أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
1363
التاريخ: 5-5-2016
3688
التاريخ: 30-01-2015
1571
التاريخ: 2-02-2015
1466
|
هذه الاقصوصة أو الحكاية تتماثل مع سابقتها حكاية أصحاب الفيل من حيث انحراف بطلها وقصرها ومن حيث لغتها السردية وعدم اعتمادها عنصر المحاورة ، ولكنها تتميز عنها بطبيعة شخوصها فبينما كانت اقصوصة الفيل تعتمد بطلا جماعيا هم أصحاب الفيل ، نجد أن اقصوصة أبي لهب وامرأته تعتمد بطلين فرديين سلبيين هما : أبولهب وامرأته .
ويلاحظ أن كلا من العناصر المرتبطة بالشخصية ، وبالموقف ، وبالحدث ، وبالبيئة نجده متوفرا في الحكاية التي نتحدث عنها .
فالشخصية هما : الزوجان المنحرفان .
والموقف هو : موقفهما العدائي من النبي (صلَّ الله عليه وآله) .
والحدث هو : حمل الحطب وسواه مما استخدم لتجسيد الموقف العدواني .
والبيئة هي : الآخرة من حيث المصير الذي يغلف تينك الشخصيتين ، حيث الخسران ، وحيث النار ، وحيث الحبل من المسد ... إلى آخره .
وأما الأفكار المطروحة فيها فتمثل في أن العقاب الالهي يطال المنحرفين دنيوياً واخروياً ، حيث خسر أبولهب وامرأته المعركه فيما انتهت بانتصار النبي (صلَّ الله عليه وآله) وتدمير عدوه دنيويا ، كما يطال العقاب مصيرهما الاخروي المتمثل في :
{سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}
و {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}
والآن إلى الصياغة الجمالية للاقصوصة .
عنصر السخرية
لعل أبرز العناصر القصصية إثارة في الاقصوصة التي نتحدث عنها هو عنصر السخرية ، والسخرية كما نعرف ذلك جميعا في ميدان الخطاب الأدبي في السرديات وسواها يظل من أهم المنبهات أو المحركات التي يستجيب لها المتلقي بما هوممتع وطريف ومثير بخاصة إذا كان العنصر المذكور يتناول شخصيات معروفة في انحرافاتها ، وفي نمط تعاملها مع الأطراف الإيجابية ، كرسالة الإسلام أو شخصية المرسل (صلَّ الله عليه وآله) ، حيث أن صغر وتفاهة الشخصية المنحرفة قبالة ضخامة وعظمة الشخصية النبوية ، يجعل لعنصر السخرية أهميتها الكبيرة بحيث تتناسب وخطورة الموقف .
وتتمثل السخرية جماليا ودلاليا في جملة مواقع من الاقصوصة ، منها : ما يرتبط بالعنصر الإيقاعي الذي يشكل بدوره واحدا من عناصر السرد الذي اعتمدته الاقصوصة ، فيما سنتحدث عنه بعد قليل ، لكننا هنا لا مناص من الإشارة إلى هذا العنصر من حيث صلته بالسخرية التي استثمرت الجانب الإيقاعي للكلمة المسردة ، متمثلة في عبارتي :
{أَبِي لَهَبٍ}
و {نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}
حيث أن اللهب وهو العبارة المشتركة بين كنية بطل الحكاية وبين الجزاء الاخروي الذي ينتظره وهو نار جهنم ، حيث استخدمت الاقصوصة عبارة لهبدون سواها لتتجانس مع كنية الشخصية المنحرفة .
إن العبارة الجزائية {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} تجسد ولا شك قمة الإثارة والدهشة والطرافة الفنية من حيث مجانستها ـ كما قلنا ـ مع كنية الشخصية المنحرفة أبي لهب . والتجانس المذكور لا ينحصر مع عبارة لهب فحسب ، بل إن أبي وهو كنية الشخصية في أحد شطريها تتجانس مع لهب جهنم التي يصلاها ، بصفة أن الأب هوأكثر لصوقا بالشيء ، فالجريمة مثلا هي ظاهرة انحرافية ، وأما إذا اطلق على صاحبها مصطلح أب الجريمة فهذا يعني أ نه أكثر جريمة من سواها ، بل أي هو صاحب سلسلة كبيرة من الانحرافات ، بحيث يصبح أبا لها .
إذن ، كم هو طريف وممتع ومدهش حينما نلاحظ هذا التجانس الملفت للنظر بين الكنية وبين نار جهنم ، مع ملاحظة أن النص القرآني الكريم يجانس دواما بين مصطلح الجزاء السلبي ، أي : جهنم أو النار وما يواكبها من المصطلحات المعبرة عنها مثل سقر ، لظى ... إلى آخره .
حيث لاحظنا مثلا ، كيف جانس النص القرآني الكريم بين المحور الفكري الذي رسمته سورة «القمر» ، وهو : قيام الساعة وتضمنها أي الساعة لحرف السين مثلا وإفصاح حرف السين عن كونه أداة لغوية تستخدم للمستقبل ، كما هو طابع عبارة سوف فيما تحدثت القصة عن بيئة الحياة الاخرى بالنسبة إلى الجزاء السلبي الذي ينتظر المجرمين ، فانتخبت عبارة سقر لتجانس مع حرف السين المشار إليه .
المهم أن مجانسة كنية أبي لهب مع نارا ذات لهب تظل من السخرية الممتعة بالنسبة إلى الشخصية المذكورة .
وهذا فيما يتصل بالسخرية من أبي لهب .
ولكن ماذا بالنسبة إلى امرأته ؟
بالنسبة إلى امرأة أبي لهب وهي الشخصية الثانوية في القصة ، كما يمكننا أن نعتبرها شخصية رئيسة أيضا بصفتها زوجة مشاركة في الجريمة ، هذه الشخصية رسمتها الاقصوصة قمـة في السخرية . لقد جانست الحكاية أيضا بين سلوكها الخاص وبين نمط الجزاء المترتب على ذلك ، كما جانست من جهة اخرى بين طبيعة اهتمامات المرأة وهي الزينة وأحد تجسيداتها وهي القلادة وبين الجزاء المترتب على سلوكها .
كيف ذلك ؟
لقد رسمها النص القصصي :
{حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}
كما رسمها من جانب :
{فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}
ترى ما هي الأسرار الجمالية والدلالية الكامنة وراء الرسم المذكور ؟ من البين أن الجيد هو العضو المناسب لمكان القلادة .
والاقصوصة قد استخدمت عنصر السخرية إلى أبعد مداه حينما استبدلت القلادة وهي عادة من الذهب ونحوه بـ حبل من الليف وهو أرخص الأشياء وأتفهها من حيث ابتذاله ، وجعله من ثم ، أي الحبل من الليف قلادة في جيد امرأة أبي لهب ، وهو أمر يتجانس تماما مع طبيعة اهتمام المرأة بالزينة حيث انتخب لها ما يضاد الزينة تماما وهو : العذاب الشديد .
هذا بالإضافة إلى أن الحبل يتميز بكونه ـ فضلا عن أنه رمز قلادتها ـ أداة أو رمزا لسحبها من عنقها وإلقائها في نار جهنم ، فيكون بمثابة الأغلال في أعناق المنحرفين ، حيث ورد هذا الوصف في بعض مواقع النص القرآني الكريم عبر حديثه عن المجرمين وسوقهم إلى جهنم من العنق .
هذا وينبغي ألا نغفل عن الرسم الآخر المتمثل في صورة حمـالة الحطب حيث أن هذا الحدث له صلته بسلوكها العدواني . تقول النصوص المفسرة بأ نها كانت تضع الشوك ونحوه في طريق النبي (صلَّ الله عليه وآله) ، وحينئذ يجيء المرأى وهو : حمـالة الحطب تعبيرا عن واقعية سلوكها من جانب ، وتعبيرا رمزيا من حيث التجانس بين حمل الشوك وحمل الحطب في جهنم ، حيث أن جهنم تظل حطبا ـ وقودا ـ لها .
هذا إلى أن نصوصا تفسيرية تذهب إلى أن الحطب هو رمز لـ النميمة من حيث الدلالة اللغوية ، حيث كانت امرأة أبي لهب تمشي بالنميمة بين الناس .
والمهم أن هذه العبارة المتمثلة في الحطب الواقعي ، وحطب جهنم ، والحطب اللفظي ، تظل من أهم الخطوط الجمالية الممتعة التي تطبع الاقصوصة .
عنصر الصورة
وإذا تركنا السخرية بصفتها عنصراً استخدمته الاقصوصة واتجهنا إلى الخصائص المتميزة الاخرى ، نجد أن الصورة بمعناها الفني الذي يعني التركيب من ظاهرتين تنتهي عنهما ظاهرة ثالثة ، كالتشبيه والاستعارة والرمز والتمثيل ...
إلى آخره ، تظل من خصائص القصيدة أو الخاطرة الفنية ، إلا أن الملاحظ أن القصة القصيرة في تجاربها البشرية تظل في كثير من نماذجها مماثلة للقصيدة أو الخاطرة من حيث اعتمادها الصورة . فقد لاحظنا مثلا أن الحبل من المسد في الجيد يجسد صورة رمزية في أحد تفسيرات النص ، كما أن عبارة حمالة الحطب في أحد تفسيرات النص تعني رمزاً للنميمة ، أو صورة رمزية تنسب إلى ما يسمى بــ : التورية ، هذا فضلا عن أن المجانسة بين أبي لهب ولهب جهنم يمثل نمطاً آخر من المجانسة .
وحتى استهلال الاقصوصة بعبارة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} يمكننا في أحد تفسيرات النص أن نعده عنصراً صورياً ، بصفة أن اليدين : يدا أبي لهب رمز لتملك الشيء أو رمز لأية ممارسة تعبر عن الحركة أو العمل أو أية ممارسة تعبر عن مطلق السلوك ماديا كان أو لفظيا أو معنويا ... إلى آخره .
العنصر الصوتي
مع أن العنصر الصوتي يظل سمة القصيدة ونحوها ، إلا أنه كما لحظنا انسراب الصورة إلى القصة ، كذلك نجد انسراب الصوت إليها . فقد تمت الإشارة إلى التجانس الصوتي بين كنية أبي لهب وبين النار ذات اللهب التي يصلاها ، كما يمكننا ملاحظة التجانس بين عبارة الاستهلال تبت وبين نهايتها وتب ، مضافا إلى ملاحظة التجانس بين أربعة أصوات الباء المتمثلة في تبت ، أبي ، لهب ، تب . اولئك جميعا تشكل عنصراً صوتياً له جمالية في العنصر القصصي كما هو واضح .
البناء القصصي
أخيرا فيما يتصل بخصائص العرض القصصي نجد أن الاقصوصة قد استهلت بالتعليق القصصي :
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}
ونتساءل ماذا استهدف التعليق أو التدخل أو الحكم القصصي من ذلك ؟
إن القصة تقول : خسرت يدا أبي لهب ، وهو رمز لما مارسته الشخصية المذكورة من السلوك السلبي : لفظياً وحركياً ومادياً (اقتصادياً) وسلاليا ، وهذا في حالة ما إذا انسقنا مع التفسير الذاهب إلى أن عبارة {وَمَا كَسَبَ} تخص المباهاة بالأولاد .
والمطلوب الآن جمالياً هو أن نقول : إننا نعتزم أولا أن نمارس عملية تذوق جمالي للاقصوصة بغض النظر عن النص التفسيري مع ضرورته بطبيعة الحال ، ولكن ـ كما كررنا ـ أن إعجاز النص القرآني يتمثل في التوفيق بين التذوق الفني والتذوق التفسيري .
المهم ، ماذا يمكننا أن نستخلص من الاستهلال القصصي المذكور ؟
إننا نستخلص بأن أبالهب مارس سلوكا متعدد الجوانب ماديا ومعنويا بحيث ترتب عليه خسار ، إلا أن الخسار بدوره يظل مجملا وذلك لسببين ، أولهما : أن الاقصوصة كررت الخسارة بالنسبة إلى يدي أبي لهب ، والاخرى بالنسبة إلى شخصيته بنحو عام وهذا ما يتمثل في عبارتي : تبت وتب .
ترى ماذا نستخلص من تينك الخسارتين ؟
قبل الرجوع إلى المأثورات المفسرة يمكننا بأن نستخلص بأنه مارس عملاً مادياً كالضرب مثلا ، أو عملا اقتصاديا كصرف الأموال أو مطلق ما يمكن بأن ينسب رمزياً إلى اليد ، كالإشارة القرآنية مثلا إلى ما اكتسبت اليدان ، حيث ترمز بذلك إلى مطلق السلوك الصادر عن الإنسان أيا كان نمطه ... وحينئذ فإن يديه الممارستين ـ أي يدي أبي لهب ـ للسلوك المضاد لرسالة الإسلام أو للنبي (صلَّ الله عليه وآله) قد خسرتا الموقف ، بصفة أن النبي (صلَّ الله عليه وآله) قد انتصر وتم له الفتح ، ودخل الناس في دين الله تعالى أفواجا ، وأما أبولهب فقد خسر وباء بالفشل في محاولاته ...
إذن ثمة خسارة دنيوية لمسها أبو لهب وهو فشله مقابل نجاح محمد (صلَّ الله عليه وآله) .
وهنا تكمن الطرافة القصصية المتمثلة في اسلوب التكرار الذي طبع الاقصوصة من خلال عبارتي تبت المشيرة إلى الخسار الدنيوي ، مقابل تب المشير إلى الخسار الاخروي .
كيف ذلك ؟
إن عبارة تب تعني خسر ... وذلك إذا عرفنا أن ما كسبت يداه قد طبعها الخسران الدنيوي ، حينئذ فإن خسار النفس لابد وأن يصبح اخرويا .
أي أن تب لابد وأن تعني خسارة اخروياً .
وتبت تعني خسارة دنيوياً ، لأن الخسارة الدنيوية أو الاخروية وحدها ، لا تتوافق مع المفردة تب أو تبت ، كما أنه لا معنى لأحد الخسارين : الدنيا أو الآخرة ، بصفة أ نه خسر كليهما . أما الاخرى فمن الوضوح بمكان .
وعبارة {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} تعني اخروية الخسار ...
وأما دنيويته فتنحصر حينئذ في عبارة تبت مادام الأمر يتصل بمحاولاته المتنوعة حيال الرسالة الإسلامية .
إذن لو اقتصرنا على تذوقنا الفني الخالص ، لأمكننا أن نستخلص ما عرضناه الآن ... وهو ـ لحسن الحظ ـ يتجانس مع النصوص التفسيرية في بعض نماذجها بطبيعة الحال .
والأمر نفسه بالنسبة إلى الشريحة الثانية من الاقصوصة :
{مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}
فالقارئ بمقدوره أن يستخلص بأن أبا لهب إما أن يكون قد صرف مالاً لمحاربة النبي (صلَّ الله عليه وآله) أو خيل إليه بأن ما يمتلكه من المال والأولاد ينفعه في الموقف ، وهو ما يتساوق أيضا مع النص المفسر .
أخيراً أيضا ، إذا تابعنا البناء القصصي للحكاية التي بدأت أولا بالإشارة إلى خسارة أبي لهب بنمطيها ، للاحظنا أن استهلال القصة بنتائجها ، وهي الخسار دنيويا واخرويا قبل العرض لسلوكه وامرأته ، نجد أن هذا الاستباق الزمني ثم الاسترجاع له مسوغاته المتمثلة في فكرة الاقصوصة الذاهبة إلى أن الله تعالى يستهدف الإشارة إلى خسارة من يحاول إطفاء النور ، والوقوف بوجه الرسالة الإسلامية بالنحو الذي أوضحناه .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|