أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-11-2018
2006
التاريخ: 15-12-2017
2887
التاريخ: 21-6-2016
2293
التاريخ: 18-6-2022
1734
|
إن إحدى الفضائل الأخلاقية التي يمكن أن نعدها رمز المحبة وأحسن الطرق لها في المجتمع هو (التواضع)، فإن المتواضع بعمله بوظيفته الأخلاقية يرفع من قيمته في مجتمعه إلى حد الشرف الرفيع، وبذلك يبسط نفوذ حبه في قلوب الناس. ويجب أن نلتفت إلى أن بين التواضع والتذلل فرقاً فاحشاً وبوناً بعيداً وشاسعاً، إذ ان التواضع عبارة عن فضيلة أخلاقية لشخصية عظيمة ونفس مطمئنة. بينما التذلل إنما ينشأ من الإنحطاط الخلقي وفقدان الشخصية.
كان لقمان الحكيم - كما يحكي القرآن الكريم - يحذر ولده من الكبر في مواعظه إليه إذ يقول: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[لقمان: 18]، {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}[الإسراء: 37].
وكان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول: (فلو رخص الله في الكبر لأحد من عباده لرخص فيه لخاصة أنبيائه وأوليائه، ولكنه - سبحانه - كره أليهم التكابر، ورضي لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم، وعفروا في التراب وجوههم، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل يقول: (اجتنبوا الكبر، فإن العبد لا يزال يتكبر حتى يقول الله تعالى اكتبوا عبدي هذا في الجبارين)(1).
وقد بين الإمام الصادق (عليه السلام) المنشأ النفسي للتكبر في عبارة قصيرة واضحة إذ قال: (ما من أحد يتيه إلا من ذلة يجدها في نفسه)(2).
ويقول الدكتور مك برايد: (إن تكبر أي شخص على آخر أو أية أمة على أخرى إنما يعني احتقار الشخص الآخر أو الأمة الأخرى. وإن أكثر الخصومات والمنازعات اليوم لهي ناشئة من عقدة الحقارة، وأن اتخاذ فكرة التكبر أو التخاصم لهو نوع من محاولة سد الفراغ الذي يحسه المتكبر في باطنه من عقدة الحقارة، وإلا فلا يتصور أي إنسان شريف طاهر الضمير أو أية أمة أو طبقة أو عنصر أو قوم أو دم أية ميزة أو أي اختلاف بينهم وبين الآخرين)(3).
إن المتكبرين والمعجبين بأنفسهم ينظرون إلى جميع أعمالهم وأفعالهم وأقوالهم بعين الرضا وبكل جمال وجلال، بل حتى أنهم يرون نقائصهم بصورة فضائل بارزة وقال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (العجب درجات منها: أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيحبه ويحسب أنه يحسن صنعاً)(4).
ويقول أحد علماء النفس: (أن المتكبر يرى نقائصه فضائل، ومعايبه محاسن، فهو يحسب غضبه السريع على من تحت يده دليلاً على شخصيته الفذة، وضعفه وهزاله دليلاً على حساسته العالية بعلو روحه، وسمنه وبدانته علامة السلامة والعقل السليم في الجسم السليم، أما الضعفاء فهم حمقاء لا يعتمد عليهم لأنهم يغضبون بسرعة ولا يستطيع الإنسان أن يقدر ردود فعلهم، وهكذا(5).
ولنلتفت الآن إلى قسم قليل من كلمات مولى المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (إياك أن ترضى عن نفسك فيكثر الساخط عليك)(6)، ويقول (عليه السلام): (العجب يفسد العقل)(7)، ويقول علماء النفس أن المتكبر مصاب بنوع من ضعف العقل: (من ضعفت فكرته قويت عزته)(8). وقال (عليه السلام): (التواضع رأس العقل والتكبر رأس الجهل)(9)، وقال (عليه السلام): (العجب داء دفين)(10)، وقال (عليه السلام): (من أعجب بحسن حالته قصر عن حسن حليته)(11).
ويقول الدكتور هلن شاختر: (أن من وسائل جلب أنظار الناس إلى أنفسنا - ونحن في نهاية الخيبة وفقدان الموفقية ـ هو أن نزكي أنفسنا ونمجدها بكل صلافة، ونتصور الأعمال التي كنا نأمل وقوعها والتوفيقات التي كنا نتمناها كائنة متحققة ونحاول ان ننسبها إلى أنفسنا، او نقنع من نفوسنا عوضاً عن التوفيقات التي لم نحصل عليها والأعمال المهمة التي لم نفعلها بأن نتحدث كثيراً عن تلك الأعمال التي قمنا بها، وأن نكبرها في أنظار الناس مهما كانت صغيرة حقيرة. وأن هؤلاء سيغترون بزخرف تشدقاتهم الجوفاء ويرضون بل يفرحون بما ينطقون به من الكذب والتمويه بحيث يفقدون بذلك جميع الفرص والتوفيقات المواتية لمحاولة التغيير)(12).
إن المتكبر لا يستطيع أن يدرك ما في نفسه من نقص وما في الآخرين من تفوق وكمال.
قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (الراضي عن نفسه مستور عنه عيبه، ولو عرف فضل غيره كفاه ما به من النقص والخسران)(13).
إن الإسلام الهادي إلى الحضارة الإنسانية العالية والداعي للإنسان إلى ما يحييه حياة طيبة، ابطل كل ميزة غير عادلة، ولم يعترف إلا بميزة الطهارة والتقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات: 13].
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يندّد بالأغنياء: (استعيذوا بالله من سكر الغنى فإن له سكرة بعيدة الإفاقة)(14).
دخل أحد الأغنياء على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم دخل عليه رجل آخر فقير فجلس إلى ذلك الغني، فلما رأى الغني ذلك جمع ثيابه وانقبض منه فقال (صلى الله عليه وآله): (أخشيت أن يعدو إليك فقره)(15).
وعلى هذا، فإن كان المتكبر يحب السعادة وجب عليه أن يقوم بإصلاح ذاته من هذا المرض، فيخرج عن وجوده هذه الصفة الذميمة التي تخل بشخصيته الواقعية، فإنه إن لم يهتم بتحطيمها ودفعها عن ذاته انتهت به إلى محنة الخيبة والحرمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ نهج الفصاحة: ص12.
2ـ الكافي: ج3، ص461.
3ـ عن الترجمة الفارسية: عقدة حقارات.
4ـ وسائل الشيعة: ج1، ص74.
5ـ عن الفارسية: روانكاوي.
6ـ غرر الحكم: ص147.
7ـ المصدر السابق: ص26.
8ـ المصدر السابق: ص651.
9ـ المصدر السابق: ص102.
10ـ المصدر السابق: ص478.
11ـ المصدر السابق: ص678.
12ـ عن الفارسية: رشد شخصيت.
13ـ غرر الحكم: ص95.
14ـ المصدر السابق: ص138.
15ـ مجموعة ورام: ج1، ص214.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|