المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

غافث Agrimony (Agrimonia eupatoria)
29/9/2022
Blood
12-10-2015
HOW SPEED IS DETERMINED
13-9-2020
أنواع البيئة الحضرية
2-6-2020
شروط الفصل في ميثاق جامعة الدول العربية
20-6-2016
ما أعده الله تعالى لمحبيه
31-01-2015


ميدان سنن التاريخ‏  
  
7123   06:10 مساءاً   التاريخ: 10-05-2015
المؤلف : السيد محمد باقر الصدر
الكتاب أو المصدر : السنن التاريخية في القران
الجزء والصفحة : ص75-84
القسم : القرآن الكريم وعلومه / تأملات قرآنية / هل تعلم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-5-2016 5294
التاريخ: 9-05-2015 6102
التاريخ: 26-11-2014 5705
التاريخ: 8-12-2015 9907

ما هو ميدان هذه السنن التاريخية ؟

أن هذه السنن تجري على الساحة التاريخية ، لكن ، هل أن الساحة التاريخية بامتدادها هي ميدان للسنن التاريخية ، أو أن ميدان السنن التاريخية يمثل جزأ من الساحة التاريخية ، بمعنى أن الميدان الذي يخضع للسنن التاريخية ، بوصفها قوانين ذات طابع نوعي مختلف عن القوانين الأخرى الفيزيائية والفسلجية ، والبيولوجية والفلكية ، هذا الميدان الذي يخضع لقوانين ذات طابع نوعي مختلف ، هل تتسع له الساحة التاريخية؟ هل يستوعب كل الساحة التاريخية ، أو يعبر عن جزء من الساحة التاريخية ؟

لكن قبل هذا يجب أن نعرف ما ذا نقصد بالساحة التاريخية ؟ الساحة التاريخية عبارة عن الساحة التي تحوي تلك الحوادث والقضايا التي يهتم بها المؤرخون ، فالسؤال هنا اذن هو هكذا ، هل أن كل هذه الحوادث والقضايا التي يربطها المؤرخون ، وتدخل في نطاق مهمتهم التاريخية والتسجيلية ، محكومة بالسنن التاريخية ، بسنن التاريخ ذات الطابع النوعي المتميز عن سنن بقية حدود الكون والطبيعة ، أو أن جزءا معينا من هذه الحوادث والقضايا هو الذي تحكمه سنن التاريخ ؟

الصحيح أن جزءا معينا من هذه الحوادث والقضايا هو الذي تحكمه سنن التاريخ ، هناك حوادث لا تنطبق عليها سنن التاريخ ، بل تنطبق عليها القوانين الفيزيائية ، أو الفسلجية ، أو قوانين الحياة ، أو أي قوانين أخرى لمختلف الساحات الكونية الاخرى.

مثلا : موت أبي طالب ، موت خديجة في سنة معينة ، حادثة تاريخية مهمة تدخل في نطاق ضبط المؤرخين ، وأكثر من هذا ، هي حادثة ذات بعد في التاريخ ، ترتبت عليها آثار كثيرة ، ولكنها لا يحكمها سنّة تاريخية ، بل تحكمها قوانين فسلجية ، فرضت أن يموت أبو طالب (رضوان اللّه عليه) ، وأن تموت خديجة (عليه السلام) ، في ذلك الوقت المحدد ، هذه الحادثة تدخل في نطاق صلاحيات‏ المؤرخين ، ولكن الذي يتحكم في هذه الحادثة هي قوانين فسلجة جسم أبي طالب وجسم خديجة ، قوانين الحياة التي تفرض المرض والشيخوخة ضمن شروط معينة وظروف معينة. حياة عثمان بن عفان ، طول عمر الخليفة الثالث حيث ناهز الثمانين ، طبعا هذه الحادثة كان لها أثر عظيم في تاريخ الاسلام ، لو قدر لهذا الخليفة أن يموت موتا طبيعيا وفقا لقوانينه الفسلجية قبل يوم الثورة ، كان من الممكن أن يتغير كثير من معالم التاريخ ، كان من المحتمل أن يأتي الإمام علي إلى الخلافة بدون تناقضات وبدون ضجيج ، لكن قوانين فسلجة جسم عثمان بن عفان اقتضت أن يمتد به العمر إلى أن يقتل من قبل الثائرين عليه من المسلمين ، هذه حادثة تاريخية ، أعني أنها تدخل في اهتمامات المؤرخين ، ولها بعد تاريخي أيضا ، لعبت دورا سلبا أو إيجابا في تكييف الأحداث التاريخية الاخرى ، ولكنها لا تتحكم فيها سنن التاريخ ، ان الذي يتحكم في ذلك قوانين بنية جسم عثمان بن عفان ، قوانين الحياة ، وقوانين جسم الانسان التي أعطت لعثمان بن عفان عمرا طبيعيا ناهز الثمانين. مواقف عثمان بن عفان وتصرفاته الاجتماعية تدخل في نطاق سنن التاريخ ، ولكن طول عمر عثمان بن عفان مسألة أخرى ، مسألة حياتية أو مسألة فسلجية أو مسألة فيزيائية ، وليست مسألة تتحكم فيها سنن التاريخ.

اذن سنن التاريخ لا تتحكم على كل الساحة التاريخية ، لا تتحكم في كل القضايا التي يدرجها الطبري في تاريخه ، بل تحكم ميدانا معينا من هذه الساحة ، هذا الميدان يشتمل على ظواهر متميزة تميزا نوعيا عن سائر الظواهر الكونية والطبيعية ، وباعتبار هذا التميز النوعي ، استحقت سننا متميزة أيضا تميزا نوعيا عن سنن بقية الساحات الكونية.

المميز العام للظواهر التي تدخل في نطاق سنن التاريخ ، هو أن هذه الظواهر تحمل علاقة جديدة لم تكن موجودة في سائر الظواهر الأخرى الكونية والطبيعية والبشرية. الظواهر الكونية والطبيعية كلها تحمل علاقة بين مسبّب‏ وسبب ، بين نتيجة ومقدمات ، مثلا الغليان ظاهرة طبيعية مرتبطة بظروف معينة ، بدرجة حرارة معينة ، بدرجة معينة من قرب هذا الماء من النار ، العلاقة هنا علاقة السببية ، علاقة الحاضر بالماضي ، بالظروف المسبقة المنجزة ، لكن هناك ظواهر على الساحة التاريخية تحمل علاقة من نمط آخر ونوع جديد ، وهي علاقة ظاهرة بهدف ، علاقة نشاط بغاية ، أو ما يسميه الفلاسفة بالعلة الغائية ، تمييزا لها عن العلة الفاعلية ، غليان الماء بالحرارة ، يحمل علاقة مع سببه ، مع ماضيه ، لكن لا يحمل علاقة مع غاية ومع هدف ، ما لم يتحول إلى فعل انساني وإلى جهد بشري ، بينما العمل الانساني الهادف يحتوي على علاقة لا فقط مع السبب ، لا فقط مع الماضي ، بل مع الغاية التي هي غير موجودة حين انجاز هذا العمل ، وانما يترقب وجودها. أي العلاقة هنا علاقة مع المستقبل لامع الماضي ، الغاية دائما تمثل المستقبل بالنسبة إلى العمل ، بينما السبب يمثل الماضي بالنسبة إلى هذا العمل.

فالعلاقة التي يتميز بها العمل الذي تحكمه سنن التاريخ هو انه عمل هادف ، عمل يرتبط بعلة غائية ، سواءً كانت هذه الغاية صالحة أو طالحة ، نظيفة أو غير نظيفة ، وهذه الغايات التي يرتبط بها هذا العمل الهادف المسئول ، حيث انها مستقبلية بالنسبة إلى العمل ، فهي تؤثر من خلال وجودها الذهني في العامل لا محالة ، فتمنحه بذلك من الطموح والتطلّع المستقبلي ، ما يستطيع معه ان يجسّد ذاك الوجود الذهني حقيقة خارجية.

اذن فالمستقبل أو الهدف الذي يشكل الغاية للنشاط التاريخي ، يؤثر في تحريك هذا النشاط وفي بلورته من خلال الوجود الذهني ، أي من خلال الفكر الذي يتمثل فيه الوجود الذهني للغاية ضمن شروط ومواصفات ، حينئذ يؤثر في ايجاد هذا النشاط.

اذن حصلنا الآن على مميز نوعي للظاهرة التاريخية ، غير موجود بالنسبة إلى‏ سائر الظواهر الأخرى على ساحات الطبيعة المختلفة ، وهذا المميز ظهور علاقة فعل بغاية ، نشاط بهدف ، بالتعبير الفلسفي ، كون المستقبل محركا لهذا الفعل من خلال الوجود الذهني أي الفكر الذي يرسم للفاعل غايته. إذن فالسنن النوعية للتاريخ ، موضوعها ذلك الجزء من الساحة التاريخية الذي يمثل عملا له غاية ، عملا يحمل علاقة اضافية إلى العلاقات الموجودة في الظواهر الطبيعية ، وهي العلاقة بالغاية والهدف ، بالعلة الغائية.

ولكن ليس معنى ذلك بالضرورة ، إن يكون كل عمل له غاية عملا تاريخيا تجري عليه سنن التاريخ ، بل يوجد بعد ثالث لا بد أن يتوفر لهذا العمل لكي يكون عملا تحكمه سنن التاريخ.

البعد الأول : كان «السبب».

والبعد الثاني : كان الغاية «الهدف».

وأما البعد الثالث : فهو أن يكون لهذا العمل أرضية تتجاوز ذات الفرد العامل إلى المجتمع ، الذي يكون هذا الفرد جزءا منه.

قد يأكل الفرد اذا جاع ، قد يشرب اذا عطش ، قد ينام اذا أحس بحاجته إلى النوم ، لكن هذه الاعمال على الرغم من انها أعمال هادفة أيضا ، تريد أن تحقق غايات ، ولكنها أعمال لا يمتد موجها أكثر من العامل ، خلافا لعمل يقوم به الانسان من خلال نشاط اجتماعي وعلاقات متبادلة مع أفراد جماعته. التاجر حينما يعمل عملا تجاريا. القائد حينما يعمل عملا حربيا.

السياسي حينما يمارس عملا سياسيا. المفكر حينما يتبنى وجهة نظر في الكون والحياة. هذه الأعمال لها موج يتعدى شخص العامل ، هذا الموج يتخذ من المجتمع أرضية له ، ويمكننا أيضا أن نستعين بمصطلحات الفلاسفة فنقول :

المجتمع يشكل علة مادية لهذا العمل ، نتذكر من مصطلحات الفلاسفة التمييز الأرسطي بين العلة الفاعلية والعلة الغائية والعلة المادية ، هنا نستعين بهذه المصطلحات لتوضيح الفكرة. يعني أن المجتمع باعتباره أرضية للعمل ، يشكل‏ علة مادية له ، في حالة من هذا القبيل ، يعتبر هذا العمل عملا تاريخيا ، يعتبر عملا للأمة وللمجتمع وان لم يكن المباشر في جملة من الأحيان الا فرد واحد ، او عددا من الأفراد ، ولكن باعتبار الموج يعتبر عمل المجتمع ، اذن العمل التاريخي الذي تحكمه سنن التاريخ ، هو العمل الذي يكون حاملا لعلاقة مع هدف وغاية ، ويكون في نفس الوقت ذا أرضية أوسع من حدود الفرد ، ذا موج يتخذ من المجتمع علة مادية له ، وبهذا يكون عمل المجتمع.

وفي القرآن الكريم ، نجد تمييزا بين عمل الفرد وعمل المجتمع ، ونلاحظ في القرآن الكريم انه من خلال استعراضه للكتب الغيبية الاحصائية ، تحدث عن كتاب للفرد ، وتحدث عن كتاب للأمة ، عن كتاب يحصي على الفرد عمله ، وعن كتاب يحصي على الأمة عملها ، وهذا تمييز دقيق بين العمل الفردي الذي ينسب إلى الفرد وبين عمل الامة ، اي العمل الذي له ثلاثة أبعاد ، والعمل الذي له بعدان ، العمل الذي له بعدان لا يدخل الا في كتاب الفرد ، واما العمل الذي له ثلاثة أبعاد فهو يدخل في الكتابين معا ، باعتبار البعدين في كتاب الفرد ويحاسب الفرد عليه ، وباعتبار البعد الثالث يدخل في كتاب الأمة ويعرض على الأمة وتحاسب الامة على أساسه. لاحظوا قوله سبحانه وتعالى.

{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية : 28].

هنا القرآن الكريم يتحدث عن كتاب للامة ، أمة جاثية بين يدي ربها ويقدم لها كتابها ، يقدم لها سجل نشاطها وحياتها التي مارستها كأمة ، هذا العمل الهادف ذو الابعاد الثلاثة يحتويه هذا الكتاب ، وهذا الكتاب ليس تاريخ الطبري- انظروا إلى العبارة- يقول :

{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [الجاثية : 29] ‏ فهو لا يسجل الوقائع الطبيعية ، الفسلجيّة ، الفيزيائية ، إنّما يحدد ويستنسخ ما كانوا يعملون كأمة.

بحيث ينسب للامة وتكون الأمة مدعوة إلى كتابها. هذا العمل هو الذي يحويه هذا الكتاب. بينما في آية اخرى نلاحظ قوله سبحانه وتعالى : {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [الإسراء : 13 ، 14].

هنا الموقف يختلف ، هنا كل انسان مرهون بكتابه ، لكل انسان كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من اعماله ، من حسناته وسيئاته ، من هفواته وسقطاته ، من صعوده وهبوطه ، الكتاب الذي كتب بعلم من لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض والسماء. كل انسان قد يفكر ان بامكانه ان يخفي نقطة ضعف ، ان يخفي ذنبا ، ان يخفي سيئة عن جيرانه ، أو قومه ، أو امته ، أو اولاده ، أو حتى عن نفسه ، ولكن هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها.

هذا الكتاب الفرد وذاك كتاب الامة. هناك كتاب لامة جاثية بين يدي ربها ، وهنا لكل فرد كتاب. هذا التمييز النوعي القرآني بين كتاب الامة وكتاب الفرد ، هو تعبير آخر عما قلناه ، من ان العمل التاريخي هو ذاك العمل الذي يتمثل في كتاب الامة. العمل الذي له ابعاد ثلاثة. بل ان الذي يستظهر ويلاحظ من عدد آخر من الآيات القرآنية الكريمة ، انه ليس فقط يوجد كتاب للفرد ويوجد كتاب للامة ، بل يوجد احضار للفرد ويوجد احضار للامة ، هناك احضاران بين يدي اللّه سبحانه ، الاحضار الفردي يأتي فيه كل انسان فردا فردا ، لا يملك ناصرا ولا معينا ، الا العمل الصالح والقلب السليم والايمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله ، هذا هو الاحضار الفردي. قال اللّه تعالى :

{ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم : 93 - 95].

وهناك احضار آخر ، احضار للامة بين يدي اللّه سبحانه وتعالى ، كما يوجد هناك سجلان ، كذلك يوجد احضاران كما تقدم ، ترى كل امة جاثية كل امة تدعى إلى كتابها ، ذاك احضار للجماعة ، والمستأنس به من سياق الآيات الكريمة ، ان هذا الاحضار الثاني يكون من اجل اعادة العلاقات إلى نصابها الحق ، العلاقات في داخل كل امة قد تكون غير قائمة على اساس الحق ، قد يكون الانسان المستضعف فيها جديرا بأن يكون في اعلى الامة ، هذه الامة تعاد فيها العلاقات إلى نصابها الحق. هذا هو الشي‏ء الذي سماه القرآن الكريم بيوم التغابن ، كيف يحصل التغابن؟ .. يحصل التغابن عن طريق اجتماع المجموعة ، ثم كل انسان بقدر ما كان مغبونا في موقعه ووجوده في الامة يأخذ حقه ، اسمعوا قوله تعالى :

{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ } [التغابن : 9].

اذن فهناك سجلان : هناك سجل لعمل الفرد ، وهناك سجل لعمل الامة ، وعمل الامة هو عبارة عما قلناه من العمل الذي يكون له ثلاثة ابعاد ، بعد من ناحية العامل هو ما يسميه ارسطو ب «العلة الفاعلية» ، وبعد من ناحية الهدف هو ما يسميه ارسطو ب «العلة الغائية» ، وبعد من ناحية الأرضية وامتداد الموج هو ما يسمونه ب «العلة المادية». هذا العمل ذو الابعاد الثلاثة هو موضوع سنن التاريخ ، وهو عمل المجتمع.

لكن لا ينبغي ان يوهم ذلك ما توهمه بعض المفكرين الاوروبيين كهيغل وغيره ، من ان المجتمع كائن عملاق له وجود وحدوي عضوي متميز عن سائر الافراد ، وكل فرد فرد ليس الا بمثابة الخلية في هذا العملاق الكبير ، الذي يتخذ من كل فرد نافذة على الواقع ، بقدر ما يمكن ان يجسد في هذا الفرد من قابلياته هو ، ومن ابداعه هو ، اذن كل قابلية وكل ابداع ، ليسا إلا قابلية ذلك العملاق وإبداعه ، وكل فرد انما هو نافذة من النوافذ التي يعبر عنها ذلك العملاق الهيجلي.

هذا التصور ، اعتقد به جملة من الفلاسفة الاوروبيين تمييزا لعمل المجتمع عن عمل الفرد ، الا ان هذا التصور ليس صحيحا ، ولسنا بحاجة إلى الاغراق في الخيال إلى هذه الدرجة ، لكي ننحت هذا العملاق الاسطوري من هؤلاء الافراد ، ليس عندنا الا الافراد ، إلا زيد وبكر وخالد ، ليس عندنا ذلك العملاق المستتر من ورائهم ، طبعا مناقشة هيجل من الزاوية الفلسفية تخرج عن حدود هذا البحث ، لان هذا التفسير الهيجلي للمجتمع مرتبط في الحقيقة بكامل الهيكل النظري لفلسفته ، هذا التصوير ليس صحيحا ، ولسنا بحاجة إلى مثل هذا الافتراض الاسطوري ، لكي نميز بين عمل الفرد وعمل المجتمع ، التمييز بين عمل الفرد وعمل المجتمع يتم من خلال ما اوضحناه من البعد الثالث.

عمل الفرد هو العمل الذي يكون له بعدان ، فان اكتسب بعدا ثالثا كان عمل المجتمع ، باعتبار ان المجتمع يشكل أرضية له ، يشكل علة مادية له. يدخل حينئذ في سجل كتاب الامة الجاثية بين يدي ربها. هذا هو ميزان الفرق بين العملين.

اذن الشي‏ء الذي نستخلصه مما تقدم ، ان موضوع السنن التاريخية هو العمل الهادف الذي يتخذ من المجتمع أو الأمة أرضية له ، على اختلاف سعة الموجة وضيق الموجة.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .