المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

أحكام التيمم
16-10-2018
الخاصية الأمفوتيرية للبروتين
13-6-2017
نسبة الكلال = نسبة الصمود fatigue ratio =endurance ratio
3-4-2019
Chromatography
15-1-2021
كيف نفسر هذا الحكم حول النظر إلى المبتذلات من النساء ؟
15-10-2020
الانشقاق العظيم (15 تموز 1054)
2023-10-31


تفسير الآية (114-132) من سورة الصافات  
  
2924   12:37 صباحاً   التاريخ: 31-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الصاد / سورة الصافات /

قال تعالى : {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ } [الصافات : 114 - 132] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

عطف سبحانه على ما تقدم بذكر موسى وهارون فقال {ولقد مننا على موسى وهارون} أي أنعمنا عليهما نعما قطعت عنهما كل أذية فمنها النبوة ومنها النجاة من آل فرعون ومنها سائر النعم الدينية والدنياوية {ونجيناهما وقومهما} بني إسرائيل {من الكرب العظيم} من تسخير قوم فرعون إياهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة وقيل من الغرق {ونصرناهم} على فرعون وقومه {فكانوا هم الغالبين} القاهرين بعد أن كانوا مغلوبين مقهورين .

{وآتيناهما الكتاب المستبين} يعني التوراة الداعي إلى نفسه بما فيه من البيان وكذلك كل كتب الله تعالى بهذه الصفة {وهديناهما الصراط المستقيم} أي دللناهما على الطريق المؤدي إلى الحق الموصل إلى الجنة {وتركنا عليهما} الثناء الجميل {في الآخرين} بأن قلنا {سلام على موسى وهارون} وقد مر القول في ذلك {إنا كذلك} مثل ما فعلنا بهما {نجزي المحسنين} نفعل بالمطيعين نجزيهم ذلك على طاعاتهم وفي هذا دلالة على أن ما ذكره الله كان على وجه الثواب لموسى وهارون ومن تقدم ذكره لأن لفظ الجزاء يفيد ذلك {إنهما من عبادنا المؤمنين} أي من جملة عبادنا المصدقين بجميع ما أوجبه الله تعالى عليهم العاملين بذلك .

ثم بين سبحانه قصة إلياس فقال {وإن إلياس لمن المرسلين} واختلف فيه فقيل هو إدريس عن ابن مسعود وقتادة وقيل هومن أنبياء بني إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع عن ابن عباس ومحمد بن إسحاق وغيرهما قالوا إنه بعث بعد حزقيل لما عظمت الأحداث في بني إسرائيل وكان يوشع لما فتح الشام بوأها بني إسرائيل وقسمها بينهم فأحل سبطا منهم ببعلبك وهم سبط إلياس بعث فيهم نبيا إليهم فأجابه الملك ثم إن امرأته حملته على أن ارتد وخالف إلياس وطلبه ليقتله فهرب إلى الجبال والبراري .

وقيل : إنه استخلف اليسع على بني إسرائيل ورفعه الله تعالى من بين أظهرهم وقطع عنه لذة الطعام والشراب وكساه الريش فصار إنسيا ملكيا أرضيا سماويا وسلط الله على الملك وقومه عدوا لهم فقتل الملك وامرأته وبعث الله اليسع رسولا ف آمنت به بنو إسرائيل وعظموه وانتهوا إلى أمره عن ابن عباس .

وقيل إن إلياس صاحب البراري والخضر صاحب الجزائر يجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات وذكر وهب أنه ذو الكفل {إذ قال لقومه ألا تتقون} عذاب الله ونقمته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه {أتدعون بعلا} يعني صنما لهم من ذهب كانوا يعبدونه عن عطا والبعل بلغة أهل اليمن هو الرب والسيد عن عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي فالتقدير أ تدعون ربا غير الله تعالى {وتذرون أحسن الخالقين} أي تتركون عبادة أحسن الخالقين {الله ربكم} أي خالقكم ورازقكم فهو الذي تحق له العبادة {ورب آبائكم الأولين} وخالق من مضى من آبائكم وأجدادكم .

{فكذبوه} فيما دعاهم إليه ولم يصدقوه {فإنهم لمحضرون} للحساب أوفي العذاب والنار {إلا عباد الله المخلصين} استثنى من جملتهم الذين أخلصوا عبادتهم لله من قومه {وتركنا عليه في الآخرين} فيه القولان اللذان ذكرناهما {سلام على الياسين} قال ابن عباس آل يس محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وياسين من أسمائه ومن قرأ {الياسين} أراد إلياس ومن اتبعه وقيل يس اسم السورة فكأنه قال سلام على من آمن بكتاب الله تعالى والقرآن الذي هويس {إنا كذلك نجزي المحسنين} بإحسانهم {إنه من عبادنا المؤمنين} المصدقين العاملين بما أوجبناه عليهم .

________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص327-330 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ولَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وهارُونَ} . منّ سبحانه على موسى وهارون بالنبوة وخلود الذكر والنصر على الأعداء ، ولا تكون النبوة بالكسب والعمل ، وإنما هي اختيار من اللَّه تعالى : اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام - 124] . ومن أجل هذا لا يتعلق بها التكليف ، فلا يقال : كن نبيا كما يقال : كن تقيا {ونَجَّيْناهُما وقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} . من طبيعة اليهود أن يتقبلوا كل شيء من أجل المال وجمعه حتى الذل والعار . . هذا ما نطق به تاريخهم ، فلقد استعبدهم فرعون ولم يحركوا ساكنا حتى جعل اللَّه لهم على يد موسى من الكرب والبلاء فرجا ومخرجا .

{ونَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ} . أغرق سبحانه فرعون وجنوده ، فتحرر بنو إسرائيل من المذلة والعبودية {وآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ} . أنزل سبحانه على موسى وهارون التوراة : وفيها أحكام اللَّه الواضحات {وهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} طريق الحق والعدل {وتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الآخِرِينَ} ذكرا حسنا ، وثناء جميلا {سَلامٌ عَلى مُوسى وهارُونَ} أمن وأمان من اللَّه عليهما ولهما دنيا وآخرة {إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} . وفي معناه : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان . وتقدم الكلام عن موسى وهارون وبني إسرائيل في عشرات الآيات .

{وإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} . قال المفسرون : الياس هو واحد من أنبياء بني إسرائيل ، وان نسبه ينتهي إلى هارون . وفي أكثر من تفسير : أن الياس هذا هو النبي إدريس الذي جاء ذكره في الآية 56 من سورة مريم والآية 85 من سورة الأنبياء ، وفي (قاموس الكتاب المقدس) : ان إيليا اسم عبري ، ومعناه إلهي يهوه والصيغة اليونانية لهذا الاسم هي الياس ، وتستعمل أحيانا في العربية .

{إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ} ؟ ارشدهم إلى التوحيد ، وحذرهم من الشرك تماما كما فعل غيره من الأنبياء {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللَّهً رَبَّكُمْ ورَبَّ آبائِكُمُ الأَوَّلِينَ} . وبعل الذي يدعونه من دون اللَّه اسم صنم كما دل سياق الآية . وفي قاموس الكتاب المقدس : ان بعل بريث اسم كنعاني ومعناه رب العهد . . عكف قوم الياس على عبادة بعل كما عكف من كان قبلهم على عبادة الأصنام فدعاهم إلى التوحيد كما فعل نوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من الأنبياء {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} أعرضوا عن دعوته ، فيحضرهم اللَّه يوم القيامة للحساب والعذاب .

{إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} وهم الذين استجابوا لدعوة الياس ، فإنهم بمنجاة من العذاب ولهم أجر كريم {وتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} ذكرا طيبا {سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ} . قال جماعة من المفسرين : ان أبا الياس اسمه يس ، فعليه يكون المراد بأل ياسين الياس بالذات لأن الابن من آل الأب ، ومهما يكن فإن المقصود هنا بأل ياسين هو الياس بقرينة السياق ، فلقد ذكر سبحانه في الآيات السابقة نوحا وقال : سلام على نوح ، ثم ذكر إبراهيم وأتبعه بقوله : سلام على إبراهيم ، ثم موسى وهارون وقال : سلام على موسى وهارون ، ثم ذكر الياس وانه من المرسلين ، وقال : سلام على إل ياسين ، فتعين انه هو المقصود من آل يس .

______________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص353-354 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ملخص قصة موسى وهارون وإشارة إلى قصة إلياس (عليه السلام) .

وبيان ما أنعم الله عليهم وعذاب مكذبيهم وجانب الرحمة يربو فيها على جانب العذاب والتبشير يزيد على الإنذار .

قوله تعالى : {ولقد مننا على موسى وهارون} المن الإنعام ومن المحتمل أن يكون المراد به ما سيعده مما أنعم عليهما وعلى قومهما من التنجية والنصر وإيتاء الكتاب والهداية وغيرها فيكون قوله : {ونجيناهما} إلخ من عطف التفسير .

قوله تعالى : {ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم} وهو الغم الشديد من استضعاف فرعون لهم يسومهم سوء العذاب ويذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم .

قوله تعالى : {ونصرناهم فكانوا هم الغالبين} وهو الذي أدى إلى خروجهم من مصر وجوازهم البحر وهلاك فرعون وجنوده .

وبذلك يندفع ما توهم أن مقتضى الظاهر أن يذكر النصر قبل التنجية لتوقفها عليه ، وذلك أن النصر إنما يكون فيما إذا كان للمنصور قوة ما لكنها لا تكفي لدفع الشر فتتم بالنصر وكان لبني إسرائيل عند الخروج من مصر بعض القوة فناسب إطلاق النصر على إعانتهم على ذلك بخلاف أصل تخليصهم من يد فرعون فإنهم كانوا أسراء مستعبدين لا قوة لهم فلا يناسب هذا الاعتبار إلا ذكر التنجية دون النصر .

قوله تعالى : {وآتيناهما الكتاب المستبين} أي يستبين المجهولات الخفية فيبينها وهي التي يحتاج إليها الناس في دنياهم وآخرتهم .

قوله تعالى : {وهديناهما الصراط المستقيم} المراد بها الهداية بتمام معنى الكلمة ، ولذا خصها بهما ولم يشرك فيها معهما قومهما ، ولقد تقدم كلام في معنى الهداية إلى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة .

قوله تعالى : {وتركنا عليهما في الآخرين - إلى قوله - المؤمنين} تقدم تفسيرها .

قوله تعالى : {وإن إلياس لمن المرسلين} قيل : إنه (عليه السلام) من آل هارون كان مبعوثا إلى بعلبك 1 ولم يذكر في كلامه ما يستشهد به عليه .

قوله تعالى : {إذ قال لقومه أ لا تتقون أ تدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين - إلى قوله - الأولين} شطر من دعوته (عليه السلام) يدعو قومه فيها إلى التوحيد ويوبخهم على عبادة بعل - صنم كان لهم - وترك عبادة الله سبحانه .

وكلامه (عليه السلام) على ما فيه من التوبيخ واللوم يتضمن حجة تامة على توحيده تعالى فإن قوله : {وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين} يوبخهم أولا على ترك عبادة أحسن الخالقين ، والخلق والإيجاد كما يتعلق بذوات الأشياء يتعلق بالنظام الجاري فيها الذي يسمى تدبيرا فكما أن الخلق إليه تعالى فالتدبير أيضا إليه فهو المدبر كما أنه الخالق ، وأشار إلى ذلك بقوله : {الله ربكم} بعد وصفه تعالى بأحسن الخالقين .

ثم أشار إلى أن ربوبيته تعالى لا تختص بقوم دون قوم كالأصنام التي يتخذ كل قوم بعضا منها دون بعض فيكون صنم ربا لقوم دون آخرين بل هو تعالى رب لهم ولآبائهم الأولين لا يختص ببعض دون بعض لعموم خلقه وتدبيره ، وإليه أشار بقوله : {الله ربكم ورب آبائكم الأولين} .

قوله تعالى : {فكذبوه فإنهم لمحضرون} أي مبعوثون ليحضروا العذاب ، وقد تقدم أن الإحضار إذا أطلق أفاد معنى الشر .

قوله تعالى : {إلا عباد الله المخلصين} دليل على أنه كان في قومه جمع منهم .

قوله تعالى : {وتركنا عليه في الآخرين - إلى قوله - المؤمنين} تقدم الكلام في نظائرها .

 _______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص131-133 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

النعم التي منّ بها الله على موسى وهارون :

الآيات المباركة هذه تشير إلى جوانب من النعم الإلهيّة التي أغدقها الله جلّ شأنه على موسى وأخيه هارون ، والبحث هنا ليتناغم ويتواءم مع البحوث السابقة بشأن نوح وإبراهيم في الآيات السابقة ، فمحتوى الآيات يشابه بعضه البعض ، ونفس الألفاظ تتكرّر في بعض الجوانب ، وذلك لتوجد نظاماً تربوياً منسجماً للمؤمنين .

مرّة اُخرى إستخدم في هذه الآيات اُسلوب (الإجمال والتفصيل) الاُسلوب الذي استخدمه القرآن في نقل العديد من الحوادث .

الآية الاُولى تشير إلى قوله تعالى : {ولقد مننا على موسى وهارون} .

«المنّة» في الأصل من «المنّ» ويعني الحجر الذي يستعمل للوزن ، ثمّ أطلق على النعم الكبيرة والثقيلة ، فلو كانت لها جنبة عملية وموضوعية فالمنّة جميلة ومحمودة ، ولو إقتصرت على اللفظ والكلام فهي سلبية ومذمومة ، والغالب إنّها تستعمل في المحاورات العرفية بالمعنى الثاني ، وهذا هو السبب في تداعي المفهوم السلبي من هذه الآيات الكريمة ، ولكن لابدّ من القول انّ هذه المفردة وردت في اللغة والآيات الكريمة بمعناها الواسع الذي يشمل المفهوم الأوّل منها . (أي منع النعم والمواهب الكبيرة) .

وعلى كلّ حال فانّ الله سبحانه وتعالى أنعم على الأخوين موسى وهارون بنعمة عظيمة .

أمّا الآيات التي تلتها فتشرح سبعة من هذه النعم ، وكلّ واحدة منها أفضل من اُختها .

ففي المرحلة الاُولى ، يقول سبحانه وتعالى : {ونجّيناهما وقومهما من الكرب العظيم} .

فهل هناك قلق أكثر من هذا ، وهو أنّ بني إسرائيل يعيشون في قبضة الفراعنة المتجبّرين الطغاة؟ يذبحون أولادهم ويسخّرون نساءهم في خدمتهم ، ويستعبدون رجالهم ويستعملونهم في الأعمال الشاقّة .

أليس فقدان الحرية والإبتلاء بسلطان جائر لا يرحم الكبير ولا الصغير ، حتّى يبلغ به طغيانه إلى أن يتلاعب بنواميس الناس وشرفهم ، أليس هذا كرباً عظيماً ، وألماً شديداً ، إذن فإنقاذهم من قبضة فراعنة مصر المتجبّرين ، كانت أوّل نعمة يغدقها الباري عزّوجلّ على بني إسرائيل .

وفي المرحلة الثانية ، قال الباري عزّوجلّ : {ونصرناهم فكانوا هم الغالبين} .

ففي ذلك اليوم كان جيش الفراعنة ذا قوّة عظيمة ويتقدّمه الطاغية فرعون ، فيما كان بنو إسرائيل قوم ضعفاء وعاجزين يفتقدون لرجال الحرب وللسلاح أيضاً ، إلاّ أنّ المدد الإلهي وصلهم في تلك اللحظات ، وأغرق فرعون وجيشه وسط أمواج البحر ، وأورث بني إسرائيل قصور وثروات وحدائق وكنوز الفراعنة .

وفي المرحلة الثالثة من مراحل إغداق النعم على بني إسرائيل وشمولهم بعنايته ، جاء في محكم كتابه العزيز {وآتيناهما الكتاب المستبين} .

نعم (التوراة) هو كتاب مستبين ، أي يوضّح لهم المجهولات المبهمة ، ويجيبهم على كلّ ما يحتاجونه في دينهم ودنياهم ، كما أكّدت الآية (44) في سورة المائدة ذلك { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة : 44] .

وفي المرحلة الرابعة أشار القرآن الكريم إلى نعمة معنوية اُخرى منّ بها جلّ شأنه على موسى وهارون ، وهي هدايتهما إلى الصراط المستقيم ، {وهديناهما الصراط المستقيم} .

الطريق الصحيح الخالي من كلّ إعوجاج ، ألا وهو طريق الأنبياء والأولياء ، والذي لا يوجد فيه أي خطر من قبيل الإنحراف والضلال والسقوط .

وعندما نقرأ سورة الحمد في كلّ الصلوات ونطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى الصراط المستقيم ، نقول : {اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين} . أي إنّنا نطلب منه أن يهدينا إلى طريق الأنبياء والأولياء .

أمّا المرحلة الخامسة فإنّها أكّدت على إستمرار رسالتهما والثناء الجميل عليهما ، إذ تقول الآية : {وتركنا عليهما في الآخرين} .

وهذه العبارة نفسها وردت في الآيات السابقة بشأن إبراهيم ونوح ، لأنّ كلّ الدعاة إلى الله السالكين لطريق الحقّ ، يبقى إسمهم وتاريخهم خالداً على مرّ الزمن ، ويجب أن يبقى خالداً ، لأنّهم لا يخصّون قوماً أو شعباً معيّن ، وإنّما كلّ الإنسانية .

والمرحلة السادسة تستعرض التحيّة الطيّبة المباركة التي وردت إلى كلّ من موسى وهارون من عند الله {سلام على موسى وهارون} .

سلام من عند الله العظيم والرحيم ، السلام الذي هو رمز لسلامة الدين والإيمان والرسالة والإعتقاد والمذهب ، السلام الذي يوضّح النجاة والأمن من العقاب والعذاب في هذه الدنيا وفي الآخرة .

وفي المرحلة السابعة ـ الأخيرة ـ نصل إلى مرحلة الثواب والمكافأة الكبرى التي يقدّمها الباري عزّوجلّ إليهما {إنّا كذلك نجزي المحسنين} .

نعم إنّ حصولهما على كلّ هذه المفاخر لم يكن من دون دليل أو سبب ، إذ كانا من المحسنين والمؤمنين والمخلصين والطيّبين ، فمثل هؤلاء جديرون بالثواب والمكافأة .

والملفت للنظر أنّ هذه الآية {إنّا كذلك نجزي المحسنين} تكرّرت في هذه السورة عدّة مرّات ، إذ جاءت بحقّ نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس ، وعبارة مشابهة لها بشأن يوسف وردت في سورة يوسف الآية (22) كما وردت في الآية (84) في سورة الأنعام عن أنبياء آخرين كان ثوابهم نفس الثواب ، وكلّهم يُقرّون بأنّ كلّ من يريد أن تشمله العناية الإلهيّة عليه أوّلا أن ينضمّ إلى زمرة المحسنين كي تغدق عليه البركات الإلهيّة .

الآية الأخيرة في بحثنا تشير إلى نفس الدليل الذي ورد في قصّة نوح وإبراهيم من قبل {إنّهما من عبادنا المؤمنين} .

فالإيمان هو الذي ينير روح الإنسان ويعطيه القوّة ، ويدفعه إلى الطهارة والتقوى وعمل الإحسان والخير ، الإحسان الذي يفتح أبواب الرحمة الإلهيّة على الإنسان ، فتنزل عليه مختلف أشكال النعم .

 

وقوله تعالى : {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَلِقِينَ (125) اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءَابَآئِكُمُ الاْوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمحْضَرُونَ (127) إِلاَّ عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاْخِرِينَ (129) سَلَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}

 

النّبي إلياس ومواجهته للمشركين :

القصّة الرابعة في هذه السورة إستعرضت بصورة مختصرة حياة نبي الله (إلياس) ، يقول تعالى : {وإنّ إلياس لمن المرسلين} .

الحديث حول «إلياس» وخصوصياته ونسبه وحياته سيأتي لاحقاً في آخر هذه الآيات ـ إن شاء الله .

ثمّ تبدأ الآيات بالتفصيل بعد الإجمال وتقول : واذكر عندما أنذر قومه {إذ قال لقومه ألا تتّقون} .

أي اتّقوا الله واجتنبوا الشرك وعبادة الأصنام وإرتكاب الذنوب والمظالم ، وكلّ ما يؤدّي بالإنسان إلى الباطل والفساد .

أمّا الآية التي تلتها فقد تحدّثت بصراحة أكثر {أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين} .

ومن هنا يتّضح أنّ قومه كانوا يعبدون صنماً إسمه (بعل) ويسجدون له ، وأنّ هذا النّبي كان يدعوهم إلى ترك هذا العمل القبيح ، والتوجّه إلى الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون العظيم وتوحيده وعبادته .

جمع من المفسّرين ذهبوا إلى أنّ إلياس كان مبعوثاً إلى مدينة «بعلبك» إحدى مدن بلاد الشام (2) لأنّ (بعل) هواسم ذلك الصنم و (بك) تعني مدينة ، ومن تركيب هاتين الكلمتين نحصل على كلمة (بعلبك) وقيل : إنّ الصنم (بعل) كان مصنوعاً من الذهب وطوله حوالي (20) ذراعاً وله أربعة أوجه ، وخدمته كانوا (400) شخصاً (3) .

ولكن البعض ذهبوا إلى أنّ (بعل) ليس إسماً لصنم معيّن ، بل يطلق بصورة عامّة على الأصنام ، فيما قال البعض الآخر : إنّها تعني (الربّ والمعبود) . وقال (الراغب) في مفرداته : إنّ كلمة «بعل» تعني (الزوج) أمّا العرب فتطلقها على الأصنام التي تعبدها والتي بواسطتها يقربون إلى الله سبحانه وتعالى على حدّ زعمهم .

وعبارة (أحسن الخالقين) رغم أنّها تشير إلى أنّ الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون ولا يوجد خالق سواه ، فهي تشير أيضاً حسب الظاهر إلى الأشياء المصنوعة ، أي التي يصنعها الإنسان بعد أن يغيّر شكل المواد الطبيعية ، ومن هنا سمّي بالخالق ، رغم أنّه تعبير مجازي .

على أيّة حال ، فقد عمد إلياس إلى توبيخ قومه بشدّة ، وقال لهم : {الله ربّكم وربّ آبائكم الأوّلين} .

إذ أنّ الله مالككم ومربّيكم ، وكلّ نعمة عندكم فهي منه ، وأي مشكلة عندكم تتيسر بقدرته ، فغيره ، لا يعدّ مصدراً للخير والبركة ، ولا يمكنه دفع الشرّ والبلاء عنكم .

الظاهر هنا أنّ المشركين في زمان إلياس ، قالوا ـ كما قال المشركون في زمان نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إنّنا نتّبع سنن أجدادنا الأوّلين ، فأجابهم إلياس (عليه السلام) بقوله : {الله ربّكم وربّ آبائكم الأوّلين} .

وإستخدام كلمة (ربّ) هنا أفضل منبّه للعقل والتفكير ، لأنّ أهمّ قضيّة في حياة الإنسان هي أن يعرف من الذي خلقه؟ ومن هو مالكه ومربّيه وولي نعمته اليوم ؟

إلاّ أنّ قومه اللجوجين والمتكبّرين لم يعطوا اُذناً صاغية لنصائحه ومواعظه ، ولم يعبأوا بما يقوله لهدايتهم ، وإنّما كذّبوه (فكذّبوه) .

ومقابل تصرفاتهم هذه توعدهم الله سبحانه وتعالى بعذابه بعبارة قصيرة جاء فيها : إنّنا سنحضرهم إلى محكمة العدل الإلهي وسنعذّبهم في جهنّم (فإنّهم لمحضرون) لينالوا جزاء أعمالهم القبيحة والمنكرة .

ولكن يبدو أنّ هناك مجموعة من الأطهار المحسنين والمخلصين قد آمنوا بما جاء به إلياس ، ولكي لا يضيع حقّ هؤلاء ، قال تعالى مباشرةً بعد تلك الآية {إلاّ عباد الله المخلصين} (4) .

الآيات الأخيرة من بحثنا إستعرضت نفس القضايا الأربعة التي وردت بحقّ الأنبياء الماضين (نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وهارون) ولأهميّتها نستعرضها مرّة اُخرى .

قوله تعالى : {وتركنا عليهما في الآخرين} أي إنّ الاُمم القادمة سوف لن تنسى الجهود الكبيرة التي بذلها الأنبياء الكبار من أجل حفظ خطّ التوحيد ، وسقاية شجرة الإيمان ، وما دامت الحياة موجودة في هذه الدنيا فإنّ رسالتهم ستبقى حيّة وخالدة .

وفي المرحلة الثانية أثنى الله سبحانه وتعالى وبعث بتحيّاته إلى آل ياسين ، قال تعالى : {سلام على إل ياسين} .

إستخدام عبارة (الياسين) بدلا عن (الياس) إمّا لكونها من الناحية اللغوية لفظاً لـ (إلياس) واللتين لهما نفس المعنى ، أو أنّها إشارة إلى (إلياس) وأتباعه المؤمنين ، فوردت بصورة الجمع (5) .

وفي المرحلة الثالثة ، قال تعالى : {إنّا كذلك نجزي المحسنين} .

«الإحسان» هنا شمل ، معنىً واسعاً وهو العمل بكلّ السنن والأوامر ، ومن ثمّ الجهاد ضدّ كافّة أشكال الشرك والإنحراف والذنوب والفساد .

أمّا المرحلة الرابعة فتطرح الإيمان كأمر أساسي يجب أن يتوفّر في الأنبياء الذين إستعرضتهم هذه السورة المباركة فتقول الآية هنا : (إنّه من عبادنا المؤمنين) .

«الإيمان» و«العبودية» لله هما مصدر الإحسان ، والإحسان يؤدّي إلى إنضمام المحسن لصفوف المخلصين الذين يشملهم سلام الله .

____________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص304-309 .

2 ـ بعلبك اليوم جزء من لبنان وتقع قرب الحدود السورية .

3 ـ «روح المعاني» ذيل الآيات الخاصّة بالبحث .

4 ـ وفقاً لما ذكرناه أعلاه فإنّ هذا الإستثناء هو استثناء متّصل من (الواو) في «كذّبوه» ، وتعني أنّ كلّ قومه كذّبوه وابتلوا بالعذاب الإلهي ، عدا عباد الله المخلصين .

5 ـ في البداية كانت (إلياس) ثمّ نسبت إليها ياء فأصبحت (الياسيّ) ، ثمّ جمعت فأصبحت ، (الياسيين) وعند تخفيفها أضحت (الياسين) .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .