فعل الرياح في المناطق المحيطة بالجليد:

من بين الظاهرات الجيومورفولوجية في مناطق هوامش الجليد لا نجد سوى تكوينات اللوس Loess التي تتميز بطبيعة متكاملة باعتبارها تكوينات هوائية، أو رواسب تغلب فيها عناصر الارساب الهوائي. ونحن من تشارليس وورث J.K.Charlesworth الذي يقول بأن تكوينات اللوس هي أهم تراكم في مناطق هوامش الجليد. وتتوزع في أجزاء من أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.

وتتركب تكوينات اللوس عادة من حبيبات دقيقة يتراوح قطر معظمها بين 50ر0-10ر0 مم، لونها بنى فاتح أو مصفر، وأحيانا تكون رمادية. وتتركب بتروجرافيا من حبيبات من الكوارتز، وهو الغالب, ثم من الفلسبار بأنواعه، والميكا، ومن بعض المعادن الثقيلة كالجرانات والهورنبلند، كما تحتوي على نسبة متفاوتة من كربونات الكالسيوم. والتكوينات متناسقة البناء، هشة وملمسها ناعم. وفيها تنشأ تربات غاية في الخصوبة والانتاج.

وتتوزع تكوينات اللوس في أوروبا في هيئة نطاق يمتد من الغرب الى الشرق: من شمال فرنسا، حيث يدعى هناك باسم ليمون Limon الى بلجيكا، وعلى طول الهوامش الشمالية لمرتفعات ألمانيا الهرسينية، الى سهول بولندا ثم جنوب روسيا. وعادة ما يكون سمك تكوينات اللوس بين 3-6 مترا، لكن السمك يزداد كثيرا في أودية الانهار الكبيرة مثل نهر الراين، حيث يصل الى ثلاثين مترا. كذلك الحال في الاحواض المغلقة وشبه المغلقة كحوض فيينا وسهل المجر، وأجزاء من تشيكوسلوفاكيا.

والهامش الشمالي لنطاق اللوس الاوروبي محدد تحديدا حسنا، فهو يمتد جنوبي الحد الذي وصل إليها الغطاء الجليدي الشمالي، وشمالي الحد الذي أقترب منه الغطاء الجليدي الالبي. فهو يغطي أراضي هوامش الجليد أي الاراضي التي كان محصورة بين الغطاء الجليدي الاسكنديناوي (الاوروبي الشمالي) والغطاء الجليدي الالبي تلك الاراضي التي كان يسودها مناخ هوامش الجليد Periglecial Climate

ورغم كثرة ما اثرته نشأة تكوينات اللوس من نقاش وجدال، فقد أصبح معروفا أنه في أوربا قد نشأ ابان فترات الجليد. فنشأته مرتبطة كل الارتباط بامتداد وانتشار الغطاءات الجليدية القارية العظيمة. ولم يعد هناك شك في أن معظم تكوينات اللوس قد نقلت وتراكمت بواسطة الرياح. ويشهد على ذلك تناسق حبيباتها، وعدم طباقيتها، واحتوائها على حفريات لقواقع برية، ثم وجودها فوق قمم التلال, وعلى جوانب الاودية وقيعانها.

وقد نشأت التكوينات عن طريق سفي الرياح للرواسب الجافة في المناطق المحيطة بالجليد البلايوستوسيني (هوامش الجليد) تلك الرواسب التي تتمثل في الركامات النهائية والارضية (السفلى)، تكوينات حقول الرمال والمواد الدقيقة SanderK، والرواسب الفيضية. ثم أرسبت الرياح ما حملته من مواد دقيقة في مناطق توافرت فيها شروط ساعدت على الإرساب، وهذه تتلخص في مناخ رطب نسبيا، وفي وجود حشائش تلتقط الذرات والحبيبات، وتحميها من إعادة السفي بواسطة الرياح. وبذلك تتجمع حبيبات اللوس وتتراكم في سمك يختلف مقداره حسب غنى الغطاء النباتي الذي يحميه من التذرية.