أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-04
1155
التاريخ: 9-4-2020
1811
التاريخ: 20-12-2021
1884
التاريخ: 22-5-2022
1320
|
___________________________
توجد الآن في الولايات المتحدة و المملكة المتحدة منطلقات بحثية جديدة للدراسة و التحليل الجيوبولتيكي من منظور معاصر يطلق عليها اسم (الجغرافية الانتقادية (Critical Geopolitics، او كما يسميها تايلور) بالجيوبوليتكس البديلة (Geopolitics Alternative، أو (الجيوبولتيكس الأرثوذوكسية (Orthodox Geopolitics) - كما يطلق عليها اوتوثل, ومن ابرز كتاب هذا النهج الجديد هم: جيرويد أوتوثل، جون أولوغلن، جون أكنيو، كلاوس دودز، وسيمون دالبي.
تشكك هذه المجموعة من الباحثين الجيوبولتيكيين بالمفاهيم الجيوبوليتيكية (التقليدية) ، بما في ذلك نظمها الكوكبية، لأنها مبنية فقط على اساس القوة في العلاقات الدولية، ويعتقدون بان دراساتهم لا تؤسس لمدرسة جديدة في الفكر الجيوبولتيكي، بل يرون فيها مجموعة واسعة من الأفكار المترابطة الساخطة على مفاهيم القوة المجردة في التحليل الجيوبولتيكي السابق.
أن أصحاب الجيوبولتيكس ألانتقادي يرون، أيضا، ان هناك العديد من المتغيرات الجديدة التي هي خارج نطاق المقومات الجغرافية بدأت بأداء فعلها المؤثر الى الأحداث السياسية، وهنا يدخل العامل التكنولوجي و بخاصة تكنولوجيا الإعلام و الاتصالات ثم ظاهرة الثقافة التكنولوجية العالمية، والعولمة، والثورة المعلوماتية التي اقتحمت كل البيوت في دون استئذان للسلطات والدكتاتوريات الحاكمة، و بخاصة في الدول النامية، باعتبارها ثقافات عابرة للحدود.
نشأت هذه المدرسة بسبب نقدها المرير لكون الجيوبولتيكس التقليدي كان يعتبر (الجغرافيا) العنصر المهم الوحيد في ممارسات و تطبيقات القوة في العلاقات الدولية وفي السياسة الخارجية للدول. لذا يقول اوتوثل : ان الجيوبولتيكس ألانتقادي يقف على النقيض من ذلك لأنه مشروع نظري مشكلاتي يضع الهياكل القائمة لمكون القوة و المعرفة محل اختبار وتحليل، عكس القوالب السابقة المتحجرة. ويرى كلاوس دودز ان هناك خمسة موضوعات لابد ان تؤخذ بنظر الاعتبار في التحليلات الجيوبولتيكية المعاصرة هي:
١- انتهاء الحرب الباردة.
٢- الشركات المالية و المعلوماتية.
٣- التجزئة و الدولة ذات السيادة.
4- الإقليمية.
5- وسائل الإعلام و حالات الطوارئ الإنسانية (الكوارث) والحروب. من هنا يتضح ان كل المهتمين بالجيوبوليتكس الانتقادي يركزون على دور تكنولوجيا الإعلام في تحفيز و تشجيع السكان(الناس) علي القيام بأفعال سياسية محددة، وفي هذا المجال يقول دودز أيضا :
هناك نوع جديد في تكنولوجيا وسائل الإعلام و الاتصالات غيرت من سرعة و كثافة التغيرات السياسية الكوكبية لأنها تحلق قدرة للمتابعين من الأكاديميين والسياسيين في تفسير و توضيح أوضاع العالم، فالمسافات حول العالم غيرتها طبيعة و سرعة تكنولوجيا الاتصالات، فالتلفزيون، حسب رأي البعض، حول المسافة الجغرافية الى مسافة كاذبة.
ويرى اوتوثل ان الجيوبولتيكس ليس علماً انفرادياً، بل هو علم جماعي وعلم واسع اجتماعياً و حضارياً ، لذا فهو اكبر في ان يقرر نتائجه رجل واحد، كما في الجيوبولتيكس التقليدي، لأن ذلك يتطلب دراسة حالات تقع خارج حدود الدولة أو في داخلها.
