أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-2-2021
![]()
التاريخ: 4-2-2016
![]()
التاريخ: 9-10-2014
![]()
التاريخ: 27-09-2015
![]() |
قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ : 10].
مفردة «فضل» ذات معنى وسيع ، يشمل كلّ المواهب التي تفضّل الله بها على داود ، وزادها التنكير سعة ودلّل على عظمة تلك المواهب. فقد شُمل داود بالمواهب العظيمة سواء من الناحية المادية أو المعنوية ، وقد تعرّض القرآن الكريم مراراً لذكرها.
ففي موضع يقول تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل : 15].
وفي موضع آخر يقول تعالى على لسان داود {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل : 16].
وسترد ضمن حديثنا حول آخر هذه الآيات ، معجزات مختلفة تمثّل جزءاً من هذا الفضل العظيم ، وكذلك الصوت الباهر ، والقدرة العالية على القضاء العادل التي اُشير إليها في سورة (صلى الله عليه واله) تمثّل لوناً آخر من ذلك الفضل الإلهي ، وأهمّ من ذلك كلّه النبوّة والرسالة التي شُرِّف بها داود.
وعلى كلّ حال ، فبعد هذه الإشارة الإجمالية العامّة ، تبدأ الآية بشرح وتوضيح جوانب من الفضائل المعنوية والمادية التي تمتّع بها داود ، فيقول تعالى : { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ : 10] .
كلمة «أوّبي» في الأصل من «التأويب» بمعنى الترجيع وإعادة الصوت في الحلق. وهذا الأصل يستعمل أيضاً بمعنى «التوبة» لأنّ حقيقتها الرجوع إلى الله.
ومع أنّ كلّ ذرّات الوجود تذكر الله وتسبّح بحمده ، سواء أسَبَّحَ داود (عليه السلام) معها أو لم يسبّح ، ولكن الميزة التي خُصّ بها داود هي أنّه ما إن يرفع صوته ويبدأ التسبيح ، إلاّ ويظهر ما كان خفيّاً وكامناً في الموجودات ، وتتبدل الهمهمة الباطنية إلى نغمة علنية منسجمة ، كما ورد في الروايات من تسبيح الحصاة في يد الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عند ذكره لقصّة داود «إنّه خرج يقرأ الزبور ، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلاّ أجابه» (1).
وبعد ذكر هذه الفضيلة المعنوية ، تذكر الآية فضيلة مادية اُخرى فتقول : {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ : 10].
يمكن القول ، بأنّ الله تعالى علّم داود ـ إعجازاً ـ ما استطاع بواسطته تليين الحديد حتّى يمكنه من صنع أسلاك رقيقة وقوية لنسج الدروع منها ، أو أنّه كان قبل داود يستفاد من صفائح الحديد لصناعة الدروع والإفادة منها في الحروب ، ممّا كان يسبّب حرجاً وإزعاجاً للمحاربين نتيجة ثقل الحديد من جهة ، وعدم قابلية تلك الدروع للإنحناء أو الإلتواء حين إرتدائها ، ولم يكن أحدٌ قد إستطاع حتّى ذلك اليوم نسج الدروع من أسلاك الحديد الرفيعة المحكمة ، ليكون لباساً يمكن إرتداؤه بسهولة والإفادة من قابليته على التلوّي والإنحناء مع حركة البدن برقّة وإنسياب (2).
ولكن ظاهر الآية يدلّل على أنّ ليونة الحديد تمّت لداود بأمر إلهي ، فما يمنع الذي أعطى لفرن النار خاصية إلانة الحديد ، أن يعطي هذه الخاصية لداود بشكل آخر ، وقد أشارت بعض الروايات أيضاً إلى هذا المعنى.
فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، أنّه قال : «إنّ الله أوحى إلى داود : نعم العبد أنت إلاّ أنّك تأكل من بيت المال ، فبكى داود أربعين صباحاً ، فألان الله له الحديد ، وكان يعمل كلّ يوم درعاً فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة وستّين درعاً فباعها بثلاثمائة وستّين ألفاً فاستغنى عن بيت المال» (3).
صحيح أنّ بيت المال يؤمّن مصارف الأشخاص الذين يقدّمون خدمة مجانية للاُمّة ، ويتحمّلون الأعباء التي لا يتحمّلها غيرهم ، ولكن ما أروع أن يستطيع الإنسان تقديم هذه الخدمة ، وتأمين معاشه ـ في حال الإستطاعة ـ من كدّ يمينه ، وداود (عليه السلام) أراد أن يكون ذلك العبد الممتاز.
على كلّ حال ، فإنّ داود وجّه هذه القدرة التي وهبها إيّاه الله في أفضل الطرق وهي صناعة وسائل الجهاد والدفاع ضدّ الأعداء ، ولم يحاول الإستفادة منها في صناعة وسائل الحياة العادية ، وعلاوة على الإستفادة من دخله منها في تصريف اُمور حياته المعاشية البسيطة ، فقد هيّأ جزءاً منه للإنفاق على المحتاجين (4). وفوق كلّ هذا ، فقد كان عمله بحدّ ذاته معجزة إرتبطت به.
نقل بعض المفسّرين قال «حُكي أنّ لقمان حضر داود عند أوّل درع عملها فجعل يتفكّر فيها ولا يدري ما يريد ، ولم يسأله حتّى فرغ منها ثمّ قام فلبسها وقال : نعم جُنة الحرب هذه. فقال لقمان : الصمت حكمة وقليل فاعله!» (5).
__________________
1 ـ الميزان ، ج16 ، ص367.
2 ـ اُنظر تفسير البرهان ، ج3 ، ص343. وتفسير نور الثقلين ، ج4 ، ص315.
3 ـ مجمع البيان ـ ج8 ص381.
4 ـ راجع تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج9 ، ص192.
5 ـ مجمع البيان ، ج8 ، ص382.
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
سماحة السيد الصافي يؤكد ضرورة تعريف المجتمعات بأهمية مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية
|
|
|