أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-24
1346
التاريخ: 29-1-2016
4265
التاريخ: 9-1-2021
3914
التاريخ: 9-5-2017
2857
|
الاستجواب إجراء ضروري وهام من بين إجراءات التحقيق الابتدائي ، وهو يعني (مجابهة المتهم بالأدلة المختلفة قبله ، ومناقشته فيها مناقشة تفصيلية ، كيما يفندها إن كان منكرة للتهمة ، أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف )(1)، وعرف أيضا بأنه ( مسائلة المتهم ومناقشته عن وقائع القضية المنسوب إليه ارتكابها ومجابهته بالأدلة المختلفة وسماع ما لديه من دفوع لتلك التهمة ) (2) ، وعلى صعيد القضاء عفته محكمة النقض المصرية بأنه ( إجراء من إجراءات التحقيق يستطيع المحقق من خلاله التثبت من شخصية المتهم ويتم عن طريق مجابهة المتهم بالأدلة المختلفة القائمة ضده ومناقشته مناقشة تفصيلية في التهمة المنسوبة إليه على وجه مفضل في الأدلة القائمة في الدعوى إثباتا ونفيا) (3)
وعلى صعيد التشريع الجنائي فقد عرفه قانون الإجراءات الجنائية اليمني في المادة (177) ( يقصد بالاستجواب علاوة على توجيه التهمة الى المتهم ، مواجهته بالدلائل والأدلة القائمة على نسبة التهمة إليه ومناقشته فيها تفصيلا ) ، ولم يعرف قانون الإجراءات الجنائية المصري وقانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي الاستجواب ، وهو برأي أمر محبذ قانونا لأن إيراد تعاريف للمفاهيم القانونية يؤدي الى الإرباك في كثير من الأحيان عند التطبيق العملي للنصوص الجزائية ، بالإضافة إلى أن القانون كائن حي ، والحياة في تطور مستمر وإن إيراد مثل هذه التعريفات يؤدي إلى إصابة النصوص القانونية بالجمود ولا تستطيع مواكبة المستجدات ، لذا فإن الأفضل ترك هذه التعريفات الى الفقه والقضاء .
وعليه يعتبر الاستجواب من أخطر الإجراءات في التحقيق الجنائي إذ يتم من خلاله تثبت الأدلة أو نفيها تجاه المتهم ، إذن فهو إجراء مهم في تمحيص الأدلة التي بني عليها الدعوي الجزائية ، ومن أجل هذا أحيط الاستجواب بضمانات عديدة للمتهم لا يخلو أي تشريع جنائي إجرائي من النص عليها ، لذا ستناولها كالآتي :
أولا - ضمانات المتهم في المساعدة القانونية
من ضمانات المتهم في الاستجواب حقه في المساعدة القانونية سواء أكانت تتمثل في الحصول على المشورة القانونية أم الاستعانة بمدافع من المحامين أو غيرهم من المتخصصين قانونا ، فقد يكون لحضور مدافع مؤهل ومحترف ما يقوي جانب المتهم ويوفر له الطمأنينة في موقف يحتاج فيه الى من يشد أزره (4) ، ولكن يجب على المحامي بذل كل ما في وسعه في سبيل الدفاع عن موكله ، وهناك اتجاهان فقهيان في وصف المحامي :
الأول : يصفه بأنه الشخص الذي يعمل الكثير ليحصل على القليل ، فالجهد الذي يبذله المحامي لا يساوي جزء من الأتعاب التي يتقاضاها من موكله ، وليس أحد ينكر تلك الجهود المضنية والخدمات الجليلة التي يقدمها إحقاقا للحق وخدمة للعدالة في كثير من القضايا القانونية (5).
أما الثاني : فيذهب الى أن المحامي الآن لا يهمه نوع الدعوى بمقدار ما يهمه المبلغ الذي يحصل عليه من الدفاع عنها ، إنه بعبارة أخرى لا يبالي أن يكون صاحب الدعوي على حق أو باطل ، وانما يسأله عن المبلغ الذي يدفعه إليه ، ويضيف أصحاب هذا الاتجاه بالقول إن مهنة المحامي تقتضي منه أن يدافع عن وجهة نظر موكله ، أما الحق والحقيقة فأمرها يأتي بعد ذلك والمحامي غير ظالم في هذا وليس عليه لوم ، فالمفروض أن يكون في كل جانب من القضية المعروضة أمام المحكمة محام يدافع عن موكله ، والمفروض في القاضي أيضا أن يستمع الى الحجج القانونية التي يدلي بها كل جانب ثم يصدر حكمه أخيرة على أساس الحياد والإنصاف وهذا هو الذي دعى القوانين الحديثة الى توكيل محام للفقير الذي لا يملك أجرة المحاماة في دعواه ، والقصد من ذلك أن يطلع القاضي على مختلف أوجه النظر ، فلو تركنا القاضي يحكم دون أن يستمع الى مجادلة الخصوم إندفع في الظلم من حيث لايدري ومن حق المحامي إذن أن يتحيز لجانب موكله إذ المفروض أن يكون في الجانب الأخر محام متحيز أيضأ ، وما على القاضي إلا أن يوازن بين هذين المتضادين ثم يفصل بينهما حسب ما يقتضيه العدل (6).
ولأهمية حق المتهم في الاستعانة بمحام ، حرصت الدساتير بالنص على هذه الضمانة ، فقد أوجب الدستور المصري لعام 1971 في المادة (67) حضور المحامي في جرائم الجنايات ، وأكدت المادة (69) على أن يكفل القانون لغير القادرين مالية وسائل الالتجاء الى القضاء بما يكفل حق الدفاع، وضمن الدستور اليمني لعام 1994 هذا الحق للمتهم في المادة (49) (حق الدفاع أصالة أو وكالة مكفول في جميع مراحل التحقيق والدعوي وجميع المحاكم وفقا لإحكام القانون وتكفل الدولة العون القضائي لغير القادرين وفقا للقانون ) ، وكفل الدستور العراقي لعام 2005 هذا الحق إذ نصت الفقرة (11) من المادة (19) ( على المحكمة أن تنتدب محامي للدفاع عن المتهم بجناية أو جنحة لمن ليس له محام يدافع عنه وعلى نفقة الدولة ) ، ويلحظ من خلال النصوص الأنفة الذكر إن المشرع الدستوري المصري قصر وجوبية حضور المحامي في الجنايات فقط ، وهذا ما تداركه المشرع الدستوري العراقي واليمني عندما أوجب حضور المحامي في جرائم الجنح والجنايات .
أما التشريعات الجنائية ، فيلحظ أن قانون الإجراءات الجنائية المصري منع في المادة (124) المعدلة بالقانون رقم (145) لسنة 2006 المحقق في الجنايات وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوبا استجواب المتهم إلا بعد دعوة محاميه للحضور عدا حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة ، فإذا لم يكن للمتهم محام أو لم يحضر محاميه بعد دعوته ، وجب على المحقق ، من تلقاء نفسه
أن يندب له محامي ، وهو ما س ار عليه من قبل قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي (7)، وأوجب قانون الإجراءات الجنائية اليمني في المادة (1/9) ( حق الدفاع مكفول ، وللمتهم الحق في تولي الدفاع عن نفسه أو بواسطة محام يختاره ليدافع عنه في أي مرحلة من مراحل الدعوي الجزائية بما في ذلك مرحلة التحقيق الابتدائي وتوفر الدولة للمعسر والفقير مدافعا عنه من المحامين المعتمدين ) ، ومنعت المادة (181) المحقق في غير حالة الجرائم المشهودة وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة من أن يستجوب المتهم أو يواجها بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور .
ولم يتطرق قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي الى وجوب حضور المحامي في مرحلة التحقيق الابتدائي بل قصر الأمر على مرحلة التحقيق النهائي . المحاكمة. فقد أوجب في المادة (144/أ) على رئيس محكمة الجنايات وفي جرائم الجنايات فقط انتداب محام على نفقة الدولة إذا كان المتهم معوزة ، ولكن منكرة سلطة الائتلاف المؤقت - سلطة الاحتلال - رقم (2) لسنة 2003 قد تداركت النقص التشريعي الحاصل وأضافت الى نص المادة (123) من قانون أصول المحاكمات الجزائية في القسم الرابع منها - من المذكرة - الفقرة (ب) التي أوجبت على قاضي التحقيق إعلام المتهم قبل إجراء التحقيق ف ي ( ثانيا - أن يكون له الحق في أن يتم تمثيله من قبل محام ، وإن لم تكن له القدرة على توكيل محام تقوم المحكمة بتعيين محام منتدب له دون تحميل المتهم أتعابه ) ، يلحظ أن هذا النص قد جاء عامة ليشمل جرائم الجنايات والجنح ، ويكون حضور المحامي وجوبية في مرحلتي التحقيق الابتدائي والمحاكمة .
وبصدد موقف المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ، فيلحظ أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 لم ينص صراحة على وجوبية حضور محامي للمتهم ، أو حق المتهم في الاستعانة بالمساعدة القانونية ، ولكن يمكن أن نستشف ذلك من مضمون المادة (11) والتي أشارت الى ضرورة توفير المحكمة للمتهم جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه ، ومن ثم فأن حضور المحامي من هذه الضمانات التي يتطلبها حق الدفاع ، وكان من الأفضل وأكثر ضمانة للمتهم لو أن هذا الإعلان تضمن نصا صريحا يوجب حضور محامي للدفاع عنه ، وأكدت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان العام 1950على ضرورة عدم إغفال هذا الحق ، فقد نصت المادة ( 6/2/ج) على حق المتهم في أن يدافع عن نفسه أو بمساعدة محامي ، فإذا لم يكن قادرا على دفع تكاليف هذه المساعدة القانونية فيجب توفيرها له مجانا كلما اقتضت العدالة ذلك ، أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 كان أكثر نضوجا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، إذ أشار الى هذا الأمر في المادة ( 3/14 ) التي أعطت للمتهم حرية الاتصال بمحام يختاره للدفاع عنه ، ولكنه لم يحذو حذو الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان في إشارتها لموضوع المعونة القانونية في حالة عدم إمكانية المتهم توكيل محام يدافع عنه ، وأشارت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 في المادة (8 /2/د) الى ان حق المتهم في الاستعانة بمحام هو حق ثابت لكل متهم .
كما حرص القضاء الدولي الجنائي على التأكيد على هذه الضمانة ، فقد أتاح النظام الأساسي لمحكمتي يوغسلافيا ورواندا للمتهم ما يلزم من وقت وتسهيلات لإعداد دفاعه والتخاطب مع المحامي الذي يختاره (8) ، وأجازت القواعد الإجرائية للمحكمتين للمتهم إذا كان معوزة حق تقديم طلبة الى المسجل في المحكمة يعلمه بعدم مقدرته المالية على توكيل مح ام ، ويتولى المسجل تقديم مثل هذا الطلب الى المحكمة بعد أن يتأكد من أن المتهم معوزة ، وبعد موافقة المحكمة على الطلب يحدد الم جل محاميا من قائمة المحامين المعتمدين لدى المحكمة ، وإذا رفضت المحكمة هذا الطلب ، يقوم المسجل بأعلام المتهم بأن طلبه قد رفض ، وفي هذه الحالة يجوز للمتهم أن يقدم طلبة أخر الى المسجل يوضح فيه أن هنالك تغير في الظروف التي أدت الى رفض الطلب الأول (9) ، واشترطت القواعد الإجرائية للمحكمتين على المحامي أن يؤدي واجباته وفقا للشروط المحددة في النظام الأساسي التي من أهمها أن يكون من المشهود له بتطبيق القانون في دولته ، أو أستاذ جامعي في القانون ، وأن يجيد أحدي أو كلا لغتي العمل في المحكمة (10) ، وأضافت قواعد محكمة رواندا شرطا أخر في تعيين المحامي وهو أن تكون لديه خبرة عملية لا تقل عن عشر سنوات (11).
وأكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على حق المتهم في الاستعانة بالمساعدة القانونية ، حيث نصت المادة ( 2/55/ج) ( للمتهم الاستعانة بالمساعدة القانونية التي يختارها واذ لم يكن لديه مساعدة قانونية توفرت له تلك المساعدة في أي حالة تقتضي فيها دواعي العدالة وذلك دون أن يدفع المتهم تكاليف تلك المساعدة في أي حال من هذا النوع إذا لم تكن لديه الإمكانيات الكافية لتحملها ) ، واشترطت قواعد الإجراءات في القاعدة 1/22) )في من يتولى مهمة محامي الدفاع أن تكون لديه كفاءة مشهود بها في القانون الدولي الجنائي والإجراءات الجنائية ، فضلا عن ذلك يجب أن تكون لدى المحامي معرفة ممتازة بواحدة على الأقل من لغات العمل في المحكمة ويتحدث بها بطلاقة (12) ، وأجازت القاعدة نفسها أن يساعد أما قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا فقد أوجب في المادة (19/ رابعا /ب) أن يتاح للمتهم حرية الاتصال بمحام يختاره بملء إرادته ويجتمع به على انفراد ، ويحق للمتهم أن يستعين بمحام غير عراقي ، طالما أن المحامي الرئيس عراقي ، أما اذا كان المتهم معوزة ، فقد أكدت الفقرة (د) من المادة نفسها بأن المتهم الحق بطلب المساعدة القضائية إذا لم تتوافر لديه المقدرة المالية ، وله الحق في طلب هذه المساعدة التي تتيح له توكيل محام دون أن يتحمل أجور المحاماة ، وتضمنت قواعد الإجراءات وجمع الأدلة نصة يبين وظيفة مكتب الدفاع حيث أشارت القاعدة (30) ثانية) أن من وظائف هذا المكتب ، تقديم المشورة والمساعدة القانونية للمتهم الموقوف مؤقتا أو الذي يتم استجوابه أو المتهمين المائلين أمام المحكمة ، كذلك بينت إن من بين المهام الرئيسة التي يؤديها مكتب الدفاع هي المساعدة القانونية لأي متهم غير قادر على دفع مقابل لذلك ، واشترطت الفقرة (رابعا) من القاعدة نفسها في المحامي الذي يتوكل عن المتهم والذي يختاره رئيس مكتب الدفاع في سبيل تقديم دفاع فاعل عن المتهم ، أن يكون محامي دفاع جنائي مؤهلا تأهيلا عالية ، وأوجبت القاعدة (29/ثالثا ) (على المحامي في سبيل تأدية واجباته الالتزام بالنصوص ذات العلاقة سواء كانت في قانون المحكمة أو في هذه القواعد أو في أي قواعد وأنظمة أخرى تأخذ بها المحكمة ، وعليه الى جانب هذا أن يلتزم بأي قوانين خاصة بممارسة مهنته أو بأخلاقياتها ) ، فضلا عن ما أشارت إليه الفقرة (أولا) من القاعدة نفسها والتي اشترطت على المحامي الذي وكله المتهم أن يقدم توكيله الى القاضي المختص بالسرعة الممكنة وعلى هذا الأخير أن يتحقق من أهلية المحامي وفقا لقانون المحاماة العراقي )، أما فيما يتعلق في الاستجواب فقد نصت الفقرة (أولا) من القاعدة (27) من قواعد الإجراءات ( للمتهم الذي يستجوبه قاضي التحقيق حقوق يتعين على هذا الأخير إبلاغه بها قبل استجوابه باللغة التي يتكلمها ويفهمها وهي أ- الحق في المساعدة بمحض اختياره بما في ذلك المساعدة القانونية التي يقدمها مكتب الدفاع إذا لم تكن لديه القدرة على دفع مقابل المساعدة ) ، وأعطت الفقرة الثانية من القاعدة نفسها الحرية ( للمتهم أن يتنازل بمحض إرادته عن حقه في المساعدة القانونية أثناء الاستجواب بشرط أن يبين قاضي التحقيق أن التنازل قد تهم بحرية وإدراك )، كما ألزمت الفقرة (ثالثا ) من القاعدة نفسها قاضي التحقيق بعدم استجواب المتهم إذا مارس حقه بالمساعدة القانونية إلا بحضور المحامي مالم يتنازل المشتبه به عقب ذلك طوعا وعن علم عن حقه في حضور المحامي ، وفي حالة التنازل ، فأنه إذا أعرب المشتبه به لاحقا عن رغبته في حضور محام يجب أن يتوقف الاستجواب بناء على ذلك ولأيستأنف إلا بحضور المحامي ، وأرى أن قانون المحكمة قد عالج هذه الضمانة بأسلوب يتسم بالدقة .
ثانيا - حق المتهم في الاستعانة بمترجم
تنصب مهمة الدفاع في قوة الرد على ما جاء به الاتهام إلا أن هذا لا يتحقق إن كان الاتهام بلغة والدفاع بلغة أخرى ، إذ تصاب العملية الإجرائية القضائية بالخلل ، فلا الاتهام يأتي في موضعه ولا الدفاع كذلك ، من هنا جاءت ضمانة مهمة وأساسية للمتهم وهي إحاطته علما بالتهمة المنسوبة إليه وشرحها له والتأكد من فهمه إياها وترجمتها له بلغة يفهمها (13) .
وحرصت التشريعات على الإشارة الى هذا الأمر على الرغم من عدم النص عليه دستورية ، إذ أوجبت المادة (156) من قانون السلطة القضائية المصري رقم (46) لسنة 1972 المعدل ( أن يلحق بكل محكمة العدد اللازم من المترجمين )، واشترطت المادة (158) على المترجم قبل مباشرة عمله أداء اليمين القانونية ، وأشار قانون التنظيم القضائي العراقي رقم (160) لسنة 1979 المعدل الى إمكانية سماع أقوال الخصوم أو الشهود أو الخبراء أمام المحكمة بواسطة مترجم يحلف اليمين القانونية إذا كانوا يجهلون لغة المحكمة ، إذ نصت المادة (4/ثانيا) ( تسمع المحكمة أقوال الخصوم أو الشهود أو الخبراء الذين يجهلون لغة المحكمة ، بواسطة مترجم بعد حلفه اليمين ) ، وأكد قانون الإجراءات الجنائية اليمني هذه الضمانة إذ نصت المادة (335) ( إذا كان المتهم أو أحد الشهود غير ملم باللغة العربية فاللمحكمة أن تستعين بمترجم ...) .
وأكدت معظم المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان على ضرورة تقديم المساعدة اللغوية للمتهم في حالة عدم فهمه اللغة التي يجري التحقيق والمحاكمة فيها ، فقد أكدت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950 في المادة (3/6/هـ) على حق المتهم في الحصول على خدمات الترجمة المجانية إذا لم يكن يفهم أو يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة ، وجاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في المادة (3/14 / و) ( 000أن يحصل - المتهم - مجانا على مترجم إذا كان لا يتكلم اللغة المستعملة في جلسة المحاكمة )، وجاءت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 بنص مماثل في المادة (2/8/ أ) منها .
وحرص القضاء الدولي الجنائي على توفير هذه الضمانة للمتهم (14) ، فقد أكد النظام الأساسي لمحكمتي يوغسلافيا ورواند على أن توفر المحكمة للمتهم مجانا مساعدة مترجم شفوي إذا كان لا يفهم و لا يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة (15)
ونص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة (55/ 1/ج) ( إذ جرى استجواب الشخص بلغة غير اللغة التي يفهمها تماما ويتحدث بها ، يحق له الاستعانة مجانا بمترجم شفوي كفء والحصول على الترجمات التحريرية اللازمة للوفاء بمقتضيات الإنصاف ) ، ويلحظ أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد أضاف عبارة مترجم كفء وهذا يتطلب من المحكمة ، أن تختار أنسب من يلائم القيام بهذه المهمة من حيث سرعة الترجمة وسلامة النطق والحيادية والأمانة ، وإلا كانت المحكمة عرض للنقد ، لذلك أرى أن هذا النظام قد تدارك الهفوات التي وقع فيها النظام الأساسي لمحكمتي يوغسلافيا ورواندا ومن الضمانات المقررة في مجال الترجمة، تحليف المترجم اليمين القانونية لما نعرفه من أن للدين سلطان على القلوب .
فقد اشترطت قواعد محكمتي يوغسلافيا ورواندا والمحكمة الجنائية الدولية على المترجم الشفوي والتحريري قبل مباشرته مهامه أن يقدم تعهدا رسميا على تأدية مهامه بإخلاص ونزاهة وباحترام تام لواجب المحافظة على السرية (16).
أما المحكمة الجنائية العراقية العليا ، فيلحظ أن قواعد الإجراءات وجمع الأدلة قد نصت في القاعدة (27/أوب) على أن للمتهم ( الحق في خدمات ترجمة مجانية إذا لم يكن يفهم أو يتكلم اللغة التي يجري فيها الاستجواب ) ، واشترطت القاعدة (49) على المترجم قبل تنفيذ أي واجب (000 أن يؤدي اليمين بأنه سيقوم بعمله بكل أمانة وحياد واستقلال مع الاحترام الكامل لسرية الواجب ) ، ولكن يؤخذ على المحكمة الجنائية العراقية العليا أن قانونها وقواعد الإجراءات وجمع الأدلة لم يبينا الشروط الواجب توفرها في المترجم ،ويا حبذا لو أضيف نص يتضمن الصفات الواجب توافرها في المترجم كالكفاءة وسرعة الترجمة وسلامة النطق .
ثالثا - حق المتهم في الصمت وحق الامتياز بعدم تجريم النفس
حق المتهم في الصمت يمثل أحد مظاهر حرية المتهم في الدفاع عن نفسه ، فالمتهم يتمنع عند استجوابه بحرية كاملة وتامة في الإجابة عما يوجه إليه من قبل القائم بالتحقيق من أسئلة ، فمن حق المتهم أن يتمسك بالصمت إذا شاء ، لأن الموقف يخضع بشكل كلي لتقديره الخاص ، إذ لا عقاب على المتهم إذا أمتنع عن الإجابة عن أي سؤال (17)، وعلى الرغم من أهمية الاعتراف للمتهم بهذا الحق ، أرى ضرورة أن يلتزم المتهم جانب الصمت في أغلب الأحيان ،
ودليلي أن الكلام أفضل من السكوت ، هو ما ورد على لسان علماء الكلام والبلاغة ، وصاحب الصولة في ذلك أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) إذ سأل أيهما أفضل الكلام أم السكوت ، فأجاب بأن الكلام أفضل من السكوت لأنك تصف السكوت بالكلام ولا تصف الكلام بالسكوت ، وقال تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه (18)، ورب سائل يسأل بان هناك تناقض بين ما قلته وبين ما روي عن الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه قال السكوت ذهب والكلام فضة) ، فأقول نعم إن السكوت هو الطريق الأفضل والأسرع لزقي الإنسان وتكامله (19)، لأن الإنسان مال بطبيعته لأن يقول كل ما يشعر به ويعلمه ويعرفه مع أن معظمه لا يتناسب من حيث القيمة مع ما يصرفه من وقت في هذا السبيل ، في حين التأمل والتفكر يعطي نتائج أفضل، وإذا كان الناس يعظمون المبدعين والمخترعين والمكتشفين فان الإبداع في كل مجالات الحياة لا يظهر نتيجة الكلام كظهور نتيجة التأمل ، ولكن المقصود من الحديث الشريف أن السكوت النافع أغلى من الكلام مالم يكن مرحة لأحدهما على الأخر (20)، وعليه فأن مواجهة المتهم بالتهمة والأسئلة والأدلة المقدمة ضده تحتاج الى بيان يد حضها ، إذ رب قول أنفذ من صول ، ولكن هذا لا يعني إن الصمت يفسر ضد المتهم ، ففي بعض الجرائم خصوصا الجرائم السياسية منها نجد المتهم يحرص على إظهار فكرة ، فهو لا يفكر في التنصل من أفكاره فيما يوجه إليه من أسئلة بشأنها بل إنه يفاخر بهذه الأفكار (21)، وأرى أنه خشية على المتهم في هذه الحالة من هيجان الرأي العام . خصوصا اذا كان معارضة لتلك الأفكار - ومن تأثيره على المحكمة ، فالأفضل للمتهم التزام جانب الصمت لحين ترتيب أوضاعه ودفاعه بشكل يتسم بالعقلانية وإيصال أفكاره بشكل أفضل وفي وقت أنسب ، وهذا ما رأيناه عندما تناقلت فضائيات العالم أجمع ما جرى في التحقيق الابتدائي مع المتهم صدام حسين في عام 2005 عندما وجهت إليه التهمة عن دخوله للكويت وغزوها (22)، فتكلم بكلام أثار حفيظة دول الخليج العربي وبعض السياسة الموالين لها .
كما يقتضي احترام حق المتهم في الصمت عدم جواز استخدام أية وسيلة مادية كانت أو معنوية للتأثير على إرادته ، والضغط عليه لتقديم دليل يستخدم في إدانته أو تجريمه فيما بعد ، وسواء أكان الدليل قولي ( يتمثل باعترافه ) أو مادي يتصل بالجريمة التي تنسب إليه أو يشتبه به أنه ارتكبها وهذا الحق يسمى بحق الامتياز بعدم تجريم النفس ، إذن فالحق بالصمت كما يري بعض من الفقهاء هو مظهر من مظاهر الحق بعدم تجريم النفس ، ويترتب على الاعتراف للمتهم بهذا الحق ضمان احترام إرادته تجاه كل شكل من أشكال وأساليب الإكراه المادي والمعنوي ، وترتيب الجزاء الإجرائي والموضوعي تجاه انتهاك هذه الإرادة (23) .
وحرصت أغلب الدساتير في دول العالم على أن ترسم الخطوط العريضة للحماية التي يجب أن يعطيها المشرع للحق في علم إجبار المتهم على الكلام وانتزاع الاعتراف ، لكنها لم تنص صراحة على حق المتهم في التزام الصمت باعتباره يدخل ضمن حق الامتياز بعدم تجريم النفس بمعناه الواسع (24) .
فقد تضمن الدستور المصري لعام 1971 ما يشير الى هذا الحق ، حيث قضت المادة (43) (كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقييد حريته ، تجب معاملته بما يحفظ كرامته ولا يجوز إيذاءه بدني ... وكل قول يصدر تحت وطأة ما تقدم ذكره يهدر ولا يعول عليه )، وأقر الدستور اليمني لعام 1994 بمعصومية الجسد وعلم إجبار المتهم على الكلام في المادة (48) (... كل إنسان تقيد حريته يجب أن تصان كرامته ، ويحضر التعذيب جسدية أو نفسية أو معنويا ويحظر القسر على الاعتراف أثناء التحقيقات ) ، كما كفل الدستور العراقي لعام 2005 هذا الحق إذ نصت المادة (37/ أولا / ج) ( يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية ، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب ...) و وكانت التشريعات الجنائية أكثر تفصيلا لهذا الأمر ، إذ أشارت صراحة لحق المتهم في التزام جانب الصمت وكذلك على حقه في الامتياز ، إذ لم تجز المادة (274) من قانون الإجراءات الجنائية المصري استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك ، ومنعت المادة (40) إيذاءه بدنية أو معنوية ، ونص قانون الإجراءات الجنائية اليمني في المادة (178) (لا يجوز .... إجباره . المتهم - على الإجابة ولا يعتبر امتناعه عنها قرينة على ثبوت التهمة ضده ، كما لا يجوز التحايل أو استخدام العنف أو الضغط بأي وسيلة من وسائل الإغراء والإكراه لحمله على الاعتراف )، وأقر قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي صراحة بحق المتهم في التزام الصمت في جميع مراحل الدعوى ، إلا إنه لم يوجب على القائم بالتحقيق الابتدائي أو محكمة الموضوع تنبيه المتهم بأن له الحق بالتزام جانب الصمت والامتناع على الإجابة على الأسئلة الموجهة إليه ، إذ نصت المادة (126/ب) ( لا يجبر المتهم على الإجابة على الأسئلة التي توجه إليه ) ، كما نصت المادة (179 ) ( للمحكمة أن توجه للمتهم ما تراه مناسبة من الأسئلة لكشف الحقيقة قبل توجيه التهمة إليه أو بعدها ولا يعد امتناعه عن الإجابة دليلا ضده ) ، مع ملاحظة الفقرة (ب) المضافة الى المادة (123) بموجب أمر سلطة الائتلاف . الاحتلال - المؤقتة (25) التي أوجب فيها البند ( أولا) على قاضي التحقيق قبل إجراء التحقيق مع المتهم إعلامه بأن له الحق في السكوت ، ولا ينتج عن ممارسته هذا الحق أي قرينة ضده ، وتضمن قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل في المادة (333) نصا يجرم كل ( موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم 000 لحمله على الاعتراف ..... ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة أو التهديد ).
وأشارت المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان الى هذا الحق بمعناه الواسع. حق الامتياز بعدم تجريم النفس - إذ أشار الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 الى عدم تعريض أي إنسان للتعذيب وللعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الإحاطة بالكرامة (26) ، وقضت الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950 في المادة (3) بعدم إخضاع أي فرد للتعذيب ، وجاء العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 مؤكدة على هذا الحق في المادة (7 ) ( لا يجوز اخضاع أي شخص للتعذيب ولا لعقوبات أو معاملته بقسوة...) ، وأقرت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 في المادة (5) بتحريم التعذيب إذا أشارت الفقرة (أ) منها الى حق الإنسان في أن تكون سلامته الجسدية والعقلية محترمة ، وأكدت الفقرة (ب) من المادة نفسها بعدم جواز إخضاع أحد للتعذيب أو لعقوبة أو المعاملة قاسية أو مذلة .
ونال هذا الحق اهتمام المحاكم الدولية الجنائية ، فقد كرست القواعد الإجرائية لمحكمتي يوغسلافيا ورواندا موضعين لحق المتهم في التزام الصمت ، الأول خصصته لحقوق المتهم أثناء التحقيق ومن هذه الحقوق حقه في البقاء ص امت وتنبيهه بأن أي كلمة يتكلمها سوف تسجل وتستخدم ضده كدليل ، والموضع الثاني قد خصصته لاستجواب المتهم إذ أعطت للمتهم الحق في الامتناع عن الكلام عند استجوابه من قبل المدعي العام إلا بحضور محاميه مالم يتنازل المتهم عن هذا الحق صراحة (27) ، أما فيما يتعلق بحق المتهم بالامتياز بعدم تجريم النفس ، فيلحظ أن النظام الأساسي والقواعد الإجرائية للمحكمتين لم تنص صراحة على هذه الضمانة للمتهم ولكن يمكن أن نستشف ذلك من خلال ما أشارت أليه قواعد المحكمتين الى إمكانية استبعاد الأدلة إذا حصلت بأساليب تثير شكا كثيرة في موثوقيتها (28) ، وبما أن استخدام العنف والإكراه المادي والمعنوي ضد المتهم من أجل الحصول على الدليل ، تعتبر من الوسائل غير المشروعة والمخالفة للقانون ، فهذا يعني ضمنا منع استخدام وسائل التعذيب لحمل المتهم على الاعتراف .
وقرر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هذ الحق في موضعين ، إذ جاء في المادة (55 /2 ) النص على حق المتهم في التزام الصمت (000للمتهم الحقوق التالية ويجب إبلاغه بها قبل الاستجواب ب- التزام الصمت لون أن يعتبر عاملا في تقرير الذنب أو البراءة .......) ، وأشارت الفقرة (1/أ ) من المادة نفسها بعدم جواز إجبار المتهم على تجريم نفسه أو الاعتراف بأنه مذنب ، ومنعت الفقرة (ب) إخضاع المتهم لأي شكل من أشكال القسر أو الإكراه أو التهديد ، ولا يجوز إخضاعه للتعذيب او لأي شكل أخر من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة .
وأكد قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا على هذا الحق للمتهم ( الحق في التزام الصمت أو الحق في الامتياز بعدم تجريم النفس ) ، فقد نصت المادة (19 رابعا / و) من قانونها ( لا يجوز إرغامه على الاعتراف وله الحق في الصمت وعلم الإدلاء بإفادة دون أن يفسر هذا الصمت دليلا على الإدانة أو البراءة ) ، وأشارت القاعدة (27/أو" /ج) من قواعد الإجراءات وجمع الأدلة إن للمتهم الذي يستجوبه قاضي التحقيق حقوق يتعين على هذا الأخير إبلاغه بها قبل استجوابه باللغة التي يتكلمها ويفهمها ، ومن هذه الحقوق الحق في إلتزام جانب الصمت والحذر من أن أي بيان أو قول يصدر منه قد يستعمل ضده في المحاكمة (29) ، مع ملاحظة ما جاء في المادة (17/أولا) من قانون المحكمة والتي أشارت إلى تطبيق أحكام القانون الجنائي العراقي في حالة عدم وجود نص قانوني في قانون المحكمة وقواعد الإجراءات وجمع الأدلة ، وبالرجوع الى قانون العقوبات العراقي نجد (كما اسلفت ) أن فيه نصا يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب متهم 000 لحمله على الاعتراف بجريمة او للإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها ...
يستنتج من ذلك أن التنظيم القانوني للمحكمة الجنائية العراقية العليا قد وفر للمتهم الضمانة التي يوفرها الحق في التزام الصمت سواء في معناه الضيق أو معناه الواسع الذي يشمل الحق في الامتياز بعدم تجريم النفس ، وبذلك يكون قد ساير الأنظمة الأساسية للمحاكم الدولية الجنائية في نهجها بتوفيره لهذه الضمانة ، ولكنه تميز عن نظام محكمتي يوغسلافيا ورواندا من خلال النص صراحة على منع كل أشكال التعذيب والإكراه المادي والمعنوي .
رابعا - ضمانات المتهم في استخدام الوسائل الفنية في الاستجواب
لم يتوقف التفكير العلمي خلال العقود الأخيرة من هذا الزمان عن تطوير طرق البحث عن الأدلة التي يمكن الاستناد اليها في الإثبات الجنائي ، وقد اتجهت أبحاث علم النفس الجنائي الى الاستفادة من التحليل النفسي ومن انفعالات النفس اللاشعورية للتعرف على الحقيقة عن طريق
إخضاع المتهمين والشهود الى سلسلة من التجارب والاختبارات بقصد الوصول الى اكتشاف الجرائم ومعرفة أسبابها ودوافعها ووقائعها وفاعليها عن طريق الاستجواب اللاشعوري ، وهذه الوسائل الفنية على نوعين ، وسائل تعلم الإرادة مثل إعطاء العقاقير المخدرة ، والتنويم المغناطيسي ، وجهاز كشف الكذب ، وهنالك وسائل لا تعدم الإرادة ومنها استخدام طريقة الفيديو أو الصوت لتسجيل الاستجواب (30).
فبالنسبة للعقاقير المخدرة يلحظ أنها مواد تعطى للمتهم فيفقد القدرة على الاختيار والتحكم الإرادي مما يجعله أكثر قابلية للإيحاء سواء كان يتحدث تلقائية أو ردا على أسئلة موجهة إليه ، ومن هذه العقاقير التي تستخدم في هذا المجال ، عقار (الفاركوفين) (narcovin ) وعقار بنتوثال الصوديوم ( penthol souduim ) ، وعليه فإن الإقرار المتحصل باستخدام هذه العقاقير هو إقرار قسري (31) .
أما التنويم المغناطيسي للمتهم فهو إحداث حالة من النوم الاصطناعي لبعض ملكات العقل عن طريق الإيحاء بفكرة النوم ، فيخضع المتهم الشخصية المنوم ، ويتم اللجوء الى التنويم المغناطيسي أثناء الاستجواب لأن له أثرا فعالا في شخصية المتهم ، إذ يمكن استدعاء المعلومات المخزنة في عقل المتهم عن تفاصيل الجريمة والتي لايمكن الوصول اليها بالأساليب العادية (32) ، ومن خلال ملاحظة أراء الفقهاء في القانون الجنائي ، أجد أن غالبية الفقه لا تقفز استخدام هذه الوسائل في الاستجواب ، لأنهم يعتبرونها من وسائل الإكراه المادي التي تفسد الإرادة ، وتتعارض مع ما تستوجبه حماية الحريات الفردية (33) و فيلحظ أن الدستور المصري لعام 1971 قد منع في المادة (43) (... إجراء أي تجربة طبية أو علمية على أي إنسان بغير رضائه الحر ) ، ويا حبذا لو أن المشرع العراقي يضمن الدستور نصة مشابهة لما ورد في الدستور المصري ويضيف إليه شق التجريم خصوصا إن المواطن العراقي قد أصبح محلا للتجارب من كل حدب وصوب ، ولكن الدستور العراقي لعام
2005 أشار ضمنا الى عدم استخدام الوسائل التي تنطوي على إكراه المتهم ، إذ منعت المادة (37) أولا /ج) جميع أنواع التعذيب ولم تأخذ بالاعتراف الذي ينتزع بالإكراه ، وحضر الدستور اليمني في المادة (48) التعذيب الجسدي والنفسي والمعنوي ، وبما أن إخضاع المتهم للوسائل الفنية في الاستجواب والتي تعلم الإرادة تعتبر من وسائل الإكراه ، فذلك يعني ضمنا لان الدستور اليمني والعراقي قد منعا استخدام هذه الوسائل عند استجواب المتهم ، ولم يتضمن الدستور الفرنسي لعام 1958 أي نص يشير صراحة أو دلالة الى مسألة استخدام الوسائل الفنية في الاستجواب والتي تعدم الإرادة ، أما الوسائل الفنية التي لا تعلم الإرادة أثناء الاستجواب ، كالتسجيل الصوتي والمرئي والتي لا تتضمن أي إكراه للمتهم ، فأرى أن الدساتير موضوع المقارنة لم تمنع ذلك .
أما المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ، فيلحظ أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 قد أشار في المادة (5) الى منع تعذيب المتهم بصورة عامة والتي من ضمنها إكراه المتهم لحمله على الاعتراف ، وسارت على ذات النهج الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950 في المادة (3) ، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الانسان لعام 1969 في المادة (7) ، أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 فقد جاء واضحة وصريحة إذ أشارت المادة (7) بعدم جواز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على الإنسان بغير رضاءه الحر.
وأقرت القواعد الإجرائية في المحاكم الدولية الجنائية ، استخدام الوسائل الفنية في الاستجواب ، وحددت طريقتين لتسجيله هما الصوت والفيديو ، ومنعت ضمنا استخدام الوسائل التي تعدم الإرادة والتي تستخدم بالإكراه لحمله على الاعتراف ، فوفقا للقواعد الإجرائية لمحكمتي يوغسلافيا ورواندا ، على المدعي العام كلما قام باستجواب المتهم وجب تسجيل ذلك الاستجواب بالصوت والفيديو (34).
أما القواعد الإجرائية للمحكمة الجنائية الدولية ، فقد أشارت القاعدة (112) الى أن المدعي العام يبذل كل جهد معقول لتسجيل الاستجواب بطريقة الصوت والفيديو ، ويجوز له بصورة استثنائية استجواب المتهم بدون تسجيل الاستجواب بالصوت أو الفيديو ، وعندما تحول الظروف دون إجراء مثل هذا التسجيل ، ففي هذه الحالة تنكر كتابة الأسباب التي حالت دون التسجيل .
أما عن الضمانات التي توفرها هذه الطريقة تسجيل الاستجواب بالصوت والصورة . للمتهم ، فقد ألزمت القواعد الإجرائية للمحاكم الدولية الجنائية الثلاث بوجوب نسخ محتويات الشريط الذي تم تسجيل الاستجواب عليه بأسرع ما يمكن بعد الانتهاء من الاستجواب ، وتعطى نسخة منه للمتهم ، مع نسخة من الشريط المسجل ، أو أحد الأشرطة المسجلة الأصلية في حالة استخدام جهاز تسجيل متعدد الأشرطة ، ويوضع ختم على الشريط المسجل الأصلي أو أحد الأشرطة الأصلية بحضور المتهم والمحامي إن كان حاضرة ، ويوقع عليه المدعي العام والمتهم (35).
وأرى أن تسجيل الاستجواب وختمه بهذه الطريقة يوفر ضمانتان لكل من المحكمة والمتهم ، فبالنسبة للمحكمة ، يدل هذا الإجراء على أن الاستجواب قد تم في ضوء ما تقتضيه العدالة وفي ظل القانون وبذلك تتجنب الطعن الذي ربما تتعرض له ، أما المتهم فتوفر له هذه الطريقة ضمانة تحميه من التلاعب بأقواله ، فضلا عن إمكانية مراجعة تلك الأقوال حتى يتبين له أين هي مواطن الضعف والقوه ويبني دفاعه على أساسها في مرحلة المحاكمة .
أما المحكمة الجنائية العراقية العليا ، فقد أجازت قواعد الإجراءات وجمع الأدلة تسجيل الاستجواب باستخدام جهاز تسجيل سمعي او بصري ، إذ نصت القاعدة (28) ( إذا استجوب قاضي التحقيق المتهم جاز له تسجيل ذلك الاستجواب بواسطة جهاز سمعي او بصري أو بواسطة كاتب الضبط ) ، ويلحظ بأن قواعد الإجراءات في المحكمة الجنائية العراقية العليا
جعلت استخدام هاتين الوسيلتين أمرأ جوازيا في الاستجواب ، فالأمر متروك للسلطة التقديرية القاضي التحقيق إن شاء أخذ بها وإن شاء تركها ، ويؤخذ على قانون المحكمة وقواعد الإجراءات وجمع الأدلة عدم النص صراحة إلى إمكانية حصول المتهم على نسخة من شريط التسجيل ، وكيفية التوقيع على النسخة الأصلية ، ولكن القاعدة (40أولا /أ) ألزمت المدعي العام أن يكشف المحامي الدفاع جميع الإفادات والأدلة قبل (45) يوما من المحاكمة ، وسمحت الفقرة (ب) من القاعدة نفسها المحامي الدفاع الحق في اقتناء الكتب والوثائق والصور. الخاصة بالاستجواب - ليتمكن من إعداد دفاعه ، فاذا ما علمنا أن أشرطة التسجيل السمعي والمرئي من هذه الوثائق ، فهذا يعني ضمن إن قواعد الإجراءات وجمع الأدلة في المحكمة أعطت للمتهم في حالة تسجيل الاستجواب بالصوت والصورة الحق في الاطلاع هو ومحاميه على هذه الوثائق .
وبدوري أقترح تضمين قانون المحكمة نصا يجعل من التسجيل الصوتي والمرئي للاستجواب أمرأ وجوبية وتتخذ فيه الإجراءات التي اتخذتها الأنظمة الأساسية للمحاكم الدولية الجنائية بشأن كيفية حضور المتهم ومحاميه والمدعي العام وتوقيعهم على النسخة الأصلية للشريط الذي تم تسجيل الاستجواب عليه ، كذلك النص صراحة على إمكانية حصول المتهم على نسخة من هذا الشريط لما في ذلك من فائدة للمتهم والمحكمة في آن واحد .
____________
1- ينظر: د. حسن صادق المرصفاوي ، أصول الإجراءات الجنائية، منشأة المعارف ، الإسكندرية ،1977، ص 393 جمعة سعدون الربيعي ، الدعوى الجزائية وتطبيقاتها، مطبعة الجاحظ ، بغداد ، 1996 ص 31 .
2- ينظر : عبد الأمير العكيلي و د. سليم حربة ، أصول المحاكمات الجزائية ، ج1 ، المكتبة القانونية ، بغداد ، بلا تاريخ طبع ص 156
3- ينظر : أحمد المهدي وأشرف شافعي ، التحقيق الجنائي الابتدائي وضمانات المتهم وحمايتها ، ص 80 .
4- prof leonard cavise: human rights in trail phase of american system of criminal procedure of united states international institute of higher studes in criminal sciences , institute superieur international des sciences criminalles alexandria, 1989 page 99.
5- ينظر : علي السماك ، الموسوعة الفضائية في التحقيق الجنائي العراقي والمحاكمة، ج1، ط 1، مطبعة الإرشاد ، بغداد ، 1963 فصل 46 .
6- د . علي الوردي ، مهزلة العقل البشري عذار الحياة للنشر والتوزيع ،بغداد، بلا تاريخ طبع فصل 165
7- ينظر: د محمد علي سالم و د. إسراء محمد علي سالم ، استجواب المتهم وضماناته القانونية ، مجلة العلوم الإدارية والقانونية ، جامعة بابل ، المجلد 10، العدد 6، 2005 ، ص 136 .
8- ينظر: المادة (21) 4ب) من النظام الأساسي المحكمة يوغسلافيا المادة (4/20 / ب) من النظام الأساسي المحكمة رواندا
9- ينظر: القاعدة (45) من قواعد محكمة يوغسلافيا ، القاعدة (45) من قواعد محكمة رواندا.
10- ينظر: القاعدة (44) من قواعد محكمة يوغسلافيا ، المادة (14) من توجيهات تعيين محامي الدفاع لمحكمة يوغسلافيا ، القاعدة (44) من قواعد محكمة رواندا ، المادة (13) من توجيهات تعيين محامي الدفاع لمحكمة رواندا.
11- ينظر: القاعدة (46) من قواعد محكمة رواندا .
12- واللغات الرسمية للمحكمة هي الإسبانية والإنكليزية والروسية والصينية والعربية والفرنسية ، أما لغات العمل بالمحكمة فهي الإنكليزية والفرنسية ، ينظر: المادة (50) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المحامي أشخاص أخرون بمن فيهم أساتذة القانون الذين تتوافر فيهم الخبرة اللازمة.
13- ينظر: طيبة جواد المختار ، ضمانات المتهم في مرحلة المحاكمة في القضاء الدولي الجنائي ، رسالة ماجستير ، جامعة بابل ، كلية القانون ، 2001، ص 131 .
14- ورد في المادة (16 ، أ ) من لائحة محكمة نورمبرغ النص على هذا الحق ، وأيضا في المادة (1/9) من لائحة محكمة طوكيو .
15- ينظر : المادة (4/21 / و ) من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا ، المادة (4/20 / و ) من النظام الأساسي لمحكمة رواندا
16- ينظر: القاعدة (76) من قواعد محكمة يوغسلافيا ، القاعدة (76) من قواعد محكمة رواندا ، القاعدة (2/6) من قواعد المحكمة الجنائية الدولية .
17- ينظر: المادة (126ب ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي .
18- ينظر: الشيخ محمد عبده ، نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ج4 ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، بلا تاريخ طبع ، ص 91
19- قال الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ( من علامات الفقه ، الحلم والعلم والصمت ، إن الصمت باب من أبواب الحكمة ، إن الصمت يكسب المحبة إنه دليل على كل خير ) ، ينظر: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ، أصول الكافي ، ج2 ، ط1 ، منشورات الفجر ، بيروت ، 2007، ص 073
20- آية الله العظمى ، السيد صادق الشيرازي ، العلم النافع سبيل النجاة ، مؤسسة الرسول الأكرم الثقافية ، ط2، 1429هـ ، ص 141 .
21- ينظر : سراج الدين محمد الروبي ، الاستجوابات الجنائية بمفهومها الجديد ، الدار المصرية اللبنانية ، 1997 ، ص 23 .
22- من المفارقات أن يطلق على دخول العراق الكويت أسم الغزو العراقي ، ويطلق على الاحتلال الأمريكي للعراق أسم تحرير العراق ، وهو أبعد ما يكون عن التحرير، فهو انتهاك لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة وقرار الحرب ضد العراق كان بأراده أمريكية دون الرجوع الى الشرعية الدولية .
23- ينظر : د. حسام الدين محمد أحمد ، حق المتهم في الصمت ، دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط3، 2003، ص 82 .
24- ينظر: المادة (13) من الدستور الايطالي لعام 1948،المادة (10) من الدستور السويسري لعام 1999 .
25- collation power authority orders, order(3),section (4),17/8/2003.
26- ينظر: باتريس رولان و بول تافيريه ، الحماية الدولية لحقوق الإنسان ، ترجمة جورجيت ط1 ، منشورات عويدات ، 1986 ، ص 15 ، المادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حداد ، العام 1948 .
27- ينظر: القاعدتان (42 /ج ) ، (63 / أ) من قواعد محكمة يوغسلافيا ، القاعدتان (42 / ج ) (/63أ) ) من قواعد محكمة رواندا .
28- ينظر: القاعدة (95) من قواعد محكمة و لافيا ، القاعدة (95) من قواعد محكمة رواندا.
29- لوح المتهم صدام حسين في جلسة التحقيق بتاريخ 2005/7/27 بأنه يفضل الصمت لأنه لا يتمكن حسب تعبيره من مقابلة المحامين الموكلين بالدفاع عنه ، وقد اعطته المحكمة هذه الضمانة خبر منشور على موقع الأنترنت في 29/ 7/ 2005 www.palintefada.com
30- ينظر: د. محمد فالح حسن ، مشروعية استخدام الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات الجنائي ، دراسة مقارنة ، ط1 ، مطبعة الشرطة ، بغداد ، 1987 ، ص 51 .
31- ينظر: د0 محمد فالح حسن ، المصدر السابق ، ص 54 .
32- ينظر: د سلطان الشاوي، أصول التحقيق الإجرامي ، طه، المكتبة القانونية، بغداد ،2006، ص 245 .
33- للمزيد يراجع : د. محمد فالح حسن ، مشروعية استخدام الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات الجنائي ، دراسة مقارنة ، ط1 ، مطبعة الشرطة ، بغداد ، 1987 ، ص 53، 63، 83، 84 0 ضياء عبدالله عبود الأسدي ، الحق في سلامة الجسد ضمانة من ضمانات المتهم ، رسالة ماجستير ، جامعة بابل ، كلية القانون ، 2002 ، ص 73 .
34- ينظر: القاعدة (43) من قواعد محكمة يوغسلافيا ، القاعدة (43) من قواعد محكمة رواندا .
35- ينظر: القاعدة (112 ،1) من قواعد المحكمة الجنائية الدولية ، القاعدة (43) من قواعد محكمة يوغسلافيا ، القاعدة (43) من قواعد محكمة رواندا .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|