أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
2836
التاريخ: 2024-07-07
474
التاريخ: 1-12-2014
2322
التاريخ: 12-5-2021
4048
|
لم يزل المصلحون وما زالوا في قفص الاتهام ، وعلى رأسهم الأنبياء العظام . فقد رمي كل نبي في عصره بتهم كاذبة تشهد حياة الأنبياء بكذبها وتفاهتها ، والتهمة بلا ريب سلاح الجاهل الذي يقعد به العجز عن مواجهة دعوة النبي وحججه الدامغة فيلجأ إلى إثارة التهم حتى يسقطه من أعين الناس . وكان هذا الخط حاكما طول التاريخ بين الجهلة والأنبياء . وقد ذكر القرآن الكريم شيئاً من التهم والاعتراضات التي وجهوها إلى ذلك النبي الكريم (عليه السلام) ، وإليك الآيات :
{فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} [القمر : 9] .
{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون : 24 ، 25] .
{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأعراف : 60] .
{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} [هود : 27] .
{قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء : 111] .
{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء : 116] .
وهكذا تساق التهم جُزافاً :
١. الجنون
والتهمة بالجنون تهمة جاهزة يلصقها الطغاة والجاهلون بالأنبياء والمصلحين ولم يسلم منها حتى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) لأن النبي أو المصلح بمخالفته للرأي العام كمن يريد أن يسبح خلاف التيار ، ويلقي بنفسه في المهالك ، وهذا في تصورهم هو الجنون بعينه ، ولم يدر هؤلاء ان صاحب الأهداف السامية يمضي بعزم صارم ويقين ، ولا يستوحش في طريقه لقلة ناصريه .
٢. التفوّق والتفضّل
{مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون : 24] وهذا اتهام آخر له (عليه السلام) : إنه يُضمر حبّ الرئاسة ، والاستئثار بغنائم الحياة . إنه - في زعمهم - يتخذ من دعوته غطاء لتحقيق مآربه الشخصية !!
٣. الضلالة
كان قوم نوح غارقين في الوثنية ومع ذلك يتهمون نوحاً بالضلال لدعوته إياهم إلى توحيد الله وإنقاذهم من الأوثان . وهذا هو دأب الجاهل الذي يصف الحكيم الضلال ونفسه بالهداية ، مجسداً المثل القائل : (رمتني بدائها وانسلّت) .
أما الاعتراضات الناجمة عن الأنانية والجهل بمبادئ الحق والحقيقة ، فإليك بيانها :
١. اجتماع الأراذل حولك
كان ملاك الفضل والحق والصواب عند قوم نوح (عليه السلام) : هو الثراء والجاه والقوة ، ومن هنا نفروا من دعوته (عليه السلام) ، لالتفاف الضعفاء والمحرومين حوله ، لأن أصحاب الثروة والمقدرة - حسب زعمهم الفاسد - هم أولى الناس باتباع الداعي لوكان محقا !! اما هؤلاء الأراذل والأخساء - في نظرهم - فقد أسرعوا إلى اتباعه من دون تفكر ولا تدبر (بادي الرأي) . وهل يعقل ونحن الأسياد والوجهاء - كما يتخيلون - أن نقف على قدم المساواة معهم ، وننضوي جميعاً تحت لواء دعوة واحدة ؟!
وهذا المنطق البائس - للأسف الشديد - لا يزال قائما في أكثر المجتمعات ، ويتحكم في مفاصل حياتها .
٢. ما أنت إلاّ بشر
غريب أمر هؤلاء الطغاة ، يخلقون من أهوائهم وتصوراتهم المريضة مقاييس ونظريات ، ثم يعجبون من جريان الأمور على خلاف مقاييسهم ونظرياتهما !
والقول بأنّ النبي ينبغي أن لا يكون من البشر ، يأتي في إطار هذا التحكم الناع من نزعتهم الاستعلائية .
٣. التهديد
العادة الجارية بين الأمم هو الايام أولاً والاعتراض ثانياً فإذا لم يتفع بالأمرين ، استعمل سلاح التهديد بالقتل والرجم : {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء : 116] .
وهذه التهم والشبهات والاعتراضات لم تؤثر في عزيمة نوح ودعوته إلى التوحيد والهدى ، بل واصل العمل في تأدية رسالته دون كلل أو ملل ، ولم يألُ جهداً في رد تلك التهم والاعتراضات ويزيفها بأسلوب قائم على الحجج والبراهين ، ومفعم بروح الإيمان والحرص على هداية قومه .
رده على التهم والاعتراضات ، ودحضه للشبهات
{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} [هود : 31] .
{يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف : 61] .
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 62] .
{وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود : 29] .
{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الشعراء : 114 ، 115] .
{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف : 63] .
قد تعرفت على التهم الموجهة إلى نبي الله نوح (عليه السلام) والاعتراضات التي واجهها . وكان (عليه السلام) كسائر الأنبياء- يقابل ما أثير حوله بقوة المنطق والبرهان الواضح وبدفق العاطفة الصادقة عسى أن يفلح في التقليل من عنادهم وعدائهم وبالتالي فتح قلوبهم لتقبل دعوة التوحيد .
لم يشأ أن يردّ على اتهامه بالجنون (ولا كلُّ قوّالٍ لديّ يُجابُ) (1) ، فحياته (عليه السلام) بين ظهرانيهم أدلّ دليل على كمال عقله وسعة حلمه وحسن تصرّفه .
وأما الرغبة في التفوق فقد رد عليه السلام هذا الاتهام بقوله : {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [هود : 29] . فمن يرغب في التفوق ، يطمع بماً في أيدي الناس من الأموال ويسعى للاستحواذ عليها ، وأنى لهم أن يتهموه بذلك ، ولم يسألهم أجراً على إنذارهم وتبليغهم ؟
كما نفى (عليه السلام) : تهمة الضلالة عن نفسه بقوله : {يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف : 61 ، 62] .
فهل يضلّ من اهتدى بهدي الله واتبع صراطه المستقيم واختاره الله لتبليغ رسالاته ؟ وهل يضل من حمّله ربُّ العالمين مسؤولية النصح لأمته وإنذارهم وتبشيرهم بما يعلمه من وحدانية الله وسننه وأحكامه ؟
ومعنى ذلك أن جهلكم برسالات ربكم صار سبباً لوصفي بالضلالة مع أني على الصراط المستقيم .
هذه هي ردوده عليه السلام ما أُكيل له من التهم . وهلم معي ندرس كيف واجه اعتراضات قومه .
ردوده على اعتراضات قومه
١. لقد أنكروا عليه التفات الفقراء والمستضعفين حوله ، ودعوه إلى إبعاد هؤلاء الأراذل - حسب تعبيرهم - الذين انقادوا له دون بصيرة وتدبّر .
إنّ هؤلاء المترفين الطغاة لم يستأثروا بالأموال ومتع الحياة فحسب ، بل جعلوا من أنفسهم أوصياء على الآخرين حتى في مجال التفكير والإيمان والاعتقاد! فحجروا عليهم هذا الحق ، وراحوا يهدرون إنسانيتهم بازدرائهم واستصغارهم .
لم يرفض نوح (عليه السلام) فقط دعوتهم الظالمة بإبعاد المستضعفين ، بل أسبغ عليهم حلل الكرامة الإلهية بوصفهم بالمؤمنين {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء : 114] ، {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا} [هود : 29] ، وأخذ يكرس واقعاً اجتماعياً جديداً بعيداً عن الإيحاءات السلبية للغنى والترف {أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} . أجل حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم ، منحق له وحده يوم يلقونه {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} حقيقة ذلك ، {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الشعراء : 115] هذه هي مسؤوليتي الملقاة على عاتقي ، ولم أكلف بمحاسبة الناس ومجازاتهم .
٢. أنكروا أيضا ان يكون (عليه السلام) بشراً مثلهم فردّ عليهم بقوله : {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف : 63] .
فقوله : {عَلَى رَجُلٍ} إشارة إلى ضرورة كون الرسول من جنس لمرسل ليهم وإلا لامتنع لتفاهم ينهما .
وقفة تأمل مهمة
إن التهم والاعتراضات التي أثارها قوم نوح في وجه نبيهم (عليه السلام) صدرت أيضاً من سائر الأمم تجاه انبيائهم ، ومنهم سيدهم وسيد الخلق أجمعين النبي الخاتم ، فقد كذبه قومه : {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر : 6] .
وكأن الأمم تواصت بهذه الأقوال الزائفة : {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات : 52 ، 53] .
كما أن طغاة قريش طالبوا النبي الأكرم بتنحية أصحابه المستضعفين ، أسوة بقوم نوح (عليه السلام) ، فقال سبحانه مخاطباً نبيه : {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام : 52-53] .
ولا نطيل الكلام حول التهم المتشابهة والتي وجهت إلى سائر الأنبياء (عليهم السلام) وجميعها يشير - بعد التأمل - إلى أمر مهم وهو ان النبي - كل نبي - قد بلغ من الطهارة والقداسة حداً لم يتمكن فيه أعداؤه من اتهامه بمساوئ الأخلاق ورذائل الأعمال ، ولكن عنادهم دفعهم إلى القول بأنه مجنون ، أو ساحر ، أو كاهن ، أو شاعر ، وغير ذلك من الأوصاف التي لا تمس قداسة النبي التي تفوح من سيرته العطرة . ومع ذلك فإن نفس هذه التهم تنفع العالم الاجتماعي الذي يسعى لدراسة حياة الأنبياء ومعرفة سلوكهم في مجتمعاتهم ، وهي خير وسيلة للوصول إلى قداستهم .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|