أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
3098
التاريخ: 11-11-2020
3436
التاريخ: 12-11-2020
5848
التاريخ: 10-10-2014
2443
|
قال تعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران : 7]. هناك بحث عريض في الوقف على لفظ الجلالة ، أو العطف.
غير أنّ النابهين من المفسّرين أجمعوا على ضرورة العطف ، ورفضوا صحّة الوقف ، وذلك وقوفاً إلى جانب الأدب الرفيع والفصحى من اللغة في هكذا تعابير.
هذا ، وضرورة الحكمة تقضي بفتح باب العلم بكتاب الله في جميع دلائله وبيّناته ; لأنّه نزل هدىً للعالمين ، ومصباحاً ينير درب الخافقين .
أمّا وفيه لفيف من آيات مغلقة أبوابها في وجه الخلق أجمعين حتّى الأئمة الأمناء على وحيه المطّهرين ، فهذا ممّا يتنافى وحكمته تعالى أن يُدلي إلى الناس كتاباً فيه ـ من المتشابه ما لا يعلمه أحد من الأمّة ـ لا النبي الكريم ولا سائر علماء الأمة جميعاً ـ وإنّما هي لمجرّد أن تقع ألعوبة في يد المشعوذين الذين في قلوبهم زيغ ، ولا رادّ لهم عن غيّهم الفظيع ، ليصبحوا مطلقي السراح في إضلال الناس والإفساد في الأرض!!
قال الراغب في مقدمة تفسيره : «وذهب عامّة المتكلّمين إلى أنّ كلّ القرآن يجب أن يكون معلوماً ، وإلاّ لأدّى إلى بطلان فائدة الانتفاع به ، وحملوا قوله : (وَالرَّاسِخُونَ) أنّه عطف على قوله : (إلاّ الله)» (1).
وقال أبو جعفر الطبري : «إنّ جميع ما أنزل الله من آي القرآن على رسوله (صلى الله عليه وآله)فإنّما أنزله عليه بياناً له ولأمّته وهدىً للعالمين ، وغير جائز أن يكون فيه ما لا حاجة بهم إليه ، ولا أن يكون فيه ما بهم إليه حاجة ، ثمّ لا يكون لهم إلى علم تأويله سبيل» (2).
قال مجاهد : «عرضت المصحف على ابن عبّاس من أوّله الى آخره ، أقفه عند كلّ آية وأسأله عنها ، وكان يقول : أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله» (3).
وهكذا ذهب الإمام أبو الحسن الأشعري إلى وجوب العطف ، وأنّ الوقف على {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ، قال : «لأنّهم يعلمون تأويل المتشابه».
وقد أوضح هذا الرأي وانتصر له أبو إسحاق الشيرازي بقوله : «ليس شيء استأثر الله بعلمه ، بل وقف العلماء عليه ; لأنّ الله تعالى أورد هذا مدحاً للعلماء ، فلو كانوا لا يعرفون معناه لشاركوا العامّة» (4).
وقال الإمام البيضاوي : «مدح الله الراسخين في العلم بجودة الذهن وحسن النظر ، وإشارة إلى ما استعدّوا للاهتداء به إلى تأويله ، وهو تجرّد العقل عن غواشي الحسّ» (5).
وقال الإمام بدر الدين الزركشي : «إنّ الله لم ينزل شيئاً من القرآن إلاّ لينتفع به عباده ، وليدلّ به على معنىً أراده ، ولا يسوغ لأحد أن يقول : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يعلم المتشابه ، فإذا جاز أن يعرفه الرسول ، مع قوله : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله} جاز أن يعرفه الربّانيون من صحابته والمفسّرون من أمّته. ألا ترى أنّ ابن عبّاس كان يقول : أنا من الراسخين في العلم ، ولو لم يكن للراسخين في العلم حظّ من المتشابه إلاّ أن يقولوا : آمنّا ، لم يكن لهم فضل على الجاهل ; لأنّ الكلّ قائلون ذلك».
وقال : «ونحن لم نر المفسّرين إلى هذه الغاية توقّفوا عن شيء من القرآن ، فقالوا : هذا متشابه لا يعلم تأويله إلاّ الله ، بل أمرّوه على التفسير حتّى فسّروا الحروف المقطّعة» (6).
وهذا شيخ المفسّرين الفطاحل الشيخ أبو علي الطبرسي يرجّح الكفّة مع القائلين بالعطف ، قائلاً : «وممّا يؤيّد هذا القول أنّ الصحابة والتابعين أجمعوا على تفسير جميع آي القرآن ، ولم نرهم توقّفوا على شيء منه لم يفسّروه ، بأن قالوا : هذا متشابه لا يعلمه إلاّ الله...» (7).
وهكذا رجّح ذلك جهابذة الأدب ; كالزمخشري وابن قتيبة والعكبري والشريف المرتضى وغيرهم من الأعلام (8).
ولابن تيميّة هنا كلام عريض ، أكّد فيه على ضرورة العلم بجميع ما أنزله الله في كتابه تبياناً وهدىً للعالمين ، وأنّ الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه ، ولا يجوز أن يكون في القرآن آية لا يعرف معناها ، لا النبيّ ولا سائر أمته; لأنّه عبث ولغو ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
قال : «لا يجوز أن يكون الله أنزل كلاماً لا معنىً له ، ولا يجوز أن يكون الرسول وجميع الأمّة لا يعلمون معناه ، كما يقوله بعض المتأخّرين ; وهذا القول يجب القطع بأنّه خطأ ، فإنّ مَعَنا الدلائل الكثيرة من الكتاب والسنّة وأقوال السلف على أن جميع القرآن ممّا يمكن علمه وفهمه وتدبّره ، وهذا ممّا يجب القطع به ، فإنّ السلف قد قال كثير منهم : إنّهم يعلمون تأويله. هذا مجاهد ـ مع جلالة قدره ـ قد عرض القرآن على ابن عبّاس ، يسأله عن تفسير آية آية ، فكان يفسّرها له ، ويقول : أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله. وفي صحيح البخاري : أنّ ابن عبّاس كان من الراسخين الذين يعلمون تأويل القرآن».
وقال : «ولأنّ من العظيم أن يقال : إنّ الله أنزل على نبيّه كلاماً لم يكن يفهم معناه لا هو ولا جبريل ، فإنّ المقصود بالكلام هو الإفهام ، فإذا لم يقصد به ذلك كان عبثاً وباطلاً ، والله تعالى قد نزّه نفسه عن فعل الباطل والعبث ، فكيف يتكلّم بالباطل والعبث ، وبكلام نزّله على خلقه لا يريد به إفهامهم؟!».
وقال : «وهذا إجماع المسلمين على إمكان فهم القرآن كملاً ، فما من آية في القرآن إلاّ وقد تكلّم الصحابة والتابعون في معناها ، وبيّنوا مداليل فحواها» (9).
وهكذا نبهاء الأمّة وعلماؤها طوال عهد الإسلام ، نجدهم درسوا القرآن ، وبحثوا عن مداليل آياته ، وكشفوا النقاب عن وجه مبهماته ، وأزالوا الخفاء عن ملتبساته ، وأخذوا في التفسير والتأويل ، لا فرق بين محكمه ومتشابهه ; إذ لا متشابه لديهم بعد رسوخهم في العلم ووقوفهم على موارد التنزيل وحقائق التأويل ، ولم نجد طول هذا العهد من توقّف في تفسير آية بحجّة أنّها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه !!
وعبثاً حاول النفاة التمثيل بالحروف المقطَّعة ، وبأمور استأثر الله بعلمها في مثل : أشراط الساعة ، ويعلم ما في الأرحام ، وما تدري نفس بأيّ أرض تموت!
وقد فاتهم أنّ مثل هذه الأمور لم تعرض في القرآن كآيات ، وإنّما أخبر عنها الذكر الحكيم كسائر إخباراته عن عوالم الغيب ، والآيات التي تضمّنتها واضحة المفاهيم في مؤدّاها من غير إبهام ولا إشكال ، وليست ممّا يتّبعها أهل الزيغ والأهواء.
وأمّا الحروف المقطَّعة فإنّها حروف هجاء ، وأصوات من قبيل حروف التنبيه والإعلام. ولو كان قصد بها معنىً رمزي ـ كما قيل ـ فإنّ المخاطب المقصود بذلك ـ وهم النبيّ والأُمناء على الوحي ، وهم أفضل الراسخين في العلم ـ يعرفون مواضع الرمز فيها من غير إشكال ، وإن خفيت على من سواهم من أغيار ، كما هو الشأن في سائر المتشابهات ، بل المحكمات أيضاً ، زُوي علمها عن الأجانب الأباعد ، قال تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة : 77 - 79].
______________________
1 . مقدّمة جامع التفاسير للراغب : 86.
2 . جامع البيان 3 : 116.
3 . راجع : تفسير المنار 3 : 182.
4 . راجع : المباحث لصبحي الصالح : 282.
5 . أنوار التنزيل 2 : 5.
6 . البرهان في علوم القرآن 2 : 72 ـ 73.
7 . مجمع البيان 2 : 410.
8 . راجع : الكشاف 1 : 338 ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة : 72 ، وإملاء ما منّ به الرحمان للعكبري 1 : 124 ، والأمالي للمرتضى 1 : 431 ـ 442 المجلس 33.
9 . راجع : كلامه في تفسيره لسورة الإخلاص : 86 ـ 92. ونقل كلامه صاحب تفسير المنار 3 : 175 ـ 196.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|