المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16618 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


حجية ظواهر الكتاب‏  
  
4829   04:19 مساءاً   التاريخ: 5-05-2015
المؤلف : علي فاني الاصفهاني
الكتاب أو المصدر : اراء حول القران
الجزء والصفحة : ص 5-26.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / مواضيع عامة في علوم القرآن /

لا ريب في اختلاف المسلمين في كيفية فهم مطالب القرآن وتفسير معضلاته، اختلافا لا يرجى زواله كما لا ينبغي التأمل في أن السبب الوحيد لذلك هو الاختلاف في مسألة الخلافة.

فمن يرى أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لم يخلف أحدا، بل المسلمون تلبية لنداء القرآن : {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى : 38] ، وحفظا لمصلحة العام ورعاية لاستقرار النظام، انتخبوا زعيما دينيا لهم، يقول : القرآن حجة في محكماته وظواهره، وتتبيّن بالسنّة النبويّة مجملاته ومتشابهاته، والسنّة عند هذه النظرية لا تخرج عن دائرة روايات الصحابة وإن كان الراوي خارجيا ولا تشمل ما رواه الحسن والحسين وأولادهما (عليهم السلام).

وانشق عن هذه الجماعة فرقتان : فرقة تقول بأن السنّة لا تشمل روايات علي (عليه السلام) لارتداده عن الدين بارتضائه التحكيم، ولا تشمل أيضا روايات عثمان لارتداده كذلك بما أتى به من مخالفات للإسلام، ولهؤلاء نظرية غريبة وهي عدم الحاجة في فهم القرآن إلى التفسير لأن القرآن هو الهادي وهو النور وهو البيان وهو الذكر، فكيف يحتاج إلى هاد خارج عن ذاته، وشعارهم كان ولم يزل : لا حكم إلّا للّه، مأخوذا من قوله تعالى : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام : 57] وفرقة اخرى تقول : على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أن يبين القرآن، لقوله تعالى : {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل : 44] فليس لأحد تفسيره إلا بمتابعة بيان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) له، نقل ذلك عن ابن تيمية، وتبعه أتباعه.

ومن يعتقد أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) نص على خلافة علي وأولاده (عليهم السلام)، لأن الإمامة عهد الهي، أمرها بيد اللّه وليس لأحد من الأمة حق الجعل فيها، يرى أن القرآن حجة في محكماته وظواهره ويحتاج إلى التفسير الوارد عن المعصومين- النبي وخلفائه الاثني عشر (عليهم السلام)- في مجملاته ومتشابهاته ولا مجازفة في هذا القول، بل هو فرع لهذا الأصل الكلامي - وهو الإمامة - ولا مجال لتفنيد المترصد للأشكال علينا بأنه لم تقولون : «الراسخون في العلم علي وأولاده (عليهم السلام)» (1)، اذ الجواب واضح وهو أنّا نرى هؤلاء خلفاء للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) بالنصوص والأدلة، وبعد الفراغ عن هذا يكون القرآن متكئا في إيضاحه على أمرين، هما أساسان قويمان للتفسير.

الأول : القواعد العربية من اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع.

الثاني : الأثر الصحيح والمراد منه ما ورد بسند صحيح عن النبي أو أحد ائمتنا الاثني عشر (عليهم السلام) ، فالسنّة على مذهبنا عبارة عن أقوال النبي والأئمة (عليهم السلام) بشرط كون السند صحيحا، ونحن نرفض بتاتا ومن دون وسوسة ما يسمى بالسنة إذا كان الجائي به فاسقا، اطاعة لحكم العقل الذي أرشدنا اليه قول اللّه سبحانه، في الشريفة الربانية : {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات : 6] ، ومن المدهش الغريب أن من يطرح قول عدولنا لأنهم روافض كيف يطلب منا قبول قول فسّاقه لأنهم أهل نحلته ، ما هكذا تورد يا سعد الإبل.

وفينا جماعة يمنعون عن حجية ظواهر الكتاب ويقولون بأن اللازم ورود خبر صحيح في تفسيرها أيضا، وإليك جدول آراء الفرق الإسلامية في هذا الصدد وما يعتمدون عليه في تفسير القرآن.

1- الاصوليون من الشيعة الإمامية، وهم القائلون بحجية ظواهر الكتاب بأن العترة مبينة لما تعسر فهمه أو أجمل المراد منه، وناهيك لصحة هذا القول ما ورد عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) متواترا من : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» (2)، وهذا الحديث متواتر وقد سمعه أكثر من ثلاثين صحابيا.

2- الأخباريون من الشيعة الإمامية، وهم القائلون بعدم حجية ظواهر الكتاب.

3- أهل السنّة، القائلون بحجية ظواهر الكتاب وأنه قد فسرت جملة من‏ آياته بالأخبار المأثورة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بالطرق المذكورة في الصحاح الستة وغيرها.

4- الوهابية ، اتباع ابن تيمية، القائلون بأن النبي مبين للقرآن.

5- الخوارج ، القائلون بأن القرآن واضح الدلالة ، منزّل للهداية، ولا يحتاج إلى التفسير والبيان.

والتحقيق حجية ظواهر الكتاب كظواهر السنّة وسائر الظواهر وعدم خروج ظواهر الكتاب عن قاعدة حجية الظواهر، إذ أنّ هذه القاعدة كانت ولم تزل مطردة في جميع الأعصار والأمصار، وعند كافة العقلاء من أيّة لغة كانوا ولم يردع الشارع عن هذه القاعدة في مورد القرآن.

