المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



حنين إلى الوطن  
  
2971   01:14 صباحاً   التاريخ: 17-2-2022
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة : ص: 13-33
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-1-2023 1298
التاريخ: 2024-05-11 655
التاريخ: 2024-01-15 968
التاريخ: 2024-08-03 572

 

 

 

حنين إلى الوطن

أما بعد حمد الله مالك الملك، والصلاة على رسوله المنجي من الهلك، والرضا عن آله وصحبه الذين تجلت بأنوارهم الظلم الحلك، وعن العلماء الأعلام، الخائضين بحار الكلام، بحار الكلام، المستوين من البلاغة على الفلك - فيقول العبد الحقير، المذنب الذي هو إلى رحمة ربه الغني فقير، المقصر المتبرئ من الحول والقوة، المتمسك بأذيال الخدمة للسنة والنبوة، وذلك بفضل الله أمان وبراءة، الضعيف الفاني، الخطاء الجاني، من هو من لباس التقوى عري، أحمد بن محمد بن أحمد الشهير بالمقري، المغربي المالكي الأشعري، التلمساني المولد والمنتشإ والقراءة، نزيل فاس الباهرة ثم مصر القاهرة، أصلح الله أحواله الباطنة والظاهرة، وجعله من ذوي الأوصاف الزكية والخلال الطاهرة، وسدد في كل قصد أنحاءه وآراءه، ووفقه بمنه وكرمه للأعمال الصالحة، والطاعات الناجحة الراجحة، والمتاجر المغبوطة الرابحة، والمساعي الغادية بالخير الرائحة، ووقاه ما بين يده ووراءه، وكفاه مكر الكائد وافتراءه، وجدال الحاسد المستأسد ومراءه، وجعل فيما يرضيه سومه وشراءه، آمين:

إنه لما قضى الملك الذي ليس لعبيده في أحكامه تعقب أو رد، ولا محيد عما شاءه سواء كره ذلك المرء أو رد، برحلتي من بلادي، ونقلتي عن محل طارفي وتلادي، بقطر المغرب الأقصى، الذي تمت محاسنه لولا أن سماسرة الفتن سامت بضائع أمنه نقصا، وطما به بحر الأهوال فاستعملت شعراء العيث في كامل رونقه من الزحاف إضمارا وقطعا ووقصا:

(13)

قطر كأن نسميه نفحات كافور ومسك

وكأن زهر رياضه در هوى من نظم سلك

وذلك أواخر رمضان من عام سبعة وعشرين بعد الألف، تاركا المنصب والأهل والوطن والإلف:

بلد طاب لي به الأنس حينا وصفا العود فيه والإبداء

فسقت عهده العهاد وروت منه تلك النوادي الأنداء

وما عسى أن أذكر في إقليم، تعين لحجة فضله التسليم:

أضواؤه طبق المنى، وهواؤاه يشتاقه الولهان في الأسحار

والطبع معتدل فقل ما شئته في الظل والأزهار والأنهار

محل فتح الكمائم، ومسقط الرأس وقطع التمائم:

به كان الشباب اللدن غضا ودهري كله زمن الربيع

ففرق بيننا زمن خؤون له شغف بتفريق الجميع

لم أنس تلك النواسم، التي أيامها للعمر مواسم، وثغورها بالسرور بواسم، فصرت أشير إليها وقد زمت للرحيل القلص الرواسم:

ولنا بهاتيك الديار مواسم كانت تقام لطيبها الأسواق

فأباننا عنها الزمان بسرعة وغدت تعللنا بها الأشواق

وأنشد قول غيلان:

أمنزلي مي سلام عليكما هل الأزمن اللائي مضين رواجع

(14)

وأتمثل في تلك الحدائق التي حمائمها سواجع، بقول من جفونه من الهوى غير هواجع:

تشدو بعيدان الرياض حمائم شدو القيان عزفهن بالأعواد

ماد النسيم بقضبها فتمايلت مهتزة الأعطاف والأجياد

هذي تودع تلك توديع التي قد آذنت منها بوشك بعاد

واستعبرت لفراقها عين الندى فابتل مئزرعطفها المياد

وأحدق النظر إلى روض، لإنسان العين من فراقه في بحر الدموع سبح وخوض:

روض به أشياء لي؟ ست في سواه تؤلف

فمن الهزار ترنم ومن القضيب تقطف

ومن النسيم تلطف ومن الغدير تعطف

وألتفت كالمستريب، والحي إذ ذاك قريب، وحديث العهد ليس بمنكر ولا غريب:

أهذا ولما تمض للبين ساعة فكيف إذا مرت عليه شهور

والآثار لائحة، والشمال غادية بأذكى رائحة:

أرى آثارهم فأذوب شوقا وأسكب من تذكرهم دموعي

وأسأل من قضى بفراق حبي يمن علي منهم بالرجوع

والنفس متعللة ببعض الأنس، والمشاهد الحميدة لن تنس:

تلك العهود بشدها مختومة عندي كما هي عقدها لم يحلل

(15)

غير أن الرحيل، عن الربع المحيل، فصل بين الشائق والمشوق وحيل:

وقفنا بربع الحب والحب راحل نحاول رجعاه لنا ويحاول

وألقت دموع العين فيه مسائلا لها عن عبارات الغرام دلائل

وبالسفح منها كما سقيت لبانها فميلته والسفح للبان مائل

إذا نسمة الأحباب منها تنسمت تطيب بها أسحارنا والأصائل

تثير شجوني ساجعات غصونها فمنها على الحالتين هاجت بلابل

مرابع ألا في مراتع لذتي مطالع أقماري بها والمنازل

فحياها الله من منازل ذات مراتع أقمار سائرة فيها، ومنازه لا يحصى الواصف محاسنها وأمداح أهلها ولا يستوفيها:

حلوا عقود اصطباري عندما رحلوا وفي الخمائل حلوا مثل أمطار

إن المنازل قد كانت منازه إذ باتوا بها وهي أوطاني وأوطاري

ورعى الله من بان، وشاق حتى الرند والبان:

بانوا لعيني أقمارا تقلهم لدن الغصون فلما آنسوا بانوا

عهودهم لست أنساها، وكيف وقد رثى لبيني عنها الرند والبان

وفي مثل هذا الموطن تذوب القلوب الرقاق، كما قال حائز قصب السبق بالاستحقاق، الأديب الأندلسي الشهير بابن الزقاق:

وقفت على الربوع ولي حنين لساكنهن ليس إلى الربوع

(16)

ولو أني حننت إلى مغاني أحبائي حننت على ضلوعي

وكما قال بعض من له في هذه الفجاج مسير:

دخولك من باب الهوى إن لو أردته يسير، ولكن الخروج عسير

وأين من له صفاة لا يطمع الدهر القوي في نحتها، وجنات دنيوية لا تجري أنهار الفراق من تحتها:

فسقى رضيع النبت من ذاك الحمى بحيا تدور على الربى كاساته

سفح سفحت عليه دمعي في ثرى كالمسك ضاع من الفتاة فتاته

ولم أزل بعد انفصالي عن الغرب يقصد الشرق، واتصافي في أثر ذلك الجمع بالفرق:

أحن إذا خلوت إلى زمان تقضي لي بأفنية الربوع

وأذكر طيب أيام تولت لنا فتفيض من أسف دموعي

وأتوق وقد اتسع من البعد الخرق، وخصوصا إذا شدا صادح أو أومض برق، إلى ديار لا يعدوها اختيار:

وأربع أحباب إذا ما ذكرتها بكيت، وقد يبكيك ما أنت ذاكر

بطاح وأدواح يروقك حسنها بكل خليج نمنته الأزاهر

فما هو إلا فضة في زبرجد تساقط فيه اللؤلؤ المتناثر

بحيث الصبا والترب والماء والهوى عبير وكافور وراح وعاطر

وما جنة الدنيا سوى ما وصفته وما ضم منه الحسن نجد وحاجر

بلادي التي أهلي بها وأحبتي وقلبي وروحي والمنى والخواطر

(17)

تذكرني أنجادها ووهادها عهودا مضت لي وهي خضر نواضر

إذ العيش صاف والزمان مساعد فلا العيش مملول ولا الدهر جائر

بحيث ليالينا كغض شبابنا وأيامنا سلك ونحن جواهر

ليالي كانت للشبيبة دولة بها ملك اللذات ناه وآمر

سلام على تلك العهود فإنها موارد أفراح تلتها مصادر

وأتذكر تلك الأيام، التي مرت كالأحلام، فأتمثل بقول بعض الأكابر الأعلام:

يا ديار السرور لا زال يبكي فيك إذ تضحك الرياض غمام

رب عيش صحبته فيك غض وعيون الفراق عنا نيام

في ليالي كأنهن أمان في زمان كأنه أحلام

وكأن الأوقات فيك كؤوس دائرات وأنسهن مدام

زمن مسعد وإلف وصول ومنى تستلذها الأوهام

وبقول الحائك الأمي، عندما يكثر شجوي وغمي:

لم أنس أياما مضت وليالينا سلفت وعيشا بالصريم تصرما

إذ نحن لا نخشى الرقيب ولم نخف صرف الزمان ولا نطيع اللوما

والعيش غض والحواسد نوم هنا وعين البين قد كحلت عمى

في روضة أبدت ثغور زهورها لما بكى فيها الغمام تبسما

مد الربيع على الخمائل نوره فيها فأصبح كالخيام مخيما

تبدو الأقاحي مثل ثغر أشنب أضحى المحب به كئيبا مغرما

وعيون نرجسها كأعين غادة ترنو فترمي باللواحظ أسهما

وكذلك المنثور منثور بها لما رأى ورد الخدود منظما

والطير تصدح في فروعها فنونها سحرا فتوقظ بالهديل النوما

(18)

وأميل، إلى بلاد محياها جميل:

كساها الحيا برد الشباب فإنها بلاد بها عق الشباب تمائمي

ذكرت بها عهد الصبا فكأنما قدحت بنار الشوق بين الحيازم

ليالي لا ألوي على رشد ناصح عناني، ولا أثنيه عن غي لائم

أنال سهادي من عيون نواعس وأجني مرادي من غصون نواعم

وليل لنا بالسد بين معاطف من النهر ينساب انسياب الأراقم

تمر إلينا ثم عنا كأنها حواسد تمشي بيننا بالنمائم

وبتنا ولا واش نخاف كأنما حللنا مكان السر من صدر كاتم

وأهفو إلى قصور ذات بهجة، وصروح توضح معالمها للرائد نهجه:

ورياض تختال منها غصون في برود من زهرها وعقود

فكأنما الأدواح فيها غوان تتبارى زهوا بحسن القدود

وكأن الأطيار فيها قيان تتغنى في كل عود بعود

وكأن الأزهار في حومة الرو ض سيوف تسل تحت بنود

وأصبو إلى بطاح وأدواح، تروح النفوس والأرواح:

سقيا لها من بطاح خز ودوح زهر بها مطل

إذ ترى غير وجه شمس أطل فيه عذار ظل

وأنهار جارية، وأزهار نواسمها سارية، وأربع وملاعب، تزيح

(19)

عن بصرها المتاعب:

تلك المنازل والملا عب لا أراها الله محلا

أوطنتها زمن الصبا وجعلت فيها لي محلا

حيث التفت رأيت ما ء سائحا ورأيت ظلا

والنهر يفصل بين وه؟ ر الروض في الشطين فصلا

كبساط وشي جردت أيدي القيون عليه نصلا

وإلى منازل، يستفز حسنها الرائق الجاد والهازل، ويشفي منظرها عليلا، ويكفي مخبرها للمستفهم دليلا:

وجنان ألفتها حين غنت حولها الورق بكرة وأصيلا

نهرها مسرعا جرى وتمشت في رباها الصبا قليلا قليلا

وأتمثل إن ذكرت حال وداعي، بقول الشاعر الأديب الوداعي:

الغرب خير وعند ساكنه أمانة أوجبت تقدمه

فالشرق من نيريه عندهم يودع ديناره ودرهمه

وبقول غيره، إشارة لفضل الغرب وخيره:

أشتاق للغرب وأصبو إلى معاهد فيه وعصر الصبا

يا صاحبي نجواي والليل قد أرخى جلابيب الدجى واختبا

لا تعجبا من ناظر ساهر بات يراعي أنجما غبيا

القلب في آثارها طائر لما رآها تقصد المغربا

(20)

وأهيم كلما حللت من غيران أرضي بمكان، وقد صير السائق جد السير معمولا ل؟ ((كان))، بقول قاضي القضاة العالم الكبير الشمس ابن خلكان:

أي ليل على المحب أطاله سائق الظعن يوم زم جماله

يزجر العيس طاويا يقطع المه؟ مه عسفا سهوله ورماله

أيها السائق المجد ترفق بالمطايا فقد سئمن الرحاله

وأنخها هنيهة وأرحها إذ براها السرى وفرط الكلاله

لا تطل سيرها العنيف فقد بر ح بالصب في سراها الإطالة

وارث للنازح الذي إن رأى رب؟ عا ثوى فيه نادبا أطلاله

يسأل الربع عن ظباء المصلى ما على الربع لو أجاب سؤاله

ومحال من المحيل جواب غير أن الوقوف فيه علاله

هذه سنة المحبين يبكو ن على كل منزل لا محاله

يا ديار الأحباب لا زالت الأء ين في ترب ساحتيك مذاله

وتمشي النسيم وهو عليل في مغانيك ساحبا أذياله

أين عيش مضى لنا فيك؟ ما أس؟ رع عنا ذهابه وزواله

حيث وجه الزمان طلق نضير والتداني غصونه مياله

ولنا فيك طيب أوقات أنس ليتنا في المنام نلقى مثاله

وأردد قول الذي سحر الألباب، مناديا من له من الأحباب:

أحبابنا لو لقيتم في إقامتكم من الصبابة ما لاقيت في الظعن

لأصبح البحر من أنفاسكم يبسا والبر من أدمعي ينشق بالسفن

(21)

وقوله:

وما تغيرت عن ذاك الوداد، ولا حالت بين الحال في عهدي وميثاقي

درسي غرامي بكم دهري أكرره وقد تفقهت في وجدي وأشواقي

وقول المجد بن شمس الخلافة، معلما أنه لا يريد بدل معهده وخلافه:

يا زمان الهوى عليك السلام وعلي السلو عنك حرام

أي عيش قطعته لو دا م وهل يرتجي لظل دوام

كنت حلما والعيش فيك خيالا وسريعا ما تنقضي الأحلام

لهف على ليال تقضت سلبتني برودها الأيام

فطمتني الأقدار عنها وليدا وشديد على الوليد الفطام

لا تلمني على البكاء من بكى شجوه فليس يلام

وقول أبي طاهر الخطيب الموصلي:

حي نجدا عني ومن حل نجدا أربعا هجن لي غراما ووجدا

واقر عني السلام آرام ذاك ال؟ شعب والأجراع الخصيب الفردا

وابك عني حتى ترنح بالوج؟ د أراكا به وبانا ورندا

فلكم وقفة أطلت على الضا ل بدمع أذاع سري وأبدى

وعلى ألبان كم من البين أذري؟ ت لآلي للدمع مثنى ووحدا

آه والهفتي على طيب عيش كنت قطعته وصالا وودا

(22)

حيث عود الشباب غض نضير ويد المكرمات بالجود تندى

والخليل الودود ينعم إسعا فا وصرف الزمان يزداد بعدا

والليالي مساعدات على الوص؟ ل وعين الرقيب إذ ذاك رمدا

كم بها من لبانة لي وأوطا ر تقضت وجازت الحد حدا

فاستعاد الزمان ما كان أعطى خلسة لي ببخله واستردا

وقول بعضهم:

سلام على تلك المعاهد، إنها شريعة وردي أو مهب شمالي

ليالي لم نحذر حزون قطيعة ولم نمش إلا في سهول وصال

فقد صرت أرضى من نواحي جنابها بخلب برق أو بطيف خيال

وقول الجرجاني:

للمحبين من حذار الفراق عبرات تجول بين المآقي

فإذا ما استقلت العيس للبي؟ ن وسارت حداتها بالرفاق

استهلت على الخدود انحدارا كانحدار الجمان في الاتساق

كم محب يرى التجلد دينا فهو يخفي من الهوى ما يلاقي

أزدهاه النوى فأعرب بالوج؟ د لسان عن دمعه المهراق

وانحدار الدموع في موقف البي؟ ن على الخد آية العشاق

هون الخطب لست أول صب فضحته الدموع يوم الفراق

وقول الخطيب الحصكفي الشافعي:

(23)

ساروا وأكبادنا جرحى وأعيننا قرحى وأنفسنا سكرى من القلق

تشكو بواطننا من بعدهم حرقا لكن ظواهرناتشكو من الغرق

كأنهم فوق أكوار المطي وقد سارت مقطرة في حالك الغسق

درارئ الزهر في الأبراج زاهرة تسير في الفلك الجاري على نسق

يا موحشي الدار مذ بانوا كما أنست بقربهم لا خلت من صيب غدق

إن غبتم لم تغيبوا عن ضمائرنا وإن حضرتم حملناكم على الحدق

وما أحسن قول بعضهم في هذا المعنى، الذي كررنا ذكره وبه ألمعنا:

سلام على أهل الوداد وعهدهم إذ الأنس روض والسرور فنون

رحلنا فشرقنا وراحوا فغربوا ففاضت لروعات الفراق عيون

وكم أنشدت وليالي النوى عاتمة، قول الأندلسي ابن خاتمة:

أيامنا بالحمى ما كان أحلاك كم بت أرعاه إجلالا وأرعاك

لا تنكري وقفتي ذلا بمغناك يا دار لولا أحبائي ولولاك

لما وقفت وقوف الهائم الباكي

فهل لهم عطفه من بعد دلهم تالله ما تسمح الدنيا بمثلهم

آها لقلبي على تبديد شملهم ما كان أحلاك يا أيام وصلهم

ويا ليالي الرضا ما كان أضواك

يا بدر تم تناءت عنه أربعنا ولم تزل تحتويه الدهر أضلعنا

ما للنوى البين توجعنا إذا تذكرت دهرا كان يجمعنا

تفطرت كبدي شوقا لمرآك

(24)

أحباب أنفسنا كم ذا النوى وكم ويا معاهد نجوانا بذي سلم

تالله ما شبت دمعا للأسى بدم ولا لئمت تراب الأرض من كرم

إلا مراعاة خل ظل يرعاك

عل التعلل يدني منهم وعسى فيعمر القرب ما بالبين قد درسا

كم ذا أنادي مبربع بالنوى طمسا يا قلب صبرا فإن الصبر عاد أسى

ويا منازل سلمى أين سلماك

وقول بعض من اشتد به الهيام، فخاطب جيرته مادحا ليالي القرب وذاما تقلب الأيام:

أيام أنسي قد كانت بقربكم بيضا، فحين نأيتم أصبحت سودا

ذممت عيشي مذ فارقت أرضكم من بعد ما كان مغبوطا ومحسودا

وقول صاحب مصارع العشاق، وقد شاقه من الهوى ما شاق:

بانوا فأدمع مقلتي وجدا عليهم تستهل

وحدا بهم حادي الفرا ق عن المنازل فاستقلوا

قل للذين ترحلوا عن ناظري والقلب حلوا

ما ضرهم لو أنهلوا من ماء وصلهم وعلوا

وقوله حين زحزحته يد الفراق، عن أطاون العراق:

قد فلت والعبرات تس؟ فحها على الخد المآقي

(25)

حين انحدرت إلى الجزي؟ رة وانقطعت عن العراق

وتخبطت أيدي الرفا ق مهامه البيد الرقاق

يا بؤس من سل الزما ن عليه سيفا للفراق

وقوله أيضا:

يا منزل الحي بذات النقا سقاك دمع مذ نأوا ما رقا

هل سلوة؟ هيهات! لا سلوة قد بلغ الزبى وارتقى

وأنت يا يوم النوى عاجلا أدال منك الله يوم اللقا

وقولي موطئا للثالث، وقد تغير لي فيمن حارث

لم أنس معهدنا والشمل مجتمع والعيش غض وروض الأنس معطار

فها أنا بعد بعد عنه قلق وقد نبت بي أرجاء واقطار

تمضي الليالي وأشواقي مجددة وما انقضت لي من الأحباب أوطار

وكلما مررت بمرأى يروق، لمعت لي من ناحية المغنى بالمنى بروق، فتذكرت قول بعض من له على غير من يهوى طروق:

ما نظرت عيني سواك منظرا مستحسنا إلا عرضت دونه

وما تمنيت لقاء غائب إلا سألت الله أن تكونه

وربما رمت انتحائي مذهب السلو وانتحالي، خلال أحوال إقامتي وارتحالي، فلم يتنقل عن تلك الصفات حالي، وأني وجيدي بقلائد البتات حالي:

(26)

والشوق أعظم أن يحيط بوصفه قلم وأن يطوى عليه كتاب

والله ما أنا منصف إن كان لي عيش يطيب وجيرتي غياب

وكيف ولآماقي صب، ولأتواقي زيادة إذا سرى نسيم أو هب:

شربت حميا البين صرفا، وطالما جلوت محيا الوصل وهو وسيم

فميعاد دمعي أن تنوح حمامة وميقات شوقي أن يهب نسيم

فإن لاح سنا بارق شاقني، أو ترنم شاد حدا بي إلى الهيام وساقني، أو رنا ظبي فلاة راعني وراقني:

وإني ليصيبني سنا كل بارق وكل حمام في الأرك ينوح

وأرتاع من ظبي الفلاة إذا رنا وأرتاح للتذكار وهو سنوح

ولم يك ذاك الأمر من حيث ذاته ولكن لمعنى في الحبيب يلوح

ولا أستطيع الإعراب عن أمري العجيب، لما بي من النوى المذهل والجوى المدهش والوجيب:

ولا تسألوا عما أجن فليس لي لسان يؤدي ما الغرام يقول

يطارحني البرق الأحاديث كلما أضاء كأن البرق منه رسول

وما بال خفاق النسيم يميلني هل الريح راح والشمال شمول

إذ دموع شؤوني عند الذكرى لا ترقا، وجفوني ليس لها عن الأرق مرقى، وشجوني تنمو إذا صدحت بفننها ورقا:

رب ورقاء في الدياجي تنادي إلفها في غصونها المياده

فتثير الهوى بلحن عجيب يشهد السمع أنها عواده

كلما رجعت توجعت حزنا فكأنما في وجدنا نتباده

(27)

فيا لها من ذات طوق، مثيرة لكامن شوق، جالبة له من يمين وشمال وفوق:

ذكرتني الورقاء أيام أنس سالفات فبت أذري الدموعا

ووصلت السهاد شوقا لحبي وغراما وقد هجرت الهجوعا

كيف يخلو قلبي من الذكر يوما وعلى حبهم حنيت الضلوعا

كلما أولع العذول بعتبي في هواهم يزداد قلبي ولوعا

وربما أتخيل قول من قال إنها بالحزن بائحة، وعلى فقد الإلف نائحة، فأنشد قول خليل، وهو بالحب مدنف وعليل:

ورب حمامة في الدوح باتت تجيد النوح فنا بعد فن

أقاسمها الهوى مهما اجتمعنا فمنها النوح والعبرات مني

ولا غرو إن ظهر بائح، فباك مثلي من الشجو نائح:

فرجعت بعد فراق أيام الهوى أصف الصبابة للمحب المولع

دامي الجفون إذا الحمامة غردت من فوق خوط البانة المترعرع

أسقي الديار - وقد تباعد أهلها عنها - عزالي الدموع الهمع

ونواعب الأطلال ليس يجيبني ما بينهن سوى الصدى بتوجع

وهواتف فوق الغصون يجيبني منهن تغريد الحمام السجع

ناحت على عذب الفروع وإلفها منها بمرأى فوقها وبمسمع

ما فارقت إلفا كما فارقته كلا ولا أجرت سواكب أدمعي

على أوان عيون سعوده روان، وزمان معمور بأماني وأمان، وآمال دوان، وتهان ما بين بكر وعوان، وفي عذر من طال ليله فاضطرب فيه لولوعه، وسكن جواه بجوانحه وضلوعه:

(28)

إن طال ليلي بعدهم فلطوله عذر، وذاك لما أقاسي منهم

لم تسر فيه نجومه لكنها وقفت لتسمع ما أحدث عنهم

فأرقي، الزائد في حرقي، أظهر المكنون وأبان، ووجدي بمن نأى وبان، لم يجد فيه تعلل برند وبان:

تنبهي يا عذبات الرند كم ذا الكرى؟ هب نسيم نجد

فلست مثلي في جوى أو أرق وحرفة من فرقة أو صد

عوفيت مما حل بي من جيرة في الغرب لم يرثوا لفرط وجدي

أعلل القلب ببان رامة وهل ينوب غصن عن قد

بانوا فلا مغنى السرور بعدهم مغنى، ولا عهد الرضا بعهد

آها من البعد ومن لم يدره لم يشجه تأوهي للبعد

وفي شغل من أبكته الربوع والطلوع، وذهبت برهة من زمانه بين الترحل والحلول، فركب من الأخطار الصعب والذلول، وحافظ على العهود ولم يسلك سبيل الغادر الملول:

سقاها الحيا من أربع وطلول حكت دنفي من بعدهم ونحولي

ضمنت لها أجفان عين قريحة من الدمع مدرار الشؤون همول

ومن الغريب، الذي ينكره غير الأريب، أن الحادي إن سر القلب بكشف رين، فقد تسبب في اجتماع متنافيين متنافرين:

ترنم حاد بالصريم فشاقني إلى ذكر من باتت ضلوعي تضمه

(29)

فسر وسار النفس شجوا فربما كلفت به من حيث صرت أذمه

وارتجلت حين مللت من طول السرى، مضمنا ذكر ما أروم له تيسرا، وقد أكثر الرفاق عند رؤية ما لم يألفوه من الآفاق تلهفا وتحسرا:

قلت لما طال النوى عن بلادي ولأهل النوى جوى وعويل

هل أرى للفراق آخر عهد إن عمر الفراق عمر طويل

ثم قلت مضمنا:

لائمي في ذكر أحباب نأوا لا تلم من أضعف الشوق قواه

إن يوما جامعا شملي بهم ذاك عيدي، ليس لي عيد سواه

ثم قلت مضمنا أيضا:

لك الله من صب أضر به النوى وليس له غير اللقاء طبيب

وإن صباحا نلتقي بمسائه صباح إلى قلبي المشوق حبيب

ثم عدت إلى التبصر، بعد إمعان النظر والتدبر:

وإني لأدري أن في الصبر راحة ولكن إنفاقي على الصبر من عمري

فلا تطف نار الشوق بالشوق طالبا سلوا، فإن الجمر يسعر بالجمر

ثم سلكت منهج التفويض والتسليم، منشدا قول ابن قطرال المغربي في مقام النصح والتعليم، ووجهت القصد إلى سكان الضمير بذلك التكليم:

إن أيام الرضا معدودة والرضا أجمل شيء بالعبيد

(30)

لا تظنوا لي عنكم سلوة ما على شوقي إليكم من مزيد

راجعوا أنفسكم تستيقنوا أنكم في الوقت أقصى ما أريد

إن يوما يجمع الله بكم فيه شملي ذاك عندي يوم عيد

وقول بعض من ندم على البعد عن المعاهد، وأمل العود - والعود أحمد - إلى الشاهد، وغفر للدهر ذنبه إن عاد، وتلهف أن لم يعامله بغير الإبعاد:

لئن عاد جمع الشمل في ذلك الحمى غفرت لدهري كل ذنب تقدما

وإن لم يعد منيت نفسي بعودة وماذا عسى تجدي الأماني وقلما

يحق لقلبي أن يذوب صبابة وللعين أن تجري مدامعها دما

على زمن ماض بهم قد قطعته لبست به ثوب المسرة معلما

وقول آخر يخاطب أحبابه، ويذكر فواصل بحر النوى الطويل وأسبابه:

أعيذكم من لوعتي وشجوني ونار جوى تذكى بماء شؤوني

وبرح أسى لم يبق في بقية سوى حركات تارة وسكون

أرى القلب أضحى بعد طارقة الأسى أسير صبابات رهين شجون

وكيف سبيل القرب منكم ودونكم رمال زرود والأجارع دوني؟

سلوا مضجعي هل قر من بعد بعدكم وهل عرفت طعم الرقاد جفوني

سهرنا بنعمان، ونمتم ببابل، فيا لعيون ما وفت لعيون

وفي بعض الأحيان، أتسلي بقول الأندلسيين الأعيان:

لا تكرث بفراق أوطان الصبا فعسى تنال بغيرهن سعودا

فالدر ينظم عند فقد بحاره بجميل أجياد الحسان عقودا

وقول غيره:

فعسى الليالي أن تمن بنظمنا عقدا كما كنا عليه وأكملا

(31)

فلربما نثر الجمان تعمدا ليعاد أحسن في النظام وأجملا

وأرغب لمن أطال ذيول الغربة أن يقلصها، وأطلب ممن أجال النفوس في سيول الكربة أن يخلصها:

فنلتقي وعوادي الدهر غافلة عما نروم وعقد البين محلول

والدار آنسة، والشمل مجتمع، والطير صادحة، والروض مطلول

وأضرع إليه - سبحانه - في تيسير العود إلى أوطاني، ومعهدي الذي مطايا العز أوطاني، وأن يلحقني بذلك الأفق الذي خيره موفور، وحق من فيه معروف لا منكر ولا مكفور:

إذا ظفرت من الدنيا بقربهم فكل ذنب جناه الدهر مغفور

وكأني بعاتب يقول: ما هذا التطويل؟ فأقول له: جوابي قول ابن أبي الإصبع الذي عليه التعويل:

أكثرت عذلي كأني كنت أول من بكى على مسكن أو حن للسكن

لا تلح إن من الإيمان عند ذوي ال إيمان منا حنين النفس للوطن

على أنني أقول: اللهم يسر لي ما فيه الخيرة لي بالمشارق أو بالمغارب، وجد لي من فضلك حيث حللت بجميع ما فيه رضاك من المآرب، بجاه نبينا وشفيعنا المبعوث رحمة للأحمر والأسود والأعاجم والأعارب، عليه أفضل صلاة وأزكى سلام، وعلى آله وأصحابه الأعلام، والتابعين لهم بإحسان ما ذر شارق وتعاقب طالع وغارب.

(32)

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.