المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

تقوى الله تعني تقديم رضا الله
30-9-2021
نبات اللبلاب (حبل المساكين – حبل المساجين)
6-3-2016
ما مفهوم «اللهُ حيُّ» ؟
24-09-2014
PHASE TWO CHANGES
29-3-2016
Oxyacids
5-7-2020
نـصيـب الشـركـة فـي السـوق وتـحلـيـل التـكالـيف التـسويـقيـة
2/10/2022


تفسير الأية (71-76) من سورة الحج  
  
3158   06:23 مساءً   التاريخ: 18-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الحاء / سورة الحج /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-9-2020 3550
التاريخ: 15-9-2020 11920
التاريخ: 15-9-2020 3106
التاريخ: 18-9-2020 6353

 

قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } [الحج: 71-76]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أخبر سبحانه عن حال الكفار، فقال: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} أي: حجة {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } إنها آلهة. وإنما قال ذلك لأن الانسان قد يعلم أشياء من غير حجة ودليل كالضروريات {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} أي: وما للمشركين من مانع من العذاب. ثم أخبر سبحانه عن شدة عنادهم، فقال: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} يعني من القرآن وغيره من حجج الله {بينات} أي: واضحات لمن تفكر فيها، وهي منصوبة على الحال {تعرف} يا محمد {فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ} أي: الانكار. وهو مصدر يريد أثر الانكار من الكراهة، والعبوس. {يَكَادُونَ يَسْطُونَ} أي: يقعون ويبشطون من شدة الغيظ.

{بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} والمعنى يكادون يبسطون إليهم أيديهم بالسوء. يقال:

سطا عليه وسطا به: إذا تناوله بالبطش. {قل} يا محمد لهم:

{أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ} وأكره إليكم من هذا القرآن الذي تستمعون، وأشد عليكم منه. ثم فسر ذلك فقال {النار} أي: هو النار {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي: المرجع والمأوى. ثم خاطب سبحانه جميع المكلفين، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} قال الأخفش: إن قيل فأين المثل الذي ذكر الله في قوله {ضرب مثل} قيل: ليس ههنا مثل، والمعنى: إن الله قال: ضرب لي مثل أي: شبه في الأوثان. ثم قال: فاستمعوا لهذا المثل الذي جعلوه مثلي. وقال القتيبي: ههنا مثل لأنه ضرب مثل هؤلاء الذين يعبدون الأصنام، بمن عبد من لا يخلق ذبابا. وقيل: معناه أثبت حديثا يتعجب منه، فاستمعوا له لتقفوا على جهل الكفار. من قولك: ضربت خيمة أي: نصبتها وأثبتها. وقيل: معناه جعل ذلك كالشئ اللازم الثابت من قولك: ضرب السلطان الجزية على أهل الذمة.

{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يعني الأصنام. وكان ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة {لن يخلقوا ذبابا} في صغره وقلته { وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا} مما عليهم. قال ابن عباس: كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران، فيجف فيأتي الذباب فيختلسه {لا يستنقذوه منه} أي: لا يقدرون على استنقاذه منه {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} الطالب الذباب، والمطلوب الصنم، عن ابن عباس. وروي عنه على العكس من هذا، وهو أن الطالب الصنم، والمطلوب الذباب. فعلى هذا يكون معناه ضعف السالب والمسلوب. وقيل: إن معناه راجع إلى العابد والمعبود أي: جهل العابد والمعبود، وقهر العابد والمعبود، عن الضحاك، وهو معنى قول السدي. الطالب الذي يطلب إلى هذا الصنم بالتقرب إليه، والصنم المطلوب إليه.

{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي: ما عظموه حق عظمته، حيث جعلوا هؤلاء الأصنام شركاء له، عن الحسن والفراء. وقيل: معناه ما عرفوه حق معرفته، عن الأخفش. وقيل: ما وصفوه حق صفته، عن قطرب. {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} أي:

قادر لا يقدر أحد على مغالبته {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} يعني جبرائيل وميكائيل {ومن الناس} يعني النبيين {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} سميع بأقوالهم، بصير بضمائرهم وأفعالهم.

لما وصف الله سبحانه نفسه بأنه سميع بصير، عقبه بقوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} يعني ما بين أيدي الخلائق من القيامة وأحوالها، وما يكون في مستقبل أحوالهم. {وما خلفهم} أي: وما يخلفونه من دنياهم. وقيل: يعلم ما بين أيديهم أي: أول أعمالهم، وما خلفهم: آخر أعمالهم، عن الحسن وقيل: معناه يعلم ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء، وما يكون بعد خلقهم، عن علي بن عيسى {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} يوم القيامة، فلا يكون لأحد أمر ولا نهي.

___________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص170-172.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ويَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} . ان العلم بالشيء ، أي شيء ، لا يخلو اما أن يكون علما بديهيا ، وهو الذي يحصل للإنسان بمجرد أن يتصور الشيء مثل ان المثلث غير المربع ، والمربع غير المستدير ، واما أن يكون نظريا مثل ان الأرض تدور حول الشمس ، والمراد بالسلطان في الآية الأدلة النظرية ، وبالعلم الفطرة والبداهة ، والمعنى ان المشركين عبدوا الأصنام وما إليها دون أن يستندوا إلى النظر والاستنباط ، أو إلى الفطرة والبداهة ، وقد ظلموا اللَّه بعبادة الأصنام حيث جعلوا له شريكا ، وظلموا أنفسهم لأنهم عرضوها لغضب اللَّه وعذابه {وما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} في يوم الحساب والجزاء .

{وإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا} . ضمير عليهم يعود إلى الذين يعبدون من دون اللَّه . . وكانوا إذا سمعوا من النبي أو المؤمنين آيات القرآن وغيرها من الحجج على التوحيد ونبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) - انعكست على وجوههم علامات الغيظ والحقد ، وهموا ان يبطشوا بمن سمعوا منه الدلائل والبينات {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وبِئْسَ الْمَصِيرُ} . أمر سبحانه نبيه الكريم أن يقول لهؤلاء الحانقين : إذا صعب عليكم الاستماع إلى الحق فان نار جهنم عليكم أشد وأعظم .

صفحات الوجه ونظرات العينين :

لا شيء أثقل على المبطل من كلمة الحق ، وانتصار أهله على الباطل، وبالخصوص إذا عجز المبطل عن المقاومة والدفاع . . انه يسكت مرغما ، وهو يذوب كمدا ، ويحاول ان يتماسك ويتمالك ويظهر بمظهر اللا مبالاة ، ولكن تفضحه الدلائل التي تنعكس على صفحات وجهه ، ونظرات عينيه . . والإنسان قد يكذب ويخادع الناس في أقواله وأفعاله ، لأنه يتحكم بلسانه ويحركه كيف يشاء ، وأيضا يتحكم بيديه ورجليه ويحركها كما يريد ، وان كانت حركة اللسان أخف عليه وأيسر . . شيء واحد لا يمكن التحكم فيه والإملاء عليه ، وهو القلب سليما كان أو سقيما ، فإن أحب أو كره ظهرت الآثار على الوجه والعين جلية واضحة لا يخفيها الابتسام المصطنع ولا الكلام المعسول ، ومن أجل هذا كانت المقياس الصحيح لما في داخل الإنسان دون الأقوال وكثير من الأفعال .

{يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ولَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} . بعد ان ذكر سبحانه ان المشركين أثبتوا لأصنامهم صفة الألوهية من غير دليل - ذكر في هذه الآية دليلا حسيا على نفي هذه الصفة ، يدركه الجهال والأطفال ، وهو ان الذباب أحقر وأضعف مخلوق ، ومع هذا لو أخذت ذبابة واحدة شيئا من الأصنام ، ثم اجتمعت الأصنام بكاملها وأعلنت الحرب على الذبابة لتسترد ما أخذته منها ، لو حصل ذلك لكانت الذبابة هي الغالبة ، والأصنام كلها مغلوبة ، وبالأولى ان لا تخلق ذبابة أو جناحها {ضَعُفَ الطَّالِبُ} وهو الأصنام {والْمَطْلُوبُ} وهو الذبابة . . إذن ، فكيف تكون الأصنام آلهة ؟

وتسأل : ان الأصنام تحمل معها الدليل على أنها ليست بآلهة ، فلما ذا اهتم القرآن بإيراد الأدلة على ذلك ؟

الجواب : ان نفي الألوهية عن الأصنام من البديهيات في منطق العقل ، والذين عبدوها واتخذوها آلهة لم يعبدوها بدافع من العقل ، بل بدوافع أخرى كالتقليد والتربية والمصلحة ، وما إلى ذلك من الدوافع التي لا تبالي بالنقد مهما يكن صائبا .

