المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16325 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
علي مع الحق والحق مع علي
2024-04-23
صفات المتقين / لا يشمت بالمصائب
2024-04-23
الخلاص من الأخلاق السيئة
2024-04-23
معنى التمحيص
2024-04-23
معنى المداولة
2024-04-23
الطلاق / الطلاق الضروري
2024-04-23

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (1-8) من سورة فصلت  
  
4797   02:11 صباحاً   التاريخ: 30-9-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الفاء / سورة فصلت /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-10-2020 3676
التاريخ: 2-10-2020 16045
التاريخ: 1-10-2020 10237
التاريخ: 30-9-2020 4798

قال تعالى : {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [فصلت : 1 - 8] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{حم} قد تقدم القول فيه وقيل في وجه الاشتراك في افتتاح هذه السور السبع بحم أنه للمشاكلة التي بينها بما يختص به وليس لغيرها وذلك أن كل واحدة منها استفتحت بصفة الكتاب مع تقاربها في الطول ومع شدة تشاكل الكلام في النظم {تنزيل من الرحمن الرحيم} نزل به جبرائيل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) {كتاب فصلت آياته} وصف الكتاب بالتفصيل دون الإجمال لأن التفصيل يأتي على وجوه البيان أي الذي بينت آياته بيانا تاما والتبيين فيه على وجوه منها تبيين الواجب مما ليس بواجب وتبيين الأولى في الحكمة مما ليس بأولى وتبيين الجائز مما ليس بجائز وتبيين الحق من الباطل وتبيين الدليل على الحق مما ليس بدليل وتبيين ما يرغب فيه مما لا يرغب فيه وتبيين ما يحذر منه مما لا يحذر منه إلى غير ذلك من الوجوه وقيل فصلت آياته بالأمر والنهي والوعد والوعيد والترغيب والترهيب والحلال والحرام والمواعظ والأمثال وقيل فصلت أي نظمت آياته على أحسن نظام وأوضح بيان .

 {قرآنا عربيا} وصفه بأنه قرآن لأنه جمع بعضه إلى بعض وبأنه عربي لأنه يخالف جميع اللغات التي ليست بعربية وكل ذلك يدل على حدوث القرآن {لقوم يعلمون} اللسان العربي ويعجزون عن مثله فيعرفون إعجازه وقيل يعلمون أن القرآن من عند الله نزل ، عن الضحاك {بشيرا ونذيرا} يبشر المؤمن بما فيه من الوعد ، وينذر الكافر بما فيه من الوعيد .

{فأعرض أكثرهم} يعني أهل مكة عدلوا عن الإيمان بالله والتدبر فيه {فهم لا يسمعون} أي لا يسمعونه سمع تفكر وقبول فكأنهم لا يسمعونه حقيقة {وقالوا قلوبنا في أكنة} أي في أغطية عن مجاهد والسدي {مما تدعونا إليه} فلا نفقه ما تقول وإنما قالوا ذلك ليؤيسوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قبولهم دينه فكأنهم شبهوا قلوبهم بما يكون في غطاء فلا يصل إليه شيء مما وراءه {وفي آذاننا وقر} أي ثقل عن استماع القرآن وصمم {ومن بيننا وبينك حجاب} أي بيننا وبينك فرقة في الدين وحاجز في النحلة فلا نوافقك على ما تقول عن الزجاج وقيل إنه تمثيل بالحجاب ليؤيسوه من الإجابة عن علي بن عيسى .

{فاعمل إننا عاملون} قيل أن أبا جهل رفع ثوبا بينه وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا محمد أنت من ذلك الجانب ونحن من هذا الجانب فاعمل أنت على دينك ومذهبك إننا عاملون على ديننا ومذهبنا عن مقاتل وقيل معناه فاعمل في هلاكنا إنا عاملون في هلاكك عن الفراء وقيل فاعمل به في إبطال أمرنا إنا عاملون في إبطال أمرك وهذا غاية في العناد .

 

وقوله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [فصلت : 6 - 8] .

 

ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) {قل} يا محمد لهؤلاء الكفار {إنما أنا بشر مثلكم} من ولد آدم لحم ودم وإنما خصني الله تعالى بنبوته وميزني منكم بأن أوحى إلي ولولا الوحي ما دعوتكم وهو قوله {يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} لا شريك له في العبادة {فاستقيموا إليه} أي لا تميلوا عن سبيله وتوجهوا إليه بالطاعة كما يقال استقم إلى منزلك أي لا تعدل عنه إلى غيره {واستغفروه} من الشرك واطلبوا المغفرة لذنوبكم من جهته .

