أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-12-2015
1376
التاريخ: 8-10-2014
1971
التاريخ: 8-10-2014
1524
التاريخ: 28-01-2015
1529
|
مرة أخرى اجتمعت سادة قريش برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في البيت وحاولت أن تقنعه بترك الدعوة وحاوروه بعنف وغلظة وسوء
أدب كما نذكره في الخبر الاتي:
روى الطبري وابن كثير والسيوطي في تفسير قوله تعالى {لَنْ نُؤْمِنْ لَكَ ...} من سورة الاسراء الآيات / 90 ـ 93 واللفظ للأول :
ان عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب ورجلاً من بني عبد الدار وأبا البختري أخا بني أسد والاسود بن المطلب وزمعة بن الاسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبداللّه بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيها ومنبّها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا أو من اجتمع منهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه ان اشراف قومك قد اجتمعوا اليك ليكلّموك فجاءهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) سريعاً وهو يظن أنّه بدا لهم في أمره بداء وكان عليهم حريصا يحبّ رشدهم، ويعزّ عليه عنتهم، حتى جلس إليهم.
فقالوا: يا محمد انا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وانّا واللّه ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الاباء، وعبت الذين وسفهت الاحلام، وشتمت الالهة، وفرقت الجماعة، فما بقي أمر قبيح الا وقد جئته فما بيننا وبينك.
فان كنت انّما جئت بهذا الحديث تطلب مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً.
وان كنت انّما تطلب الشرف فينا سودناك علينا.
وان كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا.
وان كان هذا الّذي يأتيك بما يأتيك به رئيا تراه قد غلب عليك وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي فربما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطب لك. حتى نبرئك منه أو نعذر فيك.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن اللّه بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليّ كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيرا فبلغتكم رسالة ربّي، ونصحت لكم فان تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة وان تردوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتى يحكم اللّه بيني وبينكم.
فقالوا: يا محمد فان كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنّه ليس أحد من الناس أضيق بلاداً ولا أقل مالاً ولا أشد عيشا منا فسل ربّك الّذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال الّتي قد ضيقت علينا ويبسط لنا بلادنا وليفجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فانّه كان شيخا صدوقاً، فنسألهم عما تقول حق هو أم باطل فان صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك عند اللّه وأنّه بعثك بالحقّ رسولاً كما تقول.
فقال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما بهذا بثعت، انّما جئتكم من اللّه بما بعثني به فقد بلغتكم ما أرسلت به اليكم، فان تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والاخرة وان تردوه عليّ أصبر لأمر اللّه، حتى يحكم اللّه بيني وبينكم.
قالوا: فان لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك، فسل ربّك أن يبعث ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وتسأله فيجعل لك جنانا وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك بها عما نراك تبتغي فانك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضل منزلتك من ربك ان كنت رسولاً كما تزعم.
فقال لهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما أنا بفاعل ما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت اليكم بهذا ولكن اللّه بعثني بشيراً ونذيراً فان تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة وان تردوه عليّ اصبر لأمر اللّه حتى يحكم اللّه بيني وبينكم.
قالوا فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك ان شاء فعل فانّا لا نؤمن لك إلاّ أن تفعل.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ذلك إلى اللّه ان شاء فعل بكم ذلك.
فقالوا: يا محمد فاعلم ربك أنّا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب فيتقدم اليك ويعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك أيضا اذا لم تقبل منا ما جئنا به فقد بلغنا أنه انما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وأنا واللّه ما نؤمن بالرحمن أبداً أعذرنا اليك يا محمد أمّا واللّه لا نتركك وما بلغت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا.
قال قائلهم نحن نعبد الملائكة وهن بنات اللّه وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تأتينا باللّه والملائكة قبيلاً فلمّا قالوا ذلك قام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهم وقام معه عبداللّه بن أبي أمية بن المغيرة بن عبداللّه بن عمرو بن مخزوم وهو ابن عمته ابن عاتكة ابنة عبد المطلب فقال له: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثمّ سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا منزلتك من اللّه فلم تفعل ذلك ثمّ سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب فواللّه لا أومن لك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلما ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول وايم اللّه لو فعلت ذلك لظننت أن لا أصدقك ثمّ انصرف عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وانصرف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أهله حزيناً أسيفاً لما فاته مما كان يطمع فيه من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم اياه.
فلما قام عنهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أبو جهل: يا معشر قريش ان محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وسب آلهتنا وإني أعاهد اللّه لأجلسن له غداً بحجر قدر ما أطيق حمله فاذا سجد في صلاته فضخت رأسه به (1).
فانزل اللّه عليه في ذلك: {وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ... بَشَراً رَسُولاً} وأنزل عليه في قولهم {لن نؤمن بالرحمن} {كَذلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ} وأنزل عليه فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الجبال وبعث من مضى من آبائهم من الموتى {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ...}.
وأخبر اللّه عن تعنتهم برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : في سورة الاسراء وقال سبحانه وتعالى:
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 88 - 96] (2).
واستمرت قريش في تعنتها برسول اللّه كما أخبر اللّه عن موقفهم في آيات كثيرة منها قوله تعالى في سورة الفرقان:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالاْ َرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لاِ َنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشوُراً * ... وَقَالُوا مَالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الاَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُوراً * ... وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الاَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً * ... وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً}
[الايات / 1 ـ 3 و 7 ـ 8 و 20 و 32]
وقوله تعالى في سورة الانعام:
{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [الأنعام: 7-11]
* * *
لم تنجح جميع محاولات قريش في اسكات الرسول عن الدعوة إلى القرآن بما فيه من عيب لآلهتهم وتسفيه لأحلامهم فاشتدت خصومتهم للرسول وقرآنه كما نذكر امثلة منها في ما يأتي بحوله تعالى.
اشتداد الخصومة الفكرية بين قريش والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) :
قص اللّه أخبار خصومة قريش مع القرآن ومبلغه واحتجاجهم الواهي وكيف أجاب عنها في الايات الاتية:
أ ـ أخبر عن تعنتهم في سورة ((صلى الله عليه وآله وسلم) ) وقال:
{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص: 4 - 8]
وروى الطبري وغيره في شأن نزول الايات واللفظ للطبري قال:
إن ناساً من قريش اجتمعوا، فيهم أبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والاسود بن المطلب والاسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش فقال بعضهم لبعض، انطلقوا بنا إلى أبي طالب، فنكلمه فيه، فلينصفنا منه، فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه الّذي يعبد، فإنّنا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون منا شيء فتعيرنا العرب يقولون تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه فبعثوا رجلاً منهم يسمّى المطلب فاستأذن لهم على أبي طالب فقال هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم يستأذنون عليك قال أدخلهم فلما دخلوا عليه قالوا يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا فانصفنا من ابن أخيك فمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه فبعث اليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم قد سألوك النصف أن تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك والهك فقال أي عم أولا أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها قال: وإلامَ تدعوهم، قال: أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة يدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم، فقال أبو جهل من بين القوم: ما هي وأبيك فنعطينكها وعشر أمثالها قال: تقول ((لا إله إلاّ اللّه)) فنفروا وقالوا سلنا غير هذه قال لو جئتموني بالشمس حتّى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها فغضبوا وقاموا من عنده غضابا وقالوا: واللّه لنشتمنك وإلهك الّذي يأمرك بهذا:
{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 6، 7] (3).
وأيضا أخبر اللّه تعالى عن تعنتهم في الآيات / 43 ـ 45 من سورة سبأ وقال:
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} وأجاب اللّه عن مثل هذا النوع من التحجج وأقام البراهين على عجز آلهتهم وصحّة رسالة خاتم الانبياء في آيات كثيرة نورد بعضها في ما يأتي بحوله تعالى:
ب ـ قال سبحانه في اثبات التوحيد ونفي الالهة الّتي يعبدونها في الآية 10 و11 من سورة لقمان:
{خَلَقَ السَّموَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الاَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّماء مَاء فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هذَا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}
وقال في الآية 4 و 5 من سورة الاحقاف:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الاَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّموَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذا أَوْ اثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مَن دُونِ اللّهِ مَن لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} وقوله تعالى في الآية 3 من سورة الفرقان:
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} [الفرقان: 3]
ووصفهم في الآية 21 من سورة النحل وقال:
{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}
وأخبر أنّهم ومن معهم لن يستطيعوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن وقال سبحانه في سورة البقرة:
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23، 24]
ولم يستطع مشركو قريش ولا الدهريون ولا الزنادقة والملحدون ولا اليهود ولا النصارى ولا أي خصم آخر أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولن يفعلوا أبد الدهر ولن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان الخصوم بعضهم لبعض ظهيراً.
وتحداهم سبحانه في قولهم إنّ القرآن مفترى أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات إن كانوا صادقين وقال سبحانه في سورة هود:
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 12- 14]
وفي آية أخرى تحداهم بأن يأتوا بسورة مثله وقال في سورة يونس:
{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} [يونس: 37 - 40]
ج ـ وأجاب عن تشكيكهم في المعاد في الايات 78 ـ 83 من آخر سورة ياسين وقال سبحانه وتعالى:
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 78 - 83]
روى المفسِّرون وقالوا: أنزل اللّه تعالى هذه الايات الكريمة بعد أن قدم العاص بن وائل وأبو جهل وغيرهما من عتاة قريش بعظم حائل أمام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فذراه في الريح وقال من يحيي العظام وهي رميم؟
وفي رواية أتى أُبي بن خلف إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه عظم قد وتر فجعل يفته بين أصابعه ويقول: يا محمد! أنت الّذي تحدث إن هذا
سيحيا بعدما قد بلي فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نعم ليميتن الاخر ـ أي يميتن ابيا ـ ثمّ ليحيينه ثمّ ليدخلنه النار (4).
* * *
واندحرت قريش في مقابلة الادلة الّتي أقامها القرآن لهم فتحججوا واقترحوا اقتراحات غير معقولة كالاتي خبره:
مقابلات أُخرى من قريش واستهزاء بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته
وكان خمسة من عتاة قريش دائبين على الاستهزاء برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم العاص بن وائل السهمي وكان إذا ذكر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له لو مات لانقطع ذكره واسترحتم منه وأنزل اللّه في حقّه سورة الكوثر وقال سبحانه:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } [الكوثر: 1 - 3] (5).
وقالوا له الابتر بعد موت ابنه القاسم بمكّة. والكوثر: العدد الكثير(6).
وقد صدق اللّه وعده لرسوله فإنّه لا يعرف اليوم نسل للعاص بن وائل وأكثر اللّه نسل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ابنته فاطمة (عليها السلام) على وجه الارض.
نهاية أمر المستهزئين:
قال ابن اسحاق ما موجزه:
فأقام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على أمر اللّه صابراً محتسباً مؤدّياً إلى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التكذيب ... فلما تمادوا في الشرّ وأكثروا الاستهزاء برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنزل اللّه ـ تعالى ـ عليه:
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَر ...} [الحجر: 94 - 96]
ثمّ روى ابن اسحاق كيف أهلك جبرائيل كل واحد من المستهزئين (7)،وقال:
أن جبرئيل أتى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم يطوفون بالبيت، فقام وقام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جنبه، فمرَّ به الاسود بن المطلب، فرمى في
وجهه بورقة خضراء فعمي، ومرَّ به الاسود بن عبد يغوث، فأشار إلى بطنه فاستسقى [بطنه] فمات منه حَبنا (8)؛ ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان اصابه قبل ذلك بسنين وهو يجر سبله (9) وذلك أنّه مرَّ برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له فتعلق سهم من نبله بازاره فخدش في رجله ذلك الخدش، وليس بشيء، فانتقض (10) به فقتله؛ ومرَّ به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص رجله، فخرج على حمار له يريد الطائف فربض به على شبرقة (11) فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته، ومرَّ به الحرث ابن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخض قيحاً فقتله.
_________________________
1- تفسير الآية بتفسير الطبري 15/ 110 ـ 111، وتفصيله في سيرة ابن اسحاق ص 178ـ181، وتفسير ابن كثير 3 / 62.
2- انظر تفسير الآية من التفاسير وسيرة ابن هشام 1 / 331 ـ 332.
3- 16 تاريخ الطبري ط. دار المعارف بمصر 2 / 323 ـ 324، و ط. أوروبا 1 / 1176 ـ 1177، والسيوطي 5 / 295 ـ 296، وصحيح الترمذي كتاب التفسير 12 / 109 ـ 110.
4- تفسير السورة في الطبري 23 / 21، والدر المنثور 5 / 269 ـ 270.
5- سيرة ابن هشام 1 / 421 ط. القاهرة. وتفسير سورة الكوثر بتفسير الطبري 30 / 212 واللفظ للأول، وسيرة ابن اسحاق ص 252 ـ 253.
6- تفسير الابتر والكوثر من المعجم الوسيط في اللغة.
7- سيرة ابن هشام 2 / 15 ـ 18 ط. القاهرة وتفسير السور في كتب تفسير القرآن بالحديث، وسيرة ابن اسحاق ص 254.
8- الحبن: بحاء مهملة وبفتحتين، داء في البطن ينتفخ منه ويعظم فيرم.
9- سبله: بفتح السين والباء الموحدة، فضول ثيابه. و (بسنين) في سيرة ابن اسحاق كذا: بيسير.
10- انتقض الجرح: تجدد بعدما دمل وبرئ.
11-
شبرقة: بكسرتين بينهما باء ساكنة، هو نبات ذو شوك يقال له الضريع، وفي المواهب ((فدخلت فيه شوكة من رطب الضريع)).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|