ويضيف كلاوس دودز أيضا : يحاول العديد من الباحثين، سعيا وراء إيجاد تعريف محدد للجيوبوليتكس، كممارسة منطقية، التركيز على كيفية استنتاج عواقب الأحداث التي من خلالها يستطيع مختصوا او مخططوا الأمن أقلمة السياسة الدولية او تحديد توجيهاتها مكانياً ، وفي هذا المجال يقول ان هناك نوعين من الجيوبوليتكس : الأول يعتمد على الجيوبوليتكس الشكلي او المنهجي Formal Texts وهي الآراء التقليدية الخاصة بمنظري الجيوبولتيكس التقليدي. والثاني : الجيوبولتيكس العملي (ا3ء3|)الذي يستنتج عواقب الأحداث بعد وقوعها لصياغ منها الخطاب الخاص بالسياسة الخارجية. وهو ما يتبناه كتاب الجيويوليتكس ألانتقادي. أي أنهم استبعدوا كلية ما آلت إليه نظريات ماكندر، وسبايكمان، ودي سيفر سكي الكوكبية التي كان العالم يجد تطبيقاتها الحادة في سنوات الحرب الباردة ١٩٤٥ - ٠١٩٩٠
مع كل ما تقدم نقول : لا يمكن للجيوبولتيكس ألانتقادي ان يبطل كل ما جاءت به الجيوبولتيكيا الكلاسيكية او التقليدية او الارثيذوكسية ،كما يسميها الآن أصحاب هذه المدرسة الانتقادية، وفق رويتهم المتعلقة بالصراع الدولي لأحداث ما بعد انتهاء الحرب الباردة. بل نجد ان الطريق الأسلم، لفهم العوامل المحركة للأحداث و تحليلها بشكل سليم، هو في اخذ ما يصلح للتفسير و التحليل من النظريات و الفرضيات الجيوبولتيكية الكلاسيكية ، مع الأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات المستخدمة الموجهة او المؤثرة في الحدث السياسي، لأن تراث الجيوبولتيكس الكلاسيكي هو جزء هام من الثقافة والمعرفة الجيوبولتيكية. لذا يعتقد بيتر تايلور، ان الجيوبولتيكس الانتقادي يمثل ، هو الأخر، جزء من الانعطافة (ما بعد الحداثة) في الجغرافية البشرية، وان هؤلاء المنتقدين للجيوبولتيكس الكلاسيكي لا غنى عنهم في أي حقل من حقول البحث العلمي. كما انه ليس هناك أي سبب يمنعنا من ان نقلب الحال و نستخدم استبصاراتهم في إغناء جغرافيتنا السياسية القائمة على نهج النظم العالمية، فهي جميعا من تراث الجغرافية السياسية. وكل الأفكار تفهم و تحلل ضمن سياقاتها التاريخية و القومية وفي إطارها الجغرافي, يتفق الاهتمام الحديث بالتواريخ النقدية للجغرافيا مع الاهتمام المتجدد بالأفكار الجيوبوليتيكية. حيث حاول ظهرت كتابات حملت عنوان "الجيوبوليتيكا النقدية" محاولة الجمع بين تفسير التغير السياسي المعاصر والتقييمات النقدية للبيانات والتفسيرات الجيوبوليتيكية، ويعود هذا الاهتمام إلى دراسات نقدية متفرقة لجيوبوليتيكا الحرب الباردة وتقارير الاضطرابات الاقتصادية الجغرافية. ومع ذلك، تضاعفت هذه الدراسات خلال تسعينيات القرن العشرين، ودفعت الجيوبوليتيكا إلى قلب حوارات الجغرافيا البشرية المعاصرة.
وقد اعتمد ظهور الجيوبوليتيكا النقدية على الاعتراف بان جغرافيات السياسة العالمية لم تكن حتمية ولا ثابتة، ولكتها كانت تتحدد ثقافيا وتستمر سياسيا من خلال الخطابات والممارسات الاستعراضية لفتون الحكم، ولتحقيق هذا الهدف، أعاد أوتواتيل وأجنيو صياغة مفهوم الجيوبوليتيكا على ألها خطاب يشمل مكولين متداخلين،
فأولا: هناك "الجيوبوليتيكا العملية" لغن الحكم اليومي، حيث يتقسم العالم إلى مناطق ذات صفات وخصائص متخيلة - مما يؤدي إلى وجود تشكيلة من أماكن "الخطر" أو "التهديد" أو "الأمان" التي تشكل السياسة الخارجية.
ثانيا: هناك "الجيوبوليتيكا الرسمية" التي يضعها المفكرون الأمنيون الذين يقدمون النظريات والاستراتيجيات التي توجه وتبرر فن حكم الجيوبوليتيكا العملية، وقد أثبتت المؤسسة العسكرية والسياسية للولايات المتحدة في الحرب الباردة أتها مجال خصب جدا للدراسة، حيث انتقد دالبى وأوتواتيل وأجنيو الخطاب الجيوبوليتيكي الأمريكي الذي صور الاتحاد السوفيتي على أته خطير ومهدد وتوسعي، وقد أدى هذا إلى إضفاء المشروعية على ميزانيات الدفاع الأمريكية، وعلى سياسات الاحتواء والتدخل في مناطق أخرى من العالم، ومن المثير للسخرية أن هذه العروض البسيطة كانت جغرافية وأحادية البعد، ييتما كان يفترض أن تقوم على معارف خبيرة ولم يكونوا في حاجة إلى التقدم المرعب لكي يحققوا الفعالية السياسية، لأنه في حالة غياب الانتقادات الهامة، يطل الخطاب الجيوبوليتيكي بلا تحد حقيقي.
وقد طرح أوتواتيل ودالبى أربع نقاط إضافية تميز الجيوبوليتيكا النقدية، وذلك في مقدمة كتاب "إعادة التفكير في الجيوبوليتيكا" - Rethink ing Geopolitics, وهو كتاب حديث يستكشف مجال الجيوبوليتيكا النقدية بصورة أوسع، فبعد إعادة التأكيد على أهمية تقسيم العالم حسب فن الحكم، تمثلت النقطة الثانية في توضيح كيف أثرت هذه الممارسات الاستعراضية على سياسات الهوية حيث يدعيان أن التقسيمات المفروضة بين الذات المحلية و"الآخر" تطل قائمة بسبب التخيلات الجيوبوليتيكية والحدود المادية والمعنوية التي تقسم العالم إلى "مجالنا" ومجالاتهم". ثم خلص أوتواتيل ودالبى.
ثالثا إلى أن المعارف الجغرافية ليست حقا مطلقا قاصرا على النخبة السياسية ومستشاريها ووثائقها السياسية، بل إن "الثقافات الجغرافية" تجد التعبير عنها أيضا في المجالات اليومية في التليفزيون والسينما والقصص والصحف ونطام التعليم الرسمي والسياسية المعتادة للقومية العادية، وكما أن التواريخ النقدية تتناول الأن الثقافات الشعبية، فان المعارف الجيوبوليتيكية الشعبية أيضا تعد على أهمية كبيرة، وذلك لأنها تساهم في إنتاج وتداول التفسير الجغرافي "السائد" الذي يؤثر على الرأي العام.
ففي الأرجنتين مثلا، لعب نطام التعليم الرسمي والكتب الدراسية الجغرافية أدوارا مهمة في تكوين التخيلات الجغرافية للمواطنين والمعتقدات السائدة المؤكدة على ضرورة استرداد أقاليم مثل جزر ملفين، وذلك حتى تحقق الأرجنتين التنمية والتقدم والعدالة السياسية.
ووصل أوتواتيل ودالبي إلى النقطة الرابعة، فذهبا إلى القول بان الممارسات الفكرية والفروض المعرفية الكامنة في الفكر والممارسات الجغرافية تحتاج إلى البحث العميق بدلا من تقبلها بلا نقد. ويتمثل أحد عناصر هذا النقد في دراسة سياسة التصور أو الرؤية، حيث تنادى نصوص جيوبوليتيكية كثيرة بضرورة بوجود تصور ورؤية شاملة، ولكنها نادرا ما تدرس مدى حقها في إعلان أماكن معينة على أنها "قلب الأرض أو مناطق هامشية" أو "نطاقات تصادم القوى" shatterbelts ".
ويظهر اتجاه أكثر تكاملا في الجيوبوليتيكا يشير إلى أن هذه النظرات، التي يفترض أنها متميزة، فشلت في التعرف على فروض وخيالات الجيوبوليتيك. وعلى سبيل المثال، يوضح بحث حديث عن حالة النوع والجيوبوليتك كيف أن النظرات النوعية والعرقية للمراقبين الجيوبولتيكيين في أوروبا وأمريكا الشمالية أكدت أن معرفة العالم السياسي لم تكن محايدة (كما يدعي البعض) ولا خالية من تحيزات معينة وهكذا فان الجيوبوليتيكا النقدية يجب أن تدرس كيفية تصور الخبراء الجيوبولتيكيين للعالم، مما يضمن أن تعرض الادعاءات الجيوبوليتيكية بامتلاك الحقيقة والرؤية المتميزة على أنها جزئية وشخصية.
وأخيرا، يناقش أوتواتيل ودالبى "التفسير الموضعي" للجيوبولوتيكا في إطار المعايير الاجتماعية والمكانية والسياسية والتقنية لنظام الدولة الحديثة، ونظرا لأن الفكر الجيوبوليتيكي كثيرا ما يواجه المسائل الملحة المتعلقة بالحكم والتي تواجه الدول في إدارتها وتنظيمها لأقاليمها، فان التعرف على هذه السياقات ونقدها يصبح مهمة أساسية.
ولذلك فإن الاعتقاد بأن التمثيل الجيوبوليتيكي للسياسة العالمية يستحق الاهتمام الشديد له في حقيقة الأمر جزء أصيل من صميم الجيوبوليتيكا النقدية، لأن هذا التصوير للعالم هو الذي يساعد على تشريع وتقتين السياسات الخارجية، فغي الوقت الذي بدأت فيه هذه الدراسات في عرض الفروض والتمثيل المكاني لغن إدارة الدولة، أصبحت الجيوبوليتيكا النقدية أكثر تقدما من حيث أطرها التحليلية ومحتواها، حتى أن بعض النقاد يشكون اليوم من أن التركيز على مفاهيم مثل تحليل الخطاب، والتمثيل، والمعنى، والهوية، قد تم الإفراط فيه على حساب قضايا الاقتصاد السياسي، بينما ينزعج أخرون من أن مصطلح الجيوبوليتيك ذاته لم يدرس بصورة كافية، أو من أن تحليل الخطاب الجيوبوليتيكي كان محددا بصورة ضيقة ويرى البعض الآخر أن تركيز إنلو على أدوار النساء التي تؤثر في الجيوبوليتيكا العملية لازال في حاجة إلى دراسة دقيقة، ولا بد أن تتذكر أيضا أن ييفز لاكوست Yves Lacosie تنبأ بالعديد من اهتمامات الجيوبوليتيكا النقدية في المجلة الفرنسية هيرودوت في سبعينيات القرن العشرين.
ولا يتوقف الموضوع عتد هذا الحد، بل ان الجغرافي الفرنسي دومنيكو مويسي(Dominique Moisi)، في كتابه (The of emotions Geopolitics ) يرى أن جيوبولتيكية العواطف، هي الأخرى، تلعب دورا بارزا في تحريك السلوك السياسي البشري، ويرى ان
الصراعات العاطفية اليوم برزت لتعبر عن الهوية القومية في عالم العولمة، حتى بدت وكأنها ذات تأثير هام على الجيوبوليتكس فالعواطف(Emotion)، حسب رايه، تعكس درجة الثقة (confidence) التي يمتلكها المجتمع تغسه، أي إنها درجة الثقة التي تحدد قدرة المجتمع على النهوض بعد تعرضه لأية أزمة، ومنها يبرز التحدي والاستجابة والتأقلم ويرى كذلك أن هناك ثلاث عواطف اساسية مؤثرة في جيوبولتيكية المسار السياسي هي:
١- الخوف و ٢-الأمل و ٣-الإذلال، وان السبب في هذا الاختيار هو ان العواطف الثلاث هذه، من دون العديد من العواطف الأخرى، ترتبط مباشرة مع فجوة الثقة (6ء60هأ0۴ * التي أشار إليها والتي هي بمثابة العامل المحدد لكيفية مواجهة الأمم والسكان للمخاطر التي يواجهونها، وفي بناء علاقاتهم مع بعض.
فالخوف كما يقول، يمثل غياب الثقة في العلاقات الدولية، او الثقة الحرجة عند اللذين فقدوا الأمل بالمستقبل، لتوقعهم بان المستقبل سيكون اكثر خطورة. أما الأمل، فعلى النقيض من ذلك، فهو تعبير عن الثقة والقناعة بان اليوم أحسن من الأمس، وان غدا سيكون افضل من اليوم، والقناعة هي ضد الاستسلام.
اما الإذلال فهو الإحساس بالمذلة، والمذلة تتحول أحيانا، كما يعتقد، الى سلاح دبلوماسي، وهو يلعب بأحاسيس الأمم المقهورة. فالإحساس بالإذلال هو الذي يدفع الإيرانيين، في مفاوضاتهم مع الولايات المتحدة، الى إثارة التدخل الأمريكي لإسقاط حكومة مصدق عام ٠١٩٥٣ كما أن إدانة البرلمان الأرمني للإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن على يد الترك العثمانيين واعتبارها إبادة عرقية، وشعور تركيا بالطرق الأرمني والإيراني من الشرق قد يكون من اسباب انفتاح تركيا نحو البلدان العربية رغم الإذلال الذي تشعر به من مواقفهم السابقة من الدولة العثمانية، كما أن مساعدة القوات الخاصة
الفرنسية (الكوماندوز) في تحرير البيت الحرام من احتلال الإرهابيين عام ١٩٧٩ هي مذلة اشعرت الملوك وأمراء الخليج بحاجتهم للمساعدة والعون الغربي من يقرأ كتاب (الجغرافية السياسية في مائة عام: التطور الجيوبوليتيكي العالمي) سيطلع على التنوع الكبير والتراث الهائل للجيوبولتيكيا، ومدى تنوع المواقع التي ترعرعت فيها مع كل هذا فان تراثها غير واضح في بعض تعبيراتها، لذا أدت المراجعات النقدية للطروحات الجيوبوليتيكية للعالم اثناء الحرب الباردة الى ظهور ما اصبح يعرف باسم الجيوبولتيكيا النقدية.
فالجيوبوليتكس ليس علما خاصا بالبريطانيين، او الأمريكان، ولا الألمان لوحدهم، بل انه علم ترعرع في عدة بيئات سياسية متأثرا بالأفكار الأساسية لفردريك راتزل، ورودولف كلين، فهناك اليوم جيوبوليتيكيا المانية، وانكليزية، وفرنسية، ويابانية، وهندية، واسبانية، وأرجنتينية وغيرها من البلدان. وكما يقول ويكرت (كل امة لديها الجيوبولتيكيا الخاصة بها). ففي ايطاليا، برزت الأفكار الجيوبولتيكية في جامعة تريستا عندما قبل الجغرافيون هناك قبول الجيوبولتيكس كتخصص علمي معتمد في تحليلاتهم الجغرافية السياسية على النمط الألماني، نظرا لتأثرهم بتلك المدرسة. ومن هذا المنطلق صدرت مجلة باسم الجيوبولتيك ((Geopolitica في أعوام ١٩٣٩- ١٩٤٢، وكان هدفها دعم الأفكار الجيوبوليتيكية للشعب الايطالي وفتح افق فكري يمكن أن يتطور من خلاله التحليل الجيوبولتيكي الايطالي للأحداث، ومع أن هذه المجلة اختفت بانتهاء عهد النازية والغاشية، الا أن علم الجيوبولتيكس برز مرة اخرى هناك من خلال دورية جديدة منذ عام ١٩٩٢ تدعى (لا يمس)، التي تعني التخوم، كرست صفحاتها للجيوبوليتكس وتحليل خيارات السياسية الخارجية الايطالية المعاصرة، واستطاعت هذه المجلة ان تكسب شعبية كبيرة في ايطاليا اما في اليابان، فقد تأثرت المدرسة الجيوبولتيكية اليابانية في البداية بآراء هاوسهوفر الجيوبولتيكية، ويظهر ذلك بوضوح من خلال تحالف اليابان مع المانيا في الحرب العالمية الثانية، ومع أن هذه المدرسة التزمت الصمت، لغترة ليست بالقصيرة، بعد الحرب العالمية الثانية اثر قيام الدولة بتدمير العديد من الوثائق بعد استسلام اليابان في تلك الحرب فقد تعرض الجيوبوليتكس للإهمال لدرجة الانكسار والذبول. لكن ما أن حل عام ١٩٥٧ حتى عقد المؤتمر الإقليمي لاتحاد الجغرافيين الدولي في اليابان، وكان ذلك أول حدث من نوعه بنظمه الجغرافيون اليابانيون بعد عقدين كاملين من الانعزال الثقافي. وكان ذلك حدثا مهما لتطوير التواصل الوجداني لدى الجغرافيين اليابانيين، جغرافيا وجيوبولتيكيا، حيث تخلى الفكر الجيوبوليتيكي نهائيا عن المنهج المتعصب او القومي المتطرف والجمود العقائدي العسكري، بل تمحورت حول فكرة المصالح الاقتصادية العليا ومصالح المؤسسات التجارية الكبرى والنظام السياسي الديمقراطي.
وفي فرنسا ازدهر الجيوبوليتكس عبر مجلة ذات نهج جيوبولتيكي يساري تدعي (هيرودوت) التي ظهر العدد الأول منها في عام ١٩٧٩ تخليدا لاسم المؤرخ اليوناني هيرودوتس وكان يرأس تحريرها الجغرافي بيفر لاكوست مدير المعهد الجيوبوليتيكي الفرنسي. يقول لاكوست، موضحا مفهومه الطبيعة وروح الجيوبوليتكس، كما يلي: مهما كان الامتداد الإقليمي، وتعقد البيانات الجغرافية، فان (الموقف الجيوبوليتيكي يعرفه المتنافسون على القوة ذات النطاق الواسع، بعلاقات القوى القائمة بين مختلف اجزاء الإقليم المقصود، وذلك في فترة محددة من التطور التاريخي، والمتنافسون على القوة هم اولا: الدول الكبيرة والصغيرة التي تتصارع على امتلاك أقاليم معينة او السيطرة عليها، ولكي تفهم التنافس أو الصراع الجيوبولتيكي، لا يكفي أن تحدد وتصور المشكلة المطروحة، بل لا بد من فهم أسباب وافكار الأطراف الرئيسية - حكام الدول، قادة الحركات الإقليمية والانفصالية والاستقلالية، فكل منهم يؤثر في الراي العام الذي يمثله ويتأثر به، إذ أن دور الأفكار، حتى الخاطئة، مهم جدا في الجيوبولتيكس لأنها تفسر المشروعات وتحدد الاستراتيجيات مثل البيانات المادية.
ونظرا لهذا التباين الواضح في وجهات النطر التحليلية للأحداث في الجيوبولتيكس الكلاسيكي والنقدي المعاصر، فقد توصل المؤتمر الذي عقده قسم الجغرافية بجامعة دارهام البريطانية في من عام ٢٠٠٨ الى توصية توفيقية تقول: (هناك عدة مدارس فكرية في الجيوبولتيكس، وان الجيوبولتيكس النقدي هو احداها، مع أن الجيوبولتيكس النقدي لا يزال بحاجة الى تحديد مفهومه بدقة). مع كل ما تقدم نقول: لا يمكن للجيوبولتيكس الانتقادي أن يبطل كل ما جاءت به الجيوبولتيكيا الكلاسيكية او التقليدية او الأرثوذوكسية، كما يسميها الآن أصحاب هذه المدرسة الانتقادية، وفق رؤيتهم المتعلقة بالصراع الدولي لأحداث ما بعد انتهاء الحرب الباردة. بل نجد ان الطريق الأسلم، لفهم العوامل المحركة للأحداث وتحليلها بشكل سليم، هو في اخذ ما يصلح للتفسير والتحليل من النظريات والفرضيات الجيوبولتيكية الكلاسيكية، مع الأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات المستخدمة الموجهة او المؤثرة في الحدث السياسي، لأن تراث الجيوبولتيكس الكلاسيكي هو جزء هام من الثقافة والمعرفة الجيوبولتيكية، لذا يعتقد بيتر تايلور: أن الجيوبولتيكس الانتقادي يمثل، هو الأخر، جزء من الانعطافة (ما بعد الحداثة في الجغرافية البشرية، وان هؤلاء المنتقدين للجيوبولتيكس الكلاسيكي لا غنى عنهم في اي حقل من حقول البحث العلمي، كما أنه ليس هناك أي سبب يمنعنا من ان نقلب الحال ونستخدم استبصاراتهم (الطازجة) في اغناء جغرافيتنا السياسية القائمة على نهج النظم العالمية، فهي جميعا من
تراث الجغرافية السياسية، وكل الأفكار تفهم وتحلل ضمن سياقاتها التاريخية والقومية وفي إطارها الجغرافي.
جدول (٢) أنماط الجيوبولتيكس كما تدرسها الجيوبوليتيكا النقدية
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|