المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6873 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الموعظة وأثرها في تغيير الاعتقاد
25-7-2016
حكم من كان له ملك قد استوطنه ستة أشهر في أثناء المسافة.
15-1-2016
القلب المكاني
18-02-2015
الصقيع وفصل النمو
18-4-2016
أهـداف الـرقابـة الداخـليـة وفق COS0
2023-03-06
مضافات علفية Feed Additives
23-4-2018


نشأة الدين وتطوره في وادي الرافدين  
  
6163   08:48 مساءً   التاريخ: 20-12-2020
المؤلف : بلخير بقة
الكتاب أو المصدر : أثر ديانة وادي الرافدين على الحياة الفكرية سومر وبابل 3200- 539 ق.م
الجزء والصفحة : ص 33-42
القسم : التاريخ / العصر البابلي القديم /

نشأة الدين وتطوره في وادي الرافدين:

لم يتفق علماء الأديان على طريقة واحدة لنشأة الدين الأولى، ففريق منهم تعمق في معتقدات الأقوام السابقة، وفي أساطيرها معتمدا في ذلك على الأنتروبولوجيا وفريق آخر اهتم بدراسة أوضاعها الاجتماعية، أما الفريق الثالث فبحث في أوصاف الآلهة معتمدا في ذلك على اشتقاق اللغة –الفيولوجيا- وكان لا بد لهذه الطرق في البحث أن تنتهي إلى نتائج مختلفة، وقد تبين لعلماء الأديان والاجتماع أن أديان الشعوب القديمة هي ذاتها خلاصة تطورات حدثت في أجيال، ولكي يتم الاطلاع على الوضع الديني الأول يجب التعمق في بحث الأديان لإرجاع كل منها إلى أصله حتى يسهل الوصول للدين الأول ومعرفة ما اقتبسه من الأديان الأخرى، وكيف انتهى وضعه المعروف ولا يتم ذلك إلا بدراسة الأديان والانتقال منها إلى الأديان السماوية المتكاملة(1).

 ورغم تشابه خصائص الديانات القديمة، إلا أن طرق البحث أدت بعلماء الأديان إلى إيجاد العديد من الخصائص المختلفة بين هذه الأديان وأدى هذا الاختلاف إلى تعدد النظريات في نشأة الدين, فالعلماء الذين اعتمدوا على الانتروبولوجيا ودرسوا معتقدات الشعوب القديمة وأساطيرها وضعوا "النظرية الروحية"(2) التي تقرر أن البشر الأوائل عبدوا الروح واعتقدوا أن لجميع الموجودات روحا سواء كان حيوانا أو نباتا أو كان جمادا, فعبد الإنسان أرواح الموتى فمظاهر الطبيعة بوصفها ذات أرواح, ثم انتقل إلى الوثنية فعبادة آلهة.

أما العلماء الذين درسوا الأوضاع الاجتماعية لتلك الأقوام فقد وضعوا "نظرية الطوطمية"(3) أي أن الجماعات البشرية الأولى جعلت أحد الموجودات حيوانا أو نباتا أو جمادا شعارا مقدسا لها واجتمعت حوله واهتمت به.

فيما ذهب العلماء الذين حاولوا أن يتوصلوا إلى الدين الأول عن طريق انشقاق اللغة "الفيلولوجيا" والمقارنة بين أوصاف الآلهة، فقد وضعوا "نظرية الطبيعة"(4) أي أن القدماء كانوا يعبدون مظاهر الطبيعة، حيث زعم أنصار هذه النظرية أن خوف الإنسان من مظاهر الطبيعة كالرعد, الأمطار, الزلازل...جعله يتقرب إليها ويدعوها ويتوسل لها وينذر إليها النذور ويقرب لها القرابين (5).

والشيء الوحيد الذي تشترك فيه هذه النظريات هو القول بأن الدين سلك على مر القرون مسلك التطور، فنشأ الدين في بدايته بحالة ساذجة، ثم أخذ يتطور حتى بلغ بالأديان العامة مبلغه من الكمال (6)، ومبدأ التطور الذي يتحكم في جميع النتاجات البشرية سواء كانت تلك النتاجات مادية أو فكرية يفرض علينا القول بأن المعتقدات الدينية لفترة العصور التاريخية لا بد وأن تكون متشبعة من المعتقدات التي سادت خلال العصور الحجرية مرورا بالحضارات الزراعية (7)، وعن مبدأ تطور الدين يقول جفري بارندر: "لا بد أن الحس الديني قد خضع لنفس التطور الذي خضع له الإنسان، فاختلف وفقا لمراحل كثيرة لإرتباطه ارتباطا وثيقا بالإطار الثقافي الذي وجد فيه"(8).

ويذهب طه باقر إلى اعتبار العصر الحجري القديم بداية لظهور الدين، حيث وجدت في جدران الكهوف رسومات وصور ملونة دقيقة، وأغلب هذه الصور تمثل الحيوانات التي كان يصطادها الإنسان في تلك الفترة لأكلها، لأنه كان مدفوعا في فنه بدوافع السحر، حيث اعتقد أنه برسم الحيوانات يتمكن من السيطرة عليها، ونشأت عند إنسان هذا العصر بعض الأفكار عن الحياة والموت، وظهرت أولى محاولات بذور الدين على هيئة اعتقادات ورسوم بدائية وممارسة السحر، ويمكن اعتبار السحر أول محاولة فاشلة للإنسان للسيطرة على الطبيعة بأعمال السحر(9).

وبحلول العصر الحجري الحديث وعصر النحاس وعصور ما قبل الأسرات بدأ الفكر الديني في منطقة الشرق الأدنى القديم يأخذ منحى جديدا، حيث استقرت فيه الأصول الأولى للفكر، وبدأت مراحل التطور التدريجي النامي نحو المزيد من الاستقرار في محاولة الوصول إلى الحقيقة في مجال قدرة العقل الإنساني، فكان لمنطقة الشرق القديم في هذا الصدد أولولية خاصة تتصل بعلاقة المنطقة بالجانب المادي للدين. وهذا ما يمكن مشاهدته على الآثار التي عبرت عن الفكر الديني لإنسان تلك الفترة, ولوحظ أن هناك اتصال وثيق بين ماهو فكري وما هو مادي، خاصة منها الحياة الزراعية، فقد آمن الإنسان ابتداء من هذه الفترة بأن الإنتاج الزراعي ارتبط برضا القوى الطبيعية، وآمن أن سعادته ترجع إلى مدى رضا هذه القوى عنه (10).

ولم تخرج منطقة وادي الرافدين عن هذا الإطار باعتبارها جزء من الشرق الأدنى فقد اعتمد سكانها بصورة رئيسية في زراعتهم على المطر كما الحال في الوقت الحاضر بالنسبة لزراعة الحبوب في المناطق الشمالية من وادي الرافدين والسبب في ذلك لأن أراضي هذه المناطق متموجة ولا ينفع معها استخدام أنظمة الري، ولذلك فإنها مضطرة للاعتماد على مياه الأمطار، وبسبب هذه الحقيقة فإن أولى هذه الحضارات الزراعية الديمية قد نشأت في المناطق التي كانت أمطارها الفصلية كافية لنمو الزرع أي عند سفوح الجبال في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من وادي الرافدين (11).

واعتماد الإنسان الرافدي على الزراعة في حياته كان سببا في عبادته للخصوبة وهي عبادة الأرض أو الآلهة الأم كما تدل على ذلك دمى الطين التي وجدت في جرمو (12) وحسونة (13) وكثير من مستوطنات العصر الحجري الحديث، وهي تمثل امرأة بدينة مبالغ في حجم ثديها، والمرجح أن عبادة الشمس بسبب أثرها في الزراعة قد بدأت بعد عبادة الأرض على هيئة آلهة، كما وجدت تماثيل مصنوعة من الطين والفخار ترمز إلى عضو الذكر ولعلها اتخذت للعبادة باعتبارها ترمز إلى الخصب والحياة (14)، وتطورت العبادة فيما بعد حتى أصبح غياب الماشية وخضرة الأرض في فصلي الخريف والشتاء يعني غياب دموزي إله الخصب (15) ويمثل الفكر الديني السومري حلقة من تطور الفكر الديني في وادي الرافدين، وهو نابع من مختلف التجارب التي واجهها الإنسان السومري جنوب وادي الرافدين، فقد بدأ السومري حياته في تلك المنطقة بإنشاء القرى وإقامة الحياة الزراعية والصناعية المستقرة فيها، ولكنه سرعان ما واجه منذ البداية بيئة أرضية وجوية ومائية نهرية وبحرية متغيرة لم تنعم بالاستقرار، اتصفت بالتقلب والتغير المستمر، ووصل مداها إلى درجة تهديد حياة الإنسان (16)، فبالإضافة إلى فيضانات الدجلة والفرات، فالأمطار العاتية شكلت هي الأخرى خطرا وحولت الأراضي إلى بحر من الطين.

ولم تكن كل هذه الكوارث شرا، فقد حققت له بعض النفع (17)، وقد دفعته هذه الحوادث منذ عصور ما قبل الأسرات أي منذ عصر العبيد إلى البحث والتعمق في دوافع الإشكالات البيئية، وهل من وسيلة للتحكم فيها هذا من جهة، ومن جهة ثانية اتخذت هذه الحوادث حدا فاصلا في حياته الفكرية واهتم بتسجيلها، على أن أهم خطوة خطاها هي اختراعه الكتابة الصورية التي كانت العنصر الفعال في كافة القيم والمعتقدات، وقد وصل الاهتمام بهذه الخطوة الحضارية الهامة إلى اعتبار عملية التدوين في حد ذاتها لها ارتباطها المباشر وغير المباشر بالفكر الديني والمعابد والكهنة (18).

واعتبر الإنسان الرافدي أن ما يحيط به مملوء بالمقاصد والإشارات الموجهة إليه وطبق ذلك على ما هو في الأعلى (السماء)، وما هو في الأسفل (الأرض)، وعلى كامل الطبيعة التي زودها بنوايا وجعلها تمنحه مساعدتها أو تعاديه وفقا لتصرفاته (19)، فقد اعتبر السماء منذ البداية ذات أولوية خاصة في فكره الديني، ويمكن محاولة تفسير ذلك على أساس أن السماء بالنسبة إليه كانت مصدرا للأمطار المتجمعة في مجاري الأنهار، وبالتالي مصدرا أساسيا لري الأراضي الزراعية التي يعتمد عليها في حياته، وقد عبر في اللغة السومرية عن ومن هنا آمن بوجود تلك القوة الخاصة التي تتحكم في السماء وحملها (An) السماء بكلمة آن الصفة الإلهية وبذلك اعتقد في وجود إله السماء آن، وقد استمر في متابعة الاعتقاد في وجود قوى أخرى عديدة اتجه أيضا إلى تأليهها، ومن أهم تلك القوى الفعالة في حياته الهواء أو الجو والأرض والكواكب كالشمس, القمر, النجوم, البحر والنهر، ولم يكتف الإنسان السومري بتلك القوى فحسب بل اتجه إلى الاعتقاد أيضا في وجود عدد ضخم من القوى المتحكمة في كافة مظاهر الحياة حتى جوانبها الخاصة أطلق عليها باللغة السومرية كلمة بمعنى إله (Dingir) دينجر (20).

وقد آمن الإنسان السومري بفائدة تلك الآلهة التي يمكن تسميتها بالآلهة الثانوية بالمقارنة بالآلهة الرئيسية في المجال الاقتصادي والحيوي بوجه عام، فهي القوى التي يعتمد عليها اعتمادا مباشرا في تسيير مختلف شؤون حياته، ومن أمثال تلك الآلهة الثانوية الإلهة إلهة الولادة الشخصية التي اعتبرها (Nintu) إلهة القصب والإلهة نينتو (Nissaba) نيسابا بمثابة قوى إلهية خيرة توجه الإنسان في حياته.

وقد كان للهجرات السامية إلى منطقة وادي الرافدين أثر في نوعية الفكر الديني، فقد تبنت هذه الشعوب آلهة الأقاليم القديمة التي تعود أصولها إلى عصور ما قبل التاريخ والتي كانت تمثل قوى الحياة والموت وأسرار الكون التي شكلت دعائم السومريين (21)، فقد تأثر الأكاديون الذين استوطنوا بلاد الرافدين بالحضارة السومرية، وبخاصة في المجال الديني فاحتفظت الآلهة السومرية بمكانتها لديهم (22)، وعندما استطاعوا أن يفرضوا سلطانهم على سومر قرابة منتصف الألف الثالثة ق.م لم يسعوا وراء تحريم المعبودات السومرية، بل اكتفوا بأن يمنحوا -في أغلب الأمر- المعبود الاسم السامي الشائع فإله الشمس "أوتو" في لارسا يماثله "شمش" إله الشمس السامي الذي ازدهرت عبادته في سيبار (أبو حبة) في أكد وكوكب الزهرة التي تعبد تحت اسم "اينيا" في مدينة الوركاء كانت هي "عشتار" الأكدية (23) مع احتفاظهم بصفاتها الأساسية (24)، وفي ذلك يقول توينبي: "فأكثر الآلهة الأكدية كانت آلهة سومرية تخفيها غلالة دقيقة من الأسماء السامية" (25).

وفي العصر الأكدي دخل تقديس الملوك لأول مرة، مثلما حدث مع الملك "نرام-سن" حيث صور هذا الملك في المنحوتات بالقرنين على خوذته وهي إشارة الإلوهية، وسبق اسمه في الكتابات بعلامة إله، ومن الصعب معرفة الأسباب التي أدت إلى ظهور عبادة الملك والتي ربما يكون هو نفسه قد شجع عليها، وقد عمت هذه الظاهرة خلال سلالة أور الثالثة حيث اعتبر ملوكها من شولكي آلهة وكذلك غالبية ملوك سلالتي أيسن ولارسا، وصار الناس يقسمون بهم، ونظمت التراتيل لهم، وأدخلت الأعياد على شرفهم، ودخلت أسماؤهم في أسماء الناس الشخصية، كما خصصت في هذا العصر آلهة كثيرة للحرب والنصر مثل "أنونا أريننا" (نصر) و"شدوري" (حصين) (26).

وقد عرف الفكر الديني أهم تغير نسبي مع مجيء الأموريين، فعندما أصبحت بابل المركز الرئيسي في وادي الرافدين أصبح الإله "مردوخ" هو الإله الرئيسي لدى البابليين وعلا شأنه خاصة مع وصول حمورابي إلى الحكم، ولما أراد الكهنة تثبيته قالوا أنه حقق مآثر كثيرة اتجاه الآلهة، فأصبح بذلك هو الإله الأعلى، وقد صورت الأساطير البابلية هذا الإله خاصة في أسطورة الخليقة البابلية (27) ، وقد أدرك البابليون إمكانية ظهور آلهة متعددة كأوجه لرب واحد (التفريد)، فنقرأ في النص التالي: "نركال هو مردوخ المعارك، زبابا هو مردوخ المذابح، انليل هو مردوخ الشورى والحكم، وشمش هو مردوخ الحق والعدل" (28) ومع أن هذا الإله احتل المكان الأول في الاحتفالات والطقوس، إلا أن الكهنة والشعب لم يتخلوا عن آلهتهم القديمة.

ولم يسع الكاشيون عند مجيئهم إلى إلغاء الديانات المحلية التي بدت راسخة وطيدة بل أنهم أسهموا في تزيين المعابد وبنائها وتشييد الزيقورات (29)، كما طابقوا آلهتهم مع الآلهة البابلية، فطوبق الإله "شيباك" مع مردوخ، كما تعاظم دور مردوخ ووصل قمته في هذا العصر، وتقدم الأسماء المدونة على الأختام ومختلف النصوص كثرة الأسماء التي دخل في تركيبها مردوخ وكثرة رموز هذا الإله وصوره، وهناك أسماء ذهبت بعيدا في رفعة مردوخ مثل "مردوخ كبيتي ايلاني" بمعنى: أثقل الأرباب وزنا مردوخ، و"ومردوخ شار ايلاني" بمعنى: مردوخ ملك الآلهة. ويبدو أن الكاشيين جعلوا آلهتهم أربابا ثانوية واكتفوا بتصوير رموزها (30).

أما عند الأشوريين فقد بقيت الأصول الدينية البابلية أيضا في جوهرها تهيمن عليهم إلا أن الدين لم يكن له من السلطان على أصحاب الحكم بقدر ما كان له في بابل، وقد كيفوا الدين بحيث يصبح ملائما للميول الحربي والطابع العسكري الذي تميز به الأشوريون (31) يقول ل.ديلابورت: "لم يكن الدين الأشوري يختلف عن البابلي في روحه فكانت العبادة من وحي التقاليد العتيقة لسيبار وأوروك وبابل، أما العقيدة فقد تناولها التعديل لتلائم العبقرية الخاصة لجنس حربي" (32) فكان أشور هو إلههم القومي، وملك الآلهة جميعا، فهو خالق البشرية عندهم وهو إله الحرب واحتلت زوجته "عشتار" المركز الثاني عند الأشوريين (33)، وقد دلت الأسماء من "عشتار" و"سين" وشمش" بأن الأشوريين قدسوا وعبدوا الأجرام السماوية (شمش وادد) (34).

ومع ظهور ملوك السلالة البابلية الحديثة ظهرت الديانة التوحيدية بعد أن جاء اليهود إلى بلاد بابل إبان السبي البابلي الثاني، وقد أدت إلى زعزعة المعتقدات الدينية القديمة وظهر صراع ديني حاد بين الناس، وربما ذلك دفع آخر ملوك هذه السلالة إلى التركيز على عبادة الإله "سين" إله القمر ليواجه الديانة التوحيدية الجديدة سيما وأن الإله سين من الآلهة المعروفة لدى جميع الأقوام التي خضعت للنفوذ البابلي والأقوام القادمة من الجزيرة العربية بخلاف عبادة مردوخ التي اقتصرت على بلاد بابل، غير أن اهتمامه بالإله سين وإهماله للإله الرئيسي مردوخ أثار سخط كهنة بابل وسكانها الذين رأوا في ذلك انتقاصا من عبادة إلههم القومي، وتشير النصوص المسمارية إلى أنه عاود الاهتمام بالإله مردوخ لترضية السكان والكهنة، وقد استغل كورش الفارسي هذا الصراع فادعى بأنه جاء إلى بابل لإنقاذها وآلهتها القومية (35) وبذلك فإن هذه الإلمامة السريعة بالملامح التي مرت بها الديانة في منطقة وادي الرافدين تبين لنا شيئين مهمين:

- أن الدين السومري أول نظام ديني عميق ابتدأت منه العصور التاريخية للإنسان، فقد كانت أديان ما قبل التاريخ تفتقر إلى شبكة النظامية الدقيقة التكوين ولوحدة الإيقاع في العقيدة والطقوس والميثولوجيا، وكان ظهور الدين السومري ثورة روحية عميقة في عصره لأنه كان نظاما دينيا شاملا، ثم أنه احتوى ضمنا أغلب بذور جذور الأديان التي ظهرت عبر المراحل التاريخية للإنسان (36).

- أن الدين في منطقة وادي الرافدين كل متكامل له أصول واحدة وإن اختلفت بعض صوره فالتطورات السياسية أثرت في مركز الآلهة علوا وهبوطا، حيث كان إله الدولة المتفوقة يغدو إلها رئيسيا أو محليا شاملا لما تكون الدولة قد أخضعته لسلطانها من أقاليم ومتفوقا على آلهتهم ولم تكن هذه الظاهرة مع ذلك تؤدي إلى إهمال الآلهة التي نزلت عن مركزها نتيجة لعلو منزلة السلالة المتفوقة، بل كانت تبقى في عداد الآلهة إما نتيجة لتمسك عابديها الأولين أو لما شغلته في الأذهان من مكانة دينية (37)، وهو ما ذهب إليه فيليب حتي في قوله: "إن أقدم شكل نعرفه للديانة العراقية القديمة كان في جوهره تأليها لقوى الطبيعة وعبادتها، ففي أثناء العصور التي تطورت فيها هذه الديانة، نلحظ أن السومريين سكان البلاد الأوائل قسموا الكون إلى السماء والأرض وما يتولى أمرها ثالوث من الآلهة، وعندما جاء الساميون الجدد أقاموا نظام ديانتهم على أساس الديانة السومرية، وعندما زهت بابل وعلت مكانتها أصبح الإله السامي مردوخ ولقبه البعل إله الأمة الأول وكذلك الأمر عندما بلغت نينوى شأنا مرموقا ارتقت مكانة إله سامي آخر هو الإله أشور وأصبح رئيسا للآلهة.."

________________

 (1) طه الهاشمي، المرجع السابق، ص 56 .

(2) الروحية Anamism)) مذهب يستند إلى اعتبار الروح أصل الحياة، وقد تزعم هذه النظرية العالم تايلور صاحب كتاب "الحضارة البدائية" ثم تبناها هربرت سبنسر. أنظر: طه الهاشمي، المرجع السابق، ص ص 58-70.

(3) الطوطمية Totemism)): مشتقة من Totem وأصلها من كلمات سكان أمريكا الأصليين، وقد وردت في القرن 17 وأول من ربط الطوطمية بتاريخ البشرية العالم الأسكتلندي ماك لنا. أنظر: نفسه، ص ص 81-96.

(4) الطبيعية (Naturism) مشتقة من الكلمة اللاتينية Natura أي الطبيعة وتزعم هذه النظرية ماكس موللر صاحب كتاب "بحوث في علم الأساطير". أنظر: نفسه، ص ص 71-80

(5) نفسه، ص 57 .

(6) نفسه، ص 53.

(7) فوزي رشيد وآخرون، الديانة، (حضارة العراق)، ج 1، المرجع السابق، ص 145.

(8) جفري بارندر، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، تر: إمام عبد الفتاح إمام، مر: عبد الغفار مكاوي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 173، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1993، ص 08

(9) طه باقر، المرجع السابق، ص 36.

(10) رشيد الناضوري، المرجع السابق، ص 32.

(11) فوزي رشيد وآخرون، المرجع السابق، ص 145.

(12) جرمو: وهو موقع يقع شرق كركوك في منطقة كردستان العراقية، ويعرف هذا الموقع الآن باسم "قلعة جرمو"، ويتكون موقع قرية جرمو التي تعتبر من أقدم قرى العصر الحجري الحديث من ستة عشر طبقة أثرية تمثل مرحل تطور هذه الحضارة التي يعود تاريخها إلى حوالي 6750 ق.م. أنظر: أحمد أمين سليم، دراسات في حضارة الشرق الأدنى القديم-العراق، إيران- دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1996، ص 81.

(13) حسونة: يقع التل في غرب نهر دجلة جنوب الموصل، وقد عثر فيه العراقيون على آثار ما يسمى بحضارة تل حسونة، يتكون موقع حسونة من سبع عشرة طبقة أثرية، ويوجد الإنتاج الحضاري الخاص بالعصر الحجري الحديث في الطبقات الخمس الأولى منها، ويؤرخ بداية حضارة حسونة ببداية الألف السادس ق.م. أنظر: نفسه، ص 89.

(14) طه باقر، المرجع السابق، ص 44. للمزيد حول عبادة الآلهة الأم أنظر: نائل حنون، شخصية الأم ودور الآلهة انانا عشتار، مجلة سومر، المجلد 34 ، ج 1+2  المؤسسة العامة للآثار والتراث، بغداد، 1978 ، ص ص 22-30.

(15) قاسم الشواف، ديوان الأساطير-سومر وأكاد وأشور-الكتاب الأول، دار الساقي، بيروت، 1996، ص 104.

(16) رشيد الناضوري، المرجع السابق، ص 53 .

(17) أحمد أمين سليم، (دراسات في حضارة الشرق الأدنى القديم)، المرجع السابق، ص 171-172.

(18) رشيد الناضوري، المرجع السابق، ص 49-50 .

(19) قاسم الشواف، المرجع السابق، ص 16.

(20) رشيد الناضوري، المرجع السابق، ص 54.

(21) أنطوان مورتكات، المرجع السابق، ص 94.

(22) فيصل عبد الله، عبدا لله مرعي، المرجع السابق، ص 110.

(23) نجيب ميخائيل إبراهيم، مصر والشرق الأدنى القديم-حضارات الشرق القديم العراق وفارس-ج 6، دار المعارف، لبنان، 1967، ص 106.

(24) فيصل عبد الله، عبد الله مرعي، المرجع السابق، ص 110.

(25) أرنولد توينبي، تاريخ البشرية، ج 1، تر: نقولا زيادة، ط 3، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1985 ص 97

(26) سامي سعيد الأحمد، المعتقدات الدينية في العراق القديم، دار المنشورات الثقافية، العراق، 1988، ص 12 .

(27) نعيم فرح، موجز تاريخ الشرق الأدنى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، دار الفكر، (د.م)، 1972، ص 44

(28) سامي سعيد الأحمد، (المعتقدات الدينية في العراق القديم)، المرجع السابق، ص 14.

(29) نجيب ميخائيل إبراهيم، المرجع السابق، ص 107.

(30) سامي سعيد الأحمد، (المعتقدات الدينية في العراق القديم)، المرجع السابق، ص 15-16.

(31) جميل مدبك، الديانات القديمة، دار كريبس، بيروت، 2001، ص 31.

(32) L. Delaporte, Op.Cit, p 345 )

(33) جميل مدبك، المرجع السابق، ص 31.

(34) سامي سعيد الأحمد، (المعتقدات الدينية في العراق القديم)، المرجع السابق، ص 13.

(35) عامر سليمان، أحمد مالك الفتيان، محاضرات في التاريخ القديم، مؤسسة دار الكتاب للطباعة، الموصل، (د.ت)، ص 204-205.

(36) خزعل الماجدي، متون سومر، الكتاب الأول، الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن، 1998 ، ص 46 .

(37) فيليب حتي، موجز تاريخ الشرق الأدنى، تر: أنيس فريحة، دار الثقافة، بيروت، 1965، ص 57)

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).