينا بالضرورة.
ثانيا: تصريحه (رحمه الله) بأنّ خبر الواحد قد وصل إليه مختلفة، حتى قال: "وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردّد والمعنى المكرّر، والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلاف شدیداً" فاختار حينها ما يراه صادراً، وإنّما ذلك لقرائن الصدور، والقرائن تلك قد تصلح - بنظرنا للعمل بما اختاره، ومجرد الاحتمال لا يكفي للاستدلال.
الدليل الثاني: قوة المتن ولحسن السبك ورفعة بلاغته تدل على صدوره عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ولهذا قيل بأنّ كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق.
وفيه: إنّا نؤمن بكون الكتاب بالجملة من كلام علي (عليه السلام) إلا أنّه لا يثبت آحاد الكلمات، فربّما كان الدس والتزوير بالمفردات دون الخطب والمواعظ من حيث المجموع.
وبعبارة أخرى: لو غيّر الدسّاس في الخطبة الكائنة من صفحتين عشر كلمات من أين لنا أن ندرك الدسّ، فإنّ القليل من التغاير لا يمكن إدراكه خاصة فيما لو كان الدسّاس أديبا بليغا، فرفعة البلاغة وحسن السبك وقوة المتن إنّما تصحّحه في الجملة لا في مفردات الكلمات.
الدليل الثالث: شهرة الكتاب بين العامّة والخاصّة، إذ قد يقال: إنّه لا يخلو منه بيت مسلم، في حين أنّا لم نجد من طعن فيه وضعفه، خاصة أنّه على مسمع ومرأى من الفقهاء على مدى قرون طويلة، فلو كان فيه أدنى شك لاشتهر وعرف أمره وأعرض عنه الأصحاب.
وفيه: أنّ عدم الطعن فيه مع السكوت عنه لا يدل على صحته، إنّما غاية ما يدلّ عليه قبوله في الجملة، خاصة أنّه ليس كتابا فقهيا ليكون مورد أخذ ورد، أي: لا يترتّب عليه آثار شرعية حتى يكون محل تقييم عند الفقهاء، لهذا لم يكن السكوت عنه دالا على الصحة.
بل يمكن الاستدلال على ضعف بعضه برواية الشريف الرضي - كثيرا من أخباره - عن الضعفاء فيه، وقد صرّح بأسمائهم كعبد الرحمن بن أبي ليلى وهشام الكلبي وسعيد بن يحيى الأموي، وغيرهم، إضافة إلى روايته المراسيل كثيرة كقوله: وروي أنّه ذكر عن عمر بن الخطاب، أو قوله: وروي أنّه (عليه السلام) رفع إليه، وقوله: وسُئل (عليه السلام)، وغيرها من المفردات الكثيرة.
وخلاصة الكلام: أنّ نهج البلاغة وإن كان كتاباً ينحدر منه السيل ولا يرقى إليه الطير، إلا أنّه من حيث القاعدة ضعيف سند، لذا تخضع كلماته وخطبه ومواعظه إلى القواعد الرجاليّة، فما صحّ منه وكان سنده صحيحة فبها ونعمت (1)، وإلا فهو ضعيف سنده وإن كنّا نؤمن بصدوره في الجملة. والله العالم بحقائق الأمور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إنّ كثيرا من خطب وكتب ومواعظ نهج البلاغة مسند في كتب أخرى، فعلى الباحث أن يرجع إلى مظان الأخبار لينظر في أسانيدها، وقد كتب جملة من الباحثين كتبا حول أسانيد النهج مؤخرا، فجزاهم الله خيرا.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|