ثم أوعدهم فقال {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة} أي لا يعطون الزكاة المفروضة وفيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بالشرائع وهذا هو الظاهر وقيل معناه لا يطهرون أنفسهم من الشرك بقول لا إله إلا الله فإنها زكاة الأنفس عن عطاء عن ابن عباس وهذا كما يقال أعطى فلان من نفسه الطاعة أي ألزمها نفسه وقد وصف سبحانه الكفر بالنجاسة بقوله {إنما المشركون نجس} وذكر الزكاة بمعنى التطهير في قوله {خيرا منه زكاة} وقيل معناه لا يقرون بالزكاة ولا يرون إيتاءها ولا يؤمنون بها عن الحسن وقتادة وعن الكلبي عابهم الله بها وقد كانوا يحجون ويعتمرون وقيل لا ينفقون في الطاعة ولا يتصدقون عن الضحاك ومقاتل وكان يقول الزكاة قنطرة الإسلام وقال الفراء الزكاة في هذا الموضع أن قريشا كانت تطعم الحاج وتسقيهم فحرموا ذلك على من آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) {وهم بالآخرة هم كافرون} وهم مع ذلك يجحدون بما أخبر الله تعالى به من أحوال الآخرة .

 ثم عقب سبحانه ما ذكره من وعيد الكافرين بذكر الوعد للمؤمنين فقال {إن الذين آمنوا} أي صدقوا بأمر الآخرة من الثواب والعقاب {وعملوا الصالحات} أي الطاعات {لهم أجر غير ممنون} أي لهم جزاء على ذلك غير مقطوع بل هو متصل دائم ويجوز أن يكون معناه أنه لا أذى فيه من المن الذي يكدر الصنيعة .

_____________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص6-8 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{حم} تقدم الكلام على مثله في أول سورة البقرة . وقد ابتدأ سبحانه هذه السورة بذكر القرآن الكريم ووصفه بالأوصاف التالية :

1 - {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} . القرآن من أرحم الراحمين ، وهو رحمة للعالمين ، وأيضا الذي نزل به على قلب محمد (صلى الله عليه واله وسلم) هو رحمة لأنه الروح الأمين ، وقد شهد اللَّه لنبيه الكريم بأنه {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة - 129] .

فالقرآن رحمة ، والذي بلغه للرسول رحمة ، والرسول أيضا رحمة ، أما الذي أنزل القرآن فهو أساس الرحمة ومصدرها ، والنتيجة الحتمية لهذه الرحمات الأربع ان من تمسك بالقرآن ، وعمل بتعاليمه نزلت عليه شآبيب الرحمة ، ومن أعرض عنه فقد ظلم نفسه ورضي لها الهلاك والوبال .

2 - {كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ} بيّنت حلال اللَّه وحرامه ، ونصائحه ومواعظه ، ولم تدع عذرا لمعتذر ، وعلة لمتعلل .

3 - {قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} . أنزل سبحانه القرآن عربيا لأنه لا يرسل رسولا إلا بلغة قومه ليفهموا منه . وكذا كانت الحال في صحف إبراهيم ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى . . وقد كتب النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) باللغة العربية إلى كسرى وقيصر وغيرهما من الرؤساء والملوك غير العرب يدعوهم إلى الإسلام .

وتقدم الكلام عن ذلك عند تفسير الآية 3 من سورة يوسف ج 4 ص 286 و4 من سورة يس فقرة (الموسيقى في القرآن) . ومهما يكن فإن سر العظمة في القرآن لا يكمن في اللغة وحدها ، والأسلوب وحده ، بل يكمن في معانيه ومراميه الإنسانية الخالدة التي لا تحدها قومية ، ولا بيئة ولا زمان .

4 - {بَشِيراً ونَذِيراً} . بشر القرآن من أطاع برحمة اللَّه وجنته ، وأنذر من عصى بعذابه ونقمته .

{فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} . أعرضوا عن الحق جهلا وتعصبا لتقاليد الآباء أوإيثارا وطمعا بنفع عاجل ، ولوكان وهما وخيالا {وقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وفِي آذانِنا وَقْرٌ ومِنْ بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ} .

دعا الرسول الأعظم {ص} مترفي المشركين إلى الايمان باللَّه وحده ، والعمل بكتابه ، فما كان جوابهم إلا أن قالوا : أفئدتنا موصدة دون دعوتك ، وآذاننا غير سميعة لأقوالك ، وبيننا وبينك ما يحجبنا عنك ، ويبعدك عنا ، فاجتهد ما استطعت ، وهدّد بما شئت ، فنحن في موقفنا لا نحيد عنه مهما كانت العواقب . . وهكذا تفعل الأهواء . . تميت القلوب وتعمي العيون ، وتطلق العنان للجهل والضلال .

{قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ واسْتَغْفِرُوهُ} . قال الطغاة للرسول {ص} : بيننا وبينك حجاب . . فأمر اللَّه نبيه الكريم أن يقول لهم : من أين جاء هذا الحجاب ؟ ألست بشرا مثلكم روحا وجسدا ، أفعل ما تفعلون ؟ وهل الوحي إليّ من السماء بأن نؤمن جميعا أنا وأنتم بإله واحد لا نشرك به شيئا ، ونتوب إليه من الذنوب والموبقات ، ونستقيم على سبيل الحق والعدل - هل الوحي إليّ بهذا يبعدني عنكم ، أو هو أجدى وسيلة تجمعنا على الخير والتقوى ؟ ولكن أبيتم الا العمى والضلال .

{ووَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ} . جاء في تفسير البحر المحيط ان هذه السورة مكية ، وزكاة المال نزلت بالمدينة ، وعليه فلا بد من تفسير الزكاة هنا بمطلق البذل في سبيل الخير ، أو تفسيرها بتطهير النفس من الشرك . . ونرجح نحن التفسير الأول لأن الكلام عن المشركين الذين لم تطهر نفوسهم من الشرك ، فإن فسرنا الزكاة بذلك يكون تفسيرنا أشبه بمن فسر الماء بالماء . وعلى إرادة البذل من الزكاة يكون معنى الآية ان المشركين جمعوا بين ثلاث رذائل : رذيلة الشرك ، ورذيلة الجحود باليوم الآخر ، ورذيلة البخل {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} . أي ان اللَّه سبحانه يؤجرهم ويثيبهم ، ولا يمنّ عليهم بالأجر والثواب لأنهم أهل لكل كرامة . .

ويستعمل المن أيضا بمعنى القطع ، ومنه قول العرب : قد منّه السفر أي قطعه ، وتفسير الآية بكل من المعنيين جائز ، ولكن الأول أقرب .

_________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص475-477 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

تتكلم السورة حول إعراضهم عن الكتاب المنزل عليهم وهو القرآن الكريم فهو الغرض الأصلي ولذلك ترى طائف الكلام يطوف حوله ويبتدىء به ثم يعود إليه فصلا بعد فصل فقد افتتح بقوله : {تنزيل من الرحمن الرحيم} إلخ ثم قيل : {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن} إلخ ، وقيل : {إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} إلخ ، وقيل : {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم} إلخ ، وقيل – وهو في خاتمة الكلام - : {قل أ رأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به} إلخ .

ولازم إعراضهم عن كتاب الله إنكار الأصول الثلاثة التي هي أساس دعوته الحقة وهي الوحدانية والنبوة والمعاد فبسطت الكلام فيها وضمنته التبشير والإنذار .

والسورة مكية لشهادة مضامين آياتها على ذلك وهي من السور النازلة في أوائل البعثة على ما يستفاد من الروايات .

قوله تعالى : {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} خبر مبتدأ محذوف ، والمصدر بمعنى المفعول ، والتقدير هذا منزل من الرحمن الرحيم ، والتعرض للصفتين الكريمتين : الرحمن الدال على الرحمة العامة للمؤمن والكافر ، والرحيم الدالة على الرحمة الخاصة بالمؤمنين للإشارة إلى أن هذا التنزيل يصلح للناس دنياهم كما يصلح لهم آخرتهم .

قوله تعالى : {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} خبر بعد خبر ، والتفصيل يقابل الإحكام والإجمال ، والمراد بتفصيل آيات القرآن تمييز أبعاضه بعضها من بعض بإنزاله إلى مرتبة البيان بحيث يتمكن السامع العارف بأساليب البيان من فهم معانيه وتعقل مقاصده وإلى هذا يشير قوله تعالى : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود : 1] ، وقوله : {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف : 2 - 4] .

وقوله : {قرآنا عربيا} حال من الكتاب أومن آياته ، وقوله : {لقوم يعلمون} اللام للتعليل أو للاختصاص ، ومفعول {يعلمون} إما محذوف والتقدير لقوم يعلمون معانيه لكونهم عارفين باللسان الذي نزل به وهم العرب وإما متروك والمعنى لقوم لهم علم .

ولازم المعنى الأول أن يكون هناك عناية خاصة بالعرب في نزول القرآن عربيا وهو الذي يشعر به أيضا قوله الآتي : {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أ أعجمي وعربي} الآية وقريب منه قوله : { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء : 198 ، 199] .

ولا ينافي ذلك عموم دعوته (صلى الله عليه وآله وسلم) لعامة البشر لأن دعوته (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت مرتبة على مراحل فأول ما دعا ، دعا الناس بالموسم فقوبل بإنكار شديد منهم ثم كان يدعو بعد ذلك سرا مدة ثم أمر بدعوة عشيرته الأقربين كما يشير إليه قوله تعالى : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } [الشعراء : 214] ثم أمر بدعوة قومه كما يشير إليه قوله : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر : 94] ثم أمر بدعوة الناس عامة كما يشير إليه قوله : {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [الأعراف : 158] ، وقوله : {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام : 19] .

على أن من المسلم تاريخا أنه كان من المؤمنين به سلمان وكان فارسيا ، وبلال وكان حبشيا ، وصهيب وكان روميا ، ودعوته لليهود ووقائعه (صلى الله عليه وآله وسلم) معهم ، وكذا كتابه إلى ملك إيران ومصر والحبشة والروم في دعوتهم إلى الإسلام كل ذلك دليل على عموم الدعوة .

قوله تعالى : {بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} {بشيرا ونذيرا} حالان من الكتاب في الآية السابقة ، والمراد بالسمع المنفي سمع القبول كما يدل عليه قرينة الإعراض .

قوله تعالى : {وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه} إلى آخر الآية .

قال الراغب : الكن ما يحفظ فيه الشيء قال : الكنان الغطاء الذي يكن فيه الشيء والجمع أكنة نحو غطاء وأغطية قال تعالى : {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه} .

انتهى .

فقوله : {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه} كناية عن كون قلوبهم بحيث لا تفقه ما يدعو(صلى الله عليه وآله وسلم) إليه من التوحيد كأنها مغطاة بأغطية لا يتطرق إليها شيء من خارج .

وقوله : {وفي آذاننا وقر} أي ثقل من الصمم فلا تسمع شيئا من هذه الدعوة ، وقوله : {ومن بيننا وبينك حجاب} أي حاجز يحجزنا منك فلا نجتمع معك على شيء مما تريد فقد أيأسوه (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبول دعوته بما أخبروه أولا بكون قلوبهم في أكنة فلا تقع فيها دعوته حتى يفقهوها ، وثانيا بكون طرق ورودها إلى القلوب وهي الآذان مسدودة فلا تلجها دعوة ولا ينفذ منها إنذار وتبشير ، وثالثا بأن بينهم وبينه (صلى الله عليه وآله وسلم) حجابا مضروبا لا يجمعهم معه جامع وفيه تمام الإياس .

وقوله : {فاعمل إننا عاملون} تفريع على ما سبق ، ولا يخلو من شوب تهديد ، وعليه فالمعنى إذا كان لا سبيل إلى التفاهم بيننا فاعمل بما يمكنك العمل به في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك .

وقيل : المعنى فاعمل على دينك فإننا عاملون على ديننا ، وقيل : المعنى فاعمل في هلاكنا فإننا عاملون في هلاكك ، ولا يخلوان من بعد .

قوله تعالى : {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه} في مقام الجواب عن قولهم : {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه} على ما يعطيه السياق فمحصله قل لهم : إنما أنا بشر مثلكم أعاشركم كما يعاشر بعضكم بعضا وأكلمكم كما يكلم أحدكم صاحبه فلست من جنس يباينكم كالملك حتى يكون بيني وبينكم حجاب مضروب أولا ينفذ كلامي في آذانكم أولا يرد قولي في قلوبكم غير أن الذي أقول لكم وأدعوكم إليه وحي يوحى إلي وهو إنما إلهكم الذي يستحق أن تعبدوه إله واحد لا آلهة متفرقون .

وقوله : {فاستقيموا إليه واستغفروه} أي فإذا لم يكن إلا إلها واحدا لا شريك له فاستووا إليه بتوحيده ونفي الشركاء عنه واستغفروه فيما صدر عنكم من الشرك والذنوب .

قوله تعالى : {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون} تهديد للمشركين الذين يثبتون لله شركاء ولا يوحدونه ، وقد وصفهم من أخص صفاتهم بصفتين هما عدم إيتائهم الزكاة وكفرهم بالآخرة .

والمراد بإيتاء الزكاة مطلق إنفاق المال للفقراء والمساكين لوجه الله فإن الزكاة بمعنى الصدقة الواجبة في الإسلام لم تكن شرعت بعد عند نزول السورة وهي من أقدم السور المكية .

وقيل : المراد بإيتاء الزكاة تزكية النفس وتطهيرها من أوساخ الذنوب وقذارتها وإنماؤها نماء طيبا بعبادة الله سبحانه ، وهو حسن لو حسن إطلاق إيتاء الزكاة على ذلك .

وقوله : {وهم بالآخرة هم كافرون} وصف آخر للمشركين هومن لوازم مذهبهم وهو إنكار المعاد ، ولذلك أتى بضمير الفصل ليفيد أنهم معروفون بالكفر بالآخرة .

قوله تعالى : {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون} أي غير مقطوع بل متصل دائم كما فسره بعضهم ، وفسره آخرون بغير معدود كما قال تعالى : {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } [غافر : 40] .

وجوز أن يكون المراد أنه لا أذى فيه من المن الذي يكدر الصنيعة ، ويمكن أن يوجه هذا الوجه بأن في تسمية ما يؤتونه بالأجر دلالة على ذلك لإشعاره بالاستحقاق وإن كان هذا الاستحقاق بجعل من الله تعالى لا لهم من عند أنفسهم قال تعالى : {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان : 22] .

______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص291-294 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

عظمة القرآن :

تذكر الرّوايات أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لا يكف عن عيب آلهة المشركين ، ويقرأ عليهم القرآن فيقولون : هذا شعر محمّد . ويقول بعضهم : بل هو كهانة . ويقول بعضهم : بل هو خطب .

وكان الوليد بن المغيرة شيخاً كبيراً ، وكان من حكّآم العرب يتحاكمون إليه في الأمور ، وينشدونه الأشعاره فما اختاره من الشعر كان مختاراً ، وكان له بنون لا يبرحون من مكّة ، وكان له عبيد عشرة عند كلّ عبد ألف دينار يتجر بها ، وملك القنطار في ذلك الزمان (القنطار : جلد ثور مملوء ذهباً) وكان من المستهزئين برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وفي يوم سأل أبو جهل الوليد بن المغيرة قائلا له :

يا أبا عبد شمس ، ما هذا الذي يقول محمّد ؟ أسحر أم كهان أم خطب ؟

فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالس في الحجر ، فقال : يا محمّد أنشدني من شعرك .

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما هو بشعر ، ولكنّه كلام الله الذي به بعث أنبياءه ورسله .

فقال : اتل علىّ منهُ .

فقرأ عليه رسول الله (بسم الله الرحمن الرحيم) فلّما سمع (الوليد) الرحمن استهزأ فقال : تدعو إلى رجل باليمامة يسمّى الرحمن ، قال : لا ، ولكني أدعو إلى الله وهو الرحمن الرحيم .

ثم افتتح سورة «حم السجدة» ، فلّما بلغ إلى قوله تعالى : {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فلمّا سمعه اقشعر جلده ، وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته ، ثمّ قام ومضى إلى بيته ولم يرجع إلى قريش .

فقالت قريش : يا أبا الحكم ، صبأ أبوعبد شمس إلى دين محمّد ، أما تراه لم يرجع إلينا؟ وقد قبل قوله ومضى إلى منزله ، فاغتمت قريش من ذلك غماً شديداً .

وغدا عليه أبو جهل فقال : يا عم ، نكست برؤوسنا وفضحتنا .

قال : وما ذلك يا ابن أخ ؟

قال : صبوت إلى دين محمّد .

قال : ما صبوت ، وإني على دين قومي وآبائي ، ولكني سمعت كلاماً صعباً تقشعر منه الجلود .

قال أبو جهل : أشعر هو ؟

قال : ما هو بشعر .

قال : فخطب هي ؟

قال : إنّ الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور ، ولا يشبه بعضه بعضاً ، له طلاوة .

قال : فكهانة هي ؟

قال : لا .

قال : فما هو ؟

قال : دعني أفكّر فيه .

فلّما كان من الغد قالوا : يا أبا عبد شمس ما تقول ؟

قال : قولوا هو سحر ، فإنّه آخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله تعالى فيه : {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا } [المدثر : 11 - 13] إلى قوله : {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر : 30] (2) .

إنّ هذه الرّواية الطويلة تكشف بوضوح مدى تأثير آيات هذه السورة ، بحيث أنّ أكثر المتعصبين من مشركي مكّة أبدى تأثره بآياتها ، وذلك يظهر جانباً من جوانب العظمة في القرآن الكريم .

نعود الآن إلى المجموعة الأولى من آيات هذه السورة المباركة ، التي تطالعنا بالحروف المقطعة في أوّلها (حم) .

لقد تحدثنا كثيراً عن تفسير هذه الحروف ، ولا نرى حاجة للإعادة سوى أنّ البعض اعتبر (حم) اسماً للسورة . أو أنّ (ح) إشارة إلى «حميد» و (م) إشارة إلى «مجيد» وحميد ومجيد هما من أسماء الله العظمى .

ثم تتحدث عن عظمة القرآن فتقول : {تنزيل من الرحمن الرحيم} .

إنّ «الرحمة العامة» و«الرحمة الخاصة» لله تعالى هما باعث نزول هذه الآيات الكريمة التي هي رحمة للعدو والصديق . ولها بركات خاصة للأولياء .

في الواقع إنّ الرحمة هي الصفة البارزة لهذا الكتاب السماوي العظيم ، التي تتجسّد من خلال آياته العطرة التي تفوح بشذاها ونورها فتضيء جوانب الحياة ، وتسلك بالإنسان مسالك النجاة والرضوان .

بعد التوضيح الاجمالي الذي أبدته الآية الكريمة حول القرآن ، تعود الآيات التالية إلى بيان تفصيلي حول أوصاف هذا الكتاب السماوي العظيم ، وذكرت له خمسة صفات ترسم الوجه الأصلي للقرآن :

فتقول أوّلا : إنّه كتاب ذكرت مطاليبه ومواضيعه بالتفصيل كلّ آية في مكانها الخاص ، بحيث يلبّي احتياجات الإنسان في كلّ المجالات والأدوار والعصور ، فهو : {كتاب فصلت آياته} (3) .

وهو كتاب فصيح وناطق {قرآناً عربياً لقوم يعلمون} .

وهذا الكتاب بشير للصالحين نذير للمجرمين : {بشيراً ونذيراً} إلاّ أنّ أكثرهم : {فاعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} (4) .

بناء على ذلك فإنّ أول خصائص هذا الكتاب هو أنّهُ يتضمّن في تشريعاته وتعاليمه كلّ ما يحتاجهُ الإنسان وفي جميع المستويات ، ويلبي ميوله ورغباته الروحية .

الصفة الثانية أنّه متكامل ، لأنّ «قرآن» مشتق من القراءة ، وهي في الأصل بمعنى جمع أطراف وأجزاء الكلام .

الصفة الثّالثة تتمثل بفصاحة القرآن وبلاغته ، حيث يذكر الحقائق بدقّة بليغة دون أي نواقص . وفي نفس الوقت يعكسها بشكل جميل وجذّاب .

الصفتان الرابعة والخامسة تكشفان عن عمق التأثير التربوي للقرآن الكريم ، عن طريق أسلوب الإنذار والوعيد والتهديد والترغيب ، فآية تقوم بتشويق الصالحين والمحسنين بحيث أنّ النفس الإنسانية تكاد تطير وتتماوج في أشواق الملكوت والرحمة . وأحياناً تقوم آية بالتهديد والإنذار بشكل تقشعر منه الأبدان لهول الصورة وعنف المشهد .

إنّ هذين الأصلين التربّويين (الترغيب والتهديد) متلازمان في الآيات القرآنية ومترابطان في أُسلوبه .

ومع ذلك فإنّ المتعصبين المعاندين لا يتفاعلون مع حقائق الكتاب المنزل ، وكأنّهم لا يسمعونها أبداً بالرغم من السلامة الظاهرية لأجهزتهم السمعية ، إنّهم في الواقع يفتقدون لروح السماع وإدراك الحقائق ، ووعي محتويات النذير والوعيد القرآني .

وهؤلاء ـ كمحاولة منهم لثني الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن دعوته ، وايغالا منهم في الغي

وفي زرع العقبات ـ يتحدثون عند رسول الله بعناد وعلو وغرور حيث يحكي القرآن عنهم : {وقالوا قلوبنا في أكنة ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب} .

مادام الأمر كذلك فاتركنا وشأننا ، فاعمل ما شئت فإننا عاكفون على عملنا : {فاعمل إنّنا عاملون} .

حال هؤلاء كحال المريض الأبله الذي يهرب من الطبيب الحاذق ، ويحاول أن يبعد نفسه عنه بشتى الوسائل والأساليب .

إنّهم يقولون : إنّ عقولنا وأفكارنا موضوعة في علب مغلقة بحيث لا يصلها شيء .

«أكنّة» جمع «كنان» وتعني الستار . أي أن الأمر لا يقتصر هنا على ستار واحد ، بل هي ستائر من العناد والتقليد الأعمى ، وأمثال ذلك ممّا يحجب القلوب ويطبع عليها .

وقالوا أيضاً : مصافاً إلى أنّ عقولنا لا تدرك ما تقول ، فإنّ آذاننا لا تسمع لما تقول أيضاً ، وهي منهم إشارة إلى عطل المركز الأصلي للعمل والوسائل المساعدة الأُخرى .

وبعد ذلك ، فإن بيننا وبينك حجاب سميك ، بحيث حتى لو كانت آذاننا سالمة فإننا لا نسمع كلامك ، فلماذا ـ إذاًـ تتعب نفسك ، لماذا تصرخ ، تحزن ، تقوم بالدعوة ليلا ونهاراً؟ اتركنا وشأننا فأنت على دينك ونحن على ديننا .

هكذا . . . بمنتهى الوقاحة والجهل ، يهرب الإنسان بهذا الشكل الهازل عن جادة الحق .

والطريف أنّهم لم يقولوا : «وبيننا وبينك حجاب» بل أضافوا للجملة كلمة «من» فقالوا : {ومن بيننا وبينك حجاب} وذلك لبيان زيادة التأكيد ، لأنّ بزيادة هذه الكلمة يصبح مفهوم الجملة هكذا : إنّ جميع الفواصل بيننا وبينك مملوءة بالحجب ، وطبيعي أن يكون حجاب مثل هذا سميكاً عازلا للغاية ليستوعب كلّ الفواصل بين الطرفين ، وبذلك سوف لا ينفع الكلام مع وجود هذا الحجاب .

وقد يكون الهدف من قول المشركين : {فاعمل إنّنا عاملون} محاولتهم زرع اليأس عند النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) . أوقد يكون المراد نوعاً من التهديد له ، أي اعمل ما تستطيعه ونحن سوف نبذل ما نستطيع ضدّك وضدّ دينك ، والتعبير يمثل منتهى العناد والتحدي الاحمق للحق ولرسالاته .

 

قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [فصلت : 6 - 8] .

 

من هم المشركون ؟

الآيات التي بين أيدنيا تستمر في الحديث عن المشركين والكافرين ، وهي في الواقع إجابة لما صدر عنهم في الآيات السابقة ، وإزالة لأي وهمّ قد يلصق بدعوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) .

يقول تعالى لرسوله الكريم : {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إلىّ انّما إلهكم إله واحد} .

فلا أدّعي أنّي ملك ، ولست إنساناً أفضل منكم ، ولست بربّكم ، ولا ابن الله بل أنا إنسان مثلكم ، وأختلف عنكم بتعليمات التوحيد والنبوّة والوحي ، لا أريد أن أفرض عليكم ديني حتى تقفوا أمامي وتقاوموني أو تهددونني ، لقد أوضحت لكم الطريق ، وإليكم يعود التصميم والقرار النهائي .

ثمّ تستمر الآية : {فاستقيموا إليه واستغفروه} (5) .

ثمّ تضيف الآية محذّرة : {وويل للمشركين} .

الآية التي تليها تقوم بتعريف المشركين ، وتسلّط الضوء على جملة من صفاتهم وتختص هذه الآية بذكرها ، حيث يقول تعالى : {الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون} .

إنّ هؤلاء يعرفون بأمرين : ترك الزكاة ، وإنكار المعاد .

لقد أثارت هذه الآية كلاماً واسعاً في أوساط المفسّرين ، وذكروا مجموعة احتمالات تفي تفسيرها ، والسبب في كلّ ذلك هو أنّ الزكاة من فروع الدين ، فكيف يكون تركها دليلا على الكفر والشرك ؟

البعض أخذ بظاهر الآية وقال : إنّ ترك الزكاة يعتبر من علائم الكفر ، بالرغم من عدم تلازمه مع إنكار وجوبه .

البعض الآخر اعتبر الترك مع تلازم الإنكار دليلا على الكفر ، لأنّ الزكاة من ضروريات الإسلام ومنكرها يعتبر كافراً .

وقال آخرون : الزكاة هنا بمعنى التطهير والنظافة ، وبذلك يكون المقصود بترك الزكاة ، ترك تطهير القلب من لوث الشرك ، كما جاء في الآية (81) من سورة الكهف في قوله تعالى : {خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً } [الكهف : 81] .

إلاّ أنّ كلمة (لا يؤتون) لا تناسب المعنى أعلاه ، لذلك يبقى الإشكال على حاله .

لذلك لا يبقى من مجال سوى أن يكون المقصود منها هو أداء الزكاة .

المشكلة الأُخرى التي تواجهنا هنا ، هي أن الزكاة شرّعت في العام الثّاني من الهجرة المباركة ، والآيات التي بين أيدينا مكية ، بل يذهب بعض كبار المفسّرين إلى أنّ سورة «فصلت» هي من أوائل السور النازلة في مكّة ، لذلك كلّه ـ وبغية تلافي هذه المشكلة ـ فسّر المفسّرون الزكاة هنا بأنّها نوع من الإنفاق في سبيل الله ، أو أنّهم تأولوا المعنى بقولهم : إنّ أصل وجوب الزكاة نزل في مكّة ، إلاّ أنّ حدودها ومقدارها والنصاب الشرعي لها نزل تحديده في العام الثّاني من الهجرة المباركة .

يتبيّن من كلّ ما سلف أنّ أقرب مفهوم لمقصود الزكاة في الآية هو المعنى العام للإنفاق ، أما كون ذلك من علائم الشرك ، فيكون بسبب أنّ الإنفاق المالي في سبيل الله يعتبر من أوضح علامات الإيثار والحب لله ، لأنّ المال يعتبر من أحبّ الأشياء إلى قلب الإنسان ونفسه ، وبذلك فإنّ الإنفاق ـ وعدمه ـ يمكن أن يكون من الشواخص الفارقة بين الإيمان والشرك ، خصوصاً في تلك المواقف التي يكون فيها المال بالنسبة للإنسان أقرب إليه من روحه ونفسه ، كما نرى ذلك واضحاً في بعض الأمثلة المنتشرة في حياتنا .

بعبارة اُخرى : إنّ المقصود هنا هو ترك الإنفاق الذي يعتبر أحد علامات عدم إيمانهم بالخالق جلّ وعلا ، والأمر من هذه الزاوية بالذات يقترن بشكل متساوي مع عدم الإيمان بالمعاد ، أو يكون ترك الزكاة ملازماً لإنكار وجوبه .

وثمّة ملاحظة اُخرى تساعد في فهم التّفسير ، وهي أنّ الزكاة لها وضع خاص في الأحكام والتعاليم الإسلامية ، وإعطاء الزكاة يعتبر علامة لقبول الحكومة الإسلامية والخضوع لها ، وتركها يعتبر نوعاً من الطغيان ولمقاومة في وجه الحكومة الإسلامية ، ونعرف أنّ الطغيان ضدّ الحكومة الإسلامية يوجب الكفر .

والشاهد على هذا المطلب ما ذكره المؤرخون من «اصحاب الرّدة» وأنّهم من «بني طي» و«غطفان» و«بني اسد» الذين امتنعوا عن دفع الزكاة لعمال الحكومة الإسلامية في ذلك الوقت ، وبهذا رفعوا لواء المعارضة فقاتلهم المسلمون وقضوا عليهم .

صحيح أنّ الحكومة الإسلامية لم يكن لها وجود حين نزول هذه الآية ولكن هذه الآية يمكنها أن تكون إشارة مجملة الى هذه القضية .

وقد ذكر في التواريخ أن أهل الردّة قالوا بعد وفاة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : «أمّا الصلاة فنصلي ، وأمّا الزكاة فلا يغصب أموالنا» وهكذا رأى المسلمون ضرورة قتالهم وقمع الفتنة .

الآية الآخيرة تقوم بتعريف مجموعة تقف في الجانب المقابل لهؤلاء المشركين البخلاء ، وتتعرض إلى جزائهم حيث يقول تعالى : (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) .

«ممنون» مشتق من «منّ» وتعني هنا القطع أو النقص ، لذا فإنّ غير ممنون تعني هنا غير مقطوع أو منقوص .

وقيل إنّ مصطلح «منون» ـ على وزن «زبون» ـ ويعني الموت مشتق من هذه المفردة ، وكذلك المنّة باللسان ، لأنّ الأوّل يعني القطع ونهاية العمر ، بينما الثاني يعني قطع النعمة والشكر (6) .

وذهب بعض المفسّرين إلى القول بأنّ المقصود بـ (غير ممنون) أنّه لا توجد أيّ منّة على المؤمنين فيما يصلهم من أجر وجزاء وعطاء . لكن المعنى الأوّل أنسب .

________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص143-150 .

2 ـ بحار الأنوار ، المجلد 17 ، صفحة 211 فما فوق ، ويمكن ملاحظة القصة في كتب اُخرى منها : تفسير القرطبي في مطلع حديثه عن السورة . المجلد الثامن ، صفحة 5782 .

3 ـ «كتاب» خبر بعد الخبر ، وبهذا الترتيب فإنّ «تنزيل» خبر لمبتدأ محذوف و«كتاب» خبر بعد الخبر .

4 ـ «لقوم يعلمون» يمكن أن تكون متعلقة بـ «فصلت» أوبـ «تنزيل» .

5 ـ «فاستقيموا» مأخوذة من «الإستقامة» وهي هنا بمعنى التوجه بشكل مستقيم نحو شيء معين ، لذا فإنها تعدت بواسطة الحرف (إلى) لأنّها تعطي مفهوم (استواء) .

6 ـ يلاحظ مادة «من» في مفردات الراغب .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



العتبة العباسية تختتم فعاليات حفل سنّ التكليف الشرعي المركزي لطالبات المدارس في كربلاء
العتبة العباسية تكرم المساهمين بنجاح حفل التكليف الشرعي للطالبات
ضمن فعاليات حفل التكليف الشرعي.. السيد الصافي يلتقط صورة جماعية مع الفتيات المكلفات
حفل الورود الفاطمية يشهد عرضًا مسرحيًّا حول أهمية التكليف