حول عقيدة التوحيد :

شعرت ، وأنا أفسر آي الذكر الحكيم اني كلما تقدمت في التفسير فتح اللَّه عليّ أبوابا من المعرفة بأسرار القرآن وعجائبه التي لا تقف عند حد ، فكثير من الآيات تكررت في كتاب اللَّه بلفظها أو بمعناها ، فأشرح في المرة الأولى المعنى بما أفهمه من اللفظ والسياق وغيره من القرائن . وفي المرة الثانية أعطف الآية المكرورة على ما تقدم مع الإشارة إلى اسم السورة ورقم الآية السابقة ، أو أفسرها بأسلوب ثان ، وقد اتنبه في المرة الثانية أو الثالثة إلى جهة في الآية كانت قد خفيت عليّ من قبل وعلى جميع المفسرين ، وبالأصح على أصحاب التفاسير التي لدي .

وأكثر الآيات تكرارا في كتاب اللَّه هي الآيات الدالة على وحدانية الخالق ، والتنديد بالشرك وأهله ، فقد ذكرها سبحانه بكل أسلوب وبشتى الصور ، وتكلمت عن التوحيد ونفي الشرك في المجلد الثاني ص 344 بعنوان « دليل التوحيد والأقانيم الثلاثة » ، ثم عدت إلى الموضوع بأسلوب آخر في المجلد الرابع ص 391 بعنوان « عقول الناس لا تغنيهم عن دين اللَّه » ، وأيضا أوردته بأسلوب ثالث في تفسير الآية 31 من هذه السورة ، وبأسلوب رابع وخامس حسب المناسبات ، وأعود إليه الآن بالبيان التالي :

ان الهدف الرئيسي للإسلام هو أن يربط الإنسان بخالقه يستلهم منه الهداية فيما يعتقد ويفكر ، وفيما يقول ويفعل ، ويتجه إليه في ذلك كله ، ومن أجل هذا حارب الإسلام الشرك ، واعتبره كبيرة الكبائر ، وجريمة لا تغتفر ، كما اعتبر الرياء والعمل لغير وجه اللَّه في حكم الشرك ، وأخذ المشركين بأقسى العقوبات وأشدها ، وليس من شك ان ايمان الناس ، كل الناس بإله واحد ، وانهم يتحركون بإرادة واحدة يقتضي بطبيعة الحال أن يكونوا جميعا على دين واحد وشريعة واحدة لا أحقاد دينية ، ولا نعرات طائفية ، ولا اتجار باسم الدين والمذهب . . أما الإيمان بتعدد الآلهة ، وان البشرية تتحرك بإرادات كثيرة فان هذا يستدعي بطبيعته الشقاق والتناحر بين بني الإنسان . . فالإسلام - إذن - بدعوته إلى عقيدة التوحيد يهدي الإنسانية إلى الأساس الذي يبتني عليه الحب والإخاء ، والأمن والهناء . . هذا ، إلى أن الإله الواحد الذي يدعو الإسلام إلى عبادته والعمل بشريعته هو الإله العالم الحكيم والعادل الرحيم يحب الخير لجميع الناس على السواء ، ويكره الشر بشتى صوره ومظاهره ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، والذين أساؤا بما كانوا يعملون .

{ما قَدَرُوا اللَّهً حَقَّ قَدْرِهِ} لأنهم عبدوا غيره ، وعصوا أمره {إِنَّ اللَّهً لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} ينتقم منهم ولا يجدون من دونه وليا ولا نصيرا {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً} كجبريل ينزل بالوحي على النبيين {ومِنَ النَّاسِ} وأيضا اصطفى اللَّه رسلا من الناس يدعون إلى مرضاته {إِنَّ اللَّهً سَمِيعٌ بَصِيرٌ} يسمع أقوالهم ، ويعلم ما يضمرون وما يفعلون {يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ} . هذا كناية عن انه تعالى لا تخفى عليه خافية ، وهو شرح وتفسير لقوله : ان اللَّه سميع بصير {وإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} . منه البداية ، واليه النهاية . وبتعبير ثان انا للَّه وانا إليه راجعون

____________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 348-351.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} إلخ الباء في{به} بمعنى مع، والسلطان البرهان والحجة والمعنى ويعبد المشركون من دون الله شيئا - وهو ما اتخذوه شريكا له تعالى - لم ينزل الله معه حجة حتى يأخذوها ويحتجوا بها ولا أن لهم به علما.

قيل: إنما أضاف قوله:{وما ليس لهم به علم} على قوله:{ما لم ينزل به سلطانا} لأن الإنسان قد يعلم أشياء من غير حجة ودليل كالضروريات.

وربما فسر نزول السلطان بالدليل السمعي ووجود العلم بالدليل العقلي أي يعبدون من دون الله ما لم يقم عليه دليل من ناحية الشرع ولا العقل، وفيه أنه لا دليل عليه وتنزيل السلطان كما يصدق على تنزيل الوحي على النبي كذلك يصدق على تنزيل البرهان على القلوب.

وقوله:{ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} قيل: هو تهديد للمشركين والمراد أنه ليس لهم ناصر ينصرهم فيمنعهم من العذاب.

والظاهر - على ما يعطيه السياق - أنه في محل الاحتجاج على أن ليس لهم برهان على شركائهم ولا علم، بأنه لو كان لهم حجة أو علم لكان لهم نصير ينصرهم إذ البرهان نصير لمن يحتج به والعلم نصير للعالم لكنهم ظالمون وما للظالمين من نصير فليس لهم برهان ولا علم، وهذا من ألطف الاحتجاجات القرآنية.

قوله تعالى:{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ} إلخ المنكر مصدر ميمي بمعنى الإنكار، والمراد بمعرفة الإنكار في وجوههم معرفة أثر الإنكار والكراهة، و{يسطون} من السطوة وهي على ما في مجمع البيان،: إظهار الحال الهائلة للإخافة يقال سطا عليه يسطوسطوة وسطاعة والإنسان مسطو عليه، والسطوة والبطشة بمعنى. انتهى.

والمعنى: وإذا تتلى عليهم آياتنا والحال أنها واضحات الدلالة تعرف وتشهد في وجوه الذين كفروا أثر الإنكار يقربون من أن يبطشوا على الذين يتلون ويقرءون عليهم آياتنا لما يأخذهم من الغيظ.

وقوله:{ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ} تفريع على إنكارهم وتحرزهم من استماع القرآن أي قل: أ فأخبركم بما هو شر من هذا الذي تعدونه شرا تحترزون منه وتتقون أن تسمعوه أ فأخبركم به لتتقوه إن كنتم تتقون.

وقوله:{ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} بيان للشر أي ذلكم الذي هو شر من هذا هي النار، وقوله:{وعدها الله} إلخ بيان لكونه شرا.

قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} إلى آخر الآية خطاب للناس جميعا والعناية بالمشركين منهم. وقوله:{ضرب مثل فاستمعوا له} المثل هو الوصف الذي يمثل الشيء في حالة سواء كان وصفا محققا واقعا أومقدرا متخيلا كالأمثال التي تشتمل على محاورات الحيوانات والجمادات ومشافهاتها، وضرب المثل نصبه ليتفكر فيه كضرب الخيمة ليسكن فيها.

وهذا المثل هو قوله:{ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} والمعنى أنه لو فرض أن آلهتهم شاءوا أن يخلقوا ذبابا وهو أضعف الحيوانات عندهم لم يقدروا عليه أبدا وإن يسلبهم الذباب شيئا مما عليهم لا يستنقذوه بالانتزاع منه.

فهذا الوصف يمثل حال آلهتهم من دون الله في قدرتهم على الإيجاد وعلى تدبير الأمر حيث لا يقدرون على خلق ذباب وعلى تدبير أهون الأمور وهو استرداد ما أخذه الذباب منهم وأضرهم بذلك وكيف يستحق الدعوة والعبادة من كان هذا شأنه؟.

وقوله:{ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} مقتضى المقام أن يكون المراد بالطالب الآلهة وهي الأصنام المدعوة فإن المفروض أنهم يطلبون خلق الذباب فلا يقدرون واستنقاذ ما سلبه إياهم فلا يقدرون، والمطلوب الذباب حيث يطلب ليخلق ويطلب ليستنقذ منه.

وفي هذه الجملة بيان غاية ضعفهم فإنهم أضعف من أضعف ما يستضعفه الناس من الحيوانات التي فيها شيء من الشعور والقدرة.

قوله تعالى:{ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} قدر الشيء هندسته وتعيين كميته ويكنى به عن منزلة الشيء التي تقتضيها أوصافه ونعوته يقال: قدر الشيء حق قدره أي نزله المنزلة التي يستحقها وعامله بما يليق به.

وقدره تعالى حق القدر أن يلتزم بما يقتضيه صفاته العليا ويعامل كما يستحقه بأن يتخذ ربا لا رب غيره ويعبد وحده لا معبود سواه لكن المشركين ما قدروه حق قدره إذ لم يتخذوه ربا ولم يعبدوه بل اتخذوا الأصنام أربابا من دونه وعبدوها دونه وهم يرون أنها لا تقدر على خلق ذباب ويمكن أن يستذلها ذباب فهي من الضعف والذلة في نهايتهما، والله سبحانه هو القوي العزيز الذي إليه ينتهي الخلق والأمر وهو القائم بالإيجاد والتدبير.

فقوله:{ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } إشارة إلى عدم التزامهم بربوبيته تعالى وإعراضهم عن عبادته ثم اتخاذهم الأصنام أربابا من دونه يعبدونها خوفا وطمعا دونه تعالى.

وقوله:{إن الله لقوي عزيز} تعليل للنفي السابق وقد أطلق القوة والعزة فأفاد أنه قوي لا يعرضه ضعف وعزيز لا تعتريه ذلة كما قال:{إن القوة لله جميعا:} البقرة: 165، وقال:{فإن العزة لله جميعا:} النساء: 139، وإنما خص الاسمين بالذكر لمقابلتهما ما في المثل المضروب من صفة آلهتهم وهو الضعف والذلة فهؤلاء استهانوا أمر ربهم إذ عدلوا بينه تعالى وهو القوي الذي يخلق ما يشاء والعزيز الذي لا يغلبه شيء ولا يستذله من سواه وبين الأصنام والآلهة الذين يضعفون من خلق ذباب ويستذلهم ذباب ثم لم يرضوا بذلك حتى قدموهم عليه تعالى فاتخذوهم أربابا يعبدونهم دونه تعالى.

قوله تعالى:{ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} الاصطفاء أخذ صفوة الشيء وخالصته، قال الراغب: الاصطفاء تناول صفو الشيء كما أن الاختيار تناول خيره والاجتباء تناول جبايته. انتهى.

فاصطفاء الله تعالى من الملائكة رسلا ومن الناس اختياره من بينهم من يصفولذلك ويصلح.

وهذه الآية والتي بعدها تبينان وجوب جعل الرسالة وصفتها وصفة الرسل وهي العصمة، وللكلام فيها بعض الاتصال بقوله السابق:{لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه} لإنبائه عن الرسالة.

تبين الآية أولا أن لله رسلا من الملائكة ومن الناس، وثانيا أن هذه الرسالة ليست كيفما اتفقت وممن اتفق بل هي بالاصطفاء وتعيين من هو صالح لذلك.

وقوله:{إن الله سميع بصير} تعليل لأصل الإرسال فإن الناس أعني النوع الإنساني يحتاج حاجة فطرية إلى أن يهديهم الله سبحانه نحو سعادتهم وكمالهم المطلوب من خلقهم كسائر الأنواع الكونية فالحاجة نحو الهداية عامة، وظهور الحاجة فيهم وإن شئت فقل: إظهارهم الحاجة من أنفسهم سؤال منهم واستدعاء لما ترتفع به حاجتهم والله سبحانه سميع بصير يرى ببصره ما هم عليه من الحاجة الفطرية إلى الهداية ويسمع بسمعه سؤالهم ذلك.

فمقتضى سمعه وبصره تعالى أن يرسل إليهم رسولا ويهديهم به إلى سعادتهم التي خلقوا لنيلها والتلبس بها فما كل الناس بصالحين للاتصال بعالم القدس وفيهم الخبيث والطيب والطالح والصالح، والرسول رسولان رسول ملكي يأخذ الوحي منه تعالى ويؤديه إلى الرسول الإنساني ورسول إنساني يأخذ الوحي من الرسول الملكي ويلقيه إلى الناس وبالجملة قوله:{إن الله سميع بصير} يتضمن الحجة على لزوم أصل الإرسال، وأما معنى الاصطفاء والحجة على لزومه فهو ما يشير إليه قوله:{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}.

قوله تعالى:{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} ظاهر السياق أن ضمير الجمع في الموضعين للرسل من الملائكة والناس، ويشهد وقوع هذا التعبير فيهم في غير هذا الموضع كقوله تعالى حكاية عن ملائكة الوحي:{وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا} الآية: مريم: 64، وقوله:{ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ:} الجن: 28.

والآية - كما ترى - تنادي بأن ذكر علمه بما بين أيديهم وما خلفهم لدلالة على أنه تعالى مراقب للطريق الذي يسلكه الوحي فيما بينه وبين الناس حافظ له أن يختل في نفسه بنسيان أو تغيير أو يفسد بشيء من مكائد الشياطين وتسويلاتهم كل ذلك لأن حملة الوحي من الرسل بعينه وبمشهد منه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وهو بالمرصاد.

ومن هنا يظهر أن المراد بما بين أيديهم هو ما بينهم وبين من يؤدون إليه فما بين أيدي الرسول الملكي هو ما بينه وبين الرسول الإنساني وما بين يدي الرسول الإنساني هو ما بينه وبين الناس، والمراد بما خلفهم هو ما بينهم وبين الله سبحانه والجميع سائرون من جانب الله إلى الناس.

فالوحي في مأمن إلهي منذ يصدر من ساحة العظمة والكبرياء إلى أن يبلغ الناس ولازمه أن الرسل معصومون في تلقي الوحي ومعصومون في حفظه ومعصومون في إبلاغه للناس.

وقوله:{ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} في مقام التعليل لعلمه بما بين أيديهم وما خلفهم أي كيف يخفى عليه شيء من ذلك؟ وإليه يرجع جميع الأمور وإذ ليس هذا الرجوع رجوعا زمانيا حتى يجوز معه خفاء حاله قبل الرجوع وإنما هو مملوكية ذاته له تعالى فلا استقلال له منه ولا خفاء فيه له فافهم ذلك.

______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص332-335.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

معبودات أضعف من ذبابة!

تابعت هذه الآيات الأبحاث السابقة عن التوحيد والشرك، فتحدّثت ثانية عن المشركين وأفعالهم الخاطئة، فتقول الآية الأُولى:{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} وهذا يبيّن بطلان عقيدة الوثنيين الذين كانوا يرون أنّ الله سمح لهم بعبادة الأوثان وأنّها تشفع لهم عند الله. وتضيف الآية{وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ}أي يعبدون عبادةً لا يملكون دليلا على صحّتها لا من طريق الوحي الإلهي، ولا من طريق الإستدلال العقلي، ومن لا يعمل بدليل يظلم نفسه وغيره، ولا أحد يدافع عنه يوم الحساب، لهذا تقول الآية في ختامها:{ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}.

قال بعض المفسّرين: إنّ النصير هنا الدليل والبرهان، لأنّ المعيّن الحقيقي هو الدليل ذاته(2).

كما يحتمل أن يكون النصير مرشداً ومكمّلا للبحث السابق، أي إنّ المشركين لا يدعمهم دليل إلهي ولا عقلي، وليس لهم قائد ولا مرشد ولا معلّم يهديهم ويسدّدهم للحقّ الذي فقدوا حمايته والإستنارة به، بظلمهم أنفسهم، ولا خلاف بين هذه التفاسير الثلاثة التي يبدو أنّ أوّلها أكثر وضوحاً من غيره.

وتشير الآية الثّانية موضع البحث إلى عناد الوثنيين وإستكبارهم عن الإستجابة لآيات الله تعالى، في جملة وجيزة لكنّها ذات دلالات كبيرة:{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ}(3).

وهنا يسفر التناقض بين المنطق القرآني القويم وتعصّب الجاهلية الذي لا يرضخ للحقّ ولا يفتح قلبه لندائه الرحيم، فما تليت عليهم آيات ربّهم إلاّ ظهرت علائم الإستكبار عنها في وجوههم حتّى إنّهم{يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} أي كأنّهم يريدون مهاجمة الذين يتلون عليهم آيات الله ـ عزّوجلّ ـ وضربهم بقبضات أيديهم، تنفيساً عن التكبّر البغيض في قرارة أنفسهم.

كلمة «يسطون» مشتقّة من «السطوة» أي رفع اليد ومهاجمة الطرف الآخر، وهي في الأصل ـ كما قال الراغب الاصفهاني في مفرداته ـ قيام الفرس على رجليه ورفع يديه، ثمّ إستعملت بالمعنى الذي ذكرناه.

ولو فكّر الإنسان منطقيّاً لما أغضبه حديث لا يرضاه، ولما ثار مقطّباً متهيّئاً للهجوم على محدّثه مهما خالفه. بل يحاول ردّه ببيان منطقي.

وإنفعال المشركين على النحو المتقدّم دليل على انهيار تفكيرهم وغلبة الجهل والباطل عليهم.

وعبارة{يكادون يسطون} التي تتألّف من فعلين مضارعين، دليل على إستمرار حالة الهجوم والسباب في ذات المشركين وتأصّلها فيهم، فتارةً يفعلونه، وأُخرى تبدو علائمه على وجوههم حين لا تسمح به الأحوال.

وقد أمر القرآن المجيد الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجبه هؤلاء المتغطرسين هاتفاً{ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ}(4).

أي إن زعمتم أنّ هذه الآيات البيّنات شرّ، لأنّها لا تنسجم مع أفكاركم المنحرفة، فإنّني اُخبركم بما هو شرّ منها، ألا وهو عقاب الله الأليم، النّار التي أعدّها الله جزاءً{ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا}،{وبئس المصير}. أجل، إنّ النّار المحرقة لأسوأ مكان للمتشدّدين الحادّي المزاج الذين أحرقت نار عصبيّتهم ولجاجهم قلوبهم، لأنّ العقاب الإلهي يتناسب دائماً مع كيفية الذنب والعصيان.

وترسم الآية الآتية صورة معبّرة لما كان عليه الوثنيون، وما يعبدونه من أشياء ضعيفة هزيلة تكشف عن بطلان آراء المشركين وعقيدتهم، مخاطبةً للناس جميعاً خطاباً هادياً أن{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} وتدبّروا فيه جيداً{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}.

أجل، لو إجتمعت الأوثان كلّها، وحتّى العلماء والمفكّرين والمخترعين جميعاً، لما استطاعوا خلق ذبابة. فكيف تجعلون أوثانكم شركاء لخالق السموات والأرض وما فيهنّ من آلاف مؤلّفة من أنواع المخلوقات في البرّ والبحر، في الصحاري والغابات، وفي أعماق الأرض؟ الله الذي خلق الحياة في أشكال مختلفة وصور بديعة ومتنوّعة بحيث أنّ كلّ مخلوق من المخلوقات يثير في الإنسان كلّ الإعجاب والتقدير، فأين هذه الآلهة الضعيفة من اللّه الخالق القادر الحكيم المتعال؟

وتستكمل الآية البيان عن ضعف الأوثان وعجزها المطلق وأنّها ليست غير قادرة على خلق ذبابة فحسب، بل{وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ}كأنّ الآية تهتف فيهم: ما الدافع لجعل موجود ضعيف تهزمه الذبابة حاكماً عليكم وحلاّلا لمشاكلكم؟!

ويعلو صدى الحقّ في تقرير ضعف الوثن وعبدته في قوله تعالى:{ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}.

وقد ورد في الرّوايات أنّ الوثنيين من قريش نصبوا أوثانهم حول الكعبة، وأغرقوها بالمسك والعنبر وأحياناً بالزعفران والعسل، وطافوا حولها وهم يردّدون (لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك، إلاّ شريك هو لك تملكه وما ملك)! والإنحياز عن التوحيد واضح في هذه التلبية، والشرك مؤكّد فيها، فقد جعلوا هذه الموجودات التافهة شركاء لله الواحد الأحد، وهم يرون الذباب يحوم عليها ويسرق منها العسل والزعفران والمسك دون أن تستطيع إعادة ما سلب منها!

وقد عرض القرآن المجيد هذه الصورة ليكشف عن ضعف هذه الأوثان، وتفاهة منطق المشركين في تسويغ عبادتهم لهذه الأوثان، وذكّرهم بعجز آلهتهم عن إستعادة ما سرقه الذباب منها وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها لعلّهم ينتبهون على تفاهة ما يعبدون من دون الله تعالى.

أمّا ما المراد من «الطالب» و «المطلوب»؟

الصحيح هو ما سبق أن قلناه من أنّ الطالب هو عبدة الأوثان، والمطلوب هو الأوثان ذاتها، وكلاهما لا يقدر على شيء.

وقال البعض: إنّ الطالب هو الذباب، والمطلوب الأصنام (لأنّ الذباب يجتمع عليها ليسلب منها غذاءه).

وقال الآخرون: الطالب هو الأصنام، والمطلوب هو الذباب (لأنّه لو فكّرت الأصنام في خلق ذبابة واحدة لما إستطاعت ذلك) وأصحّ هذه التفاسير هو الأوّل.

وبعد أن عرض القرآن الكريم هذا المثال الواضح الدافع، قرّر حقيقة مهمّة، وهي{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.

فالمشركون لو كانوا على أدنى معرفة بالله تعالى لما أنزلوا قدره إلى مستوى هذه الآلهة الضعيفة العاجزة ولما جعلوا مصنوعاتهم شركاء له، تعالى عمّا يفعلون علوّاً كبيراً، ولو كان لديهم أدنى معرفة بقدرة الله لضحكوا من أنفسهم وسخروا من أفكارهم. وتقول الآية في النهاية:{ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

أجل، إنّ الله قادر على كلّ شيء ولا مثيل لقدرته ولا حدّ، فهو ليس كآلهة المشركين التي لو إجتمعت لما تمكّنت من خلق ذبابة، بل ليس لها القدرة على إعادة ما سلبه الذباب منها.

خمسة تعاليم بنّاءةً ومهمّة:

بما أنّ الآيات السابقة تناولت بحث التوحيد والشرك وآلهة المشركين الوهميّة. وبما أنّ بعض الناس قد اتّخذوا الملائكة أو بعض الأنبياء آلهة للعبادة، فانّ أوّل الآيات موضع البحث تقول بأنّ جميع الرسل هم عباد الله وتابعون لأمره:{ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}.

أجل، إختار الله من الملائكة رسلا كجبرئيل، ومن البشر رسلا كأنبياء الله الكبار. و «مِن» هنا للتبعيض، وتدلّ على أنّ جميع ملائكة الله لم يكونوا رسلا إلى البشر، ولا يناقض هذا التعبير الآية الأُولى من سورة فاطر، وهي{جاعل الملائكة رسلا} لأنّ غاية هذه الآية بيان الجنس لا العموم والشمولية.

وختام الآية{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أي إنّ الله ليس كالبشر، لا يعلمون أخبار رسلهم في غيابهم، بل إنّه على علم بأخبار رسله لحظة بعد أُخرى، يسمع كلامهم ويرى أعمالهم.

وتشير الآية الثّانية إلى مسؤولية الأنبياء في إبلاغ رسالة الله من جهة، ومراقبة الله لأعمالهم من جهة أُخرى، فتقول:{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} إنّه يعلم ماضيهم ومستقبلهم{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} فالجميع مسؤولون في ساحة قدسه.

ليعلم الناس أنّ ملائكة الله سبحانه وأنبياءه (عليهم السلام) عباد مطيعون له مسؤولون بين يديه، لا يملكون إلاّ ما وهبهم من لطفه، وقوله تعالى:{يعلم ما بين أيديهم}إشارة إلى واجب ومسؤولية رسل الله ومراقبته سبحانه لأعمالهم، كما جاء في الآيتين (27) و28) من سورة الجن{فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم وأحاط بما لديهم}(5).

وقد إتّضح بهذا أنّ القصد من عبارة{ما بين أيديهم} هو الأحداث المستقبلة و{ما خلفهم} الأحداث الماضية.

____________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص446-453.

2ـ الميزان، وتفسير الفخر الرازي، في تفسير الآية موضع البحث.

3ـ «المنكر» مصدر ميمي يعني الإنكار، وبما أنّ الإنكار أمر باطني لا يمكن مشاهدته، فالمراد هنا علائمه ونتائجه.

4ـ إنّ «النّار» هنا خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي النّار، واحتمل البعض أنّ النّار مبتدأ وجملة «وعدها الله» خبر لها، إلاّ أنّ القول الأوّل هو الأصوب.

وفعل «وعد» أخذ هنا مفعولين، الأوّل «الذين كفروا» الذي تأخّر والثّاني «الهاء» التي تقدّمت ذلك للتخصيص.

5- العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان ذيل الآيات موضع البحث، يعتبر جملة{يعلم ما بين أيديهم} إشارة إلى عصمة الأنبياء وحماية الله لهم، ومع ملاحظة ما ذكرناه أعلاه فإنّ هذا التّفسير يبدو بعيداً نوعاً ما.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .