أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-5-2016
5752
التاريخ: 22-5-2016
3328
التاريخ: 2023-03-06
1279
التاريخ: 15-8-2021
2569
|
تحديد معنى السبب في النظرية التقليدية:
تميز النظرية التقليدية بين السبب الإنشائي والسبب الدافع والسبب القصدي . فالسبب الإنشائي هو مصدر الالتزام، وهو لا يعنينا هنا.
والسبب الدافع هو الباعث الذي دفع الملتزم إلى أن يرتب في ذمته الالتزام. فمن يشتري منزلا قد يكون الدافع له على الشراء وعلى الالتزام بدفع الثمن هو أن يستغل المنزل، أو أن يخصصه لسكناه، أو أن يجعل منه محلا لعمله، أو أن يجعل منه نادية للمقامرة، أو أن يديره للمهارة، أو غير ذلك من الدوافع المشروعة وغير المشروعة. فالباعث إذن بجمع الخصائص الثلاث الأتية: (۱) هو شيء خارجي عن العقد. (۲) وهو شيء ذاتي للملتزم. (۳) وهو شيء متغير، لا في كل نوع من العقود فحسب، بل في كل عقد بالذات. ولما كان الباعث بصعب ضبطه على وجه التحديد، فإن النظرية التقليدية تذهب إلى أنه لا تأثير له في وجود العقد ولا في قيام الالتزام، فمهما كان هذا الباعث شريفة او غير شريف، متفقة مع النظام العام أو مخالفة له، فإن العقد صحيحة والالتزام قائم.
والسبب القصدي . وهو السبب الذي تقف عنده النظرية التقليدية . يعرف عادة بأنه هو الغاية المباشرة أو الغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه. فيختلف السبب عن الباعث في أن السبب هو أول نتيجة يصل إليها الملتزم، أما الباعث فغاية غير مباشرة تتحقق بعد أن يتحقق السبب، ولا يصل إليها الملتزم مباشرة من وراء الالتزام.
السبب في الطوائف المختلفة من العقود:
وتستعرض النظرية التقليدية الطوائف المختلفة للعقود لتحديد السبب . ويفهم دائما بمعنى السبب القصدي . في كل طائفة منها، على النحو الذي جرى عليه دوما و پوتييه.
ففي العقود الملزمة للجانبين، سبب التزام كل من المتعاقدين هو التزام المتعاقد الآخر، مثل ذلك عقد البيع، يلتزم البائع فيه بنقل ملكية المبيع وسبب هذا الالتزام هو التزام المشتري بدفع الثمن، ويلتزم المشتري بدفع الثمن وسبب هذا الالتزام هو التزام البائع بنقل ملكية المبيع، وقل مثل ذلك في العقود الأخرى الملزمة للجانبين، كالإيجار والمقاولة وعقد العمل.
وفي العقود الملزمة لجانب واحد، إذا كان العقد عينيا، فرضا كان أو عارية أو وديعة أو رهن حيازة . وهذا في غير التقنين المصري الجديد . يكون سبب التزام المتعاقد الملتزم هو تسلمه الشيء محل التعاقد. فالمفترض يلتزم برد القرض لأنه تسلمه، وهذا هو الغرض المباشر الذي قصد إلى تحقيقه من وراء التزامه، وإذا كان العقد الملزم لجانب واحد عقدة رضائيا، كالوعد بالبيع، فالظاهر أن سبب الالتزام هو إتمام العقد النهائي، وهو الغرض المباشر الذي قصد الواعد إلى تحقيقه، وهو بعد سبب محتمل قد يتحقق وقد لا يتحقق.
وفي عقود التبرع، السبب في التزام المتبرع هو نية التبرع ذاتها. فالمتبرع يقصد من وراء التزامه غرضة مباشرة هو إسداء بد للموهوب له وهذا هو السبب في تبرعه.
ويتبين مما تقدم أن خصائص السبب في النظرية التقليدية هي عكس خصائص الباعث:
1. فالسبب شيء داخلي في العقد، يستخلص حتما من نوع العقد ومن طبيعة الالتزام ذاته . (۲) وهو شيء موضوعي لا تؤثر فيه نوايا الملتزم، (۳) وهو غير متغير، فيبقى واحدة في نوع واحد من العقود، ولا يتغير بتغير البواعث والدوافع، وهذه الخصائص الثلاث هي عين الخصائص التي رأيناها لصيقة بالسبب في الفكرة الرومانية القديمة .
على أن النظرية التقليدية . خلافا للقانون الروماني . تحرص على أن تقرر أن قيام السبب واجب من وقت تكوين العقد إلى حين تنفيذه. فإذا قام السبب عند تكوين العقد، ثم انقطع قبل التنفيذ، سقط الالتزام. وتظهر أهمية هذه القاعدة في العقود الملزمة للجانبين، فإن هذه العقود تتميز بأمور ثلاثة : (۱) إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه. جاز للمتعاقد الآخر أن يمتنع عن تنفيذ ما ترتب في ذمته من التزام، وهذا هو الدافع بعدم التنفيذ. (۲) إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه ، جاز للمتعاقد الآخر أن يطلب فسخ العقد، وهذه هي نظرية الفسخ. (۳) إذا استحال على أحد المتعاقدين تنفيذ التزامه القوة قاهرة، تحمل هو تبعة هذه الاستحالة وسقط التزام المتعاقد الآخر، وهذه هي نظرية تحمل التبعة. وأصحاب النظرية التقليدية يبنون هذه المبادئ الثلاثة على فكرة السبب ووجوب بقائه قائما إلى أن يتم تنفيذ العقد.
الشروط الواجب توافرها في السبب:
تذهب النظرية التقليدية إلى أن السبب يجب أن تتوافر فيه شروط ثلاثة : (1) أن يكون موجودة (۲) وأن يكون صحيحة (3) وأن يكون مشروعة.
1. ووجود السبب ليس في الواقع شرطة يجب توافره في شيء، بل هو الشيء ذاته , وإنما يثار وجود السبب حتى يتقرر أن كل التزام لا يكون له سبب يكون التزاما غير قائم. ويغلب في السبب غير الموجود أن يكون سببا موهوما وقع غلط في وجوده، فظن المتعاقدان أنه موجود وهو غير موجود، ولكن السبب الموهوم لا يدخل في نطاق هذا الشرط الأول، بل بدخل في نطاق الشرط الثاني كما سنرى. أما هنا فالمراد بالسبب غير الموجود أن يكون المتعاقدان على بينة من أنه غير موجود، أي أن يكونا غير واهمين في وجوده، ويقدم المتعاقدان على التعاقد لسبب غير موجود وهما عالمان بذلك في فروض نذكر منها الفروض الثلاثة الآتية : (۱) قد يكره أحد المتعاقدين على إمضاء إقرار بمديونيته وهو غير مدين، أي لسبب لا وجود له كقرض لم يتم، وفي هذه الحالة يكون العقد الذي يقر فيه المتعاقد المكره بمديونيته باطلا لانعدام السبب. ولا يكفي أن يقال : إنه قابل للإبطال لما وقع فيه من إكراه، فالفرق واضح بين البطلان والقابلية للإبطال. بل قد لا يكون هناك إكراه ويصدر الإقرار بالمديونية قبل تسلم القرض، ثم يثبت المقر أنه لم يتسلم القرض أصلا، فيكون الإقرار في هذه الحالة باطلا لانعدام السبب. (ب) يكون السبب غير موجود، دون أن يكون هناك وهم أو إكراه، فيما يسمى بسند المجاملة وصورته أن يلتزم شخص نحو آخر التزاما صوريا فيمضي سندا لمصلحته، ويقصد من ذلك أن يعطي الدائن الصوري سندا يحصل على قيمته من طريق تحويله، حتى إذا حل ميعاد دفع السند قام الدائن الصوري بتوريد قيمة إلى المدين فيدفعها هذا الحامل السند. وبذلك يستطيع الدائن الصوري أن يحصل على ما هو في حاجة إليه من النقود إلى أجل معلوم، لا من مدينه بالذات، بل بفضل إمضاء هذا المدين على سند المجاملة. ولا يحتج بانعدام السبب على حامل السند إذا كان حسن النية ، ولكن في العلاقة ما بين المدين ودائنة الصوري يستطيع الأول أن يتمسك ببطلان السند لانعدام السبب. (ج) ويتحقق انعدام السبب بنوع خاص بعد تمام التعاقد ، ويقع ذلك في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه أو استحال عليه هذا التنفيذ لقوة قاهرة، فإن سبب التزام المتعاقد الآخر يصبح غير موجود بعد أن كان موجودة عند التعاقد، وانعدام السبب بعد وجوده في هذه الأحوال هو الذي يبرر نظرية الدفع بعدم التنفيذ ونظرية الفسخ ونظرية تحمل التبعة على ما بينا.
۲. ويجب أيضا أن يكون السبب صحيحة، فالسبب غير الصحيح لا يصلح أن يقوم عليه التزام. ويرجع عدم صحة السبب إلى أحد أمرين: إما لأن السبب الظاهر . وهو السبب غير الصحيح . هو سبب موهوم أو مغلوط، وإما لأن السبب الظاهر هو سبب صوري.
والأمثلة على السبب الموهوم كثيرة: وارث يتخارج مع شخص يعتقد أنه وارث معه وهو ليس بوارث، فبعطيه مبلغا من النقود حتى يتخلى عن نصيبه في الميراث، فهذا التخارج باطل لأن سببه موهوم. وارث يمضي إقرارا بدين على التركة، ويتبين أن الدائن كان قد استوفي الدين من المورث فهذا الإقرار باطل لأن سببه موهوم، وارث يتعهد لموصي له بعين في التركة أن يعطيه مبلغا من المال في نظير نزوله عن الوصية، ويتبين بعد ذلك أن الوصية باطلة أو أن الموصي قد عدل عنها، فتعهد الوارث باطل لأن سببه موهوم مدين يتفق مع دائنه على تجديد الدين، فيتبين أن الدين القديم باطل أو أن الدائن قد استوفاه ، فالتجديد باطل لأن سببه موهوم.
بقي السبب الصوري ، والعقد الذي يقوم على سبب صوري لا يكون باطلا لصورية السبب ، فإن الصورية في ذاتها ليست سببا في البطلان، ولكن إذا أثبت المدين صورية السبب، فعلى الدائن أن يثبت السبب الحقيقي، ويكون الالتزام قائمة أو غير قائم تبعا لهذا السبب الحقيقي . فإن كان هذا السبب موهومة، سقط الالتزام، لأن السبب الحقيقي موهوم ، لا لأن السبب الظاهري صوري، وإن كان السبب الحقيقي غير مشروع، وقد أخفي تحت ستار سبب مشروع كما هو الغالب، سقط الالتزام أيضا، لا لصورية السبب الظاهر، بل لعدم مشروعية السبب الحقيقي. أما إذا كان السبب الحقيقي مشروعة غير موهوم، فإن الالتزام يقوم بالرغم من صورية السبب الظاهر .
٣. ويجب أخيرة أن يكون السبب مشروعة. والسبب المشروع هو الذي لا يحرمه القانون ولا يكون مخالفة للنظام العام ولا للآداب. ومشروعية السبب، عند أصحاب النظرية التقليدية ، شرط متميز عن مشروعية المحل. فقد يكون المحل مشروعة والسبب غير مشروع، ويتحقق ذلك في فروض مختلفة، نذكر منها:
أولا: إذا تعهد شخص لآخر بارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود، فإن التزام الشخص بدفع النقود محله مشروع، ولكنه سببه . وهو التزام الشخص الأول بارتكاب الجريمة . غير مشروع. فلا يقوم هذا الالتزام، لا لعدم مشروعية المحل، بل لعدم مشروعية السبب. : ثانيا : كذلك إذا تعهد شخص لآخر بعدم ارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود، فإن التزام كل من المتعاقدين محله مشروع: الأول التزام بعدم ارتكاب جريمة وهذا محل مشروع، والآخر التزام بدفع مبلغ من النقود وهذا أيضا محل مشروع. ولكن سبب التزام الأول بالامتناع عن ارتكاب الجريمة هو التزام الآخر بدفع مبلغ من النقود، وهذا سبب غير مشروع لأن الامتناع عن ارتكاب الجريمة واجب قانوني لا يجوز الأجر عليه، وسبب التزام الآخر بدفع مبلغ من النقود هو التزام الأول بالامتناع عن ارتكاب الجريمة، وهذا أيضا سبب غير مشروع إذ لا يجوز لشخص أن يلتزم نحو آخر لحمله على أداء واجب عليه. ومن ذلك نرى أن كلا من الالتزامين لا يقوم لعدم مشروعية السبب، وهذا بالرغم من أن كلا منهما محله مشروع. وكذلك الأمر في كل عقد يلتزم فيه شخص بإجازة شخص آخر ليحمله على القيام بما يجب عليه دون إجازة كالمودع يجيز المودع عنده حتى برد الوديعة، وكالمسروق منه يجيز السارق حتى يرد المسروق. وكمن خطف ولده يجيز الخاطف حتي برد إليه ولده؛ وكمن يخشى أذى من شخص يجيز هذا الشخص حتى يكف عنه أذاه .
ثالثا : عقد الوساطة في الزواج هو أيضا عقد سببه غير مشروع، على رأي ، وإن كان المحل مشروعة. فإذا التزم شخص أن يدفع أجرة لوسيط يبحث له عن زوج برضاه، فإن كثيرا من الفقهاء يقولون: إن العقد غير مشروع لأنه يجعل الزواج ضربة من التجارة . إلا أن محكمة النقض الفرنسية ميزت بين فرضين فإذا اشترط الوسيط الأجر تم الزواج أو لم يتم. كان هذا أجرة على العمل لا جائزة على النجاح، فيكون العقد مشروعة. أما إذا اشترط الأجر على ألا ينقده إلا إذا تم الزواج، فهذا هو الاتفاق الباطل، لأن الوسيط في هذه الحالة قد بحمل على ركوب طرف من الغش والخديعة حتى يتم زواجة قد لا يكون في مصلحة الزوجين أن يتم، ولا مصلحة فيه إلا للوسيط يحصل على أجره الموعود.
والقضاء في مصر غير مستقر، فقد قضت إحدى المحاكم الوطنية ببطلان العقد، لا سيما في بلد كمصر حيث يسهل على الخاطبة، أن تخدع الزوج في أمر زوجته بسبب انعزال المرأة عن الرجل. وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بصحة العقد، إذ أن الغرض الذي يرمي إليه مشروع نهور ييسر أمر الزواج ، وإذا وقع غش من الوسيط أمكن الرجوع عليه بالطرق القانونية .
ونحن نؤثر الأخذ برأي محكمة النقض الفرنسية ، فيكون العقد صحيحة إذا أخذ الوسيط اجرا على عمله تم الزواج أو لم يتم، ويكون باطلا إذا لم يأخذ الأجر إلا إذا تم الزواج . فإذا أخذ بهذا الراي، كان الاتفاق مع الوسبط على إعطائه أجرأ إذا نجحت وساطته اتفاقا غير مشروع، وعدم المشروعية هنا يرجع إلى السبب لا إلى المحل، فإن التزام كل من الفريقين محله مشروع، أحدهما يلتزم بإعطاء الأجر والثاني يلتزم بالعثور على زوج صالح، ولكن سبب كل من الالتزامين غير مشروع لأنه مما يخالف الآداب والنظام العام أن يلتزم الوسيط بتزويج الطرف الآخر في مقابل أجر، وأن يلتزم الطرف الآخر بإعطاء الوسيط أجرا في مقابل هذا الزواج.
انتقاد النظرية التقليدية في السبب- نظرية عقيمة يمكن الاستغناء عنها:
منذ استقرت النظرية التقليدية منقولة عن دوما وبوتييه على النحو الذي سطناه ، بقيت مبعثا القلق الفقهاء، يرون فيها ضيق الأفق وقصور المدى وعقم الإنتاج. وإذا كان فقهاء . كالأستاذ كابيتان . قد دافعوا عنها بعد أن حرروا فيها، فإن كثيرة من الفقهاء، وعلى رأسهم الأستاذ بلانيول، | هاجموها مهاجمة عنيفة. فالصياغة الرومانية الشكلية هي التي ساهمت كثيرة في تكييف هذه النظرية التقليدية، والعيب الجوهري فيها ليس في أنها غير صحيحة، فهي حتى لو كانت صحيحة عقيمة على كل حال . وهي لا تضيف شيئة إلى الثروة القانونية ، إذ هي تحدد السبب في أنواع العقود المختلفة تحديدا آليا، وتتطلب فيه شروطا ثلاثة. ونستعرض هذه الشروط مطبقة على السبب في صوره المختلفة ، لنثبت أن السبب بهذا المعنى التقليدي الضيق يمكن الاستغناء عنه دون عناء يمكن الاستغناء عن السبب الموجود، وعن السبب الصحيح، وعن السبب المشروع.
1. يمكن الاستغناء عن السبب الموجود: وتأتي النظرية التقليدية للتدليل على وجوب وجود السبب بمثلين، مثل من أكره على إمضاء التزام ليس له سبب ومثل من أمضى سند مجاملة عن بينة واختيار . فإذا أكره شخص على إمضاء سند لسبب لا وجود له، كقرض لم يتم، فإن العقد يكون باطلا، ولا يكفي هنا استظهار الإكراه فإنه يقتصر على جعل العقد قابلا للإبطال. ولكن على أي اساس يقوم بطلان العقد؟ تقول النظرية التقليدية إن الأساس هو انعدام السبب، إذا الالتزام بالمديونية سببه القرض والقرض لم ينم. على أنه من اليسير أن نصل إلى النتيجة ذاتها عن طريق غير طريق السبب. ذلك أننا إذا اعتبرنا السند تصرفه صادرة عن إرادة منفردة، فهو التزام بدفع مبلغ واجب بعقد القرض، ولما كان هذا المبلغ لا وجود له لأن القرض لم يتم، فمحل الالتزام معدوم، ويسقط الالتزام لا لانعدام السبب بل لانعدام المحل، وإذا اعتبرنا السند هو عقد القرض ذاته، فالتزام المفترض لا يقوم هنا أيضا لأنه لم يتسلم مبلغ القرض، ولا بد من أن يتسلم المقترض مبلغ القرض حتى يلتزم برده، إما لأن القرض عقد عيني لم يتم لعدم التسليم، وإما لأن القرض عقد رضائي - وفقا للتقنين المصري الجديد - لم يقم فيه المقرض بتنفيذ التزامه. وفي الحالين يسقط التزام من أمضي السند، لا لانعدام السبب بل لعدم انعقاد القرض أو لعدم تنفيذ الالتزام المقابل. أما إذا أمضى شخص سند مجاملة لدائن صوري، فإن قواعد الصورية هنا تكفي وتغنينا عن نظرية السبب. فالسند صوري، والذين لا وجود له فيما بين الطرفين، أما بالنسبة إلى الغير، وهو حامل السند، فيؤخذ بالعقد الظاهر .
على أننا إذا تركنا هذه الأمثلة التفصيلية جانبا واستعرضنا طوائف العقود المختلفة ، زدنا يقينا أن السبب بالمعنى التقليدي يسهل الاستغناء عنه، فالالتزام في العقد الملزم للجانبين سببه، كما تقول النظرية التقليدية ، الالتزام المقابل. ولكن ما أيسر علينا أن نستبدل بفكرة السبب هذه فكرة الارتباط التي قال بها بلانيول. بل لعل فكرة الارتباط من الناحية الفنية أدق من فكرة السبب. ذلك أن انعدام السبب جزاؤه البطلان كما هو معروف ، فإذا انعدم السبب عند تكوين العقد أو بعد تكوينه كان الواجب أن يكون الجزاء واحدة في الحالتين. ولكننا نرى أن العقد يبطل في الحالة الأولى ويفسح في الحالة الثانية، وفي هذا التفريق عيب فني واضح، أما فكرة الارتباط فأكثر مرونة من فكرة السبب، وهي تسمح بأن نقول بالبطلان إذا انعدم أحد الالتزامين المتقابلين عند تكوين العقد، إذ منطق الارتباط بقضي بأن العقد لا يوجد. وتسمح فكرة الارتباط في الوقت ذاته أن نقول إن العقد ينقضي بعد وجوده - أي يفسخ - إذا انقطع أحد الالتزامين المتقابلين بعد أن وجد. أما في العقود العينية وفي التبرعات فالنظرية التقليدية أقل تماسكا. إذ تقول هذه النظرية إن العقد العيني سببه التسليم، فإذا لم يتم التسليم لم يقم الالتزام لانعدام سببه، ومن السهل هنا أن يقال إن الالتزام لا يقوم، لا لانعدام السبب، بل لعدم انعقاد العقد العيني إذ هو لا ينعقد إلا بالتسليم. وتقول النظرية التقليدية إن السبب في التبرعات هو نية التبرع، فإذا لم تكن هذه النية موجودة لم يقم التزام المتبرع لانعدام السبب. ولكن مني ثبت أن المتبرع قد رضي أن يتبرع، فرضاؤه حتما يتضمن نية التبرع، فإذا تبين أن هذه النية منعدمة فذلك لا يكون إلا لأن الرضاء بالتبرع منعدم وتكون الهبة باطلة في هذه الحالة لانعدام الرضاء لا لانعدام السبب.
۲. ومن السهل أيضا أن نستغني عن السبب الصحيح كما استغنينا عن السبب الموجود ، فالسبب الصحيح كما رأينا إما سبب موهوم أو سبب صوري . وإذا استعرضنا أمثلة السبب الموهوم، وجدنا أنه يمكن الاستغناء فيها جميعا عن نظرية السبب بنظرية المحل، فالشخص غير الوارث الذي يتخارج مع وارث يتعامل في حق معدوم. وهذه هي حال دائن التركة الذي يحصل على إقرار بالدين بعد أن استوفاه ، وحال الموصي له الذي يتعامل في الموصي به إذا كانت الوصية باطلة أو كان الموصي قد عدل عنها، وحال الدائن الذي يحدد دينة قديمة بعد أن يستوفيه. أما السبب الصوري فقد رأينا أنه لا يبطل العقد إلا إذا كان يخفي سببه موهومة أو سببه غير مشروع، وقد فرغنا من السبب الموهوم فننتقل الآن إلى السبب غير المشروع. .
۳. ومن السهل أخيرة أن نستغني عن السبب المشروع في العقود الملزمة للجانبين بفكرة الارتباط التي قدمناها . فمن يتعهد بارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من المال لا يقوم التزامه لعدم مشروعية المحل، وكذلك لا يقوم الالتزام المقابل، لا لعدم مشروعية سببه بل لارتباطه بالتزام غير مشروع. ومن يتعهد بعدم ارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود لا يقوم التزامه لاستحالة المحل، إذ هو لا يستطيع إنشاء التزام قد وجد بحكم القانون قبل هذا الإنشاء، وكذلك لا يقوم الالتزام المقابل، لا لعدم مشروعية سببه بل لارتباطه بالتزام مستحيل. أما في العقود العينية والتبرعات فإن اشتراط مشروعية السبب غير مفهوم. فالسبب في العقود العينية هو التسليم كما تقول النظرية التقليدية، ولا يتصور أن يكون التسليم غير مشروع إذا وقع على محل غير مشروع، وعند ذلك لا ينعقد العقد لعدم مشروعية المحل لا لعدم مشروعية السبب . والسبب في التبرعات هو نية التبرع، وكيف يتصور أن تكون نية التبرع في ذاتها غير مشروعة! إن وجه الاستحالة في ذلك هو الذي يفسر أن بعض أنصار النظرية التقليدية، ومنهم: كابينتان ، يجنحون إلى اعتبار السبب في التبرعات هو الباعث الدافع إلى التبرع، بل إن القانون الروماني ذاته بعند بالباعث في الوصايا وبعض الهبات.
ويتبين مما قدمناه أن النظرية التقليدية في السبب نظرية عقيمة. وهي نظرية يمكن استبعادها دون أية خسارة تلحق القانون، إذ يسهل تخريج جميع النتائج التي يراد أن تترتب عليها وذلك بالرجوع إلى أساس قانوني آخر لا علاقة له بالسبب، وما النظرية التقليدية إلا أثر من آثار الصياغة الرومانية القديمة ، وقد زالت مقتضيات هذه الصياغة، فوجب أن تزول معها. ووجب في الوقت الذي تنبذ فيه النظرية التقليدية ألا تنبذ فكرة السبب في ذاتها، على أن تكون هي الفكرة الخصبة المنتجة التي تقوم على الباعث الدافع إلى التعاقد، وهي النظرية التي قال بها القضاء الفرنسي وننتقل الآن إليها.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|