أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-03-2015
2411
التاريخ: 27-02-2015
2317
التاريخ: 27-03-2015
5375
التاريخ: 27-02-2015
7453
|
نشاطه العقلي والعلمي
هو الخليل(1) بن احمد الفراهيدي البصري ، عربي من أزدعمان ، ولد سنة مائة للهجرة ، وتوفي سنة مائة وخمس وسبعين، ومنشؤه ومرباه وحياته في البصرة ، وقد أخذ يختلف منذ نعومة أظفاره الى حلقات المحدثين والفقهاء وعلماء اللغة والنحو ، وأكب إكباباً على حلقات أستاذيه عيسى بن عمر وأبي عمر وبن العلاء ، كما أكب على نقل من علوم الشعوب المستعربة ، وخاصة العلوم الرياضية ، وكان صديقاً لابن المقفع مواطنه ، فقرأ كل ما ترجمه وخاصة منطق أرسططاليس ، كما قرأ ما ترجمه غيره من علم الإيقاع الموسيقى عند اليونان ، وحذق هذا العلم حذقاً جعله يؤلف فيه كتاباً كان الأصل الذي اعتمد عليه إسحق الموصلي في تأليف كتابه الذي صنفه في النغم واللحون.
وكان عقل الخليل من العقول الخصبة النادرة ، فهو لا يلم بعلم حتى يلتهمه التهاماً ، بل حتى يستوعبه ويتمثله وينفذ منه الى ما يفتح به أبوابه الموصدة ، وحقاً ما قاله ابن المقفع فيه من أن عقله كان أكثر من عمله ، وهو عقل جعله يتصل بكل علم ويحوز لنفسه منه كل ما ينبغي من ثراء في التفكير ودقة في الاستنباط ،
ص30
دقة تذهل كل من يقف على وضعه لعروض الشعر ورفعه لصرح النحو ورسمه المنهج الذي الف عليه معجم العين أول معجم في العربية . ولما أدركته الشهرة لم يستغلها لنفسه وتحقيق ما حققه بعض معاصريه من الثراء العريض ، بل مضى مزدريا للشهرة وما قد يطوى فيها من مجد مادي ، مكتفياً بكفاف العيش ، وفي ذلك يقول النضر بن شميل أحد تلاميذه : " أقام الخليل في خص من أخصاص البصرة لا يقدر على فلس وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال " .
وعلى هذا النحو كان يزدري الخليل متاع الحياة الدنيا الذي كان الناس يشغفون به من حوله ، ومتاع واحد هو الذي كان يلتمسه ويسعى إليه ويلح في السعي ، هو المتاع العقلي الذي جعله بتكلف الجهد العنيف الممض في فتح أبواب العلوم اللغوية التي طال على العلماء من قبله ومن حوله قرعها دون أن تنفتح لهم ، حتى إذا مستها عصاه السحرية انفتحت أغلاقها وفارقتها طلاسمها ، وذلت له وانقادت . وأول ما يلاحظ من ذلك اكتشافه علم العروض اكتشافاً ليس له سابقة ولا تدانيه لاحقة ، إذ استطاع أن يرسمه بكل أوزانه وحدوده وتفاعليه وتفاريعه ، غير مسبق لمن جاءوا بعده شيئاً يضيفونه إليه . وهو يحمل في تضاعيفه ما يشهد يتمثله تمثلاً رائعاً للنغم وعلم الإيقاع ومواضعه ، كما يحمل ما يشهد ما يشهد لنظريات العلوم الرياضية في عصره علماً وفقها وتحليلاً ، وخاصة نظريتي المعادلات ، والتباديل والتوافيق ، فقد اشتق له تفاعيل خاصة ، وأدارها في دوائر كدوائر المهندسين مستخدماً إشارات من النقط والحلقات تصور ما يجري في التفعيلات من زحافات ، كما تفسح لأجزائها في التقدم والتأخر ، بحيث تجمع الأوزان العروضية التي عرفها العرب ومالا يُحصى من أوزان جديدة لم يعرفوها ولا ألفوها ، مما أتاح للعباسيين أن ينظموا على أوزان جديدة أهملها أسلافهم ولم يدعوا فيها شيئاً من منظوماتهم .
ولم يستغل الخليل نظرية التباديل والتوافيق الرياضية في وضعه علم العروض فحسب ، فقد استغلها أيضاً في وضع منهج قويم لمعجم العين المشهور ، إذ بناه على تقليب كل الصيغ الأصلية ، بحيث تندرج فيه مع كل كلمة الكلمات الأخرى التي تجمع حروفها وتختلف في ترتيبها بتقديم بعض منها على بعض ،
ص31
فكتب مثلا يوضع معها : كبت ، وتكب ، وتبك ، وبكت ، وبتك . وبذلك حصر في المعجم جميع الكلمات التي يمكن أن تقع في العربية ، مميزاً دائماً بين ما استعملته العرب منها وما اهملته ولم تنطق به ، على نحو ما ميز في العروض بين الأوزان المستعملة والأخرى المهملة . ورأى أن يكون ترتيب الكلمات في المعجم على مخارج الحروف ومواقعها من الجهاز الصوتي وهو الحلق واللسان والفم والشفتان ، بادئاً بحرف العين وبه سماء . وهو صنيع يلتقي فيه بصنيع الهنود في ترتيبهم لحروف لغتهم السنسكريتية وربما عرف ذلك من بعض نازلتهم في موطنه ،وهي في معجمه مرتبة على هذا النحو(2) :
العين ، الحاء ، الهاء ، الخاء ، الغين ، القاف ، الكاف ، الجيم ، الشين ، الضاد ، الصاد، السين ، الزاي ، الطاء ، الدال ، التاء ، الظاء ، الذال ، الثاء ، الراء ، اللام ، النون ، الفاء ، الباء ، الميم ، الياء ، الواو ، الألف .
وهو ترتيب أساسه كما ذكرنا آنفاً مخارج الحروف ومدارجها ، وهي عنده سبعة عشر مخرجاً موزعة على الجوف والحلق وأول الفم ومناطق اللسان وحافته وطرفه والثنايا والشفة السفلى والشفتين . واتهم القدماء مادة هذا المعجم وقالوا إنها ليست قوية(3) ، غير أنهم اتفقوا على أنه هو الذي رسم منهجه له ، لما لاحظوه من التقاء منهجه بمنهج علم العروض الذي رسمه ، وقيام المنهجين جميعاً على أساس نظرية التباديل والتوافيق الرياضية .
ويظهر أنه عرف المباحث الصوتية عند الهنود وكانت قد نمت عندهم نمواً واسعاً(4) ، وأضاف على ضوئها مادة صوتية غزيرة نقل منها تلميذه سيبويه في كتابه نقولاُ كثيرة ، كما نقلت منها الكتب المتأخرة ، وهي ترد الى ثلاثة جوانب ، أولها ذوق أصوات الحروف عن طريق فتح الفم بألف مهموزة يليها الحرف المذاق ساكناً ، فيقال في الباء أب وفي التاء أت وهلم جرا(5) . وبذلك يتضح صوت الحرف بالوقوف عليه عليه ساكناً والمكث عنده قليلاً ، بخلاف ما
ص32
لو وصل بحرف بعده فإننا حينئذ لا نتمكن من إشباع الصوت ، إذ نتهيأ للنطق بصوت الحرف التالي له . وثاني هذه الجوانب وصف الأجراس الصوتية للحروف من همس وجهر وشدة ورخاوة واستعلاء واستفال ، مما يتناثر في صحف كتاب سيبويه ، وجعله ذلك يقف عند أصوات الحركات وما يداخلها من إمالة وروم وإشمام . والإمالة معروفة، الروم حركة مختلسة ضعيفة ، اما الإشمام فهو ان تذيق الحرف الضمة او الكسرة بحيث لا تكاد تُسمع وإنما ترى في حركة الشفة ، فهو أقل من الروم همساً وخفة . وأما الجانب الثالث فهو ما يحدث للصوت في بنية الكلمة من تغير يفضى الى القلب أو الحذف أو الإعلال أو الإبدال أو الإدغام ، وقد عرض على هذا الجانب مادة اللغة عرضاً تدافعت سيوله وأمواجه تدافعاً عند سيبويه . وجعله عمق نظره في هذه الجوانب الصوتية وخاصة الجانب الثاني يحاول أن يصوغ شكل الاصوات صياغة دقيقة ، مما جعله يدخل على النقط أو الإعجام علامات للروم والإشمام والتشديد والهمزة المتصلة والمنقطة(6) ، واخترع علامات الضبط التي لا تزال نستعملها الى اليوم إذ أخذ من حروف المد صورها مصغرة للدلالة عليها ، فالضمة واو صغيرة في أعلى الحرف لئلا تلتبس بالواو المكتوبة ، والكسرة ياء متصلة تحت الحرف ، والفتحة ألف مبطوحة فوقه(7) . وكان له في النقط والشكل كتاب اتخذه الأسلاف إمامهم مُدداً متطاولة من الزمن . وما زال يوالي هذا النشاط العقلي والعلمي حتى توفى سنة 175 للهجرة .
___________________
(1) انظر في ترجمة الخليل أبا الطيب اللغوي ص 27 والزبيدي ص 43 والسيرافي ص 38 ونزهة الألباء ص 45 والأنساب للسمعاني الورقة 421 ومعجم الأدباء 11 /72 ومقدمة تهذيب اللغة للأزهري وابن خلكان في الخليل وإنباء الرواة 1 /341 وتهذيب الأسماء واللغات 1 /177 وتهذيب التهذيب 3 /163 وطبقات القراء لابن الجزري 1 /275 وسرح العيون لابن نباتة (طبعة دار الفكر العربي) ص 268 ومرآة الجنان 1 /362 وشذرات الذهب 1 /275 وروضات الجنات ص 272 وبغية الوعاة ص 243 .
(2) انظر ذلك في مقدمة لسان العرب .
(3) المزهر للسيوطي (طبعة الحلبي) 1 /77 وما بعدها .
(4) راجع التطور النحوي للغة العربية لبرجثتراسر ص 5 .
(5) مقدمة لسان العرب .
(6) المحكم في نقط المصاحف للداني ص 6 .
(7) الداني ص 7 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|