أما بيان القاعدة فهو ان البشر منذ نشوء المدنية كان ولم يزل محتاجا في تفهيم مقاصده إلى آلة لإبرازها، من الإشارات والعلائم والنصب وترسيم الصور، إلى أن وصل إلى آلة لإبراز مقاصده أوسع نطاقا من الكل وأسهل تناولا من الجميع، وهو اللفظ فوضع كل لفظ خاص لمعنى مخصوص، فحكمة الوضع كانت من الأول تفهيم المقاصد، فالمتكلم بأيّة لغة إذا كان عاقلا جادا غير مجازف فعليه أن يستعمل كل لفظ فيما وضع له ويطبقه على مراده الجدي- في عالم بيان المقصد-، وإذا أراد التجاوز عن الموضوع له إلى معنى آخر كان عليه الإتيان بالقرينة، فقانون المحاورة موافقا لحكمة الجعل عبارة عن بناء العقلاء بالأخذ بمقتضى الوضع اللغوي.

ولذا يكون الظاهر حجة بمعنى كونه برهانا للمتكلم على مراده الجدي في عالم الاحتجاج على مخاطبه وبرهانا للمخاطب كذلك، فإذا قال المولى :

ائتني بالماء، فله أن يحتج على عبده إذا أتى بشي‏ء آخر، بقانون المحاورة، كما أنه لو أتى بالماء فقال المولى : لم جئت به إذ لم يكن الشي‏ء الرطب البارد السيال مرادا لي، كان للعبد أن يحتج عليه بقانون المحاورة، وانه لم لم‏ تنصب قرينة على مرادك الذي كان خلافا لظاهر اللفظ، ومن البديهي أن القرآن الذي نزل للتحدي والإرشاد بلسان القوم، تكون ظواهره كسائر الظواهر حجة لدى العقلاء إذ لم يعهد من الشارع الإتيان بطريقة جديدة في باب الألفاظ، وتفهيم المقاصد بها ولم يردع عن الطريقة المألوفة العقلائية، وهذا المقدار كاف في حجية ظواهر الكتاب من دون حاجة إلى التعبد بتلك الظواهر أو غيرها، بل يكون سبيل سائر الطرق والامارات القائمة على الأحكام والموضوعات والصفات وسائر الجهات، سبيل الظواهر في كون حجيتها ببناء العرف من دون حاجة إلى التعبد الشرعي.

نعم ، ذهب جمهور من علماء علم الأصول إلى أن للشارع جعل الظاهر كما أن له الجعل للطريق، ولهم في بيان مدعاهم تقريبات مختلفة ومسالك متعددة :

من تنزيل المؤدي منزلة الواقع إلى تتميم الكشف- بتقريب أن الطريق الظني يكون ناقصا في جهة إراءة الواقع، والشارع إنما تمم كشفه بالجعل التعبدي، فالظن الحجة شرعا مصداق للعلم التشريعي - ، ونحن قلنا بأن عدم ردع الشارع لأي طريق عرفي أو أمارة عرفية كاف في بقاء الطريق المذكور أو الامارة المذكورة على حجيتهما العرفية، بل الجعل غير متصور في باب الطرق والإمارات، وذلك لأن صحة الجعل مشروطة بشرائط أربع، كلها مفقودة.

الأول : الإمكان الثبوتي لجعل الطريق بأن لا يكون جعله لغوا أو جزافا ومن المعلوم أن الطريق إن كان بحسب نفس الأمر والواقع طريقا فجعله طريقا بالإلزام الشرعي تحصيل للحاصل القبيح صدورا من أي عاقل والمحال صدورا من الحكيم جل وعلا، وإن لم يكن في الواقع طريقا فجعله طريقا جزاف وصدور الجزاف من العاقل قبيح ومن اللّه محال.

هذا إذا أردنا التحفظ على عنوان الطريق وجعل الطريقية لشي‏ء ما، وأما

لو عدلنا عن هذا العنوان وقلنا بأن المراد من جعل الطريق الأمر بالتطرق أو الأمر بمعاملة المؤدي منزلة الواقع أو الأمر بترتيب الأثر أو جعله موصلا من حيث العمل ونحو ذلك، فالجواب عنه أن ذلك إن كان له ثبوت وواقعية فليس له في الخارج عين وأثر، وإن شئت قلت أن جميع ما ذكر عدا تتميم الكشف الذي مر الإشكال عليه خروج عن محل البحث.

الثاني : دلالة الكتاب أو السنّة على جعل الطريق تعبدا، وهذا كسابقه منتف بل هو توهم فاسد، وذلك لأن الآيات المستدل بها على حجية الطريق شرعا ليست إلا مسوقة إما للأثر الخارجي المترتب قهرا على خبر المخبر من دون سوق لها للأخذ به تعبدا، كقوله تعالى : {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة : 122] ، لأنك ترى أن الآية مسوقة للزوم الإنذار لغاية الحذر، والحذر أثر قهري يترتب على إنذار المنذر إذا كان بحيث يكون بنفسه قابلا للتأثير فلا إطلاق للآية من حيث لزوم التأثر بالإنذار حتى يتوهم أن مدلوله الالتزامي حجية قوله تعبدا، وبمثل هذا إيجاب عن الاستدلال بقوله تعالى : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل : 43] ، وما هو نظيره مما ليس مسوقا لجعل الحجية لخبر الواحد.

واما معللة بعلة ارتكازية عقلية، يكون معللها عقليا لعقلية علته وهو آية النبأ إذ الشارع تعالى بعد أمره بالتبين في الخبر الذي جاء به الفاسق، يقول : {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات : 6] ، ومن الجلي الواضح أن الاعتماد بقول الفاسق مظنة للوقوع في المفاسد.

فإصابة القوم بما لا يعلم من الفتن أثر خارجي لترتيب الأثر على قول غير المتحرز عن الكذب يعلمه كل عاقل راجع وجدانه كما أن لزوم الفحص عن صحته وسقمه حينذاك حكم عقلي يحكم به كل عاقل بارتكازه وفطرته من دون حاجة إلى أعمال التعبد في ذلك فالآية ناظرة إلى حكم العقل، مرشدة للعقلاء إلى التثبت الكامل والتبين حول خبر الفاسق. ونحن قلنا بأن إطلاق قوله تعالى فاسق في الصدر، محكوم بالتعليل في الذيل، ووجه الحكومة أن العلة لنصوصيتها في بيان ملاك الحكم أقوى من الموضوع وعلى هذا نحن نأخذ بقول الفاسق المتحرز عن الكذب حيث أن فسقه من غير جهة الكذب، والفسق إذا كان من غير جهة الكذب- كشرب الخمر- لا يكون سببا للإلقاء في المخاطر، وهذا فيما إذا أحرزنا صدقه، وعلى هذا الأساس قلنا بأن الخلل في المذهب لا يكون موجبا لضعف الخبر، والأخبار المستدل بها على حجية خبر الفاسق لا تكون- أيضا- دالة على حجية خبر العادل تعبدا، لأن التعليلات الواردة فيها ناظرة طرا إلى أمور ارتكازية عقلائية وقد أسمعناك أن العلة إذا كانت عقلية كان المعلل عقليا، وإليك نبذ من تلك التعليلات كقوله (عليه السلام) : «فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون» (3). وقوله (عليه السلام) : «فإنهما الثقتان المأمونان» (5)، وقوله (عليه السلام) : «فإن في خلافهم الرشاد» (4)، وقوله (عليه السلام) : «فإن المجمع عليه لا ريب فيه» (6)، وانظر إلى هذا السؤال والجواب : أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة، آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال : «نعم» (7).

ترى ان قبول قول الثقة، كان في ارتكاز السائل ثابتا، وانما سأل عن الموضوع وهو كون يونس ثقة، وراجع كتاب القضاء من الوسائل، تجد فيه ما يفيد المقصود أزيد مما ذكر. ونتيجة ما ذكرنا كفاية حكم العقل على حجية خبر المخبر الموثوق به من غير حاجة إلى التعبد التأسيسي.

الثالث : ملاك الجعل على مذهب العدلية القائلين بلزومه في الجعل حذرا من اللغوية الخارجة عن نطاق التشريعات الالهية ولا ملاك في جعل الطريق بعنوان أنه طريق موصل إلى الواقع.

وبيانه أن الطريق اما موصل الى الواقع واما لا، وعلى الأول، لا ملاك إلا في مؤداه، وعلى الثاني، فلا شي‏ء حتى يكون فيه الملاك.

الرابع : الثواب على الإطاعة والعقاب على المخالفة، إذ لولاهما للزم الظلم والخلف المستحيلان على اللّه ولا ثواب على إطاعة الأوامر الطريقية لأن المفروض أن الغرض منها الإيصال إلى الواقع محضا ولا عصيان على مخالفتها بما هي هي لما عرفت، نعم لا نتحاشى عن الثواب الانقيادي ولكن لا ربط له بباب الطريق.

وأما المانعون عن حجية ظواهر الكتاب، وهم اخواننا الأخباريون، فقد استدلوا على ذلك بأمور، أهمها أمران :

الأول : العلم الإجمالي بإرادة خلاف الظاهر في جمل كثيرة من تلك الظواهر، بتقريب أنه لا ريب في وجود الناسخ والمنسوخ والمجمل والمتشابه في الآيات القرآنية، كما لا خلاف في تقييد جملة من المطلقات وتخصيص العمومات ولا مجال للتشكيك في وجود المجاز في الحقائق القرآنية، بحيث ألفوا في مجازات القرآن كتبا، ونتيجة هذا العلم الإجمالي سقوط ظواهر القرآن عن الحجية رأسا لعدم العلم التفصيلي بموارد تلك المخالفات للظواهر، والجواب عنه واضح لأن العلم الإجمالي من حيث الانحلال وعدمه على أربعة أقسام :

القسم الأول : ما ينحل حكما وهو ما إذا كان في مورده أصل مثبت‏ للتكليف مع قطع النظر عن العلم الإجمالي نظير ما إذا كان هناك كأسان، أحدهما مستصحب النجاسة، فوقعت قطرة دم لا يدري هل وقعت في الكأس المستصحب النجاسة أم في الآخر، فحيث أن الكأس الأول مورد للتكليف اللزومي بحيث لم يؤثر وقوع الدم فيه لإيجاد تكليف آخر يقال : إنّ الكأس الثاني مورد لجريان أصالة الطهارة فلا علم اجمالي في البين، بل هو منحل حكما بسبب الاستصحاب الجاري في أحد الكأسين ولكننا قلنا أن العلم الإجمالي بالتكليف في أمثال المثال، لا يتشكل من الأول، لأن الأصل الجاري في بعض الأطراف المثبت للتكليف مانع عن تشكيله نظير ما إذا كان أحد الأطراف نهرا جاريا أو خارجا عن مورد الابتلاء.

القسم الثاني : ما ينحل علما وجدانيا أو كالعلم الوجداني نظير البيّنة، كما إذا رأينا الدم في الكأس الشرقي مثلا أو قامت بيّنة على ذلك، وحينذاك إن احتملنا إصابة الدم للكأس الغربي مثلا أيضا، نقول أن العلم الإجمالي انحل إلى علم تفصيلي وشك بدوي، نريد بالشك البدوي احتمال النجاسة الموجودة في الكأس الغربي.

القسم الثالث : ما إذا لم نحتمل ذلك، فنقول أن الإجمال ارتفع قطعا، إذ العلم الإجمالي انقلب إلى العلم التفصيلي.

القسم الرابع : ما إذا بقي الإجمال بحاله حيث أن اللازم الاحتياط بالنسبة إلى جميع محتملات انطباق المعلوم معها من غير فرق بين تولد علم تفصيلي منه في بعض محتملاته أم لا، لأن التنجز الحدوثي كاف لحكم العقل بالاحتياط بقاء ولأن معاملة الانحلال مع هذا القسم دوري وموجب لعدم الانحلال بدليل أن إجراء الأصل في الطرف الآخر.

وهو العدل للطرف الذي تحقق منه العلم التفصيلي فيه موجب لارتفاع العلم الإجمالي وارتفاعه سبب لعدم تولد العلم التفصيلي منه، في الطرف‏ الآخر، فيعود العلم مجملا كما كان- وفيما نحن فيه ينحل العلم الإجمالي بوجود مخالفات لظواهر الكتاب بالفحص عنها في مظان وجودها إذ أنّ تلك المخالفات لم تبق مخزونة في علم غيب الباري.

- المنزل لكتابه المنزل- بل بيّنها لنبيه (صلى الله عليه واله وسلم) وهو اداء لوظيفته- التي هي بيان للقرآن فيما يحتاج إليه من البيان- قد بيّن لباب مدينة علمه وهو أعلم أهل الإسلام بعد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) باتفاق كافة المسلمين وأخبارهم، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو قد بيّنه بدوره لابنه، الحسن المجتبى (عليه السلام) الوصي من بعده، وهكذا سائر الأئمة (عليهم السلام)، وهؤلاء بينوها لأصحابهم رواة الأحاديث في مدة تقارب ثلاثمائة سنة وبعد نشرها من قبل رواة الأحاديث، دونها أهل التدوين وهم المشايخ الثلاثة الأقدمون المحمدون المعروفون‏ (8) ، فنحن نقول أن الفحص في روايات الثقل الأصغر عترة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يوجب انحلال العلم الاجمالي المذكور بعد علمنا التفصيلي بموارد وجود المخالفات والشك البدوي في الموارد الأخرى من الظواهر. فإن قلت : أن الفحص عن معارضات ظواهر الكتاب والظفر بها بمقدار المعلوم بالإجمال لا يفيد الانحلال لبقاء احتمال وجود معارضات أخرى للظواهر في الواقع ولم نظفر بها، إذ من الممكن وجود ناسخ، أو خاص، أو مقيد، أو قرينة مجاز، لم نجدها بعد الفحص عن المعارضات.

قلت : لا بد في كل علم إجمالي ملاحظة دائرة تشكيله، إذ لا تعقل أوسعية دائرة التنجز من دائرة التشكيل، فإذا كانت محتملات الانطباق لمعلوم اجمالي مائة، لم يجب ترتيب الأثر- أي أثر كان مترتبا على المعلوم- الأعلى هذا المقدار من الدائرة.

وأما ما يكون خارجا عنها فلا، وفي المقام هل لمنصف غير مشكك دعوى العلم بمخالفات الظواهر للقرآن أزيد مما ظفرنا عليه في أخبار أهل بيت الوحي والعصمة، خزان علم اللّه وعلم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ؟! كلا، فدائرة العلم الإجمالي لم تكن أوسع مما بأيدينا من الأخبار ومن هذا البيان يتضح جواب من قال أن القرآن بأجمعه خارج عن نطاق الإفهام ويحتاج إلى بيان النبي (صلى الله عليه واله وسلم).

وتوضيح الجواب هو ما قلنا من أن ما يحتاج إلى البيان من آيات القرآن مبين، بينه خلفاء النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ببيان منه لهم وبيانهم لنا.

وجملة القول، أن العلم الاجمالي إنما يؤثر بمقدار تشكيله، فلا بد وأن ينظر إلى دائرته سعة وضيقا، وبعد الفحص عن المخصصات والمقيدات أو القرائن التي توجب صرف الظهور فلا مانع من العمل بظواهر القرآن، لأنه لم ينعقد لنا علم اجمالي أوسع مما يظفر به الفاحص الباحث عنها في الأخبار، فمن الغريب أن الاخباريين سدوا الباب وقالوا لا حجية لظواهر القرآن مطلقا، وإنما يعرف القرآن محكمه ومتشابهه وعامه وخاصه، أهل البيت (عليهم السلام)، وفي مقابلهم الذين أفرطوا في الأخذ بما في القرآن من المحكم والمتشابه معا وفتحوا باب التأويل في القرآن كبعض الصوفية لأننا نرى أهل العرفان- على ما يدعونه- منهم، كلما أرادوا الاستدلال على ما يتخيلونه ويذهبون اليه من المذاهب الفاسدة، لجأوا إلى الآيات القرآنية بالتأويل والتلفيق لإثبات ما يشتهونه من أهوائهم ورغباتهم السخيفة.

ولذا نقول بأن الروايات المانعة عن التفسير بالرأي ناظرة إلى هؤلاء وأشباههم من الذين انحرفوا عن طريق الهدى إلى مسير الهوى والردى، وعدلوا عن الصراط المستقيم إلى تيه الضلال، واعتنقوا مبادئ فاضحة، وعقائد فاسدة، وتكلموا بأقاويل مبهمة، وأتوا بأباطيل كاذبة، ليس لهم عليها من سلطان، وان العقل السليم يبرئ ساحة قدس القرآن من أن تحومها تلك‏ الشبهات السوداء والخيالات والأهواء.

الثاني : الاخبار الكثيرة الواردة في باب تفسير القرآن- حيث توهموا أنها تفيد الردع عن حجية ظواهر الكتاب مطلقا، حتى لا يكون ظاهر آية أو كلمة حجة لو لا ورود الأثر الصريح والنص الصحيح عن المعصومين (عليهم السلام) في مفاده، وقد ذكر جملة من تلك الأخبار صاحب الوسائل (ره) في الباب الثالث عشر من كتاب القضاء في صفات القاضي ونقل عنه القول ببلوغ الروايات المانعة عن حجية ظواهر الكتاب مائتين وعشرين حديثا، ولا بد لنا أولا أن نفصل تلك الأخبار من جهة مفادها، لأن مداليلها الظاهرية مختلفة، ثم تقريب الاستدلال بكل طائفة منها على مرام الاخباري والجواب عنه فنقول، يمكن تنويع هذه الأخبار إلى طوائف أربع :

الأولى : ما تمنع عن ضرب بعض القرآن ببعض، حيث ورد في الكافي وغيره بأنه : «ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر» (9)، وتقريب الاستدلال بهذه الطائفة، ان التصرف بالتفسير في الآيات القرآنية ضرب لبعضها ببعض، ولا أقل من شمول اطلاق هذا الكلام للتفسير والأخذ بالظاهر.

والجواب أنه قد اختلف في معنى الحديث، فقال المجلسي (ره) : ان معناه الاستدلال ببعض الآيات المتشابهة على مذهب باطل وعقيدة فاسدة ثم تأويل سائر الآيات بحملها على المعنى الذي أراده، وقال الصدوق (ره) : معنى ضرب القرآن بعضه ببعض أن يجيب في تفسير آية بتفسير أخرى، وقال الفيض الكاشاني (ره) في تفسيره : لعل المراد بضرب بعضه ببعض ، تأويل بعض متشابهاته إلى بعض بمقتضى الهوى من دون سماع من أهله أو نور وهدى‏ من اللّه ، وهكذا قال في الوافي ، فيكون معناه أن يؤوّل آية متشابهة ويحمل الاخرى على هذا المؤول ، والذي نختاره في معنى الحديث هو تقطيع الآيات وتلفيقها خلطا ومزجا بما يوافق مذهبا فاسدا ، اضلالا للناس، ويشهد لذلك ما نرى في الخارج من سيرة أرباب المذاهب الباطلة ، والآراء المضللة، كجماعة من الصوفية وجمع من الخوارج الذين لا يقرعون أبواب الأئمة العالمين بحقائق القرآن ويتصدون لاستخراج الفروع الفقهية وما شابهها من القرآن، فلا يرون مناصا إلا بتقطيع الآيات ونشر قطعاتها ثم مزج بعضها ببعض، فترى الصوفية وجمعا من الخوارج وحتى أولي الآراء السياسية يتشبثون بكلام اللّه فيلفقون قطعة آية أو تمامها بقطعة آية أخرى أو تمامها ويجعلون الملفق من الآيات وأبعاضها دليلا على مسلكهم وبرهانا على مذهبهم، فيستدل الاشتراكي بقوله تعالى :

{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن : 10] ، ويقطعه عما قبله وعما بعده، ولا يلاحظ سوق الكلام ويقول باشتراك الكل في ملك الأرض، وقد يروم بعض الغفلة بترويج هذا المسلك الوعر الضال المضل ببيان أن النضج الفكري والارتقاء المعنوي يقتضي مثل هذا التلفيق، وملخص القول في معنى ضرب القرآن بعضه ببعض أن معناه تركيب القرآن بعضا مع بعض على حسب ما يهواه المركب وربما يرجع هذا المعنى إلى التأويل الباطل وإن لم يكن منه في الحقيقة، كما سيتبين فيما بعد إن شاء اللّه تعالى.

ثم إن هذا الحديث لا ينافي ما ورد من أن القرآن يفسر بعضه بعضا لأنه ناظر إلى الحكومة التفسيرية أو دلالة الاقتضاء من دون أعمال شخصية فكرية أو ذوقية حسب التشهي في ذلك التفسير، وبيان ذلك أن معنى الحكومة أن يكون للآية الحاكمة نظر إلى الآية المحكومة ولا بد في تلك الحكومة من موافقة طباع العرف عليها، فتحكيم آية على أخرى بالحكومة التفسيرية نحو جمع عرفي‏ حسب المحاورة لا ربط له بالتفسير من تلقاء النفس وحسب تشهيها بأن يجمع بين آية وأخرى من دون مناسبة طبيعية ومن دون اقتضاء الجمع الدلالي له ويجعل مجموعهما ناظرا إلى ما يهوى.

كما أن معنى دلالة الاقتضاء أن الجمع بين قوله تعالى : {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف : 15] ، وبين قوله تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة : 233] ، يقتضي عقلا أن يكون أقل الحمل ستة أشهر والجمع المذكور إنما هو بالمعنى الاسم المصدري وأعني به أن اجتماع الآيتين بنفسهما يقتضي ذلك لا الجمع بالمعنى المصدري اقتراحا من أي أحد كان وأي شي‏ء أراد.

الثانية : ما تمنع عن التفسير بالرأي وهي كثيرة جدا، ففي صحيح زيد الشحام يخاطب الباقر (عليه السلام) قتادة ويقول : «ويحك يا قتادة ان كنت انما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت واهلكت» (10).

وقال الرضا (عليه السلام) لابن جهم : «اتق اللّه ولا تؤول كتاب اللّه برأيك» (11).

وروى العامة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار، فمن أصاب الحق فقد اخطأ» (12)، وعنه أيضا : «من قال في‏ القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» (13).

وفي الحديث القدسي : «ما آمن بي من فسر برأيه كلامي» (14).

وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة : «من فسر القرآن برأيه فقد افترى على اللّه الكذب» (15).

وهذه الطائفة صريحة الدلالة على المنع من تفسير القرآن بالرأي وكونه موجبا للعقوبة، بل هي كبيرة من الكبائر، لأن الكبيرة ما توعد عليها النار.

ثم إن جملة من تلك الأخبار صحيحة الإسناد وما ضعف منها مؤيد للمطالب، بل اعتضاد بعض الضعاف ببعض مما يرفع محذور ضعف السند، ولذا أخذ جمع من علمائنا بالحديث النبوي القائل : «بأن من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» (16)، بل مفاده موافق لمفاد الأخبار الصحيحة كصحيح الشحام.

الثالثة : ما تدل على أن في القرآن متشابها وله تأويل فلا يمكن الأخذ بظاهره لأن تأويل ما له التأويل عند اللّه والراسخين في العلم وهم الأئمة الاثنا عشر (عليهم السلام).

قال علي (عليه السلام) : «وجعلنا مع القرآن والقرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا» (17)- واطلاق المعية يشمل العلمية والعملية-.

وهذه الطائفة تدل على تنويع الآيات الى نوعين : المحكم والمتشابه، وللمتشابه تأويلان : صحيح وباطل، والصحيح مودع عند خزنة علم اللّه وأمناء سره وحافظي وحيه (عليه السلام) فلا بد من الرجوع إلى أقوالهم للعلم بالمؤول الواقعي الصحيح وتميزه عن المؤول الباطل الخيالي.

الرابعة : ما تدل على أن في القرآن ناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومطلقا ومقيدا، وعليه فلا بد في الأخذ بالظواهر المطلقة من حيث الزمان والافراد والقيود من العلم بخلوها عن الناسخ والخاص والمقيد، أما ترى أن الصادق (عليه السلام) اعترض على الصوفية، المفسرين للقرآن من دون رجوع اليه وهو العالم بما في القرآن بجميع شئونه، واحتج عليهم بقوله : «أ لكم علم بناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه» «1».

وأما الجواب عن تلك الطوائف من الأخبار فقد عرفت أن المراد من ضرب القرآن بعضه ببعض في الطائفة الأولى هو تقطيع الآيات ثم تلفيقها تشهيا واقتراحا بمعنى خلق آية من الآيات وجعلها مدركا لمذهب باطل أو مسلك فاسد أو رأي سخيف ونحو ذلك، وإلا فأي عاقل يمنع عن التمسك بظهور قوله تعالى : {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة : 8] في الاطلاق، أو بفحوى : ولا تقل لهما أف لحرمة الضرب والجرح، أو بظاهر قوله تعالى : {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام : 72] في الوجوب، فما دل على حرمة ضرب القرآن بعضه ببعض لا يشمل الظواهر الواردة في القرآن الراجعة إلى المعارف الحقة- كسورتي الإخلاص والحديد- أو الاحكام أو الأخلاق أو النظم الاقتصادية أو الاجتماعية.

والإنصاف أن المتشابهات في مقابل النصوص والظواهر قليلة جدا وقد بيّنها الأئمة الطاهرون (عليهم السلام)، لو لا تعصب المعاند المانع من الرجوع إليهم في فهم معضلات القرآن.

وأما الطائفة الثانية : وهي العمدة لمذهب الإخباريين والتي تدل على حرمة التفسير بالرأي، فالجواب عنها واضح بأدنى تأمل في مفهوم الرأي وأنه عبارة عن الظن الشخصي والاستحسان النفسي والاقتراح الانفرادي، فحرمة التفسير بالرأي أمر عقلائي بعد وضوح أن التفسير بالرأي عبارة عن الأخذ بالاعتقاد الظني والاستحسان الذوقي وما يشبه ذلك مما لا يكون كاشفا عن المراد الجدي الإلهي عرفا لعدم ابتنائه على القواعد العربية، وعقلا لكونه مسببا عن الأهواء الباطلة والأغراض الزائفة، وشرعا الفرض كونه مبتنيا على النظر الفردي دون النصوص الواردة عن المعصومين (عليهم السلام).

ومن المعلوم أن مثل هذا التفسير ليس من العلم ولا من العلمي ، بل هو عبارة عن الاحتمال الذي رجحه تشهي المفسر الحامل له إلى ذلك وصولا إلى غرضه الخارج عن حوصلة العقل السليم والشرع القويم بتعمل نفساني واختلاق فكري وضم بعض المرجحات إلى بعض جاعلا لحدسياته ومعتقداته الظنية والخيالية ميزانا لفهم القرآن العظيم كبعض تفاسير الصوفية التي إذا رجعت إليها جزمت بصدق ما نقول وحكمت بأن التفسير بالرأي أمر مخصوص بصاحب الرأي وليس مما يفهمه العرف العام بخلاف الظواهر التي لا يكون فهمها مخصوصا بشخص دون آخر ولا بزمان دون زمان ولا يحتاج إلى اعمال نظر وتمهيد مقدمات بعيدة أغلبها باطل وإن كان جملة منها صحيحة.

فتفسير القرآن بالرأي عبارة عما قاله الرضا (عليه السلام) لابن الجهم : «اتق اللّه ولا تؤول كتاب اللّه برأيك» (19) ، فإن اللّه يقول : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } [آل عمران : 7] ، يعني اقتراحا حسب نظرك المخصوص بك وليس منه ما لا يختص به أحد بل يشترك في فهمه كل ناظر في الكلام عارف بموازين اللغة.

ألا ترى أن كل من يسمع قول اللّه تعالى : {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء : 23] يفهم من كلمة أف كلما يبرز الانزجار ويشعر بالتضجر، بلا تصرف نفسي ولا تفسير شخصي لهذا المفهوم.

ولما ذكرنا قال الشيخ الأنصاري (قدس سره) أن الأخذ بالظاهر ليس من التفسير لأن التفسير عبارة عن كشف القناع، ولا قناع للظاهر حتى يكشف، إلا أن الانصاف هو أن التفسير بمفهوم العام شامل لبيان ما يفهم من الظواهر لأن التفسير في اللغة ايضاح وبيان وكشف.

والبيان يشمل إيضاح المراد من الظاهر، ويشهد بذلك صدق البيان على ما يرشد اليه الواعظ من آية قرآنية في مقام الوعظ والإرشاد في مورد إيضاح المعارف الحقة والأخلاق الفاضلة وما شاكل ذلك إذا أوضح المراد منها، فيكون كشف القناع لازما خاصا للتفسير لا انه لازم مساو له أو لحده التام لأن معنى فسر بين وأسفرت المرأة وجهها : أظهرته.

وعلى أي حال ، فالتفسير يشمل بيان الظواهر إلا أن الممنوع منه شرعا بل وعقلا إنما هو إبداء رأي لا يساعد عليه العرف العام وقوانين المحاورة والأصول العقلائية والحدود الشرعية، فهو أخذ بما لا يكون كاشفا عن المراد بحسب النوع.

وأما الطائفة الثالثة فنحن نقول بموجبها لأن الأخذ بالمتشابه يكون على‏ خلاف سيرة العقلاء إذ المتشابه أما أن يكون بحسب ذات اللفظ كالمجمل وأما أن يكون بحسب التطبيق على ما في الخارج كالمبهم بأن لا يدري ما هو المصداق له بنظر المتكلم كما إذا تكلم بمفهوم عام وأراد حصة خاصة منه من دون نصب قرينة عليها أو قيام القرينة على عدم إمكان إرادة ما ينصرف إليه هذا المفهوم بعمومه وبالنظر إلى تبادره الإطلاقي فمع عدم العلم بمصداقه الحقيقي القابل للانطباق عليه الذي طبق المتكلم هذا المفهوم عليه كيف يمكننا الجزم بمراد المتكلم الجدي.

ولنا أن نمثل للمتشابه بقوله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] - وهذا بغض النظر عن القرينة العقلية على ما نقول في مفاده-، حيث أن كل ذي وجدان سليم يمنع عن الأخذ بما ينصرف إليه لفظ الاستواء بحسب التبادر الإطلاقي وهو استقرار جسم على جسم واستيلاؤه عليه، إذ أنّ هذا المعنى محال بالنسبة إلى ذات اللّه المنزهة عن الجسم والجسمانيات، فإذن لا مناص إلا للحمل على حصة من الاستواء تناسب الذات الواجبة غير المحدودة ولا المتشكلة، فعدم إمكان الأخذ بالمتشابه لعدم العلم بالمراد الجدي للمتكلم من دون رجوع إلى عيبة علمه ووعاء حكمته لا يستلزم المنع عن صحة التمسك بظواهر الكتاب على نحو العموم والإطلاق لأن الردع عن الأخذ بالمتشابه مخصوص بالمتشابه، ولا يمتزج الظاهر مع المتشابه حتى يسقط ظهور الظاهر بتوهم عدليته للمتشابه.

وأما الطائفة الرابعة، الدالة على أن في القرآن ناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ونحو ذلك وتمنع عن تفسيرها لأجل ذلك فهي تؤكد حجية الظواهر، وذلك لأن المنع إذا كان لجهة عامة لجميع الظواهر ولم تكن مختصة بظواهر القرآن وكانت قابلة للارتفاع لم يكن هذا المنع مانعا عن حجية الظواهر بل‏ وجب التنبه له والتصدي لرفعه.

اما أن جهة المنع المذكور ليست مختصة بالقرآن فلأنه لا ريب في أن لكل لغة وفي لسان كل متكلم من أفراد الإنسان عاما وخاصا ومطلقا ومقيدا فوجد أن كل عاقل شاهد صدق على وجود العام والخاص والمطلق والمقيد في كافة اللغات، كما أن كل عاقل يعلم بنفسه أن بيان المقاصد لا يكون دفعيا في جميع الأحيان، فللآمر أن يقول لخادمه يوم الأحد : اصنع طعاما يوم الجمعة لضيوفنا، ثم يبين في الأيام القادمة قبل مجي‏ء يوم الجمعة قيود الطعام وخصوصياته.

وأما أن هذه الجهة تؤكد الظهور ولا تمنع عنه فلأنه فرق بين قولك :

افحص عن الخاص، وبين قولك : أترك العام بتاتا، والأول تمهيد للعمل بالعام، وبالجملة العلم الإجمالي بوجود العام والخاص والمطلق والمقيد في القرآن ليس إلا نظير هذا العلم في كلام كل متكلم من حيث اقتضائه لزوم الفحص عن المخصص والمقيد ولا يوجب ذلك عدم حجية ظهور العام في العموم بل توارد الخصوصات على عام واحد لا يمنع حجيته في الباقي وإن قبلنا بأن العام المخصص مجاز في الباقي فكيف إذا لم نقل بذلك كما هو مقتضى التحقيق الذي نشير إليه هنا، ونقول :

ذهب أعاظم علم الأصول إلى أن للعالم صيغة تختص به ومثلوا له بأمثلة منها الجمع المحلى باللام كالعلماء ونحن إذ رأينا أن كلمة- العلماء- تنحل إلى أمور ثلاثة :

1- حرف التعريف، وشأنه الإشارة إما إلى مدخوله من حيث المفهوم وأما إلى مطابق- بفتح الباء- مفهومه المعهود ذهنا وهو الوجود الخارجي للمفهوم بشرط عدم لحاظ خصوصيات مصاديق ذلك المفهوم العام وهو الذي يعبر عنه في علم الأصول بوجود السعي باعتبار سعته الخارجية تقول : ادخل السوق‏ واشتر اللحم، وأما إلى مصداق مفهومه المذكور سابقا، واما إلى مصداقه الخارجي وليس شأنه أزيد من ذلك.

2- مبدأ الجمع وهو : في المثال- ع- ل- م- ومن الواضح أن مفهوم هذه الحروف المترتبة بشرط تهيئتها بهيئة المصدر، عبارة عن صفة وجدانية من دون إفادة السريان والشمول.

3- هيئة الجمع وهي : العارضة على ع- ل- م- وهذه وظيفتها ليست إلا الإشارة إلى أزيد من واحد وهي المحققة لوصف عنواني بسيط يطبق على أزيد من واحد أو اثنين على اختلافهم في مفاد الجمع، ولذا فقد ذهبنا إلى عدم وضع صيغة خاصة للعموم من ناحية وضع الواضع.

ثم رأينا أن العرف يستفيد السريان والعموم من مثله ومع ذلك إذا خصص بخاص وخرج منه لم يحكم بخلل في موافقة الوضع بل يحكم بعدم التجاوز عن المعنى الموضوع له، فقلنا بأن السريان إنما يفهم من المقام وأعني به مقام بيان المرام بتقريب أن قانون المحاورة يحكم بلزوم بيان ما هو المراد التطبيقي الجدي إذا لم يكن ما هو لازم المفهوم من حيث الانطباق، وهو الشمول والسريان مرادا، فإذا تكلم المتكلم بعام ولم يبين المطبق عليه ألزمناه إرادة الشمول حذرا من الاغراء بالجهل القبيح المخالف لكيفية تفهيم المقصد.

ثم إذا أتى هذا المتكلم بالخاص نقول بأنه بين مراده التطبيقي من دون أي تصرف في المدلول اللغوي للفظ، وعلى هذا الأساس قلنا بأن من أنحاء الحكومات حكومة الخاص على العام والمقيد على المطلق والناسخ على المنسوخ وهي الحكومة على المقام ، وأعني به مقام البيان وأنه بين ما لم يبين أو لا ، ولأجل ذلك نقول بأن تأخير البيان لو لا المانع عنه كتقية أو نحوها ولو لا الجبران بمصلحة أقوى يكون قبيحا خارجا عن طريقة العقلاء المتجنبين عن الإغراء والإيذاء، فالتصرف في العام بالإتيان بالخاص ليس تصرفا مانعا عن‏ ظهوره المقامي في السريان بدوا وبعدا، بل لو قلنا بالمجازية، فباب المجاز واسع، ولا بد من الأخذ بدوا بالعموم لأصالة العموم وبأقرب المجازات بعد الظفر بالخاص فالعام إنما ترفع اليد عنه بمقدار الخاص وأما بالنسبة إلى ما عداه فيبقى ظهوره اللفظي أو المقامي على حاله من الحجية.

______________________

(1) كما في الكافي : ج 1 ص 213 باب ان الراسخون في العلم ... والوسائل : ج 18 ص 132 الباب 13 من أبواب صفات القاضي ح 7.

(2) الوسائل : ج 18 ص 151 الباب 13 من أبواب صفات القاضي ح 77.

(3) الوسائل : ج 18 ص 100 الباب 11 من أبواب صفات القاضي ح 4.

(4) نفس المصدر.

(5) الوسائل : ج 18 ص 76 و80 الباب 9 من أبواب صفات القاضي ح 1 و19.

(6) نفس المصدر.

(7) الوسائل : ج 18 ص 107 الباب 11 من أبواب صفات القاضي ح 33.

(8) وهم محمد بن علي بن الحسين الصدوق ومحمد بن يعقوب الكليني ومحمد بن الحسن الطوسي.

(9) الوسائل ج 18 ص 135 الباب 13 من أبواب صفات القاضي ح 22. والكافي : ج 2 ص 632 و633 باب نوادر فضل القرآن ح 17 و25.

(10) الوسائل : ج 18 ص 136 الباب 13 من أبواب صفات القاضي ح 25.

(11) الوسائل : ج 18 ص 138 الباب 13 من أبواب صفات القاضي ح 31.

(12) الوسائل : ج 18 ص 151 الباب 13 من أبواب صفات القاضي ح 79 والعوالي ج 4 ص 104.

(13) الوسائل : ج 18 ص 150 الباب 13 من أبواب صفات القاضي ح 76.

(14) الوسائل : ج 18 ص 137 الباب 13 من أبواب صفات القاضي ح 28.

(15) الوسائل : ج 18 ص 140 الباب 13 من أبواب صفات القاضي ح 37.

(16) العوالي : ج 4 ص 104 ح 154.

(17) الكافي : ج 1 ص 191 باب ان الأئمة شهداء اللّه عز وجل ... ح 5.

(18) وبمضمونه الحديث 36 و39 من الوسائل : ج 18 ص 140 و141 الباب 13 من أبواب صفات القاضي.

(19) الوسائل : ج 18 ص 138 الباب 13 من ابواب صفات القاضي ح 31.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .