أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-3-2016
3520
التاريخ: 28-3-2016
3540
التاريخ: 7-5-2019
2203
التاريخ: 22-3-2016
4356
|
لم يخلد الإمام الحسين ( عليه السّلام ) إلى السكون والخمول حتى عند إقراره الصلح مع معاوية ، فقد تحرّك انطلاقا من مسؤوليّته تجاه الشريعة والامّة الإسلامية وبصفته وريث النبوّة - بعد أخيه الإمام الحسن ( عليه السّلام ) - مراعيا ظروف الامّة وساعيا إلى المحافظة عليها . وقد عمل الإمام ( عليه السّلام ) في فترة حكم معاوية على تحصين الامّة ضدّ الانهيار التام فأعطاها من المقوّمات المعنوية القدر الكافي ، كي تتمكّن من البقاء صامدة في مواجهة المحن . وإليك جملة من هذه المواقف :
مواجهة معاوية وبيعة يزيد :
أعلن الإمام الحسين ( عليه السّلام ) رفضه القاطع لبيعة يزيد وكذا زعماء يثرب ، فقرّر معاوية أن يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين ، فاجتمع بالإمام وعبد اللّه بن عباس ، فأشاد بالنبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) وأثنى عليه ، وعرض بيعة ابنه ومنحه الألقاب الفخمة ودعاهما إلى بيعته ، فانبرى الإمام ( عليه السّلام ) فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :
« أمّا بعد يا معاوية فلن يؤدّي المادح وإن أطنب في صفة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) من إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ النعت ، وهيهات هيهات يا معاوية ! ! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ، ولقد فضّلت حتى أفرطت ، واستأثرت حتى أجحفت ، ومنعت حتى بخلت ، وجرت حتى تجاوزت ، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه من نصيب ، حتى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل .
وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله ، وسياسته لامّة محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، تريد أن توهم الناس في يزيد كأنّك تصف محجوبا أو تنعت غائبا ، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استفرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحمام السبق لأترابهنّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي ، تجده ناصرا .
ودع عنك ما تحاول ، فما أغناك أن تلقى اللّه بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه ! فو اللّه ما برحت تقدح باطلا في جور وحنقا في ظلم حتى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلّا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ، ولات حين مناص ، ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثا ولعمر اللّه لقد أورثنا الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) ولادة ، وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) فأذعن للحجّة بذلك وردّه الإيمان إلى النصف .
فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم كان ويكون حتى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اولي الأبصار .
وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وتأميره له ، وقد كان ذلك لعمرو ابن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وببعثه له وما صار لعمرو يومئذ حتى أنف القوم إمرته وكرهوا تقديمه وعدّوا عليه أفعاله ، فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) لا جرم يا معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري ، فكيف تحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب ؟ أم كيف ضاهيت بصاحب تابعا وحولك من يؤمن في صحبته ، ويعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ؟ تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه وتشقى بها في آخرتك ، إنّ هذا لهو الخسران المبين ، وأستغفر اللّه لي ولكم .
وذهل معاوية من خطاب الإمام ( عليه السّلام ) ، وضاقت عليه جميع السبل فقال لابن عباس : ما هذا يا ابن عباس ؟ فقال ابن عباس : لعمر اللّه إنّها لذرّية رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وأحد أصحاب الكساء ومن البيت المطهّر ، فاسأله عمّا تريد فإنّ لك في الناس مقنعا حتى يحكم اللّه بأمره وهو خير الحاكمين .[1].
وقد اتّسم موقف الإمام الحسين ( عليه السّلام ) مع معاوية بالشدّة والصرامة ، وأخذ يدعو المسلمين علنا إلى مقاومة معاوية ، ويحذّرهم من سياسته الهدّامة التي تحمل الدمار إلى الاسلام .
محاولة جمع كلمة الامّة والاستجابة لحركة الجماهير :
وأخذت الوفود تترى على الإمام من جميع الأقطار الإسلامية وهي تعجّ بالشكوى وتستغيث به نتيجة الظلم والجور الذي حلّ بها ، وتطلب منه القيام بإنقاذها من الاضطهاد ، ونقلت العيون في يثرب إلى السلطة المحلّية أنباء تجمّع الناس واختلافهم إلى الإمام ( عليه السّلام ) وكان الوالي مروان بن الحكم ، ففزع من ذلك وخاف من عواقبه جدا ، فرفع مذكّرة إلى معاوية جاء فيها : أمّا بعد فقد كثر اختلاف الناس إلى الحسين ، واللّه إنّي لأرى لكم منه يوما عصيبا[2].
واضطرب معاوية من تحرّك الإمام الحسين ( عليه السّلام ) فكتب اليه رسالة جاء فيها : أمّا بعد ، فقد أنهيت إليّ عنك أمور ، إن كانت حقّا فإنّي لم أظنّها بك رغبة عنها ، وإن كانت باطلة فأنت أسعد الناس بمجانبتها ، وبحظ نفسك تبدأ ، وبعهد اللّه توفي فلا تحملني على قطيعتك والإساءة إليك ، فإنّك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك ، فاتّق اللّه يا حسين في شقّ عصا الامّة ، وأن تردّهم في فتنة[3].
فضح جرائم معاوية :
كتب الإمام ( عليه السّلام ) إلى معاوية مذكّرة خطيرة كانت ردّا على رسالته يحمّله فيها مسؤوليّات جميع ما وقع في البلاد من سفك الدماء وفقدان الأمن وتعريض الامّة للأزمات . وتعدّ من أروع الوثائق الرسمية التي حفلت بذكر الأحداث التي صدرت من معاوية ، وهذا نصّها : « أمّا بعد ، بلغني كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي أمور أنت عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير ، وأنّ الحسنات لا يهدي لها ولا يسدّد إليها إلّا اللّه تعالى . أمّا ما ذكرت أنّه رقى إليك عنّي فإنّه إنّما رقاه إليك الملّاقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون ، ما أردت لك حربا ولا عليك خلافا ، وإنّي لأخشى اللّه في ترك ذلك منك ، ومن الإعذار فيه إليك وإلى أوليائك القاسطين حزب الظلمة .
ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ، ويستعظمون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في اللّه لومة لائم ؟ قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة ، جرأة على اللّه واستخفافا بعهده .
أو لست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفرّلونه ؟ فقتلته بعد ما أمّنته وأعطيته ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال .
أو لست بمدّعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف ، فزعمت أنّه ابن أبيك ؟ وقد قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) « الولد للفراش وللعاهر الحجر » فتركت سنّة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) تعمّدا ، وتبعت هواك بغير هدى من اللّه ، ثم سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنّك لست من هذه الامّة وليسوا منك .
أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه إليك زياد أنّه على دين عليّ كرم اللّه وجهه ، فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دين عليّ ؟ فقتلهم ومثّل بهم بأمرك ، ودين عليّ هو دين ابن عمّه ( صلّى اللّه عليه واله ) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه ، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين رحلة الشتاء ورحلة الصيف .
وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ودينك ولامّة محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) واتّق شقّ عصا هذه الامّة وأن تردّهم إلى فتنة ، وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الامّة من ولايتك عليها ، ولا أعظم لنفسي ولديني ولامّة محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) أفضل من أن اجاهرك ، فإن فعلت فإنه قربة إلى اللّه ، وإن تركته فإنّي استغفر اللّه لديني واسأله توفيقه لإرشاد أمري .
وقلت فيما قلت : إنّي إن أنكرتك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإنّي أرجو أن لا يضرّني كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، لأنّك قد ركبت جهلك وتحرّصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا أو قتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلّا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقّنا ، مخافة أمر لعلّك إن لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا .
فأبشر يا معاوية بالقصاص ، واستيقن بالحساب ، واعلم أنّ للّه تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، وليس اللّه بناس لأخذك بالظنّة ، وقتلك أولياءه على التّهم ، ونفيك إيّاهم من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث ، يشرب الشراب ، ويلعب بالكلاب ، ما أراك إلّا قد خسرت نفسك ، وبترت دينك ، وغششت رعيّتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقيّ »[4].
ولا توجد وثيقة سياسية في ذلك العهد عرضت لعبث السلطة وسجّلت الجرائم التي ارتكبها معاوية غير هذه الوثيقة ، وهي صرخة في وجه الظلم والاستبداد .
استعادة حقّ مضيّع :
وكان معاوية ينفق أكثر أموال الدولة لتدعيم ملكه ، كما كان يهب الأموال الطائلة لبني اميّة لتقوية مركزهم السياسي والاجتماعي ، وكان الإمام الحسين ( عليه السّلام ) يشجب هذه السياسة ، ويرى ضرورة إنقاذ الأموال من معاوية الذي يفتقد حكمه لأيّ أساس شرعي ، ولا يقوم إلّا على القمع والتزييف والإغراء . وقد اجتازت على يثرب أموال من اليمن مرسولة إلى خزينة دمشق ، فعمد الإمام ( عليه السّلام ) إلى الاستيلاء عليها ووزّعها على المحتاجين ، وكتب إلى معاوية : « من الحسين بن عليّ إلى معاوية بن أبي سفيان ، أمّا بعد فإنّ عيرا مرّت بنا من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إليك لتودعها خزائن دمشق وتعلّ بها بعد النّهل بني أبيك ، وإنّي احتجتها إليها فأخذتها ، والسلام »[5].
فأجاب معاوية : من عبد اللّه معاوية أمير المؤمنين إلى الحسين بن عليّ ، سلام عليك ، أمّا بعد فإنّ كتابك ورد عليّ تذكر أنّ عيرا مرّت بك من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إليّ لأودعها خزائن دمشق واعلّ بها بعد النهل بني أبي ، وإنّك احتجت إليها فأخذتها ، ولم تكن جديرا بأخذها إذ نسبتها إليّ لأنّ الوالي أحقّ بالمال ثم عليه المخرج منه ، وأيم اللّه لو تركت ذلك حتى صار إليّ لم أبخسك حظك منه ، ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوة وبودّي أن يكون ذلك في زماني ، فأعرف لك قدرك وأتجاوز عن ذلك ، ولكنّي واللّه أتخوّف أن تبتلى بمن لا ينظرك فواق ناقة[6].
إنّ الإمام الحسين ( عليه السّلام ) دلّل بعمله على أن ليس من حقّ الخليفة غير الشرعي أن يتصرّف في أموال المسلمين ، وأنّ ذلك من حقوق الحاكم الشرعي ، والحاكم الشرعي هو الإمام الحسين ( عليه السّلام ) نفسه الذي ينفق أموال بيت المال وفق المعايير الإسلامية . وقد أكّد ( عليه السّلام ) في رسالته على أنّه لا يعترف رسميا بخلافة معاوية ؛ إذ لم يصفه بأمير المؤمنين كما كان يصفه الآخرون . ومن هنا حاول معاوية الالتفاف على موقف الإمام ( عليه السّلام ) فوصف نفسه في رسالته الجوابية بأمير المؤمنين ووالي المسلمين ولكنّه فشل في محاولته تلك ، فقد بات موقف الإمام الحسين ( عليه السّلام ) معيارا إسلاميا وملاكا فارقا وفاصلا بين الصواب والخطأ للمسلمين جميعا على مدى التأريخ ، في حين لم يعر المسلمون لموقف معاوية أيّ اهتمام ولم يعتبروه سوى أنّه تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام .
لقد كان موقف الإمام ( عليه السّلام ) هذا إشارة واضحة للاعتراض على تصرّفات وحكم معاوية والمطالبة بسيادة الحقّ والعدل الإلهي .
تذكير الامّة بمسؤوليّتها :
عقد الإمام ( عليه السّلام ) في مكة مؤتمرا سياسيّا عامّا دعا فيه جمهورا غفيرا ممّن شهد موسم الحجّ من المهاجرين والأنصار والتابعين وغيرهم من سائر المسلمين ، فانبرى ( عليه السّلام ) خطيبا فيهم ، وتحدّث عمّا ألمّ بعترة النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) وشيعتهم من المحن والإحن التي صبّها عليهم معاوية ، وما اتّخذه من الإجراءات المشدّدة في إخفاء فضائلهم ، وستر ما اثر عن الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) في حقّهم ، وألزم الحاضرين بإذاعة ذلك بين المسلمين ، وفيما يلي ما رواه سليم بن قيس عن هذا المؤتمر ونصّ خطاب الإمام ( عليه السّلام ) حيث قال : ولمّا كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن عليّ وعبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن جعفر ، فجمع الحسين بني هاشم ونساءهم ومواليهم ومن حجّ من الأنصار ممّن يعرفهم الحسين وأهل بيته ، ثم أرسل رسلا وقال لهم : لا تدعوا أحدا حجّ العام من أصحاب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) المعروفين بالصلاح والنسك إلّا اجمعوهم لي ، فاجتمع اليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادق ، عامّتهم من التابعين ، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) فقام فيهم خطيبا فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : « أمّا بعد ، فإنّ هذا الطاغية - يعني معاوية - قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم ، وإنّي أريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدّقوني ، وإن كذبت فكذّبوني ، اسمعوا مقالتي واكتموا قولي ، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس ، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون ، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب ، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون » .
قال الراوي : فما ترك الحسين شيئا ممّا أنزل اللّه فيهم إلّا تلاه وفسّره ، ولا شيئا ممّا قاله رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) في أبيه وأخيه وامّه وفي نفسه وأهل بيته إلّا رواه ، وفي كلّ ذلك يقول أصحابه : اللّهمّ نعم قد سمعنا وشهدنا ، وممّا ناشدهم ( عليه السّلام ) أن قال :
« أنشدكم اللّه ، أتعلمون أنّ عليّ بن أبي طالب كان أخا رسول اللّه حين آخى بين أصحابه فآخى بينه وبين نفسه ، وقال : أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أنشدكم هل تعلمون أنّ رسول اللّه اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ثم ابتنى فيه عشرة منازل تسعة له ، وجعل عاشرها في وسطها لأبي ، ثم سدّ كلّ باب شارع إلى المسجد غير بابه ؟ فتكلّم في ذلك من تكلّم ، فقال : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه ، ولكنّ اللّه أمرني بسدّ أبوابكم وفتح بابه ، ثم نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره ، وكان بجنب في المسجد ومنزله في منزل رسول اللّه ، فولد لرسول اللّه وله فيه أولاد ، قالوا : اللّهمّ نعم ، قال :
أفتعلمون أنّ عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه يدعها في منزله إلى المسجد فأبى عليه ، ثم خطب فقال : إنّ اللّه أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وغير أخي وبنيه ؟
قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه قال في غزوة تبوك : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأت إلّا به وبصاحبته وابنيه ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه دفع اليه اللواء يوم خيبر ، ثم قال : لأدفعه إلى رجل يحبّه اللّه ورسوله ويحبّ اللّه ورسوله كرّار غير فرّار ، يفتحها اللّه على يديه ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بعثه ببراءة وقال : لا يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجل منّي ؟ قالوا : اللّهمّ نعم . قال :
أتعلمون أنّ رسول اللّه لم تنزل به شدّة قطّ إلّا قدّمه لها ثقة به وأنّه لم يدعه باسمه قطّ ، إلّا يقول يا أخي ؟ قالوا : اللّهمّ نعم . قال :
أتعلمون أنّ رسول اللّه قضى بينه وبين جعفر وزيد فقال : يا عليّ أنت منّي وأنا منك وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ؟ قالوا : اللهم نعم . قال :
أتعلمون أنّه كانت له من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) كلّ يوم خلوة ، وكلّ ليلة دخلة ، إذا سأله أعطاه ، وإذا سكت أبداه ؟ قالوا : اللّهمّ نعم . قال :
أتعلمون أنّ رسول اللّه فضّله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمة ( عليها السّلام ) : زوّجتك خير أهل بيتي أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما ؟ قالوا : اللّهمّ نعم . قال :
أتعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قال : أنا سيّد ولد آدم ، وأخي عليّ سيّد العرب ، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ؟ والحسن والحسين ابناي سيّدا شباب أهل الجنة ، قالوا : اللّهمّ نعم .
قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أمره بغسله ، وأخبره أنّ جبرئيل يعينه عليه ؟ قالوا :
اللّهمّ نعم . قال : أتعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قال في آخر خطبة خطبها : أيّها النّاس ! إنّي تركت فيكم الثقلين كتاب اللّه وأهل بيتي فتمسّكوا بهما لن تضلّوا ؟ قالوا : اللّهمّ نعم .
فلم يدع ( صلّى اللّه عليه واله ) شيئا أنزله اللّه في عليّ بن أبي طالب خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيّه إلّا ناشدهم فيه فيقول الصحابة : اللّهمّ نعم قد سمعناه ، ويقول التابعي : اللّهم قد حدّثنيه من أثق به فلان وفلان .
ثم ناشدهم أنّهم قد سمعوه يقول : من زعم أنّه يحبّني ويبغض عليّا فقد كذب ، ليس يحبّني وهو يبغض عليّا ، فقال له قائل : يا رسول اللّه وكيف ذلك ؟ قال : لأنّه منّي وأنا منه ، من أحبّه فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبّ اللّه ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه ؟ فقالوا : اللّهمّ نعم ، قد سمعناه ، وتفرّقوا على ذلك[7].
موت معاوية :
لقد كان موت معاوية بن أبي سفيان في سنة ستّين من الهجرة[8].
واستقبل معاوية الموت غير مطمئن ، فكان يتوجّع ويظهر الجزع على ما اقترفه من الإسراف في سفك دماء المسلمين ونهب أموالهم ، وقد وافاه الأجل في دمشق محروما عن رؤية ولده الذي اغتصب له الخلافة وحمله على رقاب المسلمين ، وكان يزيد فيما يقول المؤرّخون مشغولا عن أبيه - في أثناء وفاته - برحلات الصيد وغارقا في عربدات السكر ونغمة العيدان[9]
[1] حياة الإمام الحسين : 2 / 219 - 220 .
[2] حياة الإمام الحسين : 2 / 223 .
[3] المصدر السابق : 2 / 224 .
[4] حياة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) : 2 / 235 عن الإمامة والسياسة : 1 / 284 ، والدرجات الرفيعة : 334 ، وراجع الغدير : 10 / 161 .
[5] نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 327 ، الطبعة الأولى ، وناسخ التواريخ : 1 / 195 .
[6] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 327 ، وناسخ التواريخ : 1 / 195 .
[7] كتاب سليم بن قيس : 323 ، تحقيق محمد باقر الأنصاري .
[8] سيرة الأئمّة الاثني عشر : 2 / 54 .
[9] حياة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) : 2 / 239 - 240 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
تسليم.. مجلة أكاديمية رائدة في علوم اللغة العربية وآدابها
|
|
|