المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05
إجراءات المعاينة
2024-11-05
آثار القرائن القضائية
2024-11-05

أنواع وأصناف التمور المأكولة
7-1-2018
كرامات القائم(عليه السلام)على يد سفرائه
3-08-2015
عدم الماء سوغ للتيمم
25-12-2015
الحصانة الدبلوماسيّة في الإسلام
15-02-2015
Local Minimum
21-9-2018
العلم
16-10-2014


تفسير الاية (86-89) من سورة الأسراء  
  
3320   07:03 مساءً   التاريخ: 23-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الإسراء /

 

قال تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوكَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا } [الإسراء: 86 - 89]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 قال سبحانه { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يعني القرآن ومعناه: أني أقدر أن آخذ ما أعطيتك كما منعت غيرك ولكني دبرتك بالرحمة لك فأعطيتك ما تحتاج إليه ومنعتك ما لا تحتاج إلى النص عليه وإن توهم قوم أنه مما تحتاج إليه فتدبر أنت بتدبير ربك وارض بما اختاره لك { ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} أي: ثم لو فعلنا ذلك لم تجد علينا وكيلا يستوفي ذلك منا وقيل: معناه ولو شئنا لمحونا هذا القرآن من صدرك وصدر أمتك حتى لا يوجد له أثر ثم لا تجد له حفيظا يحفظه عليك ويحفظ ذكره على قلبك عن الحسن وأبي مسلم والأصم قالوا وفي هذا دلالة على أن السؤال وقع عن القرآن { إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} معناه: لكن رحمة من الله ربك لك أعطاك ما أعطاك من العلوم ومنعك ما منعك منها وأثبت القرآن في قلبك وقلوب المؤمنين { إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ} فيما مضى وفيما يستقبل { عَلَيْكَ كَبِيرًا} عظيما إذ اختارك للنبوة وخصك بالقرآن فقابله بالشكر وقال ابن عباس: يريد حيث جعلك سيد ولد آدم وختم ربك النبيين وأعطاك المقام المحمود.

 ثم احتج سبحانه على المشركين بإعجاز القرآن فقال: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} معناه: قل يا محمد لهؤلاء الكفار لئن اجتمعت الإنس والجن متعاونين متعاضدين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته وبلاغته ونظمه على الوجوه التي هو عليها من كونه في الطبقة العليا من البلاغة والدرجة القصوى من حسن النظم وجودة المعاني وتهذيب العبارة والخلومن التناقض واللفظ المسخوط والمعنى الدخول على حد يشكل على السامعين ما بينهما من التفاوت لعجزوا عن ذلك ولم يأتوا بمثله.

 { وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} أي: معينا على ذلك مثل ما يتعاون الشعراء على بيت شعر فيقيمونه عن ابن عباس وفي هذا تكذيب للنضر بن الحارث حين قال لو نشاء لقلنا مثل هذا قال أبومسلم وفي هذا أيضا دلالة على أن السؤال بالروح وقع عن القرآن لأنه من تمام ما أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يجيئهم به { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} معناه: لقد بينا لهم في هذا القرآن من كل ما يحتاج إليه من الدلائل والأمثال والعبر والأحكام وما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم ليتفكروا فيها { فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} أي: جحودا للحق والمثل قد يكون الشيء بعينه وقد يكون صفة للشيء وقد يكون شبهة .

____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص289-290.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ولَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ } . قال الرازي : لما بين تعالى في الآية السابقة انه ما آتاهم من العلم إلا قليلا بين هنا انه لوشاء ان يأخذ منهم هذا القليل لقدر عليه ، وذلك بأن يمحوحفظه من القلوب ، وكتابته من الكتب { ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً } تعتمد عليه في رد ما أخذناه منك { إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} فهو وحده القادر على رد ما يأخذه منك وارجاعه إليك { إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } يا محمد بما أعطاك من العلم والسيادة على الناس أجمعين .

{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ والْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ولَوكانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } . تكلمنا عن ذلك مفصلا في ج 1 ص 66 عند تفسير الآية 23 من البقرة .

{ ولَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } فيما يعود إلى العقيدة والشريعة والأخلاق ، وأقمنا البراهين القاطعة ، والأدلة الواضحة } فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً } ونفورا من الحق لأنه مرّ وثقيل لا يصبر عليه إلا المتقون .

_____________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 82.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} الكلام متصل بما قبله فإن الآية السابقة وإن كانت متعرضة لأمر مطلق الروح وهو ذو مراتب مختلفة إلا أن الذي ينطبق عليه منه بحسب سياق الآيات السابقة المسوقة في أمر القرآن هو الروح السماوي النازل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الملقي إليه القرآن.

فالمعنى - والله أعلم - الروح النازل عليك الملقي بالقرآن إليك من أمرنا غير خارج من قدرتنا، وأقسم لئن شئنا لنذهبن بهذا الروح الذي هو كلمتنا الملقاة إليك ثم لا تجد أحدا يكون وكيلا به لك علينا يدافع عنك ويطالبنا به ويجبرنا على رد ما أذهبنا به.

وبذلك يظهر أولا: أن المراد بالذي أوحينا إليك الروح الإلهي الذي هي كلمة ملقاة من الله إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على حد قوله:{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}: الشورى: 54.

وثانيا: أن المراد بالوكيل للمطالبة والرد لما أذهبه الله دون الوكيل في حفظ القرآن وتلاوته على ما فسره بعض المفسرين وهو مبني على تفسير قوله:{ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} بالقرآن دون الروح النازل به كما قدمنا.

قوله تعالى:{ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} استثناء من محذوف يدل عليه السياق، والتقدير فما اختصصت بما اختصصت به ولا أعطيت ما أعطيت من نزول الروح وملازمته إياك إلا رحمة من ربك، ثم علله بقوله:{إن فضله كان عليك كبيرا} وهو وارد مورد الامتنان.

قوله تعالى:{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} الظهير هو المعين مأخوذ من الظهر كالرئيس من الرأس، وقوله:{بمثله} من وضع الظاهر موضع المضمر وضميره عائد إلى القرآن.

وفي الآية تحد ظاهر، وهي ظاهرة في أن التحدي بجميع ما للقرآن من صفات الكمال الراجعة إلى لفظه ومعناه لا بفصاحته وبلاغته وحدها فإن انضمام غير أهل اللسان إليهم لا ينفع في معارضة البلاغة شيئا وقد اعتنت الآية باجتماع الثقلين وإعانة بعضهم لبعض.

على أن الآية ظاهرة في دوام التحدي وقد انقرضت العرب العرباء أعلام الفصاحة والبلاغة اليوم فلا أثر منهم، والقرآن باق على إعجازه متحد بنفسه كما كان.

قوله تعالى:{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} تصريف الأمثال ردها وتكرارها وتحويلها من بيان إلى بيان ومن أسلوب إلى أسلوب، والمثل هو وصف المقصود بما يمثله ويقربه من ذهن السامع، و{من} في قوله:{من كل مثل} لابتداء الغاية، والمراد من كل مثل يوضح لهم سبيل الحق ويمهد لهم طريق الإيمان والشكر بقرينة قوله:{ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} والكلام مسوق للتوبيخ والملامة.

وفي قوله:{أكثر الناس} وضع الظاهر موضع المضمر والأصل أكثرهم ولعل الوجه فيه الإشارة إلى أن ذلك مقتضى كونهم ناسا كما مر في قوله:{وكان الإنسان كفورا}: الإسراء: 67.

والمعنى: وأقسم لقد كررنا للناس في هذا القرآن من كل مثل يوضح لهم الحق ويدعوهم إلى الإيمان بنا والشكر لنعمنا فأبى أكثر الناس إلا أن يكفروا ولا يشكروا.

______________

1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج13،ص162-164.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

ما عِندكَ هو مِن رحمته وبركته:

تحدثت الآيات السابقة عن القرآن، أمّا الآيتان اللتان نبحثهما الآن فهما أيضاً ينصبان في نفس الإِتجاه.

ففي البداية تقول الآية: { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}. وبعد ذلك: { ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} إِنّنا نحنُ الذين أعطيناك هذه العلوم حتى تكون قائداً وهادياً للناس، ونحن الذين إِذا شئنا استرجعناها مِنك، وليس لأحد أن يعترض على ذلك.

وعند ربط هذه الآيات بالآية السابقة التي كانت تقول: { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} فإِنّنا نعرف أنَّ الله إِذا شاء يأخذ حتى هذا العلم الذي أعطاه لرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم).

الآية التي بعدها جاءت لتستثني، فهي تبيّن أنّنا إِذا لم نأخذ ما أعطيناك، فليس ذلك سوى رحمة مِن عندنا، حيثُ يقول تعالى: {إِلاَّ رحمة مِن ربّك} وهذه الرحمة لأجل هدايتك وإِنقاذك، وكذلك لهداية وإِنقاذ العالم البشري، وهذه الرحمة ـ في الواقع ـ مُكمَّلة لرحمة الخلق.

إِنَّ الله الذي خلق البشر بمقتضى رحمته الخاصّة والعامّة، وألبسهم لباس الوجود الذي هو أفضل الألبسة، هو نفسهُ الذي بعث إِليهم قادة واعين معصومين وحريصين رؤوفين .. ذوي استقامة وقدرة لهداية الناس، لأنّ مِن مقتضيات رحمة الله أن لا تخلو الأرض مِن حجّة له عزَّوجلّ.

وفي نهاية الآية ولأجل تأكيد المعنى السابق جاء قوله تعالى: { إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا}.

إِنَّ وجود القابلية لهذا الفضل في قلبك الكبير بجهادك وعبادتك مِن جهة، وحاجة العباد إِلى مثل قيادتك مِن جهة أُخرى، جعلا فضل الله عليك كبيراً للغاية فقد فتح الله أمامك أبواب العلم، وأنبأك بأسرار هداية الإِنسان، وعصمك مِن الخطأ، حتى تكون أسوة وقدرة لجميع الناس إِلى نهاية هذا العالم.

كما أنّه ينبغي أن نشير إلى أنَّ الجملة الإِستثنائية الواردة هُنا ترتبط مع الآية السابقة، ومفهوم المستثنى والمستثنى منهُ هو هكذا: إِذا أردنا فإنّنا نستطيع أن نمنع عنك هذا الوحي الذي أرسلناه لك، إِلاَّ أنّنا لا نفعل، لأنَّ الرحمة الإِلهية شملتك وتشمل جميع الناس(2).

ومِن الواضح أنَّ هذا الإِستثناء لا يعني أنَّ الله يحجب في يوم مِن الأيّام رحمته عن نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو دليل على أنَّ الرّسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يملك شيئاً مِن عنده، فعلمه ووحيه السماوي هو مِن الله ومرتبط بمشيئته وإِرادته.

معجزة القرآن:

الآيات التي بين أيدينا تتحدث عن إِعجاز القرآن، ولأنَّ الآيات اللاحقة تتحدَّث عن حجج المشركين في مجال المعجزات، فإِنَّ الآية التي بين أيدينا ـ في الحقيقة ـ مقدمة للبحث القادم حول المعجزات.

إِنَّ أهم وأقوى دليل ومعجزة لرسول الإِسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) والتي هي معجزتهُ الدائمة على طول التأريخ، هو القرآن الكريم الذي بوجوده تبطل حجج المشركين.

بعض المفسّرين أراد أن يؤكّد إرتباط هذه الآية بالآيات السابقة من خلال مجهولية الروح وأسرارها وقياسها بمجهولية القرآن وأسراره. ولكن العلاقة التي أشرنا إِليها آنفاً تبدو أكثر مِن هذا الربط(3).

على أيةِ حال فإِنَّ الله يُخاطب رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويقول له: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}.

إِنَّ هذه الآية دعت ـ بصراحة ـ العالمين جميعهم، صغاراً وكباراً، عرباً وغير عرب، الإِنسان أو أي كائن عاقل آخر، العلماء والفلاسفة والأدباء والمؤرخين والنوابغ وغيرهم ... لقد دعتهم جميعاً لمواجهة القرآن، وتحدّيه الكبير لهم، وقالت لهم: إِذا كُنتم تظنون أنَّ هذا الكلام ليس مِن الخالق وأنّه مِن صنع الإِنسان، فأنتم أيضاً بشر، فأتوا إِذاً بمثله، وإِذا لم تستطيعوا ذلك بأجمعكم، فهذا العجز أفضل دليل على إِعجاز القرآن.

إِنَّ هذه الدّعوة للمقابلة والتي يصطلح عليها علماء العقائد بـ «التحدّي» هي أحد أركان المعجزة، وعندما يرد هذا التعبير في أي مكان، نفهم بوضوح أنَّ هذا الموضوع هو مِن المعجزات.

ونلاحظ في هذه الآية عدّة نقاط ملفته للنظر:

1 ـ عمومية دعوة التحدَّي والتي تشمل كل البشر والموجودات العاقلة الأُخرى.

2 ـ خلود دعوة التحدِّي واستمرارها، إِذ هي غير مقيَّدة بزمان، وعلى هذا الأساس فإِنَّ هذا التحدِّي اليوم جار مِثلما كان في أيّام النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وسيبقى كذلك في المستقبل.

3 ـ استخدام كلمة «إجتمعت» إِشارة لأشكال التعاون والتعاضد والتساند الفكري والعملي، الذي يُضاعف حتماً مِن نتائج أعمال الأفراد مئات، بل آلاف المّرات.

4 ـ إِنَّ تعبير { وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} تأكيد مجدَّد على قضية التعاون والتعاضد، وهي أيضاً إِشارة ضمنية إِلى قيمة هذا العمل وتأثيره على صعيد تحقق الأهداف وتنجُزَها.

5 ـ إِنَّ تعبير {بمثل هذا القرآن} دلالة على الشمول والعموم، وهو يعني (المثل) في جميع النواحي والأُمور، مِن حيث الفصاحة والبلاغة والمحتوى، وَمِن حيث تربية الإِنسان، والبحوث العلمية والقوانين الإِجتماعية، وعرض التأريخ، والتنبؤات الغيبية المرتبطة بالمستقبل .. إِلى آخر ما في القرآن مِن أُمور.

6 ـ إِنَّ دعوة جميع الناس للتحدّي دليل على أنَّ الإِعجاز لا ينحصر في ألفاظ القرآن وفصاحته وبلاغته وحسب، وإِلاَّ لو كانَ كذلك، لكانت دعوة غير العرب عديمة الفائدة.

7 ـ المعجزة تكون قوية عِندما يقوم صاحب المعجزة بإِثارة وتحدِّي أعدائه ومخالفيه، وبتعبيرنا تقول: يستفزهم، ثمّ تظهر عظمة الإِعجاز عِندما يظهر عجز أُولئك وفشلهم.

وفي الآية التي نبحثها يتجلى هذا الأمر واضحاً، فمن جانب دعت جميع الناس، ومِن جانب آخر تستفزهم بصراحة في قولها {لا يأتون بمثله} ثمّ تحرضهم وتدفعهم للتحدي بالقول { وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}.

وتتحرك الآية التي بعدها ـ في الواقع ـ توضيح لجانب مِن جوانب الإِعجاز القرآني، مُتمثلا في شموليته وإِحاطته بكل شيء، إِذ يقول تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}. ولكن بالرغم مِن ذلك: { فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}.

«صرَّفنا» مِن «تصريف» بمعنى التغيير أو التبديل.

أمّا «كفوراً» فتعني إِنكار الحق.

حقّاً إِنَّ التنوع الذي يتضمّنه القرآن الكريم تنوع عجيب، خاصّة وأنّه صدر مِن شخص لا يعرف القراءة والكتابة، ففي هذا الكتاب وردت الأدلة العقلية بجزئياتها الخاصّة حول قضايا العقائد، وذكرت ـ أيضاً ـ الأحكام المتعلقة بحاجات البشر في المجالات كافة. وتعرَّض القرآن ـ أيضاً ـ إِلى قضايا وأحداث تأريخية تُعتبر فريدة في نوعها ومثيرة في بابها، وخالية مِن الخرافات.

وتعرض إِلى البحوث الأخلاقية التي تؤثَّر في القلوب المستعدّة كتأثير المطر في الأرض الميتة.

القضايا العلمية ورد ذكرها في القرآن الكريم، إِذ ذُكرت بعض الحقائق التي لم تكن تُعرف في ذلك الزمان مِن قبل أي عالم.

والخلاصة: إِنَّ القرآن سلك كل واد وتناول في آياته أفضل النماذج.

وإِذا توجهنا إِلى حقيقة محدودية معلومات الإِنسان كائناً مَن كانَ (كما تشير إِلى ذلك أيضاً الآيات القرآنية) وأنَّ رسول الإِسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) قد ترعرع في بيئة محدودة في القضايا العلمية والمعرفية حتى أنّها لم تبلغ مِن معلومات ومعارف الإِنسان في زمانها إِلاَّ مبلغاً يكاد لا يُذكر ... وسط كل ذلك، ألا يُعتبر التنوع في القرآن في قضايا التوحيد والأخلاق والإِجتماع والسياسة والأُمور العسكرية وغيرها، دليلا على أنَّ هذا القرآن ليسَ مِن صُنع عقل بشري، بل مِن الخالق جلَّوعلا؟

ولهذا السبب إِذا اجتمعت الجن والإِنس على أن يأتوا بمثله فلا يستطيعون ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

لِنفترض أنَّ جميع العلماء والمتخصصين يجتمعون اليوم لتأليف دائرة معارف، ويُنظموها بأفضل ما لديهم مِن خبرات فنية ومعرفية، فإِنَّ النتيجة ستكون عملا يلقى صداه الحَسن في مجتمع اليوم، أمّا بعد خمسين عاماً فسيعتبر هذا العمل ناقصاً وقديماً.

أمّا القرآن ففي أي عصر وزمان يُقرأ، وخاصّة في زماننا الحاضر، فإِنّه يبدو كأنَّهُ نزل ليومنا هذا، ولا يوجد فيه أي أثر يدل على أنَّهُ قديم.

___________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص401-405.

2 ـ في الحقيقة إِنّ مفهوم الجملة هو هكذا: «ولكن لا نشاء أن نذهب بالذي أوحينا إِليك رحمةً مِن ربّك».

3 ـ يراجع في ظلال القرآن، ج 5، ص 358.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .