أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-9-2020
6344
التاريخ: 16-9-2020
8372
التاريخ: 16-9-2020
5310
التاريخ: 15-9-2020
7126
|
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } [الحج: 52 - 57]
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} من هنا مزيدة، والتقدير: ما أرسلنا قبلك رسولا ولا نبيا. وإنما ذكر اللفظين لاختلاف فائدتهما. فالرسول الذي أرسله الله تعالى ولا يحمل عند الاطلاق على غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والنبي الذي له الرفعة والدرجة العظيمة بالإرسال. وقيل: إن بينهما فرقا: فالرسول الذي تنزل عليه الملائكة بالوحي، والنبي الذي يوحى إليه في منامه. فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا. وقيل: بل الرسول هو المبعوث إلى أمة. والنبي هو الذي لا يبعث إلى أمة، عن قطرب. وقيل: إن الرسول هو المبتدئ بوضع الشرائع والأحكام.
والنبي: الذي يحفظ شريعة غيره، عن الجاحظ. والقول هو الأول، لأن الله سبحانه خاطب نبينا صلى الله عليه وآله وسلم مرة بالنبي، ومرة بالرسول فقال: {يا أيها الرسول}، و {يا أيها النبي}. فالرسول والنبي واحد، لأن الرسول يعم الملائكة والبشر. والنبي يختص البشر، فجمع بينهما هنا، وفي قوله: {وكان رسولا نبيا} {إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} قال المرتضى: لا يخلو التمني في الآية من أن يكون معناه التلاوة، كما قال حسان بن ثابت:
تمنى كتاب الله أول ليلة، * وآخره لاقى حمام المقادر
أو يكون تمني القلب. فإن كان المراد التلاوة، فالمعنى: إن من أرسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه، حرفوا عليه، وزادوا فيما يقوله، ونقصوا، كما فعلت اليهود، وأضاف ذلك إلى الشيطان، لأنه يقع بغروره {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} أي: يزيله ويدحضه بظهور حججه. وخرج هذا على وجه التسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كذب المشركون عليه، وأضافوا إلى تلاوته من مدح آلهتهم، ما لم يكن فيها، وإن كان المراد تمني القلب فالوجه أن الرسول متى تمنى بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور، وسوس إليه الشيطان بالباطل، يدعوه إليه، وينسخ الله ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان، وترك استماع غروره.
قال: وأما الأحاديث المروية في هذا الباب فهي مطعونة، ومضعفة عند أصحاب الحديث، وقد تضمنت ما ينزه الرسل عليهم السلام عنه. وكيف يجوز ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال الله سبحانه: {كذلك لنثبت به فؤادك}، وقال: {سنقرؤك فلا تنسى}. وإن حمل ذلك على السهو، فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة ونظمها، ثم لمعنى ما تقدمها من الكلام، لأنا نعلم ضرورة أن الساهي لو أنشأ قصيدة، لم يجز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها، وفي معنى البيت الذي تقدمه، وعلى الوجه الذي تقتضيه فائدته.
ويمكن أن يكون الوجه فيه ما ذكرناه في النزول، لأن من المعلوم أنهم كانوا يلقون عند قراءته طلبا لتغليطه، ويمكن أن يكون كان هذا في الصلاة، لأنهم كانوا يلقون في قراءته. وقيل أيضا: إنه كان إذا تلا القرآن على قريش، توقف في فصول الآيات، وأتى بكلام على سبيل الحجاج لهم. فلما تلا الآيات قال: {تلك الغرانيق العلى} على سبيل الانكار عليهم، وعلى أن الأمر بخلاف ما قالوه وظنوه. وليس يمتنع أن يكون هذا في الصلاة، لأن الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحا، وإنما نسخ من بعد. وقيل: إن المراد بالغرانيق. الملائكة، وقد جاء ذلك في بعض الحديث، فتوهم المشركون أنه يريد آلهتهم. وقيل: إن ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة، فلما ظن المشركون أن المراد به آلهتهم، نسخت تلاوته.
وقال البلخي: ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع هاتين الكلمتين من قومه وحفظهما، فلما قرأ، ألقاها الشيطان في ذكره، فكاد أن يجريها على لسانه فعصمه الله ونبهه، ونسخ وسواس الشيطان، وأحكم آياته، بأن قرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم محكمة، سليمة مما أراد الشيطان. ويجوز أن يكون النبي صلى اله عليه وآله وسلم لما انتهى إلى ذكر اللات والعزى، قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعا بهما صوته، فألقاهما في تلاوته في غمار الناس، فظن الجهال أن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسجدوا عند ذلك.
والغرانيق: جمع غرنوق وهو الحسن الجميل، يقال: شاب غرنوق وغرانق: إذا كان ممتليا ريا {ثم يحكم الله آياته} أي: يبقي آياته، ودلائله وأوامره محكمة لا سهو فيها، ولا غلط.
{والله عليم} بكل شئ {حكيم} واضع للأشياء مواضعها. { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} أي: ليجعل ذلك تشديدا في التعبد وامتحانا، عن الجبائي. والمعنى: إنه شدد المحنة والتكليف على الذين في قلوبهم شك، وعلى الذين قست قلوبهم من الكفار، فتلزمهم الدلالة على الفرق بين ما يحكمه الله، وبين ما يلقيه الشيطان. { وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} أي: في معاداة ومخالفة بعيدة عن الحق { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} بالله وبتوحيده وبحكمته { أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أي: إن القرآن حق لا يجوز عليه التبديل والتغيير {فيؤمنوا به} أي: فيثبتوا على إيمانهم. وقيل: يزدادوا إيمانا إلى إيمانهم.
{فتخبت له قلوبهم} أي: تخشع وتتواضع لقوة إيمانهم {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: طريق واضح لا عوج فيه أي: يثبتهم على الدين الحق. وقيل: يهديهم ربهم بإيمانهم إلى طريق الجنة. { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} أي: في شك من القرآن، عن ابن جريج. وهذا خاص في من علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون من الكفار { حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} أي: فجأة، وعلى غفلة {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم} قيل: إنه عذاب يوم بدر، عن قتادة ومجاهد. وسماه عقيما لأنه لا مثل له في عظم أمره، لقتال الملائكة فيه، ومثله قول الشاعر:
عقم النساء فلا يلدن شبيهه، * إن النساء بمثله لعقيم
وقيل: إنما سمى ذلك اليوم عقيما، لأنه لم يكون فيه للكفار خير، فهو كالريح العقيم التي لا تأتي بخير، عن الضحاك، واختاره الزجاج. وقيل: المراد به يوم القيامة، والمعنى: حتى تأتيهم علامات الساعة، أو عذاب يوم القيامة. وسقاه عقيما لأنه لا ليلة له، عن عكرمة والجبائي.
لما تقدم ذكر القيامة، بين صفته فقال: {الملك يومئذ لله} لا يملك أحد سواه شيئا بخلاف الدنيا {يحكم بينهم} أي: يفصل بين المؤمنين والكافرين.
ثم بين حكمه فقال: { فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} ينعمون فيها { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} يهينهم ويذلهم.
______________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص163-166.
{وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} . اختلف المفسرون : هل كلمة النبي وكلمة الرسول تعبّران عن معنى واحد ، أو لكل منهما معنى ؟ والأقرب انه لا فرق بينهما من حيث إن كلا منهما ينبئه اللَّه بما يريد ، فإذا أنبأه وأمره بالتبليغ أطلقت عليه كلمة النبي لأن اللَّه أنبأه ، وكلمة الرسول لأنه تعالى أمره بالتبليغ ، وإذا أنبأه ولم يأمره بالتبليغ فهو نبي ، وعلى هذا فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا .
وقد روي في سبب نزول هذه الآية ان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم) تلا على قريش سورة النجم ، ولما بلغ إلى قوله تعالى : « أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ والْعُزَّى ومَناةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرى » ألقى الشيطان في تلاوة رسول اللَّه ما نصه بالحرف « تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى » . والغرانيق جمع غرنوق ، وهو الحسن الجميل أي ان هذه الأصنام حسنة وجميلة ، وترجى شفاعتها عند اللَّه .
ونفى العلماء المحققون هذه الرواية ، وجزموا بأنها من وضع الزنادقة الطاعنين بكتاب اللَّه ونبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم} واستندوا في ذلك إلى أدلة قاطعة من العقل والنقل . .
النبي الذي أرسله اللَّه لمحاربة الشرك والأوثان يمتدحها وينعتها بأكمل النعوت والأوصاف ؟ كيف ولسان النبي بيان اللَّه وترجمانه ؟ وهل للشيطان من سبيل على هذا البيان القدسي وهذه الترجمة الإلهية ؟ .
والصحيح في معنى الآية ان أغلى أمنية للنبي ، أي نبي ، أن يعرف الناس حقيقة رسالته ، ويدركوا أهدافها ، ويهتدوا بها ، ولكن أرباب الأهداف والأطماع يحولون بين النبي وتحقيق أمنيته بالتمويه وبث الأكاذيب بكل وسيلة من وسائل الدعاية والنشر ، وقد شاهدنا ذلك ولمسناه ، بل وقاسينا منه الكثير . . وهذا هو معنى إلقاء الشيطان في أمنية النبي ، فالنبي يتمنى الخير للناس ، والشيطان - أي المخرب - يصدهم عنه {فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} . يختلق المخربون ويذيعون ، ولكن اللَّه يزهق أباطيلهم ، ويفضح أكاذيبهم بألسنة الصادقين ، وأيدي المجاهدين ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : « يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ ويَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهً الْكافِرُونَ » - 32 التوبة .
{لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} .
الذين في قلوبهم مرض هم اللصوص الذين يعيشون بالسلب والنهب ، والغش والخداع ، أما القاسية قلوبهم فهم الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق ، والمراد بالفتنة الاختبار ، والمعنى انه لا سوق للتمويه والدعايات الكاذبة إلا عند اللصوص والهمج الرعاع . . وانّى اتجهت فإنك واجد لهذه الحقيقة صورا جلية واضحة ، واجدها في الصحف والإذاعة ، وفي الكتاب والمسرح ، وفي حديث المأجورين والمخدوعين الذين يصدقون كل ما يقال لهم من غير وعي وتمحيص ، وما أكثر هؤلاء .
ثم إن الدعايات الكاذبة ، وان أضرت من جهة فإنها نافعة من جهة أخرى ، لأنها تميز بين الخائن والمخلص ، وبين العالم والجاهل ، وهذا هو القصد من {فِتْنَةً} في قوله تعالى : {لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً} . . {وإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ} . وكل من موّه وافترى فهو ظالم ، وكل من صدق الكذب والافتراء من غير تمحيص فهو ظالم أيضا ، والمراد بالشقاق العصيان والتمرد على أحكام اللَّه .
{ولِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} .
ضمير به وله يعودان إلى النبي أو القرآن ، والمعنى إذا صدّق من صدّق الكذب على اللَّه ورسوله فان أهل المعرفة والإخلاص يعلمون حقيقة هذا الكذب والافتراء ، ولا يزيدهم إلا إيمانا وتمسكا باللَّه ورسله وكتبه ، وإلا خشوعا وخضوعا للَّه وهيبته {وإِنَّ اللَّهً لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} . يرشدهم اللَّه إلى طريقه ، فيسلكونه تقربا إليه ، ولا ينحرفون عنه مهما تكن الضغوط والدعايات .
{ولا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} . المراد بالساعة الوقت الذي يخرج فيه الناس إلى ربهم من الأجداث واليوم العقيم هو يوم الحساب ، وعقمه كناية عن يأس الكافرين فيه من النجاة . .
وبعد ان قال سبحانه في الآية السابقة : ان أهل العلم يؤمنون بالقرآن وبنبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم )
قال في هذه الآية : أما الكافرون فإنهم في شك من أمر رسول اللَّه ، وسيظلون كذلك إلى يوم يبعثون من قبورهم أو يوم وقوفهم بين يدي اللَّه للحساب ، وعندئذ تنكشف لهم الحقيقة ، ويعلمون انهم كانوا على ضلال .
{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وحده ، فلا قاض أو أمير ، ولا سلطان يحابي أو وزير يداري كما هو الشأن في هذه الحياة {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أي بين الكافرين والمؤمنين {فَالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} . لهؤلاء خزي ونيران ، ولأولئك روح وريحان .
وتقدم مثله أكثر من مرة .
____________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 340-342.
قوله تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} إلخ، التمني تقدير الإنسان وجود ما يحبه سواء كان ممكنا أو ممتنعا كتمني الفقير أن يكون غنيا ومن لا ولد له أن يكون ذا ولد، وتمني الإنسان أن يكون له بقاء لا فناء معه وأن يكون له جناحان يطير بهما، ويسمى صورته الخيالية التي يلتذ بها أمنية، والأصل في معناه المني بالفتح فالسكون بمعنى التقدير، وقيل: ربما جاء بمعنى القراءة والتلاوة يقال: تمنيت الكتاب أي قرأته.
والإلقاء في الأمنية المداخلة فيها بما يخرجها عن صرافتها ويفسد أمرها.
ومعنى الآية على أول المعنيين وهو كون التمني هو تمني القلب: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى وقدر بعض ما يتمناه من توافق الأسباب على تقدم دينه وإقبال الناس عليه وإيمانهم به ألقى الشيطان في أمنيته وداخل فيها بوسوسة الناس وتهييج الظالمين وإغراء المفسدين فأفسد الأمر على ذلك الرسول أوالنبي وأبطل سعيه فينسخ الله ويزيل ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته بإنجاح سعي الرسول أوالنبي وإظهار الحق والله عليم حكيم.
والمعنى: على ثاني المعنيين وهو كون التمني بمعنى القراءة والتلاوة: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا وقرأ آيات الله ألقى الشيطان شبها مضلة على الناس بالوسوسة ليجادلوه بها ويفسدوا على المؤمنين إيمانهم فيبطل الله ما يلقيه الشيطان من الشبه ويذهب به بتوفيق النبي لرده أو بإنزال ما يرده.
وفي الآية دلالة واضحة على اختلاف معنى النبوة والرسالة لا بنحو العموم والخصوص مطلقا كما اشتهر بينهم أن الرسول هو من بعث وأمر بالتبليغ والنبي من بعث سواء أمر بالتبليغ أم، لا إذ لو كان كذلك لكان من الواجب أن يراد بقوله في الآية:{ولا نبي} غير الرسول أعني من لم يؤمر بالتبليغ، وينافيه قوله:{وما أرسلنا}.
وقد قدمنا في مباحث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب ما يدل من روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن الرسول هو من ينزل عليه الملك بالوحي فيراه ويكلمه والنبي هو من يرى المنام ويوحى إليه فيه، وقد استفدناه مضمون هذه الروايات من قوله تعالى:{ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا:} إسراء: 95 في الجزء الثالث عشر من الكتاب.
وأما سائر ما قيل في الفرق بين الرسالة والنبوة كقول من قال: إن الرسول من بعث بشرع جديد والنبي أعم منه وممن جاء مقررا لشرع سابق ففيه أنا قد أثبتنا في مباحث النبوة أن الشرائع الإلهية لا تزيد على خمسة وهي شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد صرح القرآن على رسالة جمع كثير منهم غير هؤلاء.
على أن هذا القول لا دليل له.
وقول من قال: إن الرسول من كان له كتاب والنبي بخلافه وقول من قال: إن الرسول من له كتاب ونسخ في الجملة والنبي بخلافه، ويرد على القولين نظير ما ورد على القول الأول.
وفي قوله:{ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} التفات من التكلم بالغير إلى الغيبة، والوجه فيه العناية بذكر لفظ الجلالة وإسناد النسخ والإحكام إلى من لا يقوم له شيء، ولذلك بعينه أعاد لفظ الجلالة ثانيا مع أنه من وضع الظاهر موضع المضمر ومنه أيضا إعادة لفظ الشيطان ثانيا دون ضميره ليشار إلى أن الملقي هو الشيطان الذي لا يعبأ به وبكيده في قباله تعالى، وكان الظاهر أن يقال: فينسخ ما يلقيه ثم يحكم آياته.
قوله تعالى:{ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} إلخ، مرض القلب عدم استقامة حاله في التعقل بأن لا يذعن بما من شأنه أن يذعن به من الحق وهو الشك والارتياب، وقساوة القلب صلابته وغلظه مأخوذ من الحجر القاسي أي الصلب.
وصلابته بطلان عواطفه الرقيقة المعينة في إدراك المعاني الحقة كالخشوع والرحمة والتواضع والمحبة فالقلب المريض سريع التصور للحق بطيء الإذعان به، والقلب القسي بطيئهما معا، وكلاهما سريع القبول للوساوس الشيطانية.
والإلقاءات الشيطانية التي تفسد الأمور على الحق وأهله وتبطل مساعي الرسل والأنبياء دون أن تؤثر أثرها وإن كانت مستندة إلى الشيطان نفسه لكنها كسائر الآثار لما كانت واقعة في ملكه تعالى، ولا يقع أثر من مؤثر أو فعل من فاعل إلا بإذنه، ولا يقع شيء بإذنه إلا استند إليه استنادا ما بمقدار الإذن، ولا يستند إليه إلا ما فيه خير لا يخلو من مصلحة وغاية.
لذا ذكر سبحانه في هذه الآية أن لهذه الإلقاءات الشيطانية مصلحة وهي أنها محنة يمتحن بها الناس عامة والامتحان من النواميس الإلهية العامة الجارية في العالم الإنساني ويتوقف عليه تلبس السعيد بسعادته والشقي بشقائه، وفتنة يفتتن بها الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم خاصة فإن تلبس الأشقياء بكمال شقائهم من التربية الإلهية المقصودة في نظام الخلقة، قال تعالى:{ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا:} إسراء: 20.
وهذا معنى قوله:{ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} فاللام في{ليجعل} للتعليل يعلل بها إلقاء الشيطان في أمنية الرسول والنبي أي يفعل الشيطان كذا ليفعل الله كذا ومعناه أنه مسخر لله سبحانه لغرض امتحان العباد وفتنة أهل الشك والجحود وغرورهم.
وقد تبين أن المراد بالفتنة الابتلاء والامتحان الذي ينتج الغرور والضلال وبالذين في قلوبهم مرض أهل الشك من الكفار وبالقاسية قلوبهم أهل الجحود والعناد منهم.
وقوله:{ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} الشقاق والمشاقة المباينة والمخالفة وتوصيفه بالبعد توصيف له بحال موصوفه، والمعنى: وإن الظالمين - وهم أهل الجحود على ما يعطيه السياق أوهم وأهل الشك جميعا - لفي مباينة ومخالفة بعيد صاحبها من الحق وأهله.
قوله تعالى:{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } إلخ، المتبادر من السياق أنه عطف على قوله:{ليجعل} وتعليل لقوله:{ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} والضمير في{أنه} على هذا لما يتمناه الرسول والنبي المفهوم من قوله{إذا تمنى} إلخ، ولا دليل على إرجاعه إلى القرآن.
والمعنى: فينسخ الله ما يلقيه الشيطان ثم يحكم آياته ليعلم الذين أوتوا العلم بسبب ذاك النسخ والأحكام أن ما تمناه الرسول أو النبي هو الحق من ربك لبطلان ما يلقيه الشيطان فيؤمنوا به فتخبت أي تلين وتخشع له قلوبهم.
ويمكن أن يكون قوله{وليعلم} معطوفا على محذوف ومجموع المعطوف والمعطوف عليه تعليلا لما بينه في الآية السابقة من جعله تعالى هذا الإلقاء فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم.
والمعنى: إنما بينا هذه الحقيقة لغاية كذا وكذا وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك{إلخ} على حد قوله:{ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا:} آل عمران: 140، وهو كثير الورود في القرآن.
وقوله:{ إِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} في مقام التعليل لكون علم الذين أوتوا العلم غاية مترتبة على فعله تعالى فيفيد أنه تعالى إنما فعل ما فعل ليعلموا أن الأمر حق لأنه هاد يريد أن يهديهم فيهديهم بهذا التعليم إلى صراط مستقيم.
قوله تعالى:{ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ } إلخ الآية - كما ترى - تخبر عن حرمان هؤلاء الذين كفروا من الإيمان مدى حياتهم فليس المراد بهم مطلق الكفار لقبول بعضهم الإيمان بعد الكفر فالمراد به عدة من صناديد قريش الذين لم يوفقوا للإيمان ما عاشوا كما في قوله:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ:} البقرة: 6.
وعقم اليوم كونه بحيث لا يخلف يوما بعده وهو يوم الهلاك أو يوم القيامة، والمراد به في الآية على ما يعطيه سياق الآية الثالثة يوم القيامة.
والمعنى ويستمر الذين كفروا في شك من القرآن حتى يأتيهم يوم القيامة أو يأتيهم عذاب يوم القيامة وهو يوم يأتي بغتة لا يمهلهم حتى يحتالوا له بشيء ولا يخلف بعده يوما حتى يقضى فيه ما فات قبله.
وإنما ردد بين يوم القيامة وبين عذابه لأنهم يعترفون عند مشاهدة كل منهما بالحق ويطيح عنهم الريب والمرية قال تعالى:{قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون:} يس: 52، وقال:{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا:} الأحقاف: 34.
وقد ظهر بما تقدم أن تقييد اليوم تارة بكونه بغتة وتارة بالعقم للدلالة على كونه بحيث لا ينفع معها حيلة ولا يقع بعدها تدارك لما فات قبله.
قوله تعالى:{ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} - إلى قوله - عذاب مهين} قد تقدم مرارا أن المراد بكون الملك يومئذ لله ظهور كون الملك له تعالى لأن الملك له دائما وكذا ما ورد من نظائره من أوصاف يوم القيامة في القرآن ككون الأمر يومئذ لله وكون القوة يومئذ لله وهكذا.
ولسنا نعني به أن المراد بالملك مثلا في الآية ظهور الملك مجازا بل نعني به أن الملك قسمان ملك حقيقي حق وملك مجازي صوري وللأشياء ملك مجازي صوري ملكها الله ذلك وله تعالى مع ذلك الملك الحق بحقيقة معناه حتى إذا كان يوم القيامة ارتفع كل ملك صوري عن الشيء المتلبس به ولم يبق من الملك إلا حقيقته وهو لله وحده فمن خاصة يوم القيامة أن الملك يومئذ لله وعلى هذا القياس.
وقوله:{يحكم بينهم} أي ولا حاكم غيره لأن الحكم من فروع الملك فإذا لم يكن يومئذ لأحد نصيب في الملك لم يكن له نصيب في الحكم.
وقوله:{ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا - وهؤلاء المعاندون المستكبرون - فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} بيان لحكمه تعالى.
_____________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص318-322.
وساوس الشّياطين في مساعي الأنبياء:
تناولت الآيات السابقة محاولات المشركين والكفرة لمحو التعاليم الإلهيّة والإستهزاء بها، أمّا الآيات موضع البحث فقد تضمنّت تحذيراً مهمّاً حيث قالت: إنّ هذه المؤامرات ليست جديدة، فالشياطين دأبوا منذ البداية على إلقاء وساوسهم ضدّ الأنبياء.
في البداية تقول الآية: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى}أمراً لصالح الدين والمجتمع وفكّر في خطّة لتطوير العمل { أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} إلاّ أنّ الله لم يترك نبيّه وحده إزاء إلقاءات الشياطين { فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ}.
إنّ هذا العمل يسير على الله تعالى، لأنّه عليم بجميع هذه المؤامرات الدنيئة، ويعرف كيف يحبطها {والله عليم حكيم}.
إلاّ أنّ المؤامرات الشيطانية التي كان يحيكها المشركون والكفرة، كانت تشكّل ساحة لإمتحان المؤمنين والمتآمرين في آن واحد، إذ تضيف الآية { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ}.
{ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} فهم بعيدون عن الحقّ لشدّة عداوتهم وعنادهم.
وكذلك الهدف من هذا البرنامج: { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ}. وطبيعي أنّ الله لا يترك المؤمنين الواعين المطالبين بحقوقهم والمدافعين عن الحقّ وحدهم في هذا الطريق الوعر { وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
الرّزق الحسن:
تحدّثت الآيات السابقة عن محاولات المخالفين في محو الآيات الإلهيّة، أمّا الآيات التي نقف في ضوئها، فأشارت إلى هذه المحاولات من قبل أشخاص متعصّبين قساة.
تقول الآية الأُولى: { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} بديهي أنّ الآية هنا قصدت فئة من الكفّار لا الكفّار كلّهم، لأنّ الكثير منهم أسلموا والتحقوا بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبصفوف المسلمين. قصدت الآية زعماء الكفّار والمعاندين والمتعصّبين بقوّة والحاقدين الذين لم يؤمنوا قطّ، واستمرّوا في عرقلة المسيرة الإسلامية.
وتعني كلمة «مرية» الشكّ والترديد، وتبيّن لنا الآية أنّ هؤلاء الكفرة لم يكونوا يوماً على يقين ببطلان الإسلام ودعوة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرغم من إظهارهم لذلك في كلماتهم، بل كانوا في شكّ من القرآن والإسلام، إلاّ أنّ تعصّبهم كان يحول دون توصّلهم إلى الحقيقة.
أمّا «الساعة» فقد ذهب البعض إلى أنّها تعني الموت ونظيره، إلاّ أنّ الآيات اللاحقة بيّنت أنّ القصد ختام العالم وعشيّة يوم القيامة، والتي رافقت كلمة «بغتة».
ويقصد بـ{عذاب يوم عقيم} عقاب يوم القيامة، وقد وصف يوم القيامة بالعقم لأنّه لا يوم يليه لينهض المرء للقيام بأعمال خيّرة تعوّض عمّا فاته وتؤثّر في مصيره.
ثمّ أشارت الآية التالية إلى السيادة المطلقة لربّ العالمين يوم القيامة { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وهذا أمر ملازم لله الحاكم الدائم والمالك المطلق، وليس ليوم القيامة فقط، بل هو على مدى الزمان، وبما أنّ في الدنيا مالكين وحكّاماً آخرين رغم محدودية ملكياتهم وسلطانهم ورغم أنّها ملكية ظاهرية وسلطان شكلي، إلاّ أنّه قد يولد تصوّراً بأنّ هناك حكّاماً ملاّكاً غير الله. ولكنّ كلّ هذا يزول وتتّضح حقيقة وحدانية المالك والحاكم يومئذ.
وبتعبير آخر: هناك نوعان من السيادة والملكية: السيادة الحقيقيّة، وهي للخالق على المخلوق، والسيادة الإعتبارية الناتجة عن اتّفاق بين الناس، ويوجد كلا هذان النوعان في الدنيا، ولكن تزول الحكومات الإعتبارية كلّها يوم القيامة، وتبقى السيادة الحقيقيّة لخالق العالم(2).
وعلى أي حال، فإنّ الله هو المالك الحقيقي، فهو إذن الحاكم الحقيقي، وتعمّ حكومته على المؤمنين والكافرين على السواء، ونتيجة ذلك كما يقول القرآن المجيد: { فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} الجنّات التي تتوفّر فيها جميع المواهب وكلّ الخيرات والبركات.
ويضيف القرآن الكريم { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} ما أجمل هذا التعبير! عذابٌ يذلّ الكفرة والذين كذّبوا بآيات الله، اُولئك الذين عاندوا الله واستكبروا على خلقه يهينهم الله. وقد وصف القرآن العذاب بـ«الأليم» و «العظيم» و «المهين» في آيات مختلفة، ليلائم كلّ واحد منه الذنب الذي إقترفه المعاندون!.
وممّا يلفت النظر أنّ القرآن المجيد أشار في حديثه عن المؤمنين إلى أمرين «الإيمان» و «العمل الصالح»، وفي المقابل أشار في حديثه عن الكافرين إلى «الكفر» و «التكذيب بآيات الله»، وهذا يعني أنّ كلّ منهما متركّب من إعتقاد داخلي وأثر خارجي يبرز في عمل الإنسان، حيث إنّ لكلّ عمل إنساني أساساً فكرياً.
____________
1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص429-435.
2- الميزان، المجلّد الرّابع عشر، ص433.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|