أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-12-2021
1134
التاريخ: 20-8-2022
1215
التاريخ: 16-8-2022
939
|
لما كان التكبر من الامراض النفسية الخطيرة والفتاكة في الفرد والمجتمع فإن الإسلام لم يكتف بتقبيح صفة التكبر ، بل جعل له علاجات مشفية منها ضمن عباداته المفروضة فالسجود لله (سبحانه وتعالى) ووضع الجبين على الارض، يشعر بالتذلل والخضوع، وهي عملية تحد من كبرياء الإنسان وغطرسته ، والصيام كذلك يضعف هذه الحالة ، ويشعر الإنسان بضعه أمام حالات انقطاع الاكل والشرب، وفي الحج صور رائعة من المساواة كان في الاحرام ، او الطواف والسعي والرجم ، وكذلك إخراج فريضة الزكاة قمعاً لكبرياء ذوي الثروات الواسعة .
يقول امير المؤمنين (عليه السلام) : (فالله الله في عاجل البغي، وآجل وخامة الظلم وسوء عاقبة الكبر ، فإنها مصيدة إبليس العظمى ، ومكيدته الكبرى ، التي تساور قلوب الرجال مساورة السموم القاتلة ؛ فما تكدي ابداً ، ولا تشوي احداً ، لا عالما لعلمه ، ولا مقلا في طمره ، وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات ، ومجاهدة الصيام في الايام المفروضات ، تسكينا لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم ، وتذليلاً لنفسوهم ، وتخفيضاً لقلوبهم ، وإذهاباً للخيلاء عنهم ، ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً ، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً ، ولحوق البطون بالمتون من الصيام تذللاً مع ما في الزكاة من صرف ثمرات الارض وغير ذلك إلى أهل المسكنة والفقر)(1) وقالت الزهراء (عليه السلام) : (جعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة تطهيراً لكم من الكبر).
إذن فالصلاة والصيام والزكاة وغيرها من الفرائض والمستحبات علاج شافي لأمراض النفوس .
هذا وقد ذكر علماء الاخلاق علاجات علمية وعملية لمرض التكبر نذكر بعضها على وجه الإجمال :
1- ان يفكر جيداً بواقعة التكويني ، ويفكر في خلقه فقد خلق من نطفة مذره ، وان يعرف حالته ، وما يتسبب من ضعف، وان ابسط الاشياء تقهره وتذله فالبقة تؤلمه ، والعرقة تنتنه ، والشرقة تقتله (2) ، وانه مهما تطاول وتجبر فلن يبلغ الجبال طولاً، وانه مهما قوي فمآله إلى ضعف ، وهزال ، ثم موت، وزوال، ومهما استغنى فمصيره إلى الموت لا تغني عنه ثروات الأرض جميعاً ، ويتحول إلى جثة هامدة نتنة ... وهذه التصورات ينبغي ان لا يعيشها نظرياً في حدود اللسان بل يجب ان يعيها بعمق ودقة ، ولا مفر له منها فإذا وعاها الإنسان ، وهضمها فكراً ومثلها سلوكاً فسيرزقه الله التواضع والخشوع ، وإلا فلا ينتفع بها.
2- ان يتعرف على مآثر التواضع ومحاسنه ، ويعي ان التواضع هو الذي يرفعه بين الناس ، ويقربهم إليه فما رأينا الماء وقف على صخرة شامخة ، بل دائمة ينحدر إلى الهضبة المنخفضة ، ولتحصيل ملكة التواضع لابد من ترويض النفس عليه ؛ لتذل وتهون. وهكذا كان شأن العقلاء .
(فعن مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب واصحابه فدخلوا عليه ، وهو في بيت له جالس على التراب ، وعليه خلقان الثياب قال : فقال جعفر : فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال ... فقال له جعفر : أيها الملك فمالي اراك جالساً على التراب، وعليك هذه الخلقان ؟
فقال له : يا جعفر انا نجد في ما انزل على عيسى (عليه السلام) ان من حق الله على عباده ان يحدثوا له تواضعاً عندما يحدث لهم من نعمة فلما احدث الله (عز وجل) نعمة لي بمحمد (صلى الله عليه واله) احدثت الله هذا التواضع فلما بلغ النبي (صلى الله عليه واله) قال لأصحابه : ... إن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرحمكم الله)(3)
3- ان يفرض على نفسه الإذعان للحق عند البحث والمناقشة مع من كان وفي اي وقت كان ، وان يكون الحق رائده ، ويأخذ كلمة الحق ممن هو دونه علما ومنزلة ، فقد روي عن الشيخ الاعظم (قدس سره) صاحب الرسائل والمكاسب انه كان يجلس عند احد تلاميذه في الفقه والاصول. يتعلم منه الأخلاق الحسنة فعلى العاقل ان يبذل جهده في ترك المراء ، وعدم الإصرار على رأيه ان كان هناك رأي ارجح منه.
4- ان يقدم الاقران والامثال على نفسه ، بل حتى من يكون ادنى منه منزلة او علما ، وان يجلس حيثما ينتهي به المجلس فقد روي ان رسول الله (صلى الله عليه واله) (إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك(4) بل كان (صلى الله عليه واله) يجلس جلسة العبد. (5).
5- ان يلبس الملابس المتواضعة التي لا تعرب عن كبرياء، ولا تحط من قدره .
6- ان يؤاكل الفقراء والمساكين حتى لو كانوا غلمانه وعبيده فقد (روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) في سفره إلى خراسان فدعا بمائدة له فجمع مواليه من السودان وغيرهم ، فقلت : جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة ، فقال (عليه السلام) : مه ان الرب تبارك وتعالى واحد ، والأم واحدة، والجزاء بالأعمال)(6).
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) انه كان يجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين ويكرم اهل الفضل في اخلاقهم ، ويتألف اهل الشرف بالبر لهم ، ولا يحتقر مسكيناً لفقره أو زمانته(7).
وروي ان الحسن ابن علي (عليه السلام) مر على فقراء (وقد وضعوا كسيرات على الارض، وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له : هلمَّ يا ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) إلى الغداء، قال : فنزل وقال : ان الله لا يحب المستكبرين ، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا ، والزاد على حاله ببركته (عليه السلام) ثم دعاهم إلى ضيافته ، وأطعمهم وكساهم)(8).
_________________
(1) نهج البلاغة خطبة : 192 .
(2) قال امير المؤمنين (عليه السلام) : (مسكين ابن ادم مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقة ، وتقتله الشرقة ، وتنتنه العرقة) نهج البلاغة ، الكلمات القصار : 529 .
(3) ثقة الاسلام الكليني ، الاصول من الكافي : 2/121 .
(4) العلامة الطباطبائي ، سنن النبي (صلى الله عليه واله) : 16 .
(5) المصدر نفسه : 31.
(6) المحدث المجلسي ، بحار الانوار : 49/101.
(7) العلامة الطباطبائي ، سنن النبي (صلى الله عليه واله) : 37.
(8) المحدث المجلسي ، بحار الانوار : 43/